تعز العز

بين حساب الحقل اليمني وحساب البيدر السعودي

بعد اكثر من ستة اشهر ، وبعد حشد جيوش اكثر من عشر دول ، وبعد الاف الغارات الجوية العشوائية التي احرقت الاخضر واليابس ، وبعد تجنيد كل الجماعات التكفيرية من القاعدة و”داعش” والاصلاح ، عاد فجر يوم الاربعاء 16 ايلول / سبتمبر ، وتحت جنح الظلام ، نائب الرئيس اليمني المستقيل والهارب رئيس الوزراء اليمني خالد بحاح وسبعة من وزرائه فقط ، الى عدن ، التي يسيطر عليها التكفيريون ، الذين استقبلوه بتفجير كنيسة واطلاق قذيفة على فندق “كونتيننتال”.

الكثير من المراقبين لتطورات الاحداث في اليمن ، يرون في عودة بحاح الى عدن ، بانها حركة استعراضية ، تقف وراءها السعودية ، للظهور بمظهر المنتصر ، واضفاء شيء من الاعتبار على “رجالها” ، الذين فقدوا كل اعتبار لدى الشعب اليمني ، بعد ان رضوا بان يكونوا مرتزقة وعملاء للسعودية التي قتلت اكثرمن عشرة الاف من الاطفال والنساء اليمنيين ، ودمرت البنية التحتية لليمن ، وفرضت على الشعب اليمني حصارا شاملا لم يستثن الغذاء والماء والدواء ، وذلك بعد ان فشلت فشلا ذريعة في تحقيق اي من الاهدف التي شنت لاجلها العدوان على اليمن.

عدن التي عاد اليها بحاح ، لم تعد عدن التي كانت قبل العدوان السعودي على اليمن ، فهي الان تتقاسمها “داعش” و القاعدة و الحراك الجنوبي وميليشيا الاصلاح ، وهي جماعات شكلت ما سوقه الاعلام السعودي تحت عنوان “المقاومة الشعبية” ، بعد ان زودتها بالاسلحة والعتاد والمال ، حيث تحاول كل مجموعة منها ان تفرض هيمنتها على عدن ، وتطرد اخواتها ، وما مسلسل الاغتيالات والتفجيرات التي تشهدها عدن منذ انسحاب الجيش ومقاتلي حركة انصارالله ، الا قمة الجبل الجليدي للصراع الدائر بينها ، والتي تنذر بتفجر الاوضاع في عدن في اي لحظة.

ولم يمض يوم على عودة بحاح الاستعراضية ، شهد الشارع الجنوبي وخاصة في عدن احتقانا وغليانا كبيرين على خلفية تهديدات التي أطلقها راجح بادي مستشار بحاح والناطق الرسمي باسم حكومته ، بعد ان دعا الى إنزال أعلام اليمن الجنوبي بالقوة من مباني مؤسسات الدولة في عدن الامر الذي خلق موجة امتعاض كبيرة لدى التيارات الحراكية الجنوبية ، التي طالبت بادي بسرعة بضرورة سحب تصريحاته وتراجعه وخروجه من عدن فورا ، معتبرة التصريح يمثل قتلاً للقضية الجنوبية.

وفي تزامن مع عودة بحاح هددت دولة الإمارات بسحب قواتها من مدينة عدن إلى مأرب بعد أن سرقت عدد من العربات العسكرية من قبل عناصر الحراك الجنوبي المطالبة بانفصال اليمن ، وأبلغت الإمارات ، صالح بن فريد العولقي استيائها من تصرفات القوى الجنوبية وعناصر الحراك في عدن ، وابلغته بانها ستسحب قواتها إلى مأرب.

وتاييدا لموقف الامارات ، هدد مسؤول سعودي ، في اجتماع أمني لقيادات من دول التحالف السعودي ، بنقل حكومة بحاح إلى مأرب او المكلا ، نظرا للصراع الدائر بين الحراك والمليشيات التابعة لعبدربه منصور هادي ، وانتشار ملحوظ لعناصر القاعدة و “داعش” في عدن.

تحاول السعودية ، من خلال حركاتها الاستعراضية في اليمن ، واخرها اعادة بحاح الى عدن ، ان تغطي على الجريمة الكبرى التي ارتكبتها بحق اليمن والشعب اليمني ، عندما اطلقت يد الجماعات التكفيرية من امثال القاعدة و “داعش” وميليشيا الاصلاح ، و دفعت بالاوضاع في هذا البلد نحو التقسيم ، ومزقت النسيج الوطني والاجتماعي والديني للشعب اليمني ، ولكن فاتها ، ان تداعيات هذه الجريمة سترتد عليها عاجلا ام اجلا ، فلا يمكن ان يتحول اليمن الى مرتع للجماعات التكفيرية والوفوضى ، بينما تنعم السعودية بالاستقرار والامان.

لم يمض على وجود بحاح في اليمن الا ايام قليلة ، حتى تعالت الاصوات بنقل “عاصمة عبدربه منصور هادي ” الى مأرب او المكلا ، بينما جميع الشواهد على الارض تؤكد ان حال مارب والمكلا ، التي تسيطر عليها القاعدة ، ليست باحسن من حال عدن ، التي وقعت ضحية التحالف السعودي التكفيري.

السعودية تحاول من خلال عدوانها على اليمن ، ان تضع الشعب اليمني بين خيارين احلاهما مر ، فاما التقسيم و اطلاق عصابات القاعدة و “داعش” ، او البقاء تحت الهيمنة السعودية ، دون ان تدرك ان الشعوب ايضا لديها خياراتها ، ومنها الشعب اليمني ، فزمن فرض الارادات على الشعوب بالقوة من الخارج قد ولى ، وخاصة لو كانت هذه القوة السعودية والشعب هو الشعب اليمني ، فحساب الحقل اليمني لن يكون ابدا كحساب البيدر السعودي .. وان غدا لناظره قريب.

* سامي رمزي/ شفقنا