تعز العز

مصرع إمبراطورية الحيتان الزرق

خلال نحو 4 أعوام، وعبر سلسلة من ذروات الرد والردع التصاعدية، استطاع العقل اليمني العسكري للقيادة الثورية في صنعاء، فرض معادلة من توازن الرعب لا يمكن للعالم المنافق والمتواطئ مع الجلاد الأمريكي على لحمنا ودمنا، أن يقفز فوقها أو يشيح عنها غير آبه دون أن تقع مصالحه الاستراتيجية في بؤرة حريقها.
أنف “نيكي هيلي” في اجتماع مجلس الأمن بشأن اليمن، الخميس الفائت، بدا قميئاً ومنكسراً خلافاً للعادة، وبصرف النظر عن لزوميات الغطرسة الأمريكية التي زخرت بها كلمتها التعقيبية على تقرير المبعوث الأممي “غريفيتث”، فإن “هيلي” طارت بعلو خفيض للغاية في تعليقها على متغيرات ملف الحرب على اليمن، وهو ما يؤكد اكتواء واشنطن بنار الردع اليمني على نحو غير مسبوق، يجعلها أنضج من ذي قبل لمهادنة اللهب عوضاً عن صب المزيد من زيت التمادي عليه.
تدرك “واشنطن” ومعها “لندن وتل أبيب”، أن عملية “صماد3” الجوية المسيَّرة ليست مجرد نقلة نوعية طائلة في جغرافيا الاشتباك، قوامها “3500 كيلومتر” فحسب؛ فأخطر وأفدح من ذلك أنها نقلة صادمة في موازين وأوزان الوجود المقتدر والندِّية المجترئة لجهة الحركات والتوجهات الشعبية الثورية المناهضة لأمريكا كرأس للهيمنة الغربية الاستعمارية في الشرق الأوسط.
“صماد3” لم تضرب مصفاة نفطية سعودية ومطاراً دولياً حيوياً إماراتياً، وإنما قوَّضت أحادية النفوذ الكوني القطبي بضربة جوية فذة في عمق العرين الوجودي الجيوسياسي للولايات المتحدة الآخذة في قبضتها بكل أزِمَّةِ الكون حصراً، والتي يعد خليج البترودولار أبرز مظاهر نفوذها المطلق، وحقل قيمتها المعاصرة الحساس ورافعة وجودها الامبراطوري الرئيسة وقُدس أقداس هيمنتها الامبريالية بطوريها الجزئي والكلي إبان “الحرب الباردة” وبعد وراثة عموم العالم.
لقد أنشبنا وبقسوة مخرزاً قاتلاً في عين البعبع الأمريكي كما لم يفعل أحد من قبل ولا حتى الاتحاد السوفياتي ذاته، وهو الذي كان مثقلاً بالمحاذير حد مطالبة الزعيم القومي “جمال عبدالناصر” بكفارة فورية عن زلة “تلويح القاهرة بضرب العاصمة السعودية الرياض” إبان ما تسمى “حرب اليمن” في ستينيات القرن الفائت.
وحدنا شعب يمن 21 أيلول توافرت لدينا الجرأة والجنون على أن ننشب مخرز الردع في عين البعبع الأمريكي مباشرة، ولم نغرق في فخ ملاعبة أذيال البعبع كما قدرت لنا “واشنطن” أن نفعل..
الكثيرون “من شعبة النفاق والحياد” صعقوا لهول الضربة، ولم يسعفهم قاموس هوانهم النفسي في التعليق عليها بغير القول “إنها لا تنم عن ذكاء حوثي..!”.. كما لو أننا كنا قبل “صماد3” على وشك ولوج قائمة “فوريس” لـ”المراكز العشرة الأولى في العالم” أو تحقيق صدارة رقمية في الذكاء ضمن موسوعة “غينيس”، فأفسدنا بـ”رحلة أبوظبي المسيَّرة” كل ممكنات الفوز بحظوة عالمية وتصنيف كوني فارق!
أجل نحن أغبياء وحمقى وكنا كذلك من قبل ومن بعد “توشكا صافر وبركان الرياض وقاصف أبها وصماد أرامكو وأبوظبي..”.. أغبياء وحمقى منذ اللحظة التي وقفنا فيها مدافعين عن حريتنا واستقلالنا وكرامتنا وسيادتنا وشرفنا في مواجهة كل جبروت العالم، ولم نخلع رؤوسنا طائعين لنتودد بها شبق ترسانة التعبيد الكونية بذريعة قلة الحيلة المادية؛ بل أعطبنا جنازيرها بأعقاب “الجرامل”، وأضرمنا النار في مفاصلها الفولاذية بالولاعات.
أغبياء وحمقى كنا، لكن من ذلك الصنف الذي يسحل أمريكا اليوم بتلابيبها ليهوي بها من “علياء المطلق” إلى “درك النسبي”، ومن يقين التفوق الكامل إلى واقع الاحتيال على مآزقها بالنقائص، كالرضوخ لمبدأ “الحل السياسي” لمواربة عجزها المهين عن محو المتغير الثوري اليمني عسكرياً، وتجيير تنامي الردع الصاروخي والجوي لليمن لجهة “إيران”، تعويماً لحقيقة انفراط عقدها في الشرق الأوسط “والعالم بالنتيجة”، وتمويهاً على ضمور ذراعها الطائلة بحيث لا تقوى في الحد الأقصى على الذهاب إلى حرب مباشرة مع ما تسميه “الخطر الإيراني”، ولا ضمان أمن وكلائها في الخليج عبر حرب عدوانية تشنها فعلياً منذ 4 أعوام للقضاء على تهديدات يمنية كانت محتملة بالأمس، وباتت حقيقة مؤكدة اليوم.
أجل نحن الأغبياء والحمقى الذين مرغوا أنوف الأسلحة الذكية في وحل الخيبات بالصوت والصورة، مثبتين أنها لا تبرع سوى في الغيلة والغدر وافتراس أشلاء التلاميذ والعمال والصيادين والفلاحين والمرافق المدنية ومزارع الدواجن..
ونحن المحاربون البدائيون الجبليون بسيطو الخبرة والعتاد الذين يجهزون على البوارج والسفن الحربية في عرض البحر، ويشقون عبابه بعصا موسى، مباغتين العدو في مرافئه ومراسيه وغرف عملياته، قادمين كالأعاصير من ظلمات الماء وزرقة أمواجه..
وكان البحر خاصرة اليمن الرخوة على مدى عقود زمن الوصاية، فبات صرحاً ممرداً من قوارير الحكمة وبلاط جلالة ممهداً معبَّداً ذلولاً ليمن 21 أيلول، وانحسرت أسطورة أمريكا كامبراطورية للحيتان الزرق عرشها على الماء وقوامها شعب المارينز الذي يقطن منذ بدء الخلق أعالي البحار وأعماقها، وله تؤول ملكيتها حصراً وبلا منازع، ففي “السماء الله وعلى الأرض الأمريكان..”!
الصفعات اليوم تطاول الوجه الأمريكي لا القناع الخليجي، وتفت في القبضات الصهيونية لا القفازات المحلية والعربية، بما يجعل “الكيان الصهيوني” يقر بأن أمن “باب المندب” أمن قومي إسرائيلي يخوض مهمة الدفاع عنه تحت ستار “تحالف عربي” انحسر فاضحاً اليوم عن ملامحه القبيحة بفعل جدارة الصمود والضربات اليمانية البرية بالعموم والبحرية على وجه التحديد.
تمزقت الأقنعة والقفازات إذن، ومحاولات ترقيعها أممياً وتسويقها كطرف في مفاوضات قادمة ليس إلا محاولة أخيرة لاستنقاذ الوجه الأمريكي والقبضة الصهيونية عبثاً أمام تنامي ذروات الرد والردع اليمني الذاهب صوب الحسم لجهة وجود يمني عربي إسلامي إنساني مقتدر يطوي زمن امبراطورية شر لا تطويها حفلات الحوار التنكري برعاية أكذوبة العصر “الأمم المتحدة”!

✍🏻صلاح الدكاك

 

 

#بدمائنا_نصون_أعراضنا

 

أشترك على قناة أخبار تعز للتلغرام وكن أول من يعلم الخبر فور حدوثه انقر هنا