تعز العز

المتحدث باسم «البؤس»… والوقاحة

برع المتحدث العسكري باسم «عاصفة الحزم»، أحمد عسيري، في مراكمة الإخفاقات. لو كان يتّبع دليلاً إرشادياً بذلك، لما أدّى الدور بإتقان مثل ما هو فاعل واقعاً

قبل يومين، كان مستشار وزير الدفاع السعودي أحمد عسيري، على موعد مع حلقة جديدة من مسلسل «البؤس» الذي بات مادة دسِمة لنكات اليمنيين. لم يكد عسيري، الذي يزور لندن حالياً، يهمّ بالدخول إلى مقر انعقاد ندوة في العاصمة البريطانية، حتى باغتته مجموعة شبان معترضة طريقه، ومطلقة في وجهه شعارات منددة بالعدوان الذي تقوده بلاده على اليمن.

لم يسعف «البرستيج» الذي يتقنّع به عسيري منذ بدء العدوان، مُطلقاً الابتسامات في المؤتمرات الصحافية، ومنوّعاً لكنته ما بين العربية والفرنسية والإنكليزية، في معالجة الموقف. سرعان ما نضح الرجل بما فيه، معاجِلاً أحد معترضيه بلكمة على وجهه أدت إلى إصابته. وبعدما بادر محتج آخر برميه ببيضة على ظهره، أبى الناطق بلسان «تحالف إعادة الشرعية» إلا أن يكمل مشهد المصارعة الحية، رافعاً إصبعه الوسطى بإشارة سوقية بذيئة، أبعد ما تكون عن «الهدوء» و«الاتزان» اللذين وسمته بهما الوسائل الإعلامية الخليجية، وكذلك عن «اللباقة» التي يتكلفها عسيري في المقابلات التلفزيونية.

تكلّفٌ غالباً ما لا يفعل فعله لغياب أي عوامل حقيقية يمكن أن تفد لإنقاذه، حتى يغدو عسيري في معظم الأحيان مثيراً للشفقة أكثر منه للسخط أو للاستفزاز. منذ أول مؤتمراته الصحافية في 27 آذار 2015، بدا العميد الركن المولود في تهامة في محافظة عسير (تعمدت السعودية اختيار متحدث من تلك المنطقة، نظراً إلى ارتباط معظم أهلها بأصول يمنية) عاجزاً عن مواراة «الكذب» الذي تحمّله إياه قيادة العمليات.

يظهر عسيري الترهيب الفكري على الصحافيين كلما صادفته أسئلة صعبة

في الإيجاز المذكور، أي بعد 24 ساعة على بدء عمليات «عاصفة الحزم»، أعلن عسيري تدمير 98% من القوة الصاروخية اليمنية. وعندما سُئل بعد أيام عن سبب استمرار إطلاق صواريخ على الأراضي السعودية، أعرب عن اعتقاده بأن تلك الصواريخ هي من الـ2% الباقية. الاثنان بالمئة نفسها التي لا تزال «تَرشح» صواريخ باليستية على جدة والرياض وغيرهما، و«تسيل» دورياً كشوفاً جديدة، كان آخرها صاروخ من طراز «قاهر M2».

مفارقة تاريخية أخرى سقط في شباكها عسيري، في تشرين الثاني 2016، محققاً بها قمة إبداعاته، حينما قال إن «التحالف لا يحاصر اليمن»، موصّفاً ما يجري بأنه «منع ومراقبة للحؤول دون تهريب السلاح». رزوح أكثر من 60% من اليمنيين تحت نير الجوع بفعل انقطاع المساعدات، ومنعهم من الدخول والخروج إلا بعد تعرضهم للإذلال، ليسا بالنسبة إلى المتحدث السعودي سوى «انطباع خاطئ»!

هذه المفارقات ليست غريبة عن تاريخ المدير السابق لمكتب خالد بن سلطان. في 2009، عام الحرب السادسة ضد حركة «أنصار الله» في صعدة، تولى عسيري، الذي كان آنذاك ضمن السرب السادس من القوات الجوية الملكية، مهمة تعريف الصحافيين بمستجدات المواجهات، التي شارك فيها النظام السعودي، آنذاك، بالغارات الجوية وبالتسهيلات العملياتية (سمحت الرياض لقوات النظام السابق باستخدام جبل الدخان في جيزان لمهاجمة «أنصار الله»، ما دفع الأخيرة إلى اقتحام الجبل والسيطرة عليه). كان عسيري يعلن، في 8 تشرين الثاني 2009، «تطهير جبل الدخان»، ليتبين في خاتمة الحرب أن «أنصار الله» هي التي انسحبت من الجبل بعد توقف الأعمال القتالية.

كذلك، كان عسيري ينفي، كعادته، استهداف المدنيين، لتأتي وثائق «ويكيليكس» وتكشف أن الولايات المتحدة عمدت إلى تزويد السعودية بصور جوية للمواقع العسكرية، بعدما تبين لها استهداف الطيران السعودي مرافق مدنية كالمستشفيات. أيضاً، وفي نهاية المطاف، كان عسيري يعلن «الانتصار وإجبار الحوثيين على الخروج من الحدود»، ليظهر لاحقاً، وفق «ويكيليكس»، أن السعودية هي التي أوقفت القتال بعدما أبدى الملك عبد الله تذمره من طول المعركة وازدياد الخسائر أمام مقاتلين غير نظاميين، ولم تأتِ إقالة نائب وزير الدفاع يومذاك، خالد بن سلطان، الذي تولى قبلها إدارة العمليات، إلا دليلاً على استشعار النظام السعودي الفشل والحرج.

هذا المشهد لم يتبدل كثيراً في الحرب الدائرة راهناً منذ عامين. طوال ما يقارب 26 يوماً (ما بين إعلان بدء «عاصفة الحزم» وإعلان انتهائها)، تكبد عسيري بنحو شبه يومي عناء الظهور في إيجاز صحافي لإجمال جديد العمليات، والرد على أسئلة الصحافيين التي كانت تزداد صعوبة، مع اتساع الهوة بين ما يعلنه القائد السابق لطابور العرض العسكري، وما يدور على أرض الواقع، إلى أن قررت السعودية في 21 نيسان 2015 إنهاء عمليات «عاصفة الحزم»، والبدء بعمليات «إعادة الأمل»، معفِيةً عسيري من مشقة الظهور يومياً، وتكرار كلام مجترّ لم يعد يقنع أحداً.

لكن المهمة لم تنتهِ. سرعان ما أضحى عسيري هدفاً لوسائل الإعلام، وخصوصاً الأجنبية، طلباً لإجراء مقابلات تصاعد الطلب عليها مع تزايد انتقادات المنظمات الدولية للسعودية، على خلفية ارتكابها «جرائم حرب» في اليمن. لم يجد المتخرج من كلية سان سير الفرنسية، إزاء ذلك، إلا اتباع «الدفاع بالهجوم»، في استراتيجية التفافية جدلية إفحامية، وصّفتها وسائل الإعلام الخليجية بأنها «براعة في إدارة المواقف عندما تصادفه الأسئلة المحرجة التي يطرحها الصحافيون». بلغ الأمر بعسيري حد التهجم على الإعلاميين غير مرة، واتهامهم بـ«مخالفة القواعد المهنية»، وحثهم على التزامها.

في مقابلة، قبل أربعة أشهر (تشرين الثاني 2016)، مع كريستيان آمانبور، وهي كبيرة مراسلي «CNN» للشؤون الدولية، بُهت عسيري بعرض المحاوِرة عليه صورة لفتاة من محافظة الحديدة ظهرت عليها آثار المجاعة واشتُهرت حالتها على مستوى الإعلام العالمي. ولما بادرته آمنبور بالسؤال، سارع عسيري إلى إخراج «قميص تعز»، مؤكداً أن هذه الصورة التُقطت هناك، في رد لا ينمّ عن جهل المحاوَر، بقدر ما يجلي إرادته في التضليل والتمويه، الخاليَين من أي سمات حنكة أو «كذب» قابل للتصديق.

قبل تلك المقابلة بثلاثة أشهر، ظهر مترجم حرب الخليج الثانية عام 1991 للفرنسية على قناة «BBC – عربي» معلّقاً على استهداف طيران تحالف العدوان مدرسة في محافظة صعدة. زعم عسيري آنذاك أن الغارة أصابت مركزاً لتجنيد الأطفال في المحافظة. وبعدما حاججته المحاوِرة بأنَّ الأطفال يبقون أطفالاً حتى لو سلّمنا بأنهم أُخضعوا للتجنيد، جسَر المتحدث باسم التحالف السعودي على رمي المذيعة بتحريف نصوص الأمم المتحدة، قبل أن ينتحل دورها ويشرع في توجيه أسئلة إليها من قبيل: «كيف وصلتِ إلى هذه القناعة؟ هل لديك دراسات؟».

موقف «فلكي» سبق للعميد الحائز درجة الماجستير في دراسات الدفاع الوطني من فرنسا أن جلا نظيره في اتصال مع قناة «France 24»، تعقيباً على استهداف طيران التحالف سوقاً شعبية في مديرية مستباء في محافظة حجة، ما أدى إلى وقوع أكثر من 100 قتيل. رفض عسيري، آنذاك، الشروع في مداخلته قبل محاضرة المذيعة ومن ورائها القناة في كيفية انتقاء المصطلحات التي لا تسهم في «التوجيه المغلوط» للرأي العام. اعترض مستشار وزير الدفاع السعودي على استعمال «France 24» تعبير «المجزرة» في توصيفها الحادث، معتبراً ذلك حكماً مسبقاً، ومنبهاً القناة إلى أنها لا تملك وسيلة تحقيق. اعتراض يظهّر بوضوح الترهيب الفكري والعنف الرمزي اللذين يمارسهما عسيري، كلما صادفته أسئلة مغايرة لما تطرحه نجوى قاسم على «العربية» من ممالأة مزوقة بالفرنسية.

يوم أمس، أعاد عسيري إيقاع نفسه في الدوامة. ففي حديث إلى صحيفة «الشرق الأوسط»، أكد أن «عودة الحديدة ومينائها إلى الشرعية مسألة وقت»، وهو تقدير لا يبدو أنه سيكون أكثر واقعية من تقديرات سابقة بالسيطرة على المخا وإسقاط تعز و«تحرير» صنعاء و«تطهير» صعدة. قد ينخدع المتحدث باسم «عاصفة الحزم» بما يسوقه له المتحدث باسم القوات المشتركة في عاصفة الصحراء عام 1990، العميد أحمد الربيعان، من مميزات من قبيل الفطنة والذكاء والاحتراف والاستحقاق (مقابلة مع «سبق» السعودية في 5 أبريل 2015)، لكن يجدر بالقائد السابق لجناحَي التكتيك والصواريخ في معهد قوات الدفاع الجوي أن يتنبه، وهو الحائز شهادة في التاريخ من جامعة السوربون، ومن ورائه رؤساؤه، إلى أنه كلما طالت الحرب، أرّخت لمزيد من الإخفاقات السياسية والإعلامية التي ستطبع اسمَي عسيري ومستشيره (محمد بن سلمان)، إلى أن ينفد مخزون اليمنيين من السلاح… والفكاهة.

مرّة، سئل عسيري: «ذلحين (الآن) صحن الجن (منطقة) معكم أو لا؟ قال: الصحن معنا والجن مع الحوثيين»! ــ نكتة يمنية.

تقرير | دعاء سويدان

المصدر | جريدة الأخبار
#تعز_كلنا_الجيش_واللجان_الشعبية
#جرائم_داعش_في_تعز