تعز العز

آفاق تمزيق الخنجر اليمني لأحشاء المكابرة عند بني سعود

بقلم / علي الصيوان

يمعن الخليجيون في الاشتغال على خط المكابرة السياسية في اليمن, بعد مصرع مئات الجنود الغزاة في مارب, ألقت قطر بـ«ثقلها» العسكري, أرسلت قوات برية قوامها ألف رجل, من «المتطوعين» البلوش, إذ ليس للإمارة جيش وطني, بل هم رجال آسيويون مسلمون تتعاقد معهم بأجر,
ومن المألوف أن يكون القائد العام لهذا «الجيش» يحمل جنسية دولة أخرى, كما كان عليه الحال قبل ثلاثين عاماً حين كان السوداني الفريق عبد الرحمن سوار الذهب قائداً عاماً للجيش القطري.
تندرج «الفزعة» البدوية القطرية المضافة إلى «الفزعة» الإماراتية والبحرانية, في إطار توسيع القاعدة «العربية» لعدوان المملكة, إعمالاً لـ«فلسفة» سياسية جاهلية لا تزال مزدهرة في رؤوس الحاكمين في الخليج, هي أن يضيع دم المغدور اليمني بين القبائل.
بيد أن ملحمة مارب في صفوف غزاة اليمن: (45 إماراتياً, وخمسة بحرانيين, وعشرة سعوديين), واقعة موضوعية لا تتخطاها المكابرة. شأنها في ذلك شأن ازدياد عدد صرعى القوات الملكية في نجران وجيزان, وهي واقعة تستتبع حسابات سياسية مستجدة لدى الصانع الأصلي لقرار العدوان على اليمن, أي «المايسترو» الأمريكي الذي يرغم الرياض ومن يتبعها على الانصياع لإشاراته.
هذا لا يعني أن الولايات المتحدة ستوعز بالكف عن تأجيج نار المكابرة, فهذه, وما يليها من «فزعات», تلبي احتياجاً ملحاً لدى المجمع الصناعي الحربي الأمريكي, هو تصريف منتجاته المدفوعة الثمن مقدماً, كحلقة لا بد منها لتدوير ماكينة الإنتاج وتصدير السلاح الذي تسميه الإدارة الأمريكية «الدعم العسكري لأمن الخليج»(!!!), في مواجهة «الأخطار» المتعاقبة: «الإيرانية» بعد إسقاط الشاه, كما «الأخطار» السوفييتية قبلئذ.
في موازاة ذلك, وعلى الرغم منه, فإن «البيت الأبيض» يأخذ في حسبانه فاعلية شعب اليمن وجيشه الوطني اللذين تسميهما الرياض «قوات الحوثي والمخلوع صالح»!.
حجة «البيت الأبيض» هي مسرح مأرب المدمى, وما يجري على الحدود الشمالية وعمق المملكة, حيث تتهاوى هيبة القوات الملكية المدرعة أمام الإرادة الوطنية اليمنية ورمزها الخنجر المعقوف, وبما يبلور إخفاقاً عسكرياً, بعد السياسي, أمام مشروع كسر إرادة اليمن.
حافز واشنطن لإعادة تقييم العدوان على اليمن يتكون في الأفق المفتوح أمام الخنجر اليمني, مقابل الانسداد السياسي المتربص بمشروع بني سعود, وبما يفسح في المجال أمام الأنموذج اليمني للاستلهام في الإقليم, وبما يترجم قوميا الدلالة الشعبية لفولكلور الزينة بالخنجر في اليمن وعُمان. فهو آية الرجولة والشهامة, لأنه لا يستخدم في المشاجرات, وليس أداة للطعن الغادر, على نحو ما استقر عليه العرف بين محاربي اليمن الأشداء ضد الغزاة العثمانيين والبريطانيين, طوال قرون خمسة منصرمة, استحق فيها اليمن التوصيف بمقبرة الأناضول.
فما التداعيات التي تحاذرها الولايات المتحدة لفاعلية الخنجر اليمني الفتاكة بأحشاء مشروع كسر إرادة اليمن الذي تنفذه مملكة بني سعود, بوصفها «مقاول باطن» في الهجمة الإمبريالية المنقّبة بالإسلام السياسي على المناعة القومية العربية.
واشنطن وحدها هي المقرر في الإجابة عن هذا السؤال, بما لا تتدهور معه حساباتها الأصلية المتوخاة من إطلاق العنان لجائحة الإسلام السياسي, بدوله كمملكة بني سعود والخليجيين, وبفصائله الخارجة كلها من معطف التنظيم الدولي لـ«الإخوان المسلمين».
فهؤلاء الأتباع قد يستخلصون ما يجب من الخيبة العسكرية والسياسية في اليمن, وقد يميلون إلى الإفلات من الورطة في اليمن, لكنهم لا يقدرون على الفكاك من الارتهان لإرادة الولايات المتحدة. فهذه ترسم حساباتها بآليات يعجز عقل أتباعها البداة عن الإحاطة بها, إلا إذا قالتها واشنطن بفم ملآن.
نستدل على نوع الإجابة الأمريكية عن تداعيات فاعلية الخنجر اليمني, بالمسكوت عنه في مقاربة المواقف المؤثرة في مسار الحملة الإمبريالية على المناعة القومية العربية.
نتوقف هنا عند مثال صارخ على هذا المسكوت عنه, والمعلوم لدى كل ذي بصيرة, وهو موقف بلغاريا واليونان من عبور طائرات المساعدات الإنسانية الروسية لسورية أجواءهما. إذ إن أحداً في العالم لم يكن لينتظر بياناً أمريكياً رسمياً يحدد نوع ضغط واشنطن على صوفيا وأثينا, ليقف على سبب تحفظ البلدين على جسر المساعدة الروسية لسورية. كلاهما وضع شروطاً. صوفيا قالت: سنسمح, ولكن بشرط خضوع طائرات النقل الروسية للتفتيش!. وأثينا قالت: سنسمح, ولكن إلى أجل!.
أي إن الأمور مترابطة في منظور واشنطن, مثلما يمكن ويجب أن تكون مترابطة في منظور الدول العربية, والمقاربة الأمريكية لوقائع المشهد العربي: سورية واليمن, حافز لعدم تفويت أي فرصة لدى الدول العربية وأصدقائها, وتخديم الاستراتيجيات يكون فعالاً بمراكمة أدق التفاصيل في الحشد لبلوغ الغاية المرسومة.
والشاهد أن الأسير اللبناني المحرر سمير القنطار لم يطلق رصاصة واحدة على «اسرائيل» منذ تحريره من الأسر, ومع ذلك صنفته واشنطن الأسبوع الماضي إرهابياً. لماذا؟
بالضبط لأنه ينتمي إلى خطاب السيد حسن نصر الله, وليس إلى خطاب وليد جنبلاط المنغمس في تهريج «التطمينات» الصادرة عن سعد الحريري من تغوّل الإسلام السياسي على المكون المذهبي الذي ينتمي إليه جنبلاط والقنطار معاّ.
فجنبلاط واصل الانغماس في التبشير بـ«تطمينات» الحريري حتى بعد مأساة السويداء 4/9. و«تطمينات» الحريري؛ ممثل مملكة بني سعود في لبنان, تلاشت, لأن الإسلام السياسي بدوله كالمملكة, وفصائله الإسلاموية, يشتغلون وفق مبدأ«تصحيح العقائد» الوهابي الذي ينتهك حرية الاعتقاد, ويناهض أتباع المذاهب والطوائف غير الوهابية بإطلاق. وهو «المبدأ» الذي سفكت بتفعيله دماء المسيحيين في العراق وسورية ومصر وليبيا, ودماء الأيزيديين وأتباع مذاهب أخرى في سورية, بما فيها المذهب الذي يدّعي جنبلاط تمثيله في جبل السماق في إدلب.
ادعاء جنبلاط زائف, لأن المشترك الديني والإثني ليس قاعدة تبنى عليها السياسات, والمشترك الديني الروسي-اليوناني (الأرثوذكسية) لم يحل دون مناكفة أثينا لموسكو, مثلما أن المشترك الإثني الروسي-البلغاري (السلافية) لم يمنع صوفيا من أن تيمم وجهها شطر واشنطن. وهذا ينطبق على ادعاء مملكة بني سعود «تمثيل المسلمين» واحتكار الوصاية المنفردة على الكعبة, وعائدات الحجاج السياحية السنوية. فالمشترك الديني (الإسلام) والإثني (العربي) بين المملكة وشعب فلسطين, لم يجد ترجمته في احتضان لاجئ فلسطيني واحد منذ 1948, من دون «فيزا» وضمانة وكيل يتعهد بمراقبة «حسن سلوك» الفلسطيني, ويوعز بطرده متى شاء.
السياسي, والحال, أسبق على المشترك الديني والإثني عند المملكة وعند جنبلاط. وادعاء حصرية التمثيل, زائف وأجوف. وهنا مكمن النفاق في تباكي الإمبرياليين الأمريكيين والأوروبيين على المسيحيين العرب, في السعي «لنجدتهم» في سورية –مثلا- بـ«حل سياسي» جوهره «تدمير الدولة», واستنساخ السيناريو الأفغاني والليبي, عبر سياسة تضمن للإمبرياليين ديمومة المقتلة المانعة لاسترداد العافية الوطنية.
واشنطن تنتهز كل الفرص المتاحة لتخديم هذه الاستراتيجية. ولو أعلن سمير القنطار التحاقه بتهريج جنبلاط, لما صنفته «إرهابياً». وهي لا تغفل التفاصيل الصغيرة إبان هندستها للمشهد العربي.
وهي تلحظ التوجه الروسي إلى مكافحة الإرهاب بتفويض من الأمم المتحدة, يعطل الانفراد الإمبريالي في إدارة الإرهاب واستثماره, تحت عنوان أشد زيفاً هو «التحالف الدولي»! المقطوع الصلة بالآلية الأممية في ضوابط الشرعية الدولية.
الاستراتيجي عند واشنطن هو استثمار الإرهاب وليس مكافحته, وهي تشاطر موسكو خطاب علاقات عامة في شأن «حل سياسي» في سورية واليمن.
أما حين تشفع موسكو خطاب مكافحة الإرهاب بتعزيز قدرة سورية على هذه المكافحة, فإن ثائرة الإمبرياليين تثور تضامناً مع واشنطن في ديمومة استثمار الإرهاب للحؤول دون حل سياسي ينقذ سورية. وهذا سبب موجب للريبة في الدعوة إلى ملاقاة واشنطن في منتصف الطريق, والرهان على «إقناعها» بحل سياسي قابل للحياة, واستنفار «حسن نية» الإمبرياليين حيال السلم والأمن والاستقرار في وطن العرب!.
وهذه هرطقة تتكرر في اليمن, إذ إن قبول الرياض التوجه إلى مسقط لحوار مع اليمنيين, مقدمة لخفض منسوب المكابرة. ولن تعدم واشنطن الوسيلة لتعطيل هذا التوجه, أقله: لتعديله, حتى لا يؤدي إشعاع الخنجر اليمني إلى انكسار في استراتيجية مكافحة الإرهاب في اليمن والإقليم, وفيه سورية بخاصة.
* تشرين