تعز العز

ما يريده آل سعود هو الاستسلام وليس السلام في اليمن

بقلم / بهيج سكاكيني

ما زالت قوات «التحالف العربي» والمرتزقة التي تمكن آل سعود من جمعهم من العديد من الدول يواصلون اعتداءاتهم اليومية على الشعب اليمني وخاصة في القصف المتواصل لطائرات التحالف غير المقدس منذ ما يقرب من الخمسة شهور دون هوادة أو تراجع ولو لبضعة ساعات، والذي من نتيجته تم تدمير الحجر والبشر وكل ما ينتمي لما يسمى باليمن، مما أعاد اليمن كدولة إلى العصر الحجري ربما. وهذا ليس مبالغة على الإطلاق عندما يقرأ الإنسان التقارير الواردة من المنظمات إلاغاثية والصليب الأحمر الدولي واليونيسف والعديد من المنظمات التابعة للأمم المتحدة. وآل سعود ماضون في وحشيتهم التي فاقت كل التصور والحدود والمقاييس حتى بمقاييس ما اقترفه جيش الكيان الصهيوني في اعتداءاته المستمرة على قطاع غزة. إلى الدرجة التي وقف فيها نتنياهو المجرم وفي معرض دفاعه عما ارتكبه جيشه في غزة وعن إمكانية أن يحاكم البعض منهم في محكمة الجنايات الدولية تحت طائلة جرائم حرب بان يقول لماذا لا تنظرون لما تفعله السعودية في اليمن. وآل سعود ماضون بتعطيل الوصول إلى أي حل سياسي بين اليمنيين أنفسهم بوساطة أو تحت رعاية الأمم المتحدة. فقد مارسوا كل الضغوط للتخلص من المبعوث الأممي السابق إلى اليمن جمال بن عمر الذي عمل جاهدا مع جميع الأطراف والمكونات السياسية لليمن التي كانت كما قال في حديثه لمجلس الأمن الدولي «على قاب قوسين أو أدنى من إبرام اتفاق سياسي، نتيجة حوار دام أكثر من شهرين عشية إطلاق «عاصفة الحزم». تخلصت منه السعودية وأجبر المبعوث الدولي على تقديم استقالته إرضاء لآل سعود لأنه عمل بكثير من النزاهة لإيجاد حل عادل توافقي بين جميع المكونات اليمنية ورفض أن يكون أداة سعودية بالرغم من الإغراءات. واليوم نرى آل سعود يقفون حجر عثرة أمام المبعوث الأممي الثاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد برفضهم جملة وتفصيلا النقاط التي حملها من مسقط بعد أن أخذ الموافقة من قبل الأطراف اليمنية وخاصة أنصار الله على النقاط التي اقترحها بالرغم ربما من أن بعض بنودها لم يكن منصفا بحق أنصار الله من الحوثيين ولكنهم كانوا على استعداد للتنازل لإعطاء فرصة لتجنيب الشعب اليمني المزيد من المآسي ولإدخال المساعدات الإنسانية التي أضحى أكثر من 15 مليون يمني بحاجة ماسة إليها. رفضتها السعودية وحملته شروطها قبل عودته إلى مسقط ليعرضها على الوفد اليمني من الحوثيين وأنصارهم داخل اليمن وتحت التهديد إما القبول وإما استمرار الحرب. وهذه الشروط وان قيل من بعض وسائل الإعلام أنها قدمت من الرئيس هادي إلا أن الجميع يعلم علم اليقين أن هادي لا يعدو عن كونه ألعوبة وكما نقول في البلدي «رجل طاولة» يؤمر بما يجب أن يعمل ويقول من قبل آل سعود ضامني لقمة معيشته ومعيشة حاشيته القاطنين في الرياض الذي لا يتجرأ أي منهم لزيارة عدن سوى لبضعة ساعات للكاميرا وسرعان ما يعود إلى جحره في الرياض. الشروط التي قدمت هي بمثابة شروط تعجيزية ولا تعدو عن كونها الطلب باستسلام كامل من قبل أنصار الله واللجان الشعبية والجيش اليمني الذين يحاربون العدوان السعودي-الأمريكي والقاعدة وتنظيم داعش وأنصار هادي وتنظيم الإخوان المسلمين من حزب الإصلاح ومن لف لفهم. فالمطلوب تبعا لآل سعود انسحاب الجيش اليمني واللجان الشعبية جميعهم من كل المحافظات والمدن اليمنية وتسليم أسلحتهم (لمن لا ندري) وإطلاق سراح كل المعتقلين لديهم والقبول غير المشروط بعودة هادي إلى صنعاء وطاقم حكومته لممارسة الحكم والقبول بالمبادرة الخليجية (سبب البلاء) كأساس للحل السياسي في اليمن ولم يأت ذكر اتفاق السلم والشراكة التي وافقت عليه جميع المكونات اليمنية لا بل أن هادي وزمرته يقولون لا وجود لهذا الاتفاق. إلى جانب التطبيق غير المشروط لقرار مجلس الأمن الدولي الخاص باليمن. بمعنى وببساطة عليكم أن تستسلموا بالكامل، وإلا فإن العدوان برا وبحرا وجوا والتدمير مستمر إلا أن تلبو هذه الشروط. ما قدمته السعودية لا يدل فقط على مدى التوغل ومساحة الإجرام والوحشية التي يمكن أن يذهبوا إليها، بل يدلل أيضا على مدى الغباء السياسي منقطع النظير الذي يتمتع به آل سعود والصبيانية والمراهقة السياسية والعسكرية في إدارة الأمور وفهم الوقائع كما هي على الأرض. والتي بمجملها في تقديرنا المتواضع ستنقلب كارثيا على آل سعود ومملكتهم وحلفاؤهم من الدول الخليجية وخاصة الإمارات التي أقحمت وحدات من جيشها لقيادة القوات البرية الغازية للأراضي اليمنية، الذين لم يدركوا أن الدخول إلى المستنقع ليس كالخروج منه. وهنالك العديد من المظاهر والوقائع على الأرض التي أصبحت تدلل على أن المستنقع بدأ بالتهام ما ظهر وكأنه إنجازات وانتصارات تحققت لهذه القوات الغازية التي تجرأت على دخول أرض اليمن الطاهرة وشعبها المقدام الذي يأبى إلا أن يعيش بكرامة وعزة واستعداده للشهادة للدفاع عن أرضه وعرضه. لقد مضى على العدوان السافر «للتحالف العربي» الذي تقوده السعودية والذي ما هو إلا واجهة لعدوان سعودي-أمريكي-صهيوني على اليمن أكثر من خمسة أشهر مستخدمين أحدث الأسلحة التي أنتجتها شركات الصناعة الحربية الأمريكية والإسرائيلية التي وصلت لاستخدام القنابل النيوترونية بحسب الخبراء والمختصين، وما زال العدوان يراوح مكانه بالنسبة للأهداف التي رسمها منذ بداية العدوان بالرغم من حجم الدمار الذي لا يتخيله عقل الذي أحدثه العدوان. نعم اضطر الجيش اليمني واللجان الشعبية إلى ترك العديد من المناطق والانسحاب منها بعد عمليات الإنزال البري والبحري والجوي للقوات الإماراتية والسعودية وحفنة المرتزقة بأحدث أسلحتهم من دبابات وعربات مصفحة …الخ. هذا بالإضافة إلى القصف الجوي المتواصل. ولقد نفذت طائرات التحالف ما يقرب من 400 غارة جوية يوم أن تم الإنزال البحري للقوات الإماراتية إلى عدن. وهلل المهللون وانتشرت الصور في وسائل الإعلام الغربية والخليجية التي عمدت إلى إظهار عملية «تحرير» عدن خاصة. وأصطف البعض لأخذ الصور التذكارية في مطار عدن. ولكن سرعان ما ظهرت أعلام القاعدة وداعش في المدينة، وسرعان ما اشتبكت قوات من الحراك الجنوبي بعناصر القاعدة، ومؤخرا سجلت اشتباكات بين القوات الإماراتية والحراك الجنوبي وكذلك ما بين القوات الإماراتية وعناصر من القاعدة في عدد من المناطق الجنوبية وخاصة في عدن. وقبل عدة أيام سيطرت القاعدة في اليمن على القصر الجمهوري في مدينة التواهي في عدن والمنفذ البحري في عدن. ويحرص مقاتلو تنظيم القاعدة على عدم الظهور بأعداد كبيرة الآن خوفا من استهدافهم من قبل طائرات «التحالف» التي لم تستهدف أماكن تواجدهم ومعقلهم الرئيسي في حضرموت، قبل البدء في انتشارهم وتوسيع الرقعة التي يسيطرون عليها والتمكن من الوصول إلى عدن إمارتهم الإسلامية المرتقبة وغيرها من المحافظات، وقتالهم تحت راية حزب الإصلاح لتنظيم الأخوان المسلمين في اليمن. وقد نشرت صورا للمجزرة التي ارتكبوها في تعز والتي ما زالت حاضرة في الأذهان حيث قاموا بتقطيع أطراف بعض من اعتقلوهم بالسكاكين وحرق البعض أحياء والتشنيع بالجثث والقيام بعمليات سحل في شوارع المدينة لبث الرعب في السكان. لو كانت قوات «التحالف» تسيطر على الوضع على الأقل في عدن كما يدعون في أبواق إعلامهم وأنها أصبحت مدينة «محررة» بالكامل فلماذا لا تعود «الحكومة الشرعية» إليها «وتباشر أعمالها» بدلا من البقاء في الرياض؟ وإذا كانت مدينة عدن «محررة» فلماذا توقف منظمة الصليب الأحمر الدولي خدماتها وتسحب موظفيها منها بعد الاعتداء على مكاتبها وتهديد موظفيها؟ ولماذا يرسل آل سعود قوات عسكرية سعودية خاصة إضافية قبل يومين إلى مدينة عدن للمحافظة على الأمن كما تقول مصادر إعلامية سعودية؟ وهل ما ذكر حول القوة السعودية على أنها ستشارك في «وضع استراتيجية للدفاع الذاتي عن مدينة عدن من الهجمات الإرهابية» يعني أنه تم «تحرير» عاصمة الجنوب؟ وهل تم «تحرير» أبين أو البيضاء أو مارب وما زالت الاشتباكات دائرة والقصف لقوات «التحالف» مستمر على هذه المناطق والمحافظات؟ أم أن قوات «التحالف» الآن بدأت تقصف القوات الموالية لهادي وحزب الإصلاح وبقية المرتزقة من إماراتيين وغيرهم بمعنى أن قوات التحالف بدأت تقصف قوات التحالف؟ الأخبار وأثناء كتابة المقال أشارت إلى عملية إنزال جديدة لقوات سعودية ودبابات وعربات مدرعة للاشتراك في الحرب الدائرة في مارب التي ما زالت صامدة في وجه الغزاة والقوات الموالية لهادي ومن لف لفهم. وآل سعود يتوعدون بالزحف على صنعاء ويقرعون طبول الحرب ويقومون بتدريب قوات لذلك. كل هذا يشير إلى أن آل سعود يتورطون شيئا فشيئا في المستنقع اليمني بعد أن فشلت القوات الإماراتية في حسم المعارك الدائرة وربما أيضا لأن آل سعود لا يريدون أن تكون هنالك منافسة إماراتية للنفوذ السعودي التاريخي في أمور اليمن. وهذا التنافس من شأنه أن يخلق خلافات في الأجندات الإماراتية والسعودية فيما يخص مستقبل اليمن، مما يزيد التعقيدات في الساحة اليمنية. على الجانب الآخرفإه المجيء بقوات أجنبية على الأرض اليمنية وتزايد أعدادها تدريجيا مع احتدام المعارك وعدم القدرة على حسمها لصالح هذه القوات الغازية وإطالة أمد الحرب لن يكون في صالح آل سعود أو الإمارات، لأنها ستدخل في حرب استنزاف طويلة الأمد، لا تقوى الإمارات أو آل سعود على تحمل نتائجها. وربما الأهم من ذلك هو ما يحاول آل سعود إخفاءه عن الشعب السعودي والخليج بصورة عامة وهو ما يحدث ليس في المناطق الحدودية بين اليمن والسعودية، بل ما يحدث في داخل الأراضي السعودية حيث قام الجيش اليمني وقوات اللجان الشعبية اليمنية وأنصار الله بنقل المعركة إلى داخل الأراضي السعودية. ليس في قصف مواقع معسكرات الجيش السعودي فقط من الأراضي اليمنية بالصواريخ، بل والدخول والاستيلاء على تلك المواقع العسكرية واحتلالها والبقاء فيها والسيطرة عليها، مثل موقع الفريضة العسكري في جيزان وموقعي مشعل وملحمة وموقع العمود العسكري. وسائل الإعلام السعودية لم تذكر أيضا فشل القوات السعودية في إعادة السيطرة على هذه المواقع الحدودية، كما لم تذكر هروب عناصر الجيش السعودي وترك آلياتهم العسكرية خي دبابات وعربات مصفحة وكل هذا نقل بكاميرات الإعلام الحربي للجيش اليمني واللجان الشعبية بالصوت والصورة. هؤلاء الجنود يهربون ليس لجبن بل لأنهم ببساطة يعاملون كرعايا وليس كمواطنين ,فآل سعود لا يعترفون بشيء اسمه وطن ومواطنة. فالجندي السعودي يهرب لأنه في داخله لا يريد أن يدافع عن عائلة فاسدة مارقة تنهب البلاد ومقدراتها ولا تعترف به كمواطن أصلا. آل سعود يريدون أن يخفوا عن الشعب السعودي خاصة والخليجي عامة خسائرهم البشرية والعسكرية داخل مملكتهم لأن في ذلك زعزعة لهيبتهم ومكانتهم والصورة الكاذبة التي تروجها وسائل إعلامهم بأن مملكتهم تتمتع بالأمن والاستقرار بالرغم من كل ما دار ويدور في الجوار وفي المنطقة. لن يتمكن آل سعود من الإبقاء على هذه الصورة لفترة أطول وقد أصبحت المدن السعودية في مرمى صواريخ الجيش اليمني واللجان الشعبية. لن يقوى آل سعود على إخفاء سقوط طائرات الأباتشي بصواريخ الجيش اليمني واللجان الشعبية ولن يستطيعوا إخفاء تدمير دبابات ابراهام الأمريكية السعودية والإماراتية بصواريخ كورنيت التي دخلت كسلاح نوعي أيضا في المعارك الدائرة على الساحة والتي أصبح العالم يشاهدها بالصوت والصورة على شاشات التلفزيون. كما أنهم لن يستطيعوا إخفاء ضرب بعض المنشآت العسكرية مثل محطة كهرباء حامية جيزان العسكرية السعودية. وها هو العميد لقمان في الجيش اليمني يطلب من السكان المدنيين السعوديين القاطنين بالقرب من المطار العسكري في أبها ترك المنطقة لأن المطار أصبح من الأهداف العسكرية لصواريخ الجيش اليمني وذلك ردا على العدوان السعودي. لقد تمكن الجيش اليمني واللجان الشعبية من نقل المعركة إلى داخل الأراضي السعودية ولم يعد بالإمكان إخفاء هذه الحقيقة وأصبح هذا يشكل هاجسا وكابوسا لآل سعود ومن هنا التخبط والإمعان في القصف والتوحش والقتل في اليمن لكل ما هو يمني. أكثر من 100 غارة خلال 24 ساعة نفذت على صعدة فقط يوم الثلاثاء 20 أغسطس و 70 شهيدا. ومن الضروري والمهم أن نشير هنا إلى أن كل القصف الذي يقوم به الجيش اليمني واللجان الشعبية وعلى رأسهم أنصار الله للمواقع في السعودية إنما هو موجه لمواقع عسكرية بالتحديد وليس لمواقع مدنية أو مناطق مكتظة بالسكان وذلك بالمقارنة بما تقوم به طائرات «التحالف» التي تستهدف متعمدة المدنيين مباشرة وفي جميع المناطق والمدن والتي يذهب بسببها عشرات ومئات الضحايا والشهداء يوميا. على سبيل المثال لا الحصر ما حصل في مجزرة المخا في عمران عندما استهدفت طائرات التحالف متعمدة مساكن عمال محطة الكهرباء والتي ذهب نتيجتها ما يقرب من 100 شهيد إلى جانب عدد كبير من الجرحى. ولقد وصل الإجرام في هذه المجزرة بالتحديد من عودة الطائرات مجددا بعدة غارات على السكان الذين تجمعوا لإنقاذ الجرحى من عملية القصف السابقة. إن عدم استهداف المدنيين من قبل الجيش اليمني واللجان الشعبية داخل اليمن هي رسالة على أنهم ليسوا ضد الشعب السعودي بل إنهم ضد آل سعود، وعلى أنهم يدافعون عن وطنهم ضد عدوان سافر وهمجي وغير مبرر، وعلى أنهم يفرقون بين الطبقة السياسية الحاكمة المستبدة والشعب السعودي الذي لا يكنون له أية ضغينة أو كراهية. ما نود أن نختم به هو القول بأن كلمة الاستسلام لا وجود لها في قاموس الشعب اليمني وأن دحر المعتدين من الغزاة لا بد أن يتحقق، و أن نقل المعركة إلى داخل الأراضي السعودية كعامل من عوامل الخيارات الاستراتيجية التي بدأ فيها الجيش اليمني واللجان الشعبية سيفرض على آل سعود إعادة حساباتهم. ولن نستغرب مطلقا أن يكون هذا قد بدأ بشكل من تحت الطاولة وعبر وسطاء للخروج من المأزق والمستنقع، على الرغم من تصريحاتهم العلنية النارية التي ما زالوا يطلقونها. إلى جانب ذلك نؤكد أن الشعب اليمني ومكوناته الفاعلة قادرون على حل مشاكلهم الداخلية بدون تدخل وخاصة مما يسمى بمجلس التعاون الخليجي ورأس هرمه آل سعود الذين يريدون أن ينصبوا أنفسهم أولياء على اليمن ومستقبله ومعاملة الشعب اليمني كرعاياهم.
* نقلاً عن موقع جريدة المنار