تعز العز

خبراء إقتصاديون يكشفون عن عملية إحتيال كبرى ضحيتها المواطنين بعدن وصنعاء

تعز نيوز- متابعات

 

عدنان محمد شاب يمني من محافظة الضالع (جنوب اليمن) يقول إنه في ورطة منذ أكثر من 5 أشهر وهو يبحث عن طريقة لإرسال مهر وتكاليف زواجه البالغة 3 ملايين ريال إلى صنعاء حيث سيستقر، لأن رسوم إرسال ذلك المبلغ كبيرة جدا، تكاد تصل هذه الأيام إلى أكثر من 500 ألف ريال، بعد أن رفعت شركات الصرافة عمولة التحويل إلى 20٪ من قيمة المبالغ المحولة من المناطق الواقعة تحت سيطرة الاحتلال ومرتزقتهم إلى مناطق السيطرة الوطنية.

 

وهذه معاناة كبيرة يتحملها أبناء المحافظات الخاضعة لسيطرة حكومة المرتزقة منذ حوالي 5 أشهر عند إرسالهم مبالغ مالية إلى مناطق سيطرة الجيش واللجان، بسبب أخذ محلات الصرافة عمولة كبيرة بررت بحجج كثيرة.

 

خُمس الحوالات 

 

يقول عدنان: لقد انتظرت عدة أشهر لعل الأمور تتحسن، ولكنها بالعكس ساءت أكثر. ثم يضيف مازحا: «سأشتري لخطيبتي قطعة أرض هنا بدل أن أخسر هذا المبلغ كله لأجل الإرسال». عدنان واحد من آلاف المواطنين الكادحين في جنوب الوطن المحتل الذين فرضت عليهم هذه الجباية الكبيرة التي يصفونها بأنها «كسرت ظهورهم».

 

في مناطق سيطرة الاحتلال وحكومة المرتزقة أصبحت العملة السائدة بشكل كامل وكأمر واقع هي العملة الجديدة المطبوعة بدون غطاء، والتي دمرت أسعار الصرف والاقتصاد والقدرة الشرائية للمواطنين، وكانت ضمن وسائل تحالف العدوان لاستهداف اليمن واقتصاده.

 

وإلى ما قبل أن تمنع حكومة الإنقاذ تداول تلك العملة في مناطق السيطرة الوطنية، في محاولة لم تنقذ الموقف كما يرى اقتصاديون، كانت شركات الصرافة تأخذ عمولة تحويل طبيعية كرسوم تحويل بين المحافظات الخاضعة للاحتلال ومرتزقته والمحافظات التي تحت سلطة المجلس السياسي، فتأخذ مثلا 300 ريال على أية حوالة لا تتجاوز 30 ألف ريال، وتأخذ 450 ريالاً لأي مبلغ فوقه إلى حدود 50 ألفاً تقريباً.

 

لكن وبعد قرار المنع زادت رسوم الحوالة التي تطلبها شركات الصرافة، وارتفعت بشكل مبالغ فيه، حتى وصلت الآن إلى ما يقارب الـ20٪ فمثلاً لو تم إرسال حوالة بمبلغ 30 ألفاً يتم أخذ 6 آلاف كرسوم تحويل، ولو تم إرسال مليون ريال تأخذ شركة الصرافة 200 ألف بذات الذريعة.

 

فارق صرف وليس عمولة

 

عندما تسأل الصرافين عن السبب وراء ارتفاع نسبة عمولة التحويل، يقولون إن هذا المبلغ ليس عمولة، وإنما فارق صرف العملة بين صنعاء وعدن.

 

ويوضح الصرافون أنه إذا قام مواطن هذه الأيام مثلا بتحويل مبلغ 163 ألف ريال يمني من عدن إلى صنعاء، فهي تعادل قيمة ألف ريال سعودي في صنعاء، أي أن الصراف في صنعاء يسلم المواطن المستفيد من الحوالة قيمة ألف ريال سعودي، وهو بذلك يطلب من الصراف في عدن الذي أرسلها أن يدفع له ألف ريال سعودي عندما يتحاسبون، لكن الصراف في عدن يشتري الألف السعودي بقيمة 196 ألف ريال من العملة الجديدة، لذلك فهو يضطر لطلب مبلغ إضافي من الشخص الذي يريد التحويل كفارق للصرف قد يصل في هذه الحالة إلى 30 ألف ريال، لكي يستطيع الإيفاء بالتزاماته عندما يتحاسب مع صرافي صنعاء ومناطق سيطرة الجيش واللجان، وعملية الحساب بين الصرافين لا تتم إلا بالعملة الأجنبية. فهذا المبلغ ليس عمولة كما يقول الصرافون، ويتفق معهم بعض المختصين في الاقتصاد، بينما يختلف البعض بشدة.

 

يقول الخبير الاقتصادي عبده حسن الصديعي: «بالرغم من أن المواطن في مناطق سيطرة المرتزقة يتحمل هذا العبء الكبير جدا، والذي يفوق طاقة احتمال الكثيرين، إلا أن قيام الصرافين بالاستمرار في صرف الحوالات المرسلة من عدن وبقية المحافظات المحتلة إلى مناطق حكومة صنعاء يمثل في حد ذاته خدمة كبيرة، فهم على الأقل يحافظون على تدفق العملة من هناك ويقبلون صرف حوالات بالعملة القديمة بالرغم من استلامهم المبالغ بالعملة الجديدة التي أعلنت حكومة صنعاء أنها غير مقبولة منذ شهر».

 

والتساؤل الذي يطرحه الكثيرون ومفاده: لماذا إذن لا يستفيد من يرسل الحوالة بالعملة القديمة التي أصبحت قيمتها زائدة عن قيمة العملة الجديدة بنسبة 15٪ من صنعاء إلى عدن، نتيجة فارق الصرف في عملية عكسية؟ يجيب الصديعي: «إن المرسل مستفيد من عدم دفعه فارق الصرف، فهو يرسل المليون الريال من صنعاء إلى عدن مثلا بـ5 آلاف، بينما يرسل المليون الريال من عدن إلى صنعاء ب200 ألف».

 

والحل عموما لهذه المأساة، من وجهة نظر الصديعي، هو ما يتم المناداة به منذ بداية العدوان، وهو تحييد الاقتصاد وتشكيل لجنة موحدة تدير البنك المركزي، وإيقاف عمليات طباعة العملة، فاليمن ليس في مشكلة سيولة نهائيا، وما يحصل هو استهداف وقتال لليمنيين ودفع أجور المرتزقة بمال لا قيمة له.

 

احتيال من الصرافين

 

هناك تدفق مالي يقدر بمليارات الريالات شهريا بين المحافظات اليمنية. ويتكبد المواطنون البسطاء من أصحاب المحلات والبسطات والعمال الذين يرسلون من مناطق حكومة المرتزقة إلى مناطق الجيش واللجان، ما يقارب 500 مليون ريال يوميا، وهذا الرقم ناتج عن حجج وتبريرات ترتكز على فارق الصرف، والتي يستفيد منها الصرافون والتجار، حسب تقديرات اقتصاديين.

 

وبعكس الخبراء الذين لم يوجهوا كامل اللوم إلى الصرافين في هذه الكارثة، يرى الخبير الاقتصادي رشيد الحداد أن أخذ هذا المبلغ الكبير لتقديم خدمات إرسال الحوالات ما هو إلا عملية احتيال كبرى أخرى من الصرافين، ويقول: «الصرافون استفادوا من عملية منع العملة بالرغم من أنهم أظهروا في البداية رفضهم لهذا المنع، والسبب أنهم استطاعوا استثمار هذا الوضع في صالحهم». 

 

ويستدرك الحداد: «هم في حقيقة الأمر خليط ما بين تجار وصرافين، وكثير منهم يقتطعون نسبة الـ20٪ كفارق صرف، بالرغم من أنهم يسلمون الأموال عبر فروعهم المتعددة في المحافظات الأخرى، ولن يكون هناك محاسبة مع صرافين آخرين بالضرورة، وفروعهم في صنعاء وبقية مناطق السيطرة الوطنية تستفيد من شراء العملة بسعر منخفض وتبيعها في عدن وبقية المناطق الخاضعة للاحتلال ومرتزقتهم بسعر عال».

 

ويضيف: «في قطاع التجارة أيضا التجار -الذين يملك كثير منهم شركات صرافة – يأخذون العملة الصعبة من مناطق السيطرة الوطنية بقيمة أقل، لكنهم يبيعون السلع بقيمة عالية تستند إلى سعر صرف العملة في مناطق سيطرة الاحتلال».

 

وما يدل على أن المواطنين يتعرضون لعملية احتيال في عملية التحويل، هو ارتفاع قيمة رسوم التحويل قبل أن يكون هناك فارق للصرف بين صنعاء وعدن في الأيام الأولى من القرار، كما أن الصرافين هذه الأيام يأخذون عمولة كبيرة لعمليات التحويل بين المحافظات المحتلة نفسها، زادت بنسبة 300٪

 

مركز السرطان الاقتصادي 

 

كل الدلائل تشير إلى أن حكومة العميل هادي تتحمل كامل المسؤولية عن هذه الفوضى والخسارة التي يتكبدها المواطن والتاجر البسيط في مناطق سيطرتها، لأنها أولا لم تحيد الاقتصاد واستخدمته كأداة للحرب، ثم لم تستطع السيطرة على البنك المركزي وهو في عدن، والآن طبعت قرابة تريليون ريال جديدة، في إطار خطط فوضوية أحدثها ما يتداول مؤخراً حول نقل البنك المركزي إلى سيئون، وهذا يعني انهياراً جديداً كبيراً للعملة، وهذا بالنتيجة يعني أن المواطنين ينتظرون المزيد من أيام المعاناة.

 

لكن الاقتصاديين يرون أيضا أن على البنك المركزي في صنعاء وحكومة الإنقاذ ألا يقفوا مكتوفي الأيدي ومكتفين بحلول شكلية ونظرية، وأن يتم العمل على إعادة الاعتبار للعملة اليمنية أولا، ثم البحث عن حلول يلمس أثرها المواطن، وأن يتم تقييم الحلول السابقة.

 

وبالنظر للقرار الذي كان السبب المباشر لظهور هذه المشكلة سواء كانت حقيقية أو مفتعلة من قبل الصرافين، وهو منع تداول العملة الجديدة، الذي اتخذته حكومة الإنقاذ، هناك جدل اقتصادي حوله، فالخبير الصديعي مثلا لا يرى أنه من الجيد إلغاء قرار منع تداول العملة الجديدة، فهذا بالضرورة سوف يرفع قيمة العملة الأجنبية في مناطق سيطرة الجيش واللجان، وهذا بدوره سيؤدي لمتوالية انهيار مالي واقتصادي متفاقمة.

 

بينما يرى خبير (فضل عدم ذكر اسمه) أنه لا مشكلة في إعادة النظر في قرار منع العملة الجديدة والتراجع عنه، ويبرر ذلك بالقول: «القرار ليس له أثر إيجابي عملي في الحقيقة، وإنما أثر معنوي في مخيلات اللجنة الاقتصادية وصفحات ومواقع أسعار الصرف التي تظهر الفرق بين أسعار الصرف في صنعاء وعدن. والسبب في ذلك هو عدم تدعيم القرار بإجراءات وفرض التزامات ورقابة على التجار، فالمواطن في مناطق سيطرة الجيش واللجان يتعرض لخسارة كبيرة توازي خسارته في مناطق سيطرة المرتزقة، لأنه يشتري المواد الغذائية بسعر صرف عدن الذي يضعه التجار. وهو يُمنى بخسارة كبيرة عندما يقوم بصرف العملة الصعبة، لأنه يصرفها بسعر منخفض نظريا عن أسعار عدن، لكنه يشتري مواد غذائية مرتفعة عمليا بأسعار صرف عدن أو أقل بقليل، ولو كان يصرفها بسعر مرتفع كما في عدن، لكان على الأقل استفاد من تلك الزيادة لشراء احتياجاته التي تباع بسعر غير الذي يصرف بموجبه. فهو هنا يخسر مرتين؛ مرة عند بيع العملة الصعبة بسعر أقل، ومرة عند شراء المواد الغذائية بسعر عال».

 

فبالنتيجة يتضح أن هذا القرار أشبه بفخ لم يستفد منه سوى التجار والصرافين بزيادة حيل ربحهم، والمرتزقة وتحالف العدوان بالتضييق الكبير على الشعب اليمني، بحسب تعبير الخبير، الذي يضيف: «هناك فوضى في قطاع البنوك والاقتصاد في مناطق حكومة الإنقاذ وعجز كفاءات، تحقق إنجازات نظرية فقط، حتى إن الحال وصل لمراحل سيئة لا تختلف عن فوضى عدن». 

 

ختاماً: يتفق الجميع على أن حكومة المرتزقة هي المتهم الأول في هذه الفوضى التي أثقلت كاهل المواطن وكبدته خسائر مالية فادحة، بسبب أنها رفضت المطالب الوطنية لتحييد الاقتصاد، واستخدمته كأداة حرب ضد المواطنين، وتماديها في طباعة عملة جديدة دون غطاء، الأمر الذي أدى إلى انهيار العملة الوطنية، مما خلق معاناة معيشية للمواطنين.

 

غير أن شركات الصرافة ليست بريئة من استثمارها هذا الوضع لصالحها، فرفعها لعمولة التحويل تحت مبرر فارق سعر الصرف، ليس سوى عملية احتيال كبرى تقوم بها ضد المواطن، لزيادة أرباحها على حساب معاناة اليمنيين، بحسب أحد الخبراء الاقتصاديين.

 

وحل هذه المأساة والكارثة الاقتصادية يكمن في عدد من النقاط الرئيسية، أهمها: تحييد الاقتصاد، تشكيل إدارة موحدة للبنك المركزي، وإيقاف طباعة المزيد من العملة الجديدة دون غطاء.

 

(غازي المفلحي – صحيفة لا)

 

#معا_لمواجهة_كورونا

#توازن_الردع_الرابعة

#المركز_الإعلامي_تعز

أشترك على قناة أخبار تعز تلغرام وكن أول من يعلم الخبر فور حدوثه

telegram.me/taizznews