تعز العز

دولة سعود العظمى

قلم / حمدي دوبلة

وزير خارجية أسرة سعود عادل الجبير يتكلم ويثرثر كثيراً في كل المحافل وهو يشرح مواقف بلاده الداعمة لحرية الشعوب في المنطقة ومناهضتها للأنظمة القمعية المستبدة وعن ضرورة أن تسير الأمور وتُرتب الأوضاع في تلك البلدان المضطربة البائس أهلها وفقاً لرؤية السعودية باعتبارها – من وجهة نظره – من الدول العظمى صاحبة الحق في فعل ما تشاء والتدخل في شؤون الآخرين كيف ومتى تشاء دون اعتراض من أحد.
وبالفعل فهناك كثير من الغافلين أو المغفلين يعتقدون وهم يستمعون إلى ترّهات الجبير وغيره من الأبواق المتحركة في طول الأرض وعرضها, أن دولة السعودية, الأكثر ثراءً في المنطقة والعالم, تبقى الحضن الدافئ والملاذ الآمن للخائفين والبؤساء والباحثين عن لقمة العيش على امتداد الوطن العربي والحارس الأمين لأمن واستقرار المنطقة بأسرها.
لم يكن يعلم الوزير “الجبير” وهو يثرثر كعادته عقب لقاء القمة بين ملك السعودية والرئيس الأمريكي مؤخراً في البيت الأبيض, عن ضرورة رحيل الأسد وتخليه عن حكم سوريا وتمكين شعبه من الحرية والعيش الكريم, أن طفلاً سورياً يُدعى إيلان في السنة الثانية من عمره فقط, كان في تلك الأثناء جثة هامدة تتقاذفها أمواج البحر مع جثامين عدد من أفراد أسرته قبل أن يلفظهم التيار إلى شاطئ مهجور في تركيا بعد أن تعرض القارب الذي يقلّهم لحادثة غرق تكررت كثيراً مع لاجئين سوريين كثر في مختلف بحار العالم إثر تنكّر الأشقاء والأصدقاء لهم ولمأساتهم المتفاقمة جراء أحداث العنف التي عصفت ببلادهم ولا تزال بأسلحة وأموال عربية وخليجية دون أن تقدم لهم شيئاً سوى إغلاق حدودها في وجوههم ودفعهم عنوةً إلى ركوب الخطر في رحلة غير مأمونة العواقب إلى المصير المجهول.
صورة الطفل السوري إيلان كانت مؤثرة إلى درجة تفوق التصور وأيقظت شيئاً من ضمير بعض هذا العالم المستسلم أمام بريق الأموال والمصالح المادية, خاصةً في المجتمع الأوروبي الذي سارع إلى بحث هذه الأزمة الإنسانية ووضع تصورات ومعالجات كانت إيجابية إلى حد كبير بعكس مجتمعنا الخليجي الغني والمترف الذي ظل على جموده ولم تتحرك مشاعره الإنسانية تجاه أشقائه المشردين والمخربة ديارهم بفعل أموال وأسلحة وسياسات قياداته وكبرائه وحكامه, لكن هذا الجبير الذي لم يجبر بخاطر أحد من أشقائه ضحايا مملكته العظمى, كان على علم يقيني بأن بلاده المتورطة في أحداث سوريا منذ الوهلة الأولى كانت قد أغلقت حدودها أمام طالبي اللجوء من السوريين الذين اضطرتهم الظروف القاهرة إلى الخروج من ديارهم وأموالهم ليذهبوا جماعات وفرادى إلى أبواب العالم يطلبون الشفقة والرحمة, وإذا بالآلاف منهم يموتون في كل البحار والصحارى والأدغال على هذه الأرض ويتعرضون للإهانات والركل أمام كاميرات الفضائيات.
ويا ليت مملكتنا العظمى سكتت واكتفت بهذا الحد من الجفاء والظلم الذي ألحقته بالشعب السوري المغلوب على أمره, لكنها أوعزت إلى امبراطورياتها الإعلامية لإعداد المواد الصحفية والإعلامية التي تتناول الهبات والمنح الكبرى التي جاد بها الكرم السعودي على العمال السوريين في أراضيها وعلى الفضل الهائل الذي قدمه المال الخليجي في الأيام الخوالي في إعمار سوريا من خلال التدفق السياحي من السعودية وغيرها من بلدان الخليج نحو دول الشام ومردودات ذلك على اقتصاد هذه البلدان, في استخفاف سافر بعقول وحياة البشر.
وها هي السعودية العظمى تثبت عظمتها كل يوم من خلال سفك دماء أطفال ونساء وأبناء اليمن ومحاولة القول عبر إقدامها على كل تلك المجازر بحق الأبرياء من المدنيين وتخريب المرافق والبنى التحتية والمؤسسات الخدمية في هذا البلد الفقير, بأنها قوة عظمى لا يمكن أبداً تجاهلها في الخارطة السياسية للعالم, وأنها حامية الأمن في المنطقة, في الوقت الذي تعجز فيه عن توفير الأمان للحجاج والمصلين في بيت الله الحرام, الذي من دخله كان آمناً, لكنهم في ظل عظمة وكبرياء وغرور النظام الأسري الفاسد أصبحوا يلقون حتفهم بالعشرات والمئات في ساحة البيت الحرام الآمن قبل أن تُلقى اللائمة – كما جرت العادة مؤخراً – على الطبيعة وتقلباتها غير المتوقعة, التي أعيت كل إمكانيات وتحسبات هذه القوة العظمى.