تعز العز

اليمن ودول الخليج في لعبة الأمم

كتب/ عبدالله علي صبري

 

 

بالموازاة مع احتدام المعارك حول قاعدة العند الاستراتيجية، تشهد العواصم الإقليمية لقاءات ومباحثات سياسية لا تستثني الملف اليمني، الذي يحتل الصدارة في بعضها إلى جوار الأزمتين السورية والليبية، ومفاعيل الاتفاق الإيراني مع الغرب.

 

وأكدت مصادر صحفية أن المبعوث الأممي إلى اليمن بصدد التوجه إلى مسقط ثم إلى الرياض قبل أن يقدم إحاطة مرتقبة إلى مجلس الأمن. وقالت ذات المصادر أن اسماعيل ولد الشيخ تلقى إشارات إيجابية من مختلف الأطراف وبالأخص السعودية بشأن الحوار وبحث الحلول السياسية للأزمة اليمنية.

 

ومن المفترض أن يواصل ولد الشيخ مباحثاته السياسية والإنسانية، مستفيداً من أجواء التفاهمات الأمريكية الروسية السعودية، ونتائج لقاء وزراء خارجية دول الخليج في الدوحة مع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري. وسيبني المبعوث الأممي مباحثاته على مشاورات القاهرة التي شملت أمين عام الجامعة العربية ووفداً سياسياً من المؤتمر الشعبي العام، بالإضافة إلى النتائج المحدودة التي رشحت عن لقاءات جنيف في يوليو الماضي.

 

وكان السيد عبدالملك الحوثي ألمح الأحد إلى أن الحلول السياسية كانت وما زالت متاحة، مرحباً بالوساطات العربية والدولية المحايدة، الأمر الذي اعتبره المراقبون فرصة مضافة لتعزيز الحوار بين المكونات السياسية، التي طالبها السيد بعدم التأخر في سد الفراغ السياسي.

 

لقاء رئيس اللجنة الثورية محمد على الحوثي بنائب السفير الروسي في صنعاء والاتصال الذي تلقاه قبل يومين من قبل السفير الروسي إلى اليمن، كلاهما بحث أيضاً المسارين السياسي والإنساني للأوضاع في اليمن، وإمكانية استئناف العملية السياسية ووقف إطلاق النار من مختلف الأطراف.

 

 

6 نقاط أمريكية خليجية بشأن اليمن

 

 

في الأثناء التقى وزراء خارجية دول الخليج بوزير الخارجية الأمريكي، وصدر عن اللقاء بيان مشترك تضمن مؤشرات إيجابية بخصوص الملف اليمني، برغم طغيان الفوبيا الإيرانية على البيان.

 

تضمن البيان اعترافاً غير مباشر بأنصار الله كقوة سياسية حين نص في إحدى فقراته على أن “مكونات المجتمع اليمني كافة لديها أدوار مهمة للقيام بها في الحكومة السلمية لليمن”، ما يعني قبول دول الخليج بحكومة وطنية يشارك فيها من كانت تطلق عليهم بالانقلابيين أو المتمردين. وهذا تطور ملحوظ في الموقف الأمريكي / الخليجي.

 

البيان دعا كذلك إلى “سرعة ايصال وتوزيع المساعدات الانسانية على أنحاء اليمن كافة دون تدخل أو معوقات أو تأخير وذلك لتلبية الاحتياجات الماسة للشعب اليمني”. وهذه نقطة جوهرية تتضمن التزاماً خليجيا بشأن وقف الحصار وتذليل الصعاب أمام المساعدات الإنسانية المتجهة إلى عموم اليمن.

 

بالإضافة، فقد أدان البيان الأمريكي- الخليجي “الهجمات العنيفة وزعزعة الاستقرار من قبل تنظيمي القاعدة في شبه الجزيرة العربية وداعش, مشيرين إلى أن هذه المجموعات تستغل عدم الاستقرار في اليمن، وتمثل تهديداً لليمنيين وللمنطقة”. وهذه نقطة ثالثة تصب في الخانة الإيجابية للبيان.

 

وبالإضافة فقد تضمن البيان نقاطاً من الصعب على الجانب اليمني القبول بها، حيث رحب “بعودة وزراء وممثلي الحكومة الشرعية في اليمن إلى عدن” ، دون أن يتطرق إلى أن هذه الخطوة جاءت في ظل العدوان على اليمن، كما أن مسألة العودة هذه ليست حقيقية ، وقد دلت زيارة بحاح الأخيرة إلى عدن، أن وضع المدينة ليس مستقراً بالشكل الذي تروج له وسائل إعلام العدوان.

 

كذلك دعا البيان إلى “الوقف الفوري للعنف من قبل الحوثيين وقوات علي عبد الله صالح”، ولم يشر إلى الأطراف الأخرى المرتبطة بالتنظيمات الإرهابية، والتي يسعى هادي ومرتزقة الرياض إلى توظيف عناصرها في المواجهات الميدانية، برغم تضاد الأهداف لهذه المجاميع، التي تحولت في بعض الحالات إلى مواجهات مسلحة فيما بينها.

 

وفي نقطة ثالثة غير إيجابية دعا البيان إلى “استئناف الحوار السياسي السلمي، الشامل، بقيادة يمنية، المستند إلى قرارات مجلس الأمن الدولي بما فيها القرار 2216، في إطار المبادرة الخليجية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني”. وفي هذه النقطة تمسك بمرجعيات محددة للحوار من الصعب القبول بها دون إضافة أو حذف، أما أن يكون الحوار بقيادة يمنية فهذا هو الأصعب، لأن جذر الخلاف يتعلق بما يسمى بشرعية هادى وحكومة بحاح المستقيلة، ولن يقبل اليمنيون بأي ظرف من الظروف بحوار تحت مظلة قيادة جلبت على اليمن عدواناً وقحاً وغير مسبوق.

 

فائـض قـلق خليجي

 

على أن بيان اللقاء الأمريكي بوزراء دول الخليج، كشف عن حالة قلق كبيرة تعيشها السعودية وبقية دول الخليج عدا عمان، حيث تضمن البيان تعهدات أمريكية بشأن حماية دول الخليج من أية تطورات عسكرية في المنطقة، وضمان سلامة أراضي دول مجلس التعاون من أي عدوان خارجي. “وفي حالة مثل هذا العدوان، أو التهديد بمثل هذا العدوان، فإن الولايات المتحدة على استعداد للعمل مع شركائها دول مجلس التعاون لتحديد العمل المناسب بشكل عاجل وباستخدام جميع الوسائل المتوفرة لدى الجانبين بما في ذلك إمكانية استخدام القوة العسكرية للدفاع عن شركائها دول مجلس التعاون”.

 

هكذا طمأنت واشنطن حلفاءها العرب من مخاوفهم بشأن إيران، غير أن النص السابق لا يمنع التدخل العسكري الأمريكي المباشر في الدفاع عن السعودية حال تطورت الخيارات الاستراتيجية بالنسبة لليمنيين وتمكنوا من الدخول في عمق الأراضي السعودية.

 

الوعود الأمريكية ليست مجانية الثمن، فعلى ما في البيان من تطمينات إلا أنها لم تغن الخليجيين من طلب المزيد من السلاح، والمعدات العسكرية، وهذا ما تبغيه واشنطن بالضبط: المزيد من استنزاف الإمكانات المالية للإمارات النفطية، وعقد صفقات تسليح ثبت حتى الآن أنها لم توجه إلى إسرائيل أو حتى إلى إيران، بقدر ما استخدمت في الاحترابات العربية الداخلية، وفي العدوان الغاشم على اليمن.

 

لقد اشتعلت المنطقة إلى حد غير مسبوق، وبدلاً من استخدام الأموال الخليجية في إطفاء الحرائق، جرى توجيهها باتجاه صب المزيد من الزيت على النار، غير ان النيران المشتعلة تكاد أن ترتد على من يلعبون بها، ما جعل دول الخليج تعيش هي الأخرى أزمة داخلية على مستوى الأمن داخل دولها، وعلى مستوى علاقاتها الإقليمية.

 

الأزمة الخليجية استدعت روسيا وأمريكا إلى التباحث المباشر مع السعودية في لقاء ثلاثي استثنى بقية دول الخليج بما في ذلك قطر الدولة المضيفة للقاء، في خطوة تنطوي على إهانة بالغة لحكام هذه الدول الذين يصدق عليهم الحكمة القائلة: من هان سهل الهوان عليه.

 

فيما كانت إيران بمثابة الحاضر الغائب في هذه اللقاءات التي انتهز وزير خارجيتها الفرصة ليدعو دول المنطقة إلى حوار إقليمي، والبدء ببحث الملف اليمني، وإطلاق مبادرة محورها يقوم على وقف إطلاق النار وتشكيل حكومة وحدة وطنية.

 

تصعيد سعودي قبيل الرد الاستراتيجي

 

ميدانياً لا يمكن فصل معركة العند الدائرة عن مسار التفاهمات السياسية، ومحاولة تحسين أوراق المفاوضات فوق وتحت الطاولة.

 

يسعى العدوان السعودي إلى تعزيز مكاسبه العسكرية في عدن، بتحقيق تقدم مماثل في العند، ما يمنحه هامشاً أوسع من المناورة السياسية مع الجانب اليمني. وفوق ذلك يتجه العدوان إلى مزيد من الحصار البحري والجوي على اليمن من خلال منع رحلات الخطوط الجوية اليمنية من الهبوط في مطار صنعاء، وتوقيف السفن المزودة بالمشتقات النفطية قبل تفريغ حمولاتها بميناء الحديدة.

 

ويتناسى العدوان السعودي أن المزيد من التصعيد العسكري يعني قطع الطريق على الحلول السياسية التي يمكن للرياض أن تخرج بواسطتها من الفخ اليمني بأقل الخسائر، لكن مع تمادي العدوان لن يكون بمقدور اليمن التجاوب مع الوساطات وإن كانت محايدة، خاصة وأن الجيش واللجان الشعبية يتحضرون للدخول في خيارات استراتيجية موجعة ومؤلمة للعدو. وستدرك السعودية حينها أن ما كان متاحاً بالأمس أضحى حلماً في الغد ، وأن لعبة الأمم بالمنطقة التي كانت دول الخليج جزءاً منها، سترتد سلباً على الرياض وأخواتها من عواصم تحالف الشر العدواني على اليمن.

*رئيس تحرير صحيفة الثورة