تعز العز

التطبيع الإماراتي البحريني مقدمة للتطبيع السعودي مع العدوّ الصهيوني

تعز نيوز- كتابات

 

تتسارع الأحداث في منطقتنا العربية وتتعاظم أحداثها جرّاء الإعلان غير المفاجئ لما يُسمّى باتّفاقية أبراهام أَو إبراهيم، بين كُـلّ من مشيخة الإمارات العربية المتحدة والكيان الإسرائيلي الصهيوني وبرعايةٍ مباشرة من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وقد تمّ الإعلان عن هذه الاتّفاقية من البيت الأبيض خلال تغطية إعلامية استعراضية واسعة.

 

اختلفت الروايات والتكهنات بشأن مضمون وتوقيت هذا الاتّفاق بين أبوظبي وتل أبيب، فالبعض من المراقبين والمحللين أُصيب بالدهشة لمُجَـرّد سماع الخبر، والآخر تعامل معها وكأنها تحصيل حاصل لعلاقات كانت قائمةً في الأَسَاس، وما حدث هو مرحلة الإعلان عن الاتّفاق، أي رفع الملف بِرُمَّته من تحت الطاولة إلى ما فوقها، وأنَّ تلك العلاقات الدافئة قد برزت سابقًا في العديد من المحطات الثقافية والرياضية والسياحية والتجارية، وتجلّت مؤخّراً على صعيد التعاون في مجال الاستخبارات والتجسس الأمني، قبل الكشف الرسمي عن هذه الاتّفاقية–الفضيحة بين المشيخة والكيان.

 

ومن الجدير إعادة ذكره أن الأحلاف والمشاريع التي تحاول السيطرة على منطقة الشرق الأوسط بِرُمَّتها، هي مشاريع قديمة جديدة تتصارع على المنطقة لأهميتها الاستراتيجية والاقتصادية والروحية لما فيها من إرث ديني وتاريخي مقدس، وهو مُعطى يفتح شهية جميع الأطراف إلى الهيمنة والسيطرة على قلب العالم وشريانه.

 

الإشارة مرةً أُخرى إلى أنّ الأحلاف والمشاريع السياسية والعسكرية والأمنية والثقافية تتصارع؛ مِن أجلِ الهيمنة على منطقتنا لما تتمتع به هذه البقعة الجغرافية من مرافق حيوية حسّاسة.

 

ما هي تلك المشاريع؟

 

أولاً: حِلف المشروع الغربي الرأسمالي الصهيوني الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية. يتم تمويل هذا المشروع من أرصدة نفط دول مجلس التعاون الخليجي. هذا الحِلف لا تتقاطع فيه المكونات وتتناقض باختلاف المصالح فحسب، بل هو يشكّل مظلةً ترأسها الولايات المتحدة الأميركية وحِلف الناتو. وقد تجلّت هذه التباينات من خلال المقاطعة الخليجية الشرسة لإمارة قطر، والمتمثلة بأشقائها لا سِـيَّـما السعودية والإمارات والبحرين، إضافة إلى الخلاف الحاد بشأن تقاسم مصالح الغاز والنفط في شرق البحر الأبيض المتوسط بين كُـلّ من فرنسا واليونان وقبرص اليونانية من جهة، وتركيا والجزء التركي من قبرص من جهةٍ أُخرى، وهذا أمرٌ قد تكرّر حدوثه على مرّ التاريخ بين أعضاء الحلف الواحد.

 

ثانياً: حِلف المشروع القومي العروبي بقيادة الزعيم الخالد/ جمال عبد الناصر، والذي اضمحلّ؛ بسَببِ التآمر المباشر وغير المباشر عليه من قِبَل أدوات المشروع الأول وَلم يتبقَّ منه سِوى بضع مئات من العناصر القومية التحرّرية الشريفة، يجتمعون في منتدى محدود العدد كُـلّ عام تقريبًا في أية عاصمةٍ عربية تسمح لهم باللقاء وتجديد العهد والولاء للقضية القومية العروبية، كي تبقى جذوة العقيدة حيةً مشتعلة بغية نقلها إلى الأجيال العربية الصاعدة، منطلقين من قِيَم ومعطيات بأنَّ العدوّ لم يتغير والمحتلّ لم يتبدّل، والهيمنة والتبعية هي ذاتها، ولم يتغير من المشهد سِوى مُفرداتٍ مُحرَّفة لإقناع الجماهير العربية بفكرة التطبيع مع الكيان الصهيوني الإسرائيلي الغاصب وهي “إسرائيل”.

 

ثالثاً: حِلف المشروع المقاوم للهيمنة الغربية الرأسمالية والاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين وتتزعمه الجمهورية الإسلامية الإيرانية. هذا المشروع نهض من بين ركام الظُلم والمُعاناة والتهجير والاستيطان والإذلال بجميع صنوفه، ونهض بمقاومة ضد أعتى الأنظمة الغربية شراسةً وظلماً وجبروتاً وضد أتباعهم من العرب المتصهينين في المنطقة والعاملين ضد أمتنا العربية والإسلامية. هذا المشروع حقّق لِلبنان الانتصار في معركته الشريفة بقيادة سماحة السيد/ حسن نصر الله، ضدَّ العدوّ الإسرائيلي وأجبره على الاندحار من جنوب لبنان عام 2000م، وحقّق له الانتصار الكبير عام 2006م، وضمن له الآن توازن الردع الاستراتيجي النسبي مع الكيان الصهيوني الذي كان يصول ويجول في لبنان دون رادع بجيشه الذي كان يُسمَّى ذات يوم (بالجيش الذي لا يُقهر ولا يُهزم). من ناحية أُخرى، حقّق هذا الحِلف لسوريا العروبة النصر العظيم وثبات الدولة بحدودها وشموخها بقيادة الرئيس الحكيم الدكتور/ بشار الأسد، وحقّق للعراق الحضاري النصر الكاسح على التنظيمات الإرهابية (داعش والقاعدة)، وحقّق لغزة الفلسطينية المحاصرة ولمقاومتها البطلة الانتصارات التي يحسب لها العدوّ الصهيوني حساباً استراتيجياً دقيقاً، وحقّق لليمن العظيم الصمود والنصر بعد حربٍ عدوانية وحصارٍ جائرٍ استمر قرابة 2000 يوم من المقاومة، ولولا إرادَة الله سبحانه وتعالى ودعم حِلف المقاومة وتوجيهات القيادة الرشيدة لقائد الثورة الحبيب/ عبدالملك بن بدر الدين الحوثي، لما تحقّقت كُـلّ تلك الانتصارات على العدوان السعودي–الإماراتي وعملائه والمرتزِقة اليمنيّة التابعة له في الداخل.

 

حِلف المشروع الرابع، ما زال يتشكل من القوّتين العُظميين الشرقيتين وهما الصين الشعبيّة وروسيا الاتّحادية؛ لأَنَّهما مستهدفتان بشكلٍ مباشرٍ من قِبَل الحِلف الأول (الحِلف الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية)، وقد أشعلت الولايات المتحدة الأمريكية الحرب الباردة التجارية ضدَّ الصين الشعبيّة، وأطلقت معركة التهديد الحدودي من قِبَل حِلف الناتو الذي نشر الأسلحة الاستراتيجية والتكتيكية الغربية لتصل إلى تخوم روسيا الاتّحادية في بولندا، ورومانيا، وأوكرانيا، وحتى جورجيا، والتي تُعدّ الخاصرة الروسية الرخوة. كما أنَّ التحرش شبه اليومي للسفن العسكرية وحاملات الطائرات الأمريكية في بحر الصين الجنوبي، هي إحدى علامات محاولة فرض الإرادَة العسكرية الأمريكية على الصين؛ باعتبَارها قوة اقتصادية صاعدة، قد تصبح بعد عقدٍ من الزمن القوة الاقتصادية الأولى في العالم؛ ولهذا فإنَّ اتّحاد وتحالف العملاقين روسيا والصين هو أمر حتميّ لتفادي غطرسة أميركا والغرب، لما لهذا الحِلف من تأثير على منطقة الشرق الأوسط من خلال مشروع الصين الاقتصادي الاستراتيجي (الحزام والطريق) ومن خلال حضور روسيا العسكري المباشر في سوريا وشرق البحر الأبيض المتوسط.

 

كل هذه المشاريع والأحلاف ترسم خيوطها وخططها في جغرافية الشرق الأوسط، لكن حكاية التطبيع بين مشيخة الإمارات والكيان الصهيوني لها “أسبابها” المرتبطة بدول مجلس التعاون الخليجي منها:

 

(أ) تعاني مشيخة الإمارات العربية المتحدة من ورطة التدخل في الحرب العدوانية على اليمن حيث ارتكبت فظائع وجرائم وحشية بحق الشعب اليمني لا يسعها التنصّل منها بسهولة أَو تبرئة نفسها جرَّاء ما اقترفته من ملاحقات بحق المواطنين وارتكاب لجرائم الخطف والإخفاء القسري والاغتيالات المنظمة وفتح سجون التعذيب. كُـلّ تلك الجرائم موثقة في أضابير قانونية حقوقية في الداخل والخارج، بطبيعة الحال كانت مشيخة الإمارات العربية تمارس هذه الأعمال المشينة بشكلٍ مباشر أَو بواسطة عملائها من الانفصاليين اليمنيين الذين جعلت منهم أحزمة أمنية إجرامية والذين اختارتهم من النخب المناطقية المتخلّفة. فكُل الجرائم معروفة وموثّقة بالصوت والصورة وضحاياها معروفين.

 

كذلك، تتمتع قيادة مشيخة الإمارات من فائضٍ في القوة المالية النقدية الناتجة عن بيع النفط ومشتقاته وعمليات غسل الأموال وتهريب الممنوعات على المستوى الدولي، بيد أن هذا الفائض الهائل يصاحبه في المقابل نقصٌ حاد في التراكم المعرفي والأخلاقي لإدارة الدول والمجتمعات الإنسانية؛ باعتبَارها دولة حديثة العهد وهي مُصنّعة استعمارياً. ففي عام 1971م، لم تكن الإمارات تمتلك أدنى الخبرات في كافة المجالات، فبادرت إلى استقدام مستشارين من جميع الأقطار في العالم، وهم أشخاص ملاحقون بِتُهم أخلاقية خطيرة. وبالمحصلة، إن هذا الإعلان الباهت للتطبيع ليس المقصود به مشيخة الإمارات فحسب كما يصرح به قادة الحركة الصهيونية، بل الغرض الأَسَاس من هذا الإعلان هو جرّ المملكة العربية السعودية إلى التطبيع، وهي الدولة التي تحتضن على تضاريسها أهم وأغلى بقعتين مقدستين للعالم الإسلامي، وهما مكة المكرمة والمدينة المنورة الطاهرتان. وما عبور الطائرة الصهيونية القادمة من تل أبيب للمرّة الأولى فوق الأجواء السعودية بشكل علني يوم الاثنين، 31 أغسطُس 2020م والمتجهة إلى أبوظبي سوى خطوة أولى مُعلنة؛ بهَدفِ التطبيع السعودي–الصهيوني الإسرائيلي السافر. هذه الطائرة كانت تحمل على متنها السيد/ جاريد كوشنير صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومستشاره الخاص، ومعه السيد/ روبرت أوبراين مستشار الأمن القومي الأمريكي، والإرهابي/ مائير بن شبات مستشار الأمن القومي الصهيوني الإسرائيلي، وطاقمٌ كبير من الجواسيس والخبراء والمستشارين الأميركيين والصهاينة. علماً أنَّ مُؤشرات التقارب الإماراتي- الصهيوني قد ظهرت في السنوات القليلة الماضية على نحو مصافحات وديّة بين الأمير تركي الفيصل آل سعود مدير الاستخبارات السعودية الأسبق، وقادة من الصهاينة في إحدى المؤتمرات السياسية، والزيارة الشهيرة التي قام بها اللواء المتقاعد/ أنور عشقي، وغيرها من الزيارات العلنية والسرية، بحيث بات هذا التقارب مألوفاً بالنسبة للرأي العام العربي والإسلامي لا سِـيَّـما لدى سماعهم إمام وخطيب الحرم المكي الشريف (الشيخ)/ عبدالرحمن بن عبد العزيز بن عبدالله بن محمد السديس والرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، الذي تلجلج في خطبة الجمعة، من على منبر الرسول محمد صلى الله عليه وسلّم، ممهّداً للتطبيع مع اليهود الصهاينة وهو من يسوق بصفاقةٍ معهودةٍ لذلك الطريق الجديد، من عاصمة المسلمين وقبلتهم مكة المكرمة إلى تل أبيب المحتلّة. وبالمحصلة، فإنّ خطوة الإمارات التطبيعية هي مُقدمة فحسب لخُطوة التطبيع السعودي، هذه هي كارثة الكوارث على الأُمَّــة الإسلامية إن صدق تحليلنا.

 

ب) خُطوة التطبيع من الزاوية الصهيونية هي سبيل لِجَر السعودية إلى مربع الخيانة التطبيعي بطبيعة الحال كما أسلفنا؛ بهَدفِ إنقاذ المجرم الصهيوني/ بنيامين نتنياهو من سلسلة الفضائح الأخلاقية والفساد وخيانة الثقة لدولته الصهيونية، ويُعدّ أَيْـضاً دعماً انتخابياً للرئيس الأمريكي/ دونالد ترامب في حملته الانتخابية ضد المرشح الديمقراطي/ جو بايدن، الذي تزداد حظوظه بالنجاح وفقاً لاستطلاعات الرأي الأخيرة. فحكاية السلام وإقحام اسم النبي إبراهيم عليه السلام، ليست سوى ضحكٍ على الذقون، فالشعب الفلسطيني هو من يُراد له أن يخسر قضيته للأبد.

 

(ج) حينما قرّر الرئيس المصري الأسبق/ محمد أنور السادات إعادة العلاقات والتطبيع مع الكيان الصهيوني عام 1978م، قرّر الحُكام العرب طرد جمهورية مصر العربية من الجامعة العربية، وتمّ نقل مقر جامعة الدول العربية إلى جمهورية تونس، وكنا قد تابعنا جميعاً إدانة وشجب منظمة التعاون الإسلامي لذلك التطبيع، ونذكر جيِّدًا كيف هاج الوطن العربي وجماهيره الغفيرة من المحيط إلى الخليج ضدَّ قرار السادات. بطبيعة الحال فإنَّ وزن مصر العروبة ومكانتها العظيمة في وجدان الأُمَّــة العربية كبيرٌ جِـدًّا، مقارنة بباقي دول التطبيع الأُخرى، ولن يكون الموازي للتطبيع الساداتي وزناً وقيمةً وهيبةً سِوى تطبيع السعودية؛ باعتبَارها أرض الحرمين الشريفين ومقر المنظمة الإسلامية الدولية، وحِصن البترو- دولار الذي شوَّه عالمنا العربي والإسلامي بِرُمَّته.

 

يتلخّص التطبيع السعودي مع العدوّ الصهيوني بمحاولة تحقيق معادلة اعتلاء عرش المملكة العربية السعودية والتربّع عليه. بالرغم من كُـلّ المآخذ التي طالت الأمير الشاب/ محمد بن سلمان، يعتبر هذا الأخير أنّ رضا الإدارة الأمريكية الصهيونية هو ضمان حماية انتقاله السلس إلى العرش الملكي، وضمانة إضافية لفوز الرئيس الأمريكي/ دونالد ترامب الجمهوري في معركته الانتخابية الصاخبة ضد المرشح الديمقراطي السيد/ جو بايدن، واللَّه أَعْلًمُ مِنَّا جميعاً.

 

﴿ وَفَوْقَ كُـلّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾.

 

أ. د. عبد العزيز صالح بن حبتور 

 

#المركز_الإعلامي_لأنصار الله_تعز

#إمام_الجهاد

🔴 ذكرى إستشهاد الإمام زيد عليه السلام

أشترك على قناة أخبار تعز تلغرام

telegram.me/taizznews