تعز العز

ما بعدَ ضربة بقيق الكبرى وخطواتُ السعودية المراوغة نحو السلام

تعز نيوز- تقارير

 

منذُ عمليةِ التاسعِ من رمضانَ- مايو 2019م، حين استهدفت المُسَــيَّراتُ اليمنيةُ أنابيبَ النفطِ في ينبُع السعوديّة، كان من الواضِحِ أن اليمنَ قد دخلت مرحلةً مختلفةً من التصعيد، وهي المرحلةُ التي سُمِّيت فيما بعدُ بتوازُنِ الردع، حين استهدفت عشرُ طائراتٍ مُسَيَّرةٍ في عملية هي الأولى من نوعها حقلَ الشيبة النفطي السعوديّ على الحدودِ الإماراتية، وما هي إلا فترةٌ قصيرةٌ حتى أعلنت صنعاءُ في 14 سبتمبر 2019م، عن عمليةِ توازن الردع الثانية والكبيرة، باستخدامِ عشر طائرات مُسَيَّرة أَيْـضاً، استهدفت هذه المرةَ مجمعَي بقيق وخريص النفطيين شرقَ المملكة السعوديّة، حيث معامِل تكريرِ النفط التابعة لشركة أرامكو الشهيرة. وكان من نتائجِ هذه الضربةِ النوعية أن توقَّفَ نصفُ إنتاج السعوديّة من النفط، ما خلَقَ زلزالاً كَبيراً في الأسواقِ العالميةِ التي شهدت ارتفاعاً كَبيراً في أسعار المشتقات النفطية لعدة أسابيعَ.

وقبلَ أن يفيقَ النظامُ السعوديُّ من هذه الصدمة التي لم يحسبْ حسابَها، فوجئ ومرتزِقتِه بعمليةِ نصر من الله على الحدود الجنوبية للسعوديّة، وفي أقصى شمال صعدة، وتحديداً محور كتاف- نجران، الذي تحوَّلَ إلى مسرحٍ لمواجهاتٍ عنيفةٍ كانت نتيجتُها هزيمةً نكراءَ للقوات السعوديّة، التي تعرّضت لاستدراج مُحْكَمٍ أَدَّى إلى انهيارِ ثلاثة ألوية بكاملِ عتادِها، من أسلحةٍ خفيفةٍ وثقيلةٍ ومدرعات حديثة، والأَهَـمُّ من ذلك مقتلُ المئات واستسلامُ الآلاف من الضباط والجنود، وتحريرُ مساحة كبيرة من الأراضي المشارِفَة لمدينة نجران.

 

على وَقْعِ هذه التداعيات وجدت القيادةُ السياسيَّةُ في صنعاءَ أن الفُرصةَ مواتيةٌ لإعلانِ مبادرةٍ لوقف إطلاق النار من جانبٍ واحدٍ مع اشتراط أن يَــرُدَّ الجانبُ السعوديُّ عليها بشكلٍ إيجابي، وقد جاء الردُّ السعوديُّ مُرَحِّباً على مَضَضٍ، وكشفت تسريباتٌ إعلاميةٌ أن الرياض قد انخرطت في مفاوضات غيرِ مباشرة مع صنعاء باتّجاه التوافق على نهاية للحرب والعدوان على اليمن، وأتبعتها بخطواتٍ عملية حين تراجعت غاراتُها الجوية على اليمن بشكل ملحوظ وغير مسبوق مع منتصف أكتوبر الجاري، الأمرُ الذي خلق أجواءً جديدةً يسودُها التفاؤلُ غيرُ المسبوق منذ انطلاق مشاورات السلام اليمنية في الكويت- إبريل 2016م.

فهل باتت الحربُ على اليمن في المرحلة النهائية بالفعل، أم لا يزالُ النظام السعوديّ يتهيّأُ لجولة أُخرى من التصعيد العسكريّ، تسبقها تهدئة مؤقتة تنطوي على الخداع والتضليل، كما هو ديدنه في تجارب سابقة؟

سؤالٌ تحاولُ هذه الورقةُ سَبْرَ أغواره من خلال المعطيات والمستجدات الراهنة.

السعوديّةُ وفشلُ الحسم العسكريّ

قبيلَ الأحداثِ الأخيرةِ، اتسم المشهدُ العسكريّ بالجمود النسبي، وخَاصَّةً بعد إعلان تفاهُمات ستوكهولم في ديسمبر 2018م، التي وضعت حَدًّا للاحتراب بمحافظة الحديدة غربي البلاد وحولَ موانئها الرئيسة، فيما استمر الحصارُ والحربُ الاقتصادية، مع غارات جوية ارتكب فيها العدوُّ السعوديّ الأمريكي عدةَ مجازرَ وحشية بحق المدنيين في عدة محافظات.
خارطةُ التقدّم العسكريّ لمختلف الأطراف كانت قد استقرت عند حدودٍ معينةٍ لا تبارحُها إلا في الإطارِ التكتيكي، ما جعل المراقبين يؤكّـدون على استحالة الحسم العسكريّ، فبرغم الإمْكَانات والعتاد العسكريّ الكبير لتحالف العدوان على اليمن، إلا أن ابطال الجيشَ واللجان الشعبيّة استبسلوا على الأرض، وكبدوا القواتِ الغازيةَ خسائرَ كبيرةً فرضت عليها التقهقرَ في أكثرَ من جبهة.

إلا أنَّ القوةَ الصاروخيةَ اليمنية تمكّنت من كسر الجمود الميداني، حين أعلنت عن تطوُّرٍ كبير في المنظومة الصاروخية وفي مديات الطائرات المسيَّرة، وهو التطورُ الذي تُرجِمُ على الأرضِ بدءاً بعملية ينبُع(1)، والتي كان من نتائجها بدءُ الحديث عن الانسحاب الإماراتي من اليمن، وما تلاه من صراع لقوى المرتزِقة المحليين بشأن سَدِّ الفراغ الذي يخلّفُه الانسحابُ الإماراتي، خَاصَّةً أن قواتِ أبو ظبي كانت الأكثرَ تواجُداً على الأرض، وأمكن لها تشكيل أحزمة أمنية موالية لها في المحافظات الجنوبية، ودعم ظهور واستمرارية المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يرأسُه عيدروس الزبيدي.

وشهدت عدنُ في أغسطُس 2019م احتراباً أهلياً بين قوات حكومة هادي وبين قوات الانتقالي الجنوبي، انتهت بسيطرة الانتقالي على المدينة، وفرار من تبقى من عناصر حكومة هادي إلى الرياض مجدداً(2). وبعد أيامٍ اندلعت جولةٌ ثانيةٌ من الصراع المسلح لكن في محافظة شبوه النفطية، وكانت نتيجةُ المعركة هذه المرة لصالح قوات هادي، التي حاولت استثمارَ التقدُّمِ العسكريّ بالزحف نحو محافظتَي أبين وعدن ومحاولة استعادتهما من قوات الانتقالي، بيد أن طيرانَ التحالف السعوديّ الإماراتي احتفظ بكلمة الفصل حين أوقف هذا التقدم، وفرَضَ على الأطراف المتحاربة القبولَ بدعوة السعوديّة للتفاوض في مدينة جِدَّة.

ضربةُ بقيق وتوازن الردع

بالموازاة مع المشهَدِ الدراماتيكي في عدنَ بين قوى العدوان الداخلية والخارجية، وفيما تسعى الرياض جاهدةً باتّجاه لملمة أوراقها المتبعثرة، كانت القيادةُ السياسيَّةُ والثورية اليمنية قد اتخذت قرارَ التصعيد، حين أعلن السيدُ عبدالملك الحوثي في خطابٍ له بمناسبة اختتام المراكز الصيفية في الرابع من أغسطُس 2019م تحذيراً نهائياً خَصَّ به السعوديّةُ والإمارات، ونصح الرياضَ تحديداً، بأخذِ العِبرة من استهداف ينبُع(3)، ولم تمضِ أَيَّـامٌ حتى أعلنت القوةُ الصاروخيةُ عن ضربة نوعية استهدفت حقلَ الشيبة النفطي شرقَ السعوديّة بعشر طائرات مُسَيَّرة(4).

لم تستجبِ الرياضُ للتهديدات الأخيرة رغم خُطوُرتها على اقتصاد المملكة التي تعتمدُ موازنتُها الضخمةُ بشكل كلي على النفط، ومضى إعلامُها في التهوين من هذه الهجمات، مع اتّهام إيران بالضلوع فيها، واستمر التحالفُ السعوديّ ومرتزِقتُه في التهرُّب من تنفيذ تفاهمات ستوكهولم، التي أعلنت صنعاء أنها نفّـذت ما عليها من طرف واحد، ولم يعد في جُعبتها تقديمُ المزيد.

وفي صبيحة الرابع العشر من سبتمبر 2019م، استفاقت السعوديّة والعالم على حدث مزلزل، فبينما كانت الأدخنةُ تتصاعدُ في سماءِ وأجواءِ السعوديّةِ، كانت صنعاءُ تُعلِنُ مزهوَّةً عن عملية توازن الردع الثانية، بمشاركة عشر طائرات مُسَيَّرة قطعت مسافةَ 1200 كم ولم يعترضْها أيُّ نوعٍ من الدفاعات السعوديّة، لتصلَ إلى هدفِها في مجمعَي بقيق وخريص النفطيَّين، وتلحقَ بهما وبقطاع النفط السعوديّ خسائرَ كبرى وغيرَ مسبوقة(5).

لم يدركِ البعضُ قوةَ وخطورةَ هذه الضربة الاستراتيجية إلا مع إعلان الأسواق العالمية عن تصاعُدٍ كبير وغيرِ مسبوق في أسعار النفط عالمياً حيث قفزت الأسعار بنسبة 20 % لسعر البرميل الواحد في اليوم التالي لهجمات أرامكو(6).

وبرغم تردُّدِ الرياض في الاعتراف بخيبتها إلا أن وزيرَ النفط فيها اضطرَّ إلى مكاشفة العالم بالإعلان عن توقف نصف إنتاج المملكة من النفط بنحو (5.5 مليون برميل يومياً)، فيما ذهبت الخارجيةُ السعوديّة إلى تحميلِ إيران مسؤوليةَ الضربة، ودعت العالَمَ إلى التضامن مع السعوديّة ومساعدتها في حماية نفطها والاقتصاد العالمي من أية هجمات مماثلة(7).
لم تتوقفْ مفاجآتُ الجيش اليمني واللجان الشعبيّة، فعلى محور كتاف_نجران، كانت ثمَّةَ عمليةٌ كبرى تجري فصولُها يوماً بعدَ آخرَ وسط تكتُّمٍ شديد من الأطراف، وما إن استتبَّ الأمرُ لصنعاءَ حتى أعلن المتحدثُ باسم القوات المسلحة أواخرَ سبتمبر2019م عن عملية نصر من الله(8)، التي يمكنُ القولُ إنها أشبهُ بالضربة القاضية التي تعرّض لها العدوُّ ومرتزِقته، ومعها أصبح أيُّ حديث عن هجوم بري مُضَادٍّ يمكنُ أن يقومَ به العدوُّ باتّجاه محافظة صعدةَ الحدودية والاستراتيجية من أحلام اليقظة التي لا مكانَ لها على أرضِ الواقع.

 

وعلى العكس من ذلك فإن الحَدَّ الجنوبيَّ للسعوديّة بدا أكثرَ انكشافاً من ذي قبل، فمدينةُ نجرانَ غدت على مرمى حجر، وباتت عمليةُ تحريرها رهنَ القرار السياسيّ اليمني لا أكثر.

مؤشراتُ السيرِ نحو السلام

على أرضيةٍ صلبةٍ ومن موقع القوة والاقتدار، وفي خضمِّ الأحداثِ الأخيرة وتداعياتها، وفيما الصدماتُ والضرباتُ تترى على رأس العدوّ، أعلن الرئيسُ مهدي المشّاط في 20 سبتمبر 2019م، عن مبادرة سلام مشروطة ومؤقتة مع السعوديّة.

 

وقد سارع المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث إلى الترحيب بهذه المبادرة، فيما قابلتها الرياض بنوع من التراخي ظاهرياً، لكنها وعبرَ طرف ثالث أبلغت صنعاءَ موافقتَها على المبادرة(9).

في الأثناءِ ظهر وليُّ العهد السعوديّ محمد بن سلمان مَيَّالاً للسلام وإيقافِ الحرب على اليمن، إذ أكّـدَ في مقابلة لبرنامج ستين دقيقة مع شبكة “إم بي إس” الأمريكية، على رغبة بلاده في إيقاف الحرب، وأعرب عن أمله في أن يؤديَ وقفُ إطلاق النار الذي أعلنته صنعاءُ إلى حوار سياسيّ بين الأطراف اليمنية، وزعم أن الحَـلَّ السياسيَّ سيكونُ أسهلَ بكثير إذَا أوقفت إيران دعمَها للحوثيين -حسبَ وصفه-. وحين سألته المذيعة إن كان متفائلاً بأن وقف إطلاق النار قد يستمر، وقد يؤدي إلى إنهاء الحرب؟ أجاب: “كقائد، يجب أن أكونَ متفائلاً كُـلَّ يوم. إذَا كنتُ متشائماً، يجبُ أن أتركَ منصبي وأعملَ في مكان آخر”(10).

نائبُ وزير الدفاع السعوديّ خالد بن سلمان عزّز ما ذهب إليه شقيقُه، وقال في تصريحات صحفية إن بلادَه تنظُرُ بإيجابية إلى التهدئة التي أعلنت عنها اليمنُ، وأردف: هذا ما تسعى له المملكةُ دوماً، وتأملُ أن تُطبَّقَ بشكل فعلي(11). من جهتها شكَّكت صنعاءُ في الموقف السعوديّ، وقالت إنها تنتظرُ أفعالاً لا أقوالاً من جانبِ الرياض، وأكّـد محمد البخيتي -عضو مجلس الشورى اليمني-، أن السعوديّةَ لم تتوقفْ عن غاراتها الجوية، موضحاً أن ما صدَرَ عن صنعاء ليس مُجَـرَّدَ تهدئةٍ بل “مبادرةٌ” لإيقاف الحرب وإنهاء الحصار(12).

لكن على العكس ممَّا ذهب إليه البخيتي، شهدتِ الغاراتُ الجوية العدوانية تراجُعاً كَبيراً على الأرض، بالموازاة مع مفاوضاتٍ يمنية سعوديّة حرصت الرياضُ أَنْ تكونَ من تحتِ الطاولة. وكشفت تسريباتٌ إعلاميةٌ أن التفاوُضَ يتمحورُ حول ترتيبات وأمنية وسياسيّة سبق وبحثتها الأطرافُ اليمنية في مفاوضات سابقة. وقال مصدرٌ في مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن للجزيرة نت: إن تفاصيلَ التسوية تتعلقُ بتشكيلِ حكومة مبنيةٍ على الشراكة الشاملة لجميع الأطراف والأحزاب السياسيّة، على أَنْ يكونَ للحكومة الحقُّ في امتلاك السلاح في مقابل انسحاب “المليشيات” وسحب أسلحتها تدريجياً من خلال عملية تُشرِفُ عليها الأممُ المتحدة، ووقف الهجمات على دول الجوار وتهديد الملاحة الدولية(13).

لكن ما يثيرُ الريبةَ هو أن عضواً في وفد حكومة هادي إلى المفاوضات، زعم أن التسوية المرتقبة تشتمل على ترتيبات أمنية تسبقُ الحَـلَّ السياسيّ، وهذا ما لا يمكنُ أن تقبَلَ به صنعاءُ، فقد رفض الوفد الوطني هذا العرضَ في مفاوضات الكويت 2016م، وموازين القوى لصالح العدوِّ حينَها، أما اليوم فالمتغيراتُ كُلُّها تصُبُّ في صالح صنعاء، ما يجعلها في موقع من يفرضُ شروطَه وليس العكس.

فقد قالت رنا غانم -عضو الوفد التفاوضي لحكومة هادي-، للجزيرة نت: إن اليمنَ مُقبِلٌ على تسويةٍ سياسيّة بمرحلة انتقالية قبل الدخول في انتخابات رئاسية وبرلمانية. وأكّـدت أن التسويةَ التي تسبقُ المرحلةَ الانتقاليةَ تشملُ ترتيباتٍ أمنية وعسكريّة على الأرض، يعقُبُها تشكيلُ حكومة شراكة واتّفاق على إقرار الأقاليم والدستور. وأوضحت أن الخطوةَ الأولى في التسوية السياسيّة تبدأُ بالتوقيع على اتّفاق شامل لوقف إطلاق النار في كُـلّ المحافظات في الشمال والجنوب، وسحب سلاح المليشيات وتسليم المعسكرات إلى الدولة، وهو ما يضمنُ وقفَ الحرب نهائياً. لكن الملفتَ قولها إنَّ هذه التفاصيل قد رحّبت بها جميعُ الأطراف، ما جعل المبعوثَ الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث متفائلاً، حَـدَّ زعمِها(14).

فإذا صَحَّت مثلُ هذه الترسيبات، فهذا يعني أننا أمامَ محاولة سعوديّة لخلط الأوراق والعَودة إلى نقطة الصفر، وأن التفاوُضَ غيرَ المعلَن من جهة الرياض قد يكونُ مُجَـرَّدَ مناورة؛ لكسب الوقت لا أكثرَ. ومما يعزِّزُ هذه المخاوفَ أن التحالُفَ السعوديّ سبق وأعلن في الماضي عن تهدئة ووقف لإطلاق النار، دونَ التزام فعلي عل الأرض، بل سبق واستفاد من أسلوبه المراوِغ، وحقّق بعضَ الاختراقات على الصعيد العسكريّ.

كذلك فثمة مؤشراتٌ مُريبةٌ أُخرى، إذ يواصِلُ التحالفُ العدواني تشديدَ الحصار على اليمن، ما ضاعف من معاناة اليمنيين، على مختلف المستويات، وخَاصَّةً لجهة الحصول على المشتقات النفطية والغاز المنزلي.

إضافةً إلى ذلك، أعلنت واشنطن عن تعزيز تواجدها العسكريّ في السعوديّة، وطبقاً لبيان صادر عن البنتاجون 12 /10/ 2019م، أعلن وزيرُ الدفاع، مارك إسبر، نَشْرَ ثلاثة آلاف جندي إضافي ومعدّات عسكريّة، ضمنها صواريخ باتريوت ومنظومة ثاد في السعوديّة(15)، ما يوحي أن الرياضَ تُرِتِّبُ لتصعيد عسكريّ مع تأمين إضافي لمنشآتها الحيوية.

وعليه يرى البعضُ أن انخراطَ السعوديّة في محادثاتِ سلامٍ مباشرةٍ أَو غيرِ مباشرة أقربُ إلى الموقف التكتيكي، صحيحٌ أن ضربة أرامكو جعلت السعوديّةَ في حالة انكشاف استراتيجي لم تشهدْه منذ تأسيسها، إلا أنها لم تصلْ إلى الوضع الذي يجعلُها تستسلم(16).

لكن أياً كانت نوايا الرياض، فإن هامشَ المناورة يتقلصُ يوماً بعد آخر، فإن هي فرّطت في فرصة السلام السانحة هذه المرة، فإن تصعيداً أكبرَ وضرباتٍ أشدَّ إيلاماً تنتظرُ منشآتها النفطية والاقتصادية، كما حذّر ناطقُ القوات المسلحة اليمني في أكثرَ من بيان.

الموقفُ الأمريكي

وبما أنَّ قرارَ الحرب على اليمن يُعتَبَرُ أمريكياً، فإنَّ الوصولَ إلى السلام يتطلبُ دعماً أمريكياً كذلك. وقد رأينا كيف أن السعوديّةَ رضخت للدفع الأمريكي نحو مفاوضات يمنية-يمنية بعيد تداعيات مقتل الصحفي جمال خاشقجي، وتزايد الضغط الدولي على السعوديّة باتّجاه وضعِ حَـدٍّ لأكبرِ كارثةٍ إنسانية في العالم، بإيقاف الحرب ورفع الحصار عن اليمن، فكانت مفاوضاتُ السويد في ديسمبر 2018م، وما نجم عنها من تفاهماتٍ مكتوبة وشفهية عُرفت باتّفاق ستوكهولم، الذي وضع حَدًّا للحرب في الحديدة غربي البلاد.

واليوم، وبرغم أنه لم يصدُرْ موقفٌ معتبَرٌ للإدارة الأمريكية يشي بدعمِ واشنطن للسلام ولإيقاف الحرب العدوانية على اليمن بعيد هجمات أرامكو، إلا أن مساعدَ وزير الخارجية الأمريكي، ديفيد شينكر، سبق وكشف في الخامس من سبتمبر 2019م عن محادثات أمريكية مع أنصار الله. وزعم شينكر أن تلك المحادثاتِ تجري؛ بهَدفِ التوصل إلى تسوية مقبولة للنزاع اليمني(17).

بَيْدَ أن التطوراتِ بشكل عام لا يمكنُ فصلُها عن الموقف الأمريكي، بدءاً بالانسحاب العسكريّ التدريجي الإماراتي من اليمن، وحتى انخراط السعوديّة في تفاوضاتٍ غيرِ مباشرة وغير معلَنة مع اليمن. فبالعودةِ إلى الصراع الأمريكي الإيراني في المنطقة الذي بلغ ذروتَه في يونيو 2019م، مع إسقاط الدفاعات الإيرانية لطائرة أمريكية مُسَيَّرة في المياه الإقليمية للجمهورية الإسلامية، وبينما كان العالَمُ يحبِسُ أنفاسَه بانتظار الرد الأمريكي، نقلت وسائلُ إعلاميةٌ عن الرئيس ترامب أنه قد تراجَعَ في اللحظة الأخيرة، وألغى ضرباتٍ كان من المفترَضِ أن تطالَ إيران(18).

ألقى الموقفُ بظلالِه على تحالُفِ العدوان، فسارعت الإماراتُ إلى ترتيبِ خروجِها من حرب اليمن، وتحسينِ علاقاتها بإيران. كذلك فإن الرياضَ شعرت بخَيبةِ أملٍ كبرى، وتعاظَمَ شعورُها بالخذلان، حين اكتشفت بُعَيْــدَ ضربات بقيق-خريص أن الحمايةَ الأمريكيةَ مُجَـرَّدُ وَهْـــــــــــمٍ كبير. صحيحٌ أن واشنطن أعلنت مؤخّراً عن تعزيزٍ لتواجدها العسكريّ في السعوديّة، إلا أن خطوةً كهذه لا تخرُجُ عن دائرة الدعم المعنوي الذي لا يمكنُ الرهانُ عليه. هكذا يقول المنطقُ والتجربةُ، غير أن حكامَ الرياض نادراً ما يتصرّفون بحكمةٍ أَو عقلانية، خَاصَّةً تجاه اليمن.

عـبدالله علي صبري

 

 

#المركز_الإعلامي_تعز

#المولد_النبوي_الشريف

أشترك على قناة أخبار تعز تلغرام وكن أول من يعلم الخبر فور حدوثه

telegram.me/taizznews