تعز العز

ماذا تقول الإحصائيات عن حرب ترامب التجارية مع الصين؟!

 مغامرة مجهولة النتائج يقودها الرئيس الأمريكي معلناً من خلالها بداية الحرب التجارية مع التنين الصيني، بدأت شرارتها مع مطلع العام الحالي عندما فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسوماً جمركية بقيمة 50 مليار دولار على البضائع الصينية، فيما قالت الصين أن تنفيذها سيكون أكبر “حرب تجارية” في التاريخ الاقتصادي.

ومن هنا بدأت الأمور تأخذ منحىً سلبياً في سير العلاقات بين القوتين العظمتين من بوابة التجارة ولا أحد يعلم إلى أين يمكن أن تمتد طالما أن ترامب ماضٍ في سياسته العقابية تجاه الدول دون التفرقة بين كبير وصغير، ومن سوء حظ ترامب أنه يخلق خطوطاً مشتركة بين الدول التي يهاجمها ويساهم في اتحادها وتعميق العلاقات فيما بينها والأمثلة كثيرة في هذا الخصوص منها روسيا والصين وإيران وحتى أوروبا التي عليها أن تعتمد على نفسها في ظل تعالي ترامب في تعاملاته معها ونفورها من سياسته الاستفزازية، وإذا بحثت عن المتضرر من كل ما يحدث ستجد أن الشعب الأمريكي يأتي في المقدمة.

أرقام وحقائق

في 6 يوليو 2018 بدأت الحرب التجارية مع بكين، بفرض أمريكا رسوماً جمركية على بضائع للصين تبلغ قيمتها 34 دولاراً، تلاها تحركات صينية بفرض رسوم جمركية على 545 منتجاً أمريكياً تبلغ قيمتها هي الأخرى 34 مليار دولار.

جميع الأرقام الاقتصادية وحجم التبادلات ومتطلبات السوق والعرض والطلب تشير إلى أن أمريكا هي الخاسر الأكبر في هذه المعركة، نظراً لحجم الديون الأمريكية للصين وأيضاً تفوّق الصين في التبادل التجاري بين البلدين وكذلك اتخاذ سياسة المعاملة بالمثل من قبل الصين في وضع التعريفات الجمركية.

وعندما ننظر إلى التبادلات التجارية بين واشنطن وبكين، سنجد أن حرب رجل الأعمال الأمريكي دونالد ترامب على الصين ليست عقلانية، وهناك وحشية واضحة في السلوك الاقتصادي للرئيس ترامب، ومع ذلك عندما تقارن أرقام الميزان التجاري لكلا البلدين، سنجد أن الميزان التجاري بين الصين وأمريكا يميل لمصلحة بكين التي تجاوز فائضها التجاري 375 مليار دولار في تبادلاتها مع واشنطن عام 2017 علماً بأن حجم التبادل التجاري بين البلدين تجاوز ستمئة مليار دولار عام 2016.

وصلت صادرات أمريكا إلى الصين عام 2017 إلى 116.2 مليار دولار، بينما وصلت صادرات الصين إلى أمريكا إلى نحو 505.5 مليار دولار في العام نفسه، كما وصلت الاستثمارات المباشرة بين الصين وأمريكا عام 2017 إلى ستين مليار دولار، يشار إلى أن حصة الاستثمارات الصينية في أمريكا بلغت نحو 46 مليار دولار، في حين لم تتجاوز قيمة الاستثمارات الأمريكية في الصين 14 مليار دولار.

ويعود العجز التجاري بين البلدين إلى ارتفاع الواردات الصينية بوتيرة أسرع من الصادرات الأمريكية إلى الصين، وهذا يقودنا إلى القول بأن الصين في قمة ميزانها التجاري مع أمريكا، وسيكون لها اليد العليا في هذه الحرب الاقتصادية.

الشركات الأمريكية لن تغفر لترامب

أمريكا ليست كل العالم هذا ما تريد أن توصله بكين لإدارة الرئيس ترامب، والخطوات التي اتخذتها في ردّها على سلسلة العقوبات التي أجراها ترامب بحقها توضّح هذه الآلية من التفكير فقد ردّت بكين بالمثل دون أن تخشى من شيء عكس أوروبا، فعندما أعلنت واشنطن مطلع العام الحالي عن قائمة من 1300 سلعة صينية تستورد منها أمريكا سنوياً “ما قيمته 50 مليار دولار تقريباً”، وعزمها فرض رسوم جمركية إضافية عليها بنحو 25%، لتردّ بكين في اليوم الثاني بنشر قائمة بـ106 سلع أمريكية تستورد منها الصين سنوياً أيضاً “ما قيمته 50 مليار دولار”، ستفرض رسوماً جمركية عليها بنحو 25% أيضاً.

والأمر لا يتوقف عند هذا الحدّ، فالصين لديها خيارات كثيرة تمكّنها من الاستدارة نحو الأمريكي في أي لحظة، فهناك السوق الأوروبي والآسيوي، ولعلّ اندماج الدول الأوروبية في مشروع طريق الحرير أو مبادرة الحزام والطريق سيترك أمريكا وحيدة خصوصاً أن تلك الدول مؤسسة في بنك الاستثمار الآسيوي في البنية التحتية، ولن تستطيع واشنطن أن تتجاهل تأثير القرار على الشركات الأمريكية، فبحسب “سي إن إن موني” هناك شركات أمريكية كبرى مثل “آبل” و”بوينج” و”إنتل” وغيرها قد تعاني كثيراً إذا قررت الصين توسيع نطاق إجراءاتها العقابية، وفي الوقت الحالي لا يزال خطاب ترامب يحافظ على إمكانية نشأة حرب تجارية شاملة تؤجج مخاوف العديد من الرؤساء التنفيذيين الأمريكيين بمن فيهم أولئك الذين اعتقدوا أن لديهم صديقاً في البيت الأبيض.

النفط

تحاول واشنطن الضغط على الصين مجدداً من بوابة النفط لكن الحلول موجودة طالما أن هناك دولاً أهم من أمريكا في تصدير النفط، فعلى سبيل المثال ألمحت السعودية وروسيا أنهما ستخففان القيود على الإمدادات وأنهما شرعتا في زيادة الصادرات، وربما يفيد الخفض في مشتريات الصين من النفط الأمريكي مبيعات إيران، التي تحاول واشنطن كبحها بعقوبات جديدة أعلنتها في مايو /أيار، وقال جون دريسكول مدير جيه.تي.دي الاستشارية لخدمات الطاقة “ربما يستبدل الصينيون بعضاً من النفط الأمريكي بالخام الإيراني”، وتابع “الصين لا يرهبها التهديد بعقوبات أمريكية فهي لم ترهبها التهديدات في الماضي، لذا، فإنها في هذا الخلاف الدبلوماسي ربما تستبدل الخام الأمريكي بنفط إيراني، وهذا سيثير بشكل واضح حنق ترامب”.