تعز العز

عظمة الصمّاد ومشروع بناء الدولة

بصفتي رجلَ قانون ولي علاقة بفكرة الدولة وشروط بنائها، فقد أكونُ أَكْثَـرَ من غيري مَن تابع سيرورة المشروع الذي تبناه القائد الصماد وأدرك حجم وعظمة هذا المشروع، ولهذا فأنا على ثقة أن عظمة هذا القائد الاستثنائي تبدو من هذه الزاوية أَكْثَـر وضوحاً؛ لأنَّي على يقين أن من يتصدى لتبني مثل هذا المشروع لا بُـدَّ أن يكون حاملاً لصفات استثنائية من زاوية ما يؤمنُ به من قيم وما يدخره من أفكار وتصوّرات ذهنية واسعة وناضجة وما يستشعره من معانيَ لها علاقة بكل المفردات الإنْسَـانية التي قلما تتوافر مجتمعةً في شخص واحد.

صحيحٌ أنَّ هذا هو مشروع المسيرة القُــرْآنية التي خط محدّداته السيد حسين بدر الدين ويعمل أنصار الله على ترجمته على أرض الواقع إلّا أن هذا القائد بالصفات التي تميز بها كان هو الأجدر بالاضطلاع بهذه المهمة، ويمكنُني أن ألخصَ محتوى هذا المشروع واهدافَه النهائيةَ في تكريس قيم العدل والمساواة وقيم المحبَّة والشراكة والاستفادة المثلى لمواردنا وكوادرنا والتخلص من المسلكيات الخاطئة المكرّسة لقيم الفوضى واستساغة الفساد المالي والإداري.

لهذا من عظمة هذا الرجل أنه مع إدْرَاكه لما تُمثّـله تلك الاهدافُ من أهميّةٍ كان يدرك في نفس الوقت أن الطريقَ الوحيدَ لتجسيدها على أرض الواقع هو بناء الدولة “كمؤسّسة”، والتي تعني الفصل بين السلطة والأَشْخَـاص الذين يُمثّـلونها، وبمعنى آخر الدولة كفكرة متسامية ومتحررة من كُـلّ ارتباط بالإرادات الفردية للأَشْخَـاص الدولة المؤطرة قدراتها بواسطة فكرة الحق الذي يعطيها شرعيتها والتي تُمَـثّـله أدبيات مشروع المسيرة القُــرْآنية الدولة التي تباشرُ وظائفها من نظام محكم من القواعد والتنظيمات القانونية والإدارية وتركها هي التي تعيّن ما هو عادل وتحدّد الحقوق والواجبات وطرائق المبادلات….. إلخ بدلاً عن الاعتماد على الاجتهادات والمبادرات الشخصية الاستنسابية والتي مهما كان مبعثها لا يمكن أن تقود إلّا إلى الفوضى وتفتح مجالاً للأهواء الإنْسَـانية والتصورات الفردية لمعنى الحق والعدل.

ولهذا كان يرى أهميّةَ تفعيل مؤسّسات الدولة القائمة مهما كان ما يعتريها من مواطَن الخلل وما يرافق عملها من سلبيات؛ لأنَّه بالقطع كان على وعي أنه في كُـلّ الأحوال لن تكون تلك السلبيات أشدَّ ضرراً من سلبيات العمل وفق الاجتهادات الشخصية الكيفية.

ولقد لمسنا ذلك في أَكْثَـرَ من موقف فمثلاً بينما كنا نحن الأكاديميين نُبدي قلقنا من الفوضى والمبادرات الاستنسابية التي كانت تدار بها الجامعاتُ تحت دعوى إصلاح أوضاعها، ولكن سَرعانَ ما فاجأنا هذا الرجل العظيم بالشعار الذي رفعه والمبادرة التي تبنّاها بخُصُـوص موضوع احترام حكم القانون والنزاهة، وقد كان مما فعله التقاؤه بقيادات الجامعات وفرض العُودة إلى التعامُل مع قضايا الجامعات عبر مؤسّسة التعليم العالي وعبرَ الآليات الرسمية بعيداً عما تم إنشاؤه من مسميات مع التأكيد على احترام أنظمة وقوانين الجامعات والمحافظة على استقلاليتها ومثل هذا كان موقفه بالنسبة لجميع مؤسّسات الدولة وهو أمرٌ ليس خافياً على أحد.

ومن عظمة هذا القائد أنه فطِنَ لما يمثّله الظرف الذي تعيشه بلادنا من أهميّة كبيرة في تسهيل تحقيق مشروعه في بناء الدولة، لقد فطن بصفاء ذهنه أن الأُمَّـة تمر في هذه المرحلة بأفضل حالتها وتماسكها وتطور الحس الوطني لديها، وهذا ما يُمثّـل الشرطَ الرئيسَ لبناء دولة المؤسّسات؛ لأنَّه عندما يتأكد الحس الوطني عند افراد المجتمع تطرأ الحاجة للتعبير بشكل موضوعي ومعقلن عن الشراكة في الرؤية والتطلعات وردود الفعل وتقوى الحاجة للتضامن من أجل تحقيق اهداف المجتمع ورسم معالم المستقبل، ومن المؤكد أن دولة المؤسّسات هي التي ترمز إلى هذا التلاحم وهي التي تجعله مؤثراً.

وفي الأخير، ورغم أن معرفتي الشخصية بهذا القائد كانت محدودة جداً، فيما عدا بعض اللقاءات التي كان الهدف منها المشاركة في تقديم وتصميم بعض الأعمال القانونية إلّا أنها مكنتني من أن أقف على حقيقة شخصيته كقائد وإدْرَاكِ مستوى ما يمتلكه من مكنات عقلية وإدْرَاكات عميقةٍ للتعامل مع قضايا الوطن في ضوء المفاهيم المعاصرة والآليات القانونية.

فما أذهلني أنه كان يمثِّلُ استثناءً في مَن شاركتهم بعمل مثل هذا، لقد تركنا -نحن المختصين- أن نُبديَ رأيَنا القانوني المجرد، ثم دخل معنا في نقاش أظهر من خلاله إدْرَاكاً عميقاً لأسس بناء الدولة وإدْرَاكاً كَبيراً لوظيفة القانون في عملية تحقيق هذا المشروع، بالإضافة إلى ما أدركته عند هذه الشخصية من قدرات استثنائية لها علاقة بمقومات القائد الفذ.

 

الدكتور إسماعيل محمد المحاقري

 

 

#يد_تحمي_ويد_تبني