تعز العز

أشد اوقات الليل ظلمة تلك التي تسبق الفجر

د / عبدالعزيز المقالح
هذا التعبير الذي اخترته عنواناً لهذا الحديث هو ما يتداوله الناس عند اشتداد الأزمات، ويكاد يكون الآن أهم ما يتردد على ألسنة الغالبية من المواطنين في هذا البلد الذي عانى كثيراً ووصلت معاناته في الأيام الأخيرة ذروتها مع اشتداد القصف الجوي والاقتتال الأرضي. ومن حقنا أن نلحظ خيوط الفجر وهي تحاول جاهدة تبديد ما تجمع وتكاثر من ظلمات والبدء في النظر من خلال أشعة تلك الخيوط إلى المستقبل وإيقاف كل ما من شأنه الإبقاء على ما يجعل الظلمة أكثر سواداً وعُتمة، ولكي يتحقق ذلك فلا مناص من اعتراف أطراف الصراع أن الحرب ليست السبيل الوحيد للوصول إلى ما يريدونه، وأن التجربة الطويلة أثبتت فشل السلاح وأن المهمة الأساسية هي للعمل السياسي والتقريب بين المتصارعين ووضعهم وجهاً لوجه بعد أن تكون ضمائرهم قد استيقظت وأنصتوا إلى صوت الدماء وهي تقول كفى، كفى.

لكل شيء في الحياة حد، للتنافس على السلطة حد، وللخصومات المبررة وغير المبررة حد، وللانتقام حد، وللحروب حد، لاشيء بلا نهاية هكذا يقول التاريخ، تاريخنا العربي وتاريخ العالم، وهكذا يقول الواقع. ولكل ما يحدث في بلادنا أن يتوقف عند هذا الحد. وأن يصل إلى نهايته ، وما الاستمرار فيه إلا استمراراً لمزيد من القتل والدمار والتشريد. وبات واضحاً أن الأطراف المتصارعة قد وصلت إلى حالة من القناعة –بعد التكلفة الباهظة- إلى أن السلام بات وشيكاً وأن اشتداد الظلمة في الآونة الأخيرة لم تكن إلا التعبير عن بداية لضوء جديد تعود معه الحياة إلى ما كانت عليه يعود الشعور بأهمية التصالح والتسامح وتحمل عبء المسؤولية بمشاركة فاعلة من الجميع بعيداً عن التفرد والاستيلاء والإقصاء.
إن شبح ما يحدث في سوريا يطارد نوم اليمنيين عن أجفانهم ويجعلهم يحرصون على وقف التمادي في تغذية هذه الحرب التي نجحت حتى الآن في تأخير التطور لسنوات، وفي تشويه الوعي المجتمعي لسنوات. وهذا كله يفرض على المسؤولين عما وصلنا إليه وعلينا جميعاً ضرورة الاعتراف بالذنب والإحساس بما تعانيه الغالبية من فقدان أبسط الضروريات وما هو أهم وأخطر من الضروريات وهو فقدان الأمان والشعور المضاعف بالخوف من الراهن ومن المجهول واحتمالاته المريعة التي يصنع الخيال بعضها وتصنع بعضها الآخر نتائج الواقع بمخرجاته الفظيعة التي فاقت كل التصورات وتخطّت كل المعايير الدينية والأخلاقية والإنسانية ولم تحسب أي حساب للعواقب الفجائعية المترتبة عليها.
لقد كان هذا الشعب، وما يزال يريد حياة آمنة مستقرة ينام فيها الأطفال فلا تفزعهم الكوابيس ولا تبدد أحلامهم الجميلة.. وكان هذا الشعب وما يزال يطالب بأبسط الأشياء وأقلها تكلفة وهي: رغيف الخبز ودبة الغاز وساعات من أنوار الكهرباء. وهو يدرك أن كثيراً من المشكلات ستبقى عالقة في هذا الواقع لكن الحوار والتفاهم كفيلان بأن يوصلاه إلى الحل المطلوب بعيداً عن قذائف الحرب ونصال الاقتتال.. ولا مناص من أن يعترف المتحاربون بأن ما حدث حتى الآن صار كافياً لتجريب نزعة القوة والبدء في تجريب وسائل أخرى أخف وطأة وأقل إضراراً بالناس وبالقضايا المتعلقة بوجود الوطن الواحد وضرورة تطوير إمكاناته لكي تتناسب مع النمو السكاني وتجاوز الاختلال في التوزيع الفاجع للثروة.