تعز العز

الإشكالية في النفوس وليست في الدنيا

تعزنيوز- من هدي القرآن 

 

لا يصح أن ننطلق نحذر الناس من الدنيا؛ لأنها خداعة مكارة، هي نعمة عظيمة، إذاً تعال حذر من الألسن وقل: اقطعوا الألسن أيها الناس، فإن الألسن تكذب، وتشهد الزور، وتحلف الأيمان الفاجرة، وتؤيد الباطل، وتنطق بالباطل، وتعيب هذا، وتسخر من أولياء الله، وهكذا. الألسن، الألسن اقطعوها، هل هذا منطق؟! لا.

 

هكذا حديث أولئك عن الدنيا الحديث نفسه، إذا كنت تريد أن تعزل الناس عن الدنيا وأن يتركوها ويبقوا صعاليك فلا يستطيعون أن يعملوا شيئاً لدينهم، ولا يستطيعون أن يعملوا شيئاً يعزون به أنفسهم ويستغنون به عن أعدائهم؛ لكون الدنيا هي مكارة وخداعة، إذاً قل للناس أن يقطعوا ألسنتهم؛ فألسنتهم تكذب.

 

الله الذي خلق المال هو الذي خلق الألسن، الذي خلق المال هو الذي خلق الأعين والألسن، إذاً أخرجوا أعينكم فإنها تنظر إلى المحرمات، اقطعوا ألسنتكم فإنها تكذب وتشهد الزور وتحلف الأيمان الفاجرة… وهكذا! الأنفس،

 

ولهذا جاء القرآن بهدايته الواسعة متجهاً نحو النفوس ولم يصب جامَّ غضبه على الدنيا، بل هو من يذكرنا بهذه النعم العظيمة في الدنيا، لم يأت ليقول للناس كما يقول كثير من أولئك الذين يرشدون الناس من (أطرف كتاب) يرونه، بل قال الله للناس: لا تغرنكم الحياة الدنيا فقط، لا تلهيكم، لا تنخدعوا بها، لا تؤثروها على الآخرة. هذه عناوين حديث القرآن عن الدنيا.

 

لكن انطلقوا فيها ابتغوا من فضل الله فيها، تحركوا فيها، ولكن اهتدوا فيها وأنتم تتحركون فيها بهديي، زكوا أنفسكم بهديي، حينئذ فليملك أحدكم كما يملك سليمان لا تغره الدنيا ولا تخدعه الدنيا، سليمان الذي قال: {هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي} وإشارة (هـذا)إلى الملك العظيم الذي أوتيه {لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} .. هكذا يأمر الله سبحانه وتعالى أولياءه، أو يذكر أن أولياءه هم دائماً يدعون الله أن يرزقهم تذكر وشكر نعمه، وهم أولئك الذين إذا ما ملكوا نعمه الكثيرة – كيفما بلغت – فلا تملكهم، لا تخدعهم، لا تغرهم، لا يؤثرونها على الآخرة، لا تلهيهم عن ذكر الله. فهل تتذكر وأنت تملك شيئاً من الدنيا قد يكون ما تملك يساوي [قدراً] أو اثنين من قدور سليمان التي كان يعملها الشياطين له {وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ} (سـبأ: من الآية13) أليس هكذا في الآية؟

 

وتريد أن تطغى، تريد أن تتكبر، تنسى أن تطلب من الله أن يدخلك في عباده الصالحين. تعال، انظر إلى سليمان الذي ملَكَ الدنيا، ملَكَ الجبال، ملَك الطير، ملَك الجن، ملَك الإنس، ملَك البر والبحر، ملَك الرياح، تعال إلى كلماته الرقيقة: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ}.

 

بعض الناس ينسى أن يدعو لوالديه فيما إذا تركوا له مالاً بل قد يقول: ” الله لا يرحمه إنه أعطى فلانة الجربة الفلانية، قال: كان عادها مهر، وقال: يريد يتخلص” مازال يحز في نفسه أن والده خلّص ذمته من مهر أخته أومهربنته!

 

سليمان يقول: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ} هذا الملك كله أنا أريد أن أسخره في الأعمال الصالحة، تلك الأعمال التي ترضيك {وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} أليست هذه كلمات رقيقة؟ ما أبعد الناس، أولئك الذين لا يملكون مثل قدور سليمان عن هذا المنطق، أصبح الناس كما قال الله: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} (العلق:6-7).

 

إذاً فالمعالجة أن نأتي نحن لنعالج الإشكالية في النفوس، وهو توجه القرآن الكريم، هو توجه إلى النفوس، لنعلم الناس كيف يزكون أنفسهم. لا أن نأت لنصب جامَّ غضبنا على الدنيا نفسها التي هي نعمة عظيمة من نعم الله، والتي للإنسان دور مهم فيها، في تحقيق عبادته لله سبحانه وتعالى، وشهادته بكمال الله. نتجه إلى النفوس ونذكر الناس كيف يتعاملون مع الدنيا، كيف يملكون الدنيا ولا تملكهم، كيف يكون همهم أن يعملوا أعمالاً صالحة من خلال ما يملكون، وعلى الرغم مما يملكون، وأن ينشدوا ذلك المقام الرفيع: وهو أن يكونوا ضمن عباد الله الصالحين في هذه الدنيا وفي الآخرة.

 

 

دروس من هدي القرآن الكريم

 

(الدرس الرابع – معرفة الله – نعم الله)

ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.

بتاريخ: 21/1/2002م

اليمن – صعدة.

 

 

#المركز_الإعلامي_تعز

#المولد_النبوي_الشريف

أشترك على قناة أخبار تعز تلغرام وكن أول من يعلم الخبر فور حدوثه

telegram.me/taizznews