تعز العز

التحالف السعودي-الإسرائيلي خدمةٌ للمشروع الصهيوني

 

لا ننكرُ أن الحركةَ الصهيونيةَ شبّكت جيداً مع العديد من الأنظمة الرسمية العربية المؤثرة على وجه الخصوص، وفي المقدمة نظام العميل الإنجليزي رئيس وزراء العراق الأسبق نوري السعيد، الذي كلف بالضغط على الفلسطينيين لإنهاء إضرابهم الشامل عام 1936 بقوله لهم “أوقفوا إضرابكم؛ لأن صديقتنا العظمى بريطانيا وعدت بحل المشكلة”، وها هي سبعون عَاماً تمر ولم نر حلاً.

ونستطيع القول إن التشبيكَ الصهيونيَّ –السعودي بدأ منذ عهد الملك عَبدالعزيز الذي وقّع للمندوب البريطاني في الخليج، السير بيرسي كوكس، على التنازُل الكامل عن القدس وفلسطين لليهود المساكين عام 1915، وجاء بعده الملك فيصل ليؤكدَ ويباركَ هذا التنازل خلال لقائه مع نائب رئيس الحركة الصهيونية د. حاييم وايزمان في لقائهما المعروف باسم “فيصل-وايزمن” عام 1919.

لهذا السبب كانت السعودية ركناً مهمًّا في الموضوع الفلسطيني؛ ولذلك تضمن جيش الإنقاذ العربي -الذي أنيطت به مهمة تسهيل إقامة الكيان الصهيوني والضغط على الفلسطينيين للرحيل بالتنسيق مع الصهاينة بطبيعة الحال- تضمن قوة سعودية، لكن هذه القوة لم تقم بتحميل لاجئين فلسطينيين في شاحناتها إلى السعودية، كما فعلت بقية القوات العربية الأُخْـرَى، حيث قالوا للفلسطينيين بأن وجودهم يعيق عمليات التحرير وأن عليهم أن يتحملوا أسبوعاً أَوْ أسبوعين ريثما تحرر الجيوش العربية فلسطين.

ظهرت السعوديةُ على الخط الفلسطيني بعد انطلاقة فتح عام 1965 وتوسطت لتقديم شيك مالي وحددت موعداً آخر لشيك ثانٍ، لكنها لم تتصل بالقيادة الفلسطينية لاستلام الشيك، كما أن القيادة الفلسطينية لم تتصل بالرياض هي الأُخْـرَى، وبعد فترة حصلت القيادة الفلسطينية على الشيك ووقعت تحت الضغط السعودي، وقامت القيادة السعودية بعد ذلك بالتدخّل في الشأن الفلسطيني من خلال إيهام القيادة الفلسطينية بأنها قادرة على الضغط على واشنطن لإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967.

إنكشف الموقفُ السعودي على حقيقته التآمرية عام 1982 باستدعاء الملك فهد للزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وإبلاغه بضرورة إسقاط “فتح لاند” في جنوب لبنان من حساباته وطولها 40 كيلومتراً، لصالح الجيش الإسرائيلي، وعندما أبدى عرفات اعتراضَه، أبلغه الملكُ فهد أن الأمريكيين والإسرائيليين طلبوا منه إيصال الرسالة وليس مناقشة مضمونها.

أدرك عرفات حقيقةَ الموقف وأراد تكبيدَ الجيش الصهيوني خسائرَ فادحةً نظيرَ ذلك، وقام بزيارة العديد من العواصم العربية لطلب أسلحة استراتيجية ووعده القذافي بذلك، لكنه لم يفِ بوعده، عندما تم الاجتياحُ الشاروني للجنوب وحصاره لبيروت، بدأت الضغوطات السعودية على عرفات بوقف إطلاق النار والانسحاب من بيروت، وأن الأمريكيين جاهزون لترحيل القوات الفلسطينية إلى الخارج.

كان عرفات يراوغ ويطلب من فريقه الرد على المكالمات السعودية وإبلاغهم بأن الاتصالَ معه مفقود، إلى أن زاره وفد يمثل سنّة بيروت وأبلغوه رسالة مفادها أن بيروت ليست مدينة فلسطينية بل عاصمة لبنان وأن عليه الرحيل عنها، وعند ذلك دمعت عينا عرفات، وطلب من فريقه طلب الملك فهد، وقال له أنه جاهز للرحيل وأن عليه إبلاغ الأمريكيين بذلك، وتم الرحيل بناء على وعود سعودية بدولة فلسطينية؛ ولذلك قال عرفات لأحد الصحفيين في ميناء بيروت عندما سأله عن وجهته بأنه ذاهب إلى فلسطين.

عند ذلك ظهرت السعوديةُ عاريةً حتى من ورقة التوت، وأعلن الملك فهد مبادرته “السلمية “وفرضها على قمة فاس العربية، وكرست السعودية مؤامرتها على القضية الفلسطينية بإجبار مؤتمر داكار الإسْلَامي منتصف ثمانينيات القرن المنصرم على إلغاء فريضة الجهاد، ولم تجد من يعارضها فعلياً؛ لأنها كانت تفرض مؤامراتِها بالرشا، وكانت السعودية في تلك الأثناء قد ورّطت العراق في حرب مع إيران لإشغال الرأي العام العربي عن تحركاتها المريبة، وقامت أَيْضاً بتوريط الكويت مع العراق وجرى ما جرى، وتخلصت من الرهبة العراقية، وضغطت على الكويت التي كانت تحقد عليها لتطورها، وتكرر الحال مع قطر الناهضة أَيْضاً.

عندَ تولي الملك عبدالله مقاليدَ الأمور في السعودية أعلن مبادرته الخَاصَّة به أَيْضاً وأسموها “مبادرة السلام العربية”، وتقضي بجلب دول منظمة التعاون الإسْلَامي وعددها 57 دولة للتطبيع الشامل مع الكيان الصهيوني، وفرضها على قمة بيروت العربية عام 2002، لكن الرئيس اللبناني المقاوم آنذاك السيد إميل لحود تحفظ عليها؛ لأنها تشطب حق العودة للاجئين الفلسطينيين.

بعد ذلك فاحت الرائحة النتنة وخرج علينا عميل من النوع الثقيل الذي لا يستطيع أحد الوقوف بوجهها نظرا لحاجة الجميع إليه مادياً، وإن كانت المساعدات السعودية للعرب والمسلمين لا تساوي شيئاً مقابل ما لهفه منهم الرئيس الأمريكي ترامب مؤخراً، إذ منحوه نحو نصف تريليون دولا عدا ونقدا،