تعز العز

العدو يغتال طلابنا في منازلهم

لم يكتف بتدمير المدارس والمنشآت التعليمية

العدو يغتال طلابنا في منازلهم

* “الفضلي” نجت من الموت اثناء توجهها لاختبار “الثانوية” واستشهد جميع افراد اسرتها
* طلاب فروا من قاعات الامتحان بسبب القصف الهستيري للعدوان
* سناء “البدوي” استشهدت وهي تستعد لخوض امتحان  الشهادة الاساسية

كانت عقارب الساعة تشير الى 12 و36 دقيقة منتصف ليل الجمعة الموافق 4 سبتمبر الجاري عندما تلقت “ملوك” الطالبة في الصف التاسع اساسي رسالة “واتس آب” عبر هاتفها من صديقتها وزميلتها سناء صالح البدوي اخبرتها فيها انها تشعر بالموت يقترب منها وقد تنتقل الى جوار الله قريبا لانه جل شأنه يختار الطيبين وسناء طيبة من شجرة طيبة ..
بدأت سناء رسالتها بالقول : ” يمكن أموت” وتلتها برمز تعبيري عبارة عن يد تلوح بإشارة الوداع ثم أضافت قائلة :” أمانه إذا مت سامحيني وخلي البنات كلهن يسامحنني”.
واستطردت البدوي في آخر محادثة لها مع صديقتها “ملوك” التي سمحت لنا بالاطلاع عليها حيث تحدثت فيها سناء عن سكنها مع أسرتها في منزلهم الواقع في الواجهة على شارع حدة بالعاصمة صنعاء والمطل على معسكر قوات الامن الخاصة ثم تعود لذكر الموت فيما تحاول صديقتها جاهدة تهدئتها بعبارات متناثرة منها: “سناء الله يسامحش .. اسكتي .. ماهو هذا.. ليش انتي بحياتش غلطتي مع حد.. انتي مسامحة بس لا تقوليش هذا الكلام”.
في تمام الدقيقة 43 بعد الثانية عشرة انهت الصديقتان محادثتهما على أمل اللقاء في اليوم التالي بقاعة مدرسة خولة بنت الازور لأداء امتحان مادة الاجتماعيات.. غير أن سناء لم تطلع عليها شمس الصباح .. فبعد نحو 23 دقيقة وبالتحديد في تمام الساعة الواحد و 6 دقائق من صباح يوم السبت ( 5 أغسطس الجاري) مرت من سماء منزل المواطن صالح البدوي طائرات خادم الحرمين الشريفين المتخصصة في اختطاف أرواح نساء وأطفال وشيوخ وشباب اليمن وتوزيع الموت على المساكن والأحياء بكل لذة وشغف.
أقبلت طائرات حلف الرذيلة مسرعة وكأنها كانت تتابع رسائل الطالبة سناء ذات الـ 14 ربيعا مع صديقتها حرفا حرفا وبمجرد أن انتهت المحادثة أعدت المقاتلات عدتها وتزودت بما تحتاجه من صواريخ فتاكة وانطلقت مسرعة صوب صنعاء لتقصفها بعشرات الأطنان من الحقد والغل والكره والحسد والخسة والحقارة المعجونة بالعجز والفشل ونقصان معايير الرجولة لدى مرسليها..
من بين قطيع طائرات العدو السعودي تسللت طائرة إلى سماء  غرفة الطالبة سناء وقت كانت الأخيرة تراجع كتاب الاجتماعيات استعدادا لخوض الامتحانات وكلها أمل وإصرار على النجاح بتفوق رغم ما يعتريها مثل الكثيرين من قلق وخوف جراء استمرار العدوان بالعبث بأرواح شعبنا وتدمير بنيتنا التحتية بشكل عام وبطريقة تكشف ما تكنه لنا الأسر الحاكمة في الجوار من حقد وكره ورغبة في إنهاء وجودنا بشكل كامل.
وقف الطيار معتليا بطائرته ومتعاليا بما تحت يديه من آلة قتل متطورة وفي لحظة ضغط بإصبعه على زر صغير فألقت الطائرة مولودها المسخ على غرفة سناء وكان هذا المسخ كفيلا باختراق سطح الدور الرابع للمنزل والوصول الى الطابق الثالث والتهام روح وجسد وأمل وحياة ومستقبل وكتب ودفاتر وأقلام  سناء بكل شراهة .. فيما كان الطيارون الآخرون يتفنون في توزيع الموت هنا وهناك ويبعزقون صواريخهم ببذخ وعزة في الإثم فقتلوا ودمروا واحرقوا الكثير.
والى جوار منزل البدوي – والد سناء- تضررت عدد من المنازل والمحلات التجارية والسيارات وسقط شهداء وجرحى بينهم نساء وأطفال.
شهادات
مضت نحو نصف ساعة على تدمير منزل صالح البدوي واغتيال البراءة والطيبة والأمل والحياة التي كانت تدب في عروق نجلته سناء وتملأ غرفتها .. دون أن يتجرأ احد من الجيران والمارة في الشارع على الاقتراب من المنزل ومحاولة إنقاذ الضحايا وإسعافهم.. لان الشمطاء القاتلة كانت لا زالت تحوم في سماء المنطقة وكأنها تتحين الفرصة التي سيتجمع فيها المواطنون وفرق الإغاثة لتقوم بعد ذلك بقصفهم بالمسخ الآخر الذي لا زالت تحمله في جوفها  بغرض تحقيق اكبر قدر من الجثث والأشلاء وقد تكرر هذا الأمر كثيرا في أماكن عدة.
يقول الأخ إبراهيم المجيدي – احد جيران بيت البدوي- : شاءت الأقدار أن أكون ممن حاولوا إنقاذ روح هذه الطفلة البريئة الطاهرة من بين أنقاض الحقد الدفين الذي تعرض له منزلهم .. حيث ذعرنا  بصوت صاروخ يسقط بالقرب منا وإذا به يصيب منزل «ســـنـــاء» التي استمررنا ما يقارب الساعة والنصف ونحن نبحث عن جثتها بين الركام حتى وجدناها بجسد متهالك دمرته كومة اسمنت سقطت عليها ودفنتها بشكل شبه كامل .
ويضيف المجيدي :كانت والدة سناء تصرخ بصوت شاحب قائلة: ” سناء اخرجي خلاص الطائرة خطت وما به حد” ثم تحدثت الأم مع المنقذين بقولها:” هي – أي سناء- كانت تقول لي صوت الطائرة وهربت هذه الغرفة .. يووه يا سناء ما كنتِ دارية ان الطائرة بتدور تقتلك”.
ساعدونا ياناس
الزميل الاعلامي كامل الخوداني هو الآخر شاءت الاقدار أن يكون بالقرب من منزل سناء وقت جريمة اغتيالها بطائرة سعودية وعاش لحظة المأساة بكامل تفاصيلها ليصيغها بأسلوبه الصحفي المميز قائلا:”رحلت سناء وانا انظر اليها.. اسمع صراخها والغبار يملأ المكان والمنزل تتساقط اركانه واحجاره الشارع خالٍ تماماً إلا إنا والغبار وصراخهم لم يجرؤ احد على الاقتراب خوفاً من حدوث ضربة اخرى وصاروخ آخر .
“ساعدونا ياناس ..غيرو علينا” اصواتهم كانت تشقني الى نصفين لأنني كنت عاجزاً تماما.. وجدت نفسي اصرخ من القهر حتى التلفون اختفت تغطيته ..بعد اكثر من نصف ساعة بدأ الناس يتجمعون وبعد ساعة حضرت سيارة الاسعاف ولكن بعد فوات الاوان ، حيث كانت سناء قد رحلت دون رجعة .
رحلت سناء وبقي صراخها الذي يملأ المكان ويملأ مسامعي وعروقي وذاكرتي وركام المنزل ودفاترها وكتبها المنثورة المحترقة أطرافها جراء القصف .
رحلت سناء ولكنها لم ترحل لعناتها لكل عميل ومرتزق وكل المتاجرين بالدماء والأرواح والكرامة ..لكل خائن وطن .. لمن يقتلون الأحلام والأطفال والأزهار والابتسامة .
الحلم بغد مشرق
المعلمات في مدرسة خولة بنت الازور اكدن بدورهن أن سناء كانت كلها حيوية وامل في مستقبل زاهر وغدٍ مشرق .. وأمنيتها الوحيدة قبل استشهادها أن تنهي الامتحانات على خير .. إلا أن طائرات الحقد السعودي لم تمنحها هذه الفرصة وقصفت منزلها وهي تذاكر وتستعد لامتحان اليوم التالي .
اغتيال المستقبل
سناء البدوي ليست سوى واحدة من عشرات الطلاب والطالبات الذين اغتالتهم صواريخ آل سعود قبيل وأيام اختبارات الشهادتين الاساسية والثانوية، فبالتزامن مع قصف منزل صالح البدوي بشارع حدة كانت طائرات حلف العدوان تقصف منازل مواطنين في حي صوفان وبالقرب من فندق شهران المجاور لمستشفى القدس ونتج عن ذلك استشهاد احد طلاب المرحلة الثانوية مع عدد من افراد اسرته في منزلهم بحي شهران، فيما نجت طالبة ثانوية من موت محقق جراء قصف طيران العدو لمنزلهم “بيت الفضلي” في حي صوفان المجاور لجامعة الايمان وتسبب القصف في تدمير المنزل بأكمله على رؤوس ساكنيه واستشهاد جميع افراد اسرة الفضلي عدا ابنتهم التي كانت تؤدي امتحان الثانوية ووالدها المغترب خارج الوطن.
كما اصيب احد الطلاب واستشهد آخر بمدينة الحديدة جراء القصف السعودي على هيئة تطوير تهامة ومنازل مجاورة لها قبيل امتحانات الشهادتين الاساسية والثانوية ببضعة ايام.
وشهدت العديد من المراكز الامتحانية بالعاصمة صنعاء حالة رعب وخوف بين الطلاب خلال تأديتهم للامتحانات، خصوصاً في مركز مدرسة عبدالرزاق الصنعاني التي كانت قريبة من الغارات التي استهدفت احياء سكنية بمديرية السبعين وأسفرت عن مغادرة الطلاب قاعات الامتحانات، واضطرت وزارة التربية والتعليم الى نقل عدد من المراكز الامتحانية للطلاب واستبدالها بأخرى جراء الغارات السعودية المتواصلة على العاصمة.
تدمير ممنهج للمدارس
وتعرضت المدارس والمنشآت التعليمية منذ بدء العدوان على اليمن بتاريخ 26 مارس الماضي الى استهداف مباشر وتدمير ممنهج مع سبق الاصرار، حيث أٌعلن مؤخراً عن تضرر اكثر من 20 مدرسة بأمانة العاصمة وحدها، فيما بلغ اجمالي المدارس التي دمرها العدو السعودي بمحافظة صعدة 66 مدرسة دمرت بالكامل إضافة إلى4 مكاتب تربية، فضلا عن تضرر ما تبقى من مكاتب التربية والمدارس أضراراً كلية وباتت بحكم المدمرة.
وكانت احصائية رصدها المركز القانوني للحقوق والتنمية  قد اكدت أن العدوان السعودي دمر عدد “342” مدرسة ومركزا و29 جامعة وكلية خلال المائة و28 يوماً الأولى من حربه على اليمن.
ويبدو أن حلف العدوان ومرتزقته لم يكتفوا  بتدمير المدارس والجامعات والمنشآت التعليمية .. فاستهدفوا الطلاب حتى في منازلهم.

الثورة