تعز العز

هيلاري كلينتون تكسب في المناظرة لكن حظوظها غامضة في السباق الرئاسي

المناظرة الإعلامية الأولى بين مرشحي الحزب الديموقراطي للانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة كانت محور الاهتمام ، حيث جاءت لتدعم موقف المرشح الأول هيلاري كلينتون، التي تتعرض لحملة شرسة من خصومها في الحزب الجمهوري لإقصائها عن الترشح.

خيبت المرشحة للانتخابات الرئاسية الأميركية هيلاري كلينتون توقعات خصومها، وهم كثر داخل الحزبين، والذين ما انفكوا عن إثارة الزوابع والعثرات في وجهها لحملها على الانكفاء عن الترشيح على أقل تعديل، والسماح لبروز آخرين على رأسهم نائب الرئيس جو بايدن، كما يشاع.

أتاحت حيثيات المناظرة الإعلامية بين المرشحين عن الحزب الديموقراطي فرصة للشعب الأميركي التعرف مجدداً على السيدة كلينتون، مهدت لها حملة إعلامية مكثفة منها استضافتها على برامج إعلامية ترفيهية تحظى بمشاهدة عدد كبير من الناخبين، بغية إعادة إنتاج وتسويق المرشحة صاحبة الوجه الحديدي والتعبيرات الحادة.

المرشحون الخمسة، هيلاري كلينتون وبيرني ساندرز ولينكولن تشافي وجيم ويب ومارتن اومالي، حافظوا على الظهور بمواقف تعزز وحدة الحزب وتنزع عنه الاختلاف في وجهات النظر والابتعاد عن سياسات الرئيس اوباما.

تميزت السيدة كلينتون عن منافسيها، وفق آراء المعلقين واستطلاعات الرأي بعد المناظرة، بلفت الأنظار إلى سجلها الطويل “المليء بالخبرة السياسية والقيادية”، وتعمدت توجيه نصال انتقاداتها لخصومها في الحزب الجمهوري.

المنافس الصاعد، بيرني ساندرز، عبر عن تضامنه مع السيدة كلينتون في وجه الحملة الشرسة من الحزب الجمهوري، لإثارته مسألة رسائلها الرسمية الالكترونية إبان توليها منصب وزير الخارجية، وقال ساندرز خلال المناظرة “الشعب الأميركي سئم الاهتمام برسائل البريد الملعونة”، معلناً بذلك ضرورة تصلب ممثلي الحزب الديموقراطي في الكونغرس وإنهاء تلك المسألة “الهامشية” وفق توصيفات قادة الحزب.

يشار إلى أن السيدة كلينتون تعرضت قبل مغادرتها منصبها في وزارة الخارجية إلى حملة عدائية منظمة لتحميلها مسؤولية الاعتداء على البعثة الديبلوماسية الأميركية في بنغازي، 11 ايلول/ سبتمبر 2012، ومقتل السفير الأميركي كريستوفر ستيفنز وأربعة آخرين.

شكل مجلس النواب بأغلبية الحزب الجمهوري منذئذ لجنة خاصة للتحقيق في تلك الحادثة رافقها صخب إعلامي بأنه ينبغي على السيدة كلينتون تحمل المسؤولية كاملة، مما سيضعها خارج حلبة السباق الرئاسي تلقائيا. من المقرر مثول السيدة كلينتون أمام لجنة التحقيق مرة أخرى الأسبوع المقبل.

زعيم الأغلبية عن الحزب الجمهوري والمرشح السابق لرئاسة مجلس النواب، كيفن مكارثي، مد للسيدة كلينتون حبل النجاة نهاية الشهر الماضي، ربما عن غير قصد، بقوله إن “تشكيل اللجنة جاء بدافع النيل منها” وتقويض حظوظها الانتخابية. وتبعه عضو آخر عن الحزب الجمهوري مطلع الأسبوع، ريتشارد هانا، ليؤكد “زلة لسان” مكارثي بأن “.. الجزء الأعظم الكامن وراء لجنة التحقيق استهدف شخص هيلاري كلينتون”، وأضاف هانا في لقاءاته مع مؤسسات إعلامية مختلفة أن تصريح مكارثي نابع من صدق الرواية ومحذراً من العرف السياسي السائد بأن “البوح بالحقيقة في واشنطن هي كبرى الخطايا”.

الصعود السريع للمرشح الديموقراطي بيرني ساندرز أثار مخاوف حقيقية داخل حملة السيدة كلينتون، للاعتقاد بأنه يمثل “التيار الليبرالي” في الحزب ويذهب البعض لوصفه “بالتقدمي.” بعض الشخصيات النافذة في الحزب الديموقراطي وفرت الدعم لساندرز “نكاية بكلينتون،” التي كانت تتربع على قمة تتويجها مرشحة للحزب “إلا إذا برز أحدهم من خلف الستار،” كما فعل المرشح آنذاك باراك اوباما، عام 2008، معرضاً خط سيرها ونفوذها للانحدار والتدهور.

القضايا الخلافية

تحدث المرشح بيرني ساندرس خلال المناظرة عن التغيرات المناخية وتلوث البيئة (أ ف ب)

من نافلة القول رصد تراجع منسوب الاهتمام بالسياسة الخارجية بين صفوف الشعب الأميركي وبعض نخبه السياسية والفكرية، في المواسم الانتخابية، وتقدم المسائل والقضايا الداخلية على سلم أولوياته، والتي تتباين بين الحزبين بصورة بارزة. درج الحزب الجمهوري على إعطاء الأولوية للأمن وتخصيص الجزء الاكبر من الميزانيات السنوية لوزارة الدفاع؛ بينما اعتاد الحزب الديموقراطي على النظر إلى الأوضاع الاقتصادية واجترار مقولة “صون مكتسبات الطبقة الوسطى” من المجتمع.

2aa93e0a-6cc8-4183-a418-bdc2023898c7

بوسع المرء رصد أبرز القضايا والمواقف “الخلافية” بين مرشحي الحزب الديموقراطي، هي تباينات في معظمها بعيداً عن تنافر المواقف والرؤى، لا سيما بين المرشحيْن الأوفر حظاً: هيلاري كلينتون وبيرني ساندرز، اللذين يدركان بعمق أن بنية الحزب الديموقراطي بلغت درجة من التطور وتعكس تمثيل مصالح الأقلية الحاكمة (الاوليغاركية) كأنهما توأمان لا ينفصمان عن بعضهما. كما أن حال الحزب الديموقراطي هذه تتماهى مع الحزب الجمهوري الذي يمثل الشريحة الحاكمة وكبار المستثمرين ورؤوس الاموال، وتنافسهما على ذات الأرضية.

بعض الأسئلة الموجهة للمرشحين في المناظرة لامست السياسة الخارجية الاميركية، خاصة لما يعتقدونه “أكبر تهديد للأمن القومي الأميركي.” وجاءت المواقف متعددة ومتباينة في آن: هيلاري كلينتون اعتبرت الخطر في “انتشار الأسلحة النووية في إيران ومناطق اخرى،” وشاطرها الرؤيا مارتن اومالي؛ بيرني ساندرز لامس الحس الشعبي الاوسع باعتبار “التغيرات المناخية وتلوث البيئة” الاشد خطرا. المرشح الآتي من خارج السرب، لينكولن تشافي، اعتبر مصدر الخطر في “الفوضى التي يتسم بها الشرق الاوسط.” المرشح الذي يعتبره الكثيرون هامشيا، جيم ويب، اعتبر صعود الصين على المسرح الدولي من اهم الاخطار.

يشار الى ان السيدة كلينتون صوتت لجانب قرار شن الحرب على العراق عام 2003، وقدمت اعتذارا “سطحيا” فيما بعد وحازت على مكافأة توليها منصب وزير الخارجية، كما قالت. بيد ان كل من ساندرز وتشافي اعتبرا العدوان والاحتلال الاميركي للعراق “اسوأ حماقة في السياسة الخارجية طيلة تاريخ الولايات المتحدة.”

سورياً ايضا تباينت مواقف كلينتون وساندرز، اذ تؤيد الاولى انشاء “منطقة حظر للطيران” داخل الاراضي السورية؛ بينما عارضها سارندرز.

من بين القضايا الداخلية الهامة “تشريع المراقبة الشاملة” المعروف بقانون الباتريوت الذي يخول الأجهزة الأمنية وعلى رأسها وكالة الأمن القومي صلاحية المراقبة والتصنت على المكالمات الهاتفية والرسائل الالكترونية لكافة افراد الشعب الاميركي. ومن ابرز تداعيات القانون “وثائق ادوارد سنودن” التي عرت جهود وتقنيات الوكالة في المراقبة والتتبع وتسجيل كافة الاتصالات الالكترونية والهاتفية عبر العالم.

كلينتون، كما كان متوقعا، اسهبت في تشددها حيال مصير سنودن بانه “ينبغي عليه المثول امام المحكمة بتهمة جنائية وما يترتب عليها من عقوبة السجن مدى الحياة،” في افضل الاحوال. ساندرز وتشافي اعربا عن معارضتهما للقانون وتخويل وكالة الأمن القومي صلاحيات مفتوحة دون ضوابط او قيود، وتعهدا باغلاق مشروع الوكالة للتجسس الداخلي. وابدى الثنائي المذكور مرونة في الحكم على سنودن ومعاملته بالليونة والرأفة.

لا ينبغي ان يغيب عن الوعي قاعدة الدعم الاساسية التي ترتكز اليها هيلاري كلينتون، لا سيما في البعد الاقتصادي والتمويل. من ابرز داعميها ماديا الملياردير الصهيوني حاييم صبان، مزدوج الجنسية الاميركية و”الاسرائيلية،” الذي قدم تبرعات لصندوق “مؤسسة كلينتون” الخيرية، التي تتقاسم رئاستها مع زوجها الرئيس الاسبق، تراوحت بين 10 الى 25 مليون دولار. صابان يسرف في ايضاح مواقفه الداعمة للكيان “الاسرائيلي،” مرددا جملته المشهورة “ما يدفعني للتحرك قضية وحيدة، وقضيتي هي اسرائيل.”

اعربت كلينتون مؤخرا عن وقوفها مجددا بصلابة الى جانب “اسرائيل” خلال المواجهات والهبات الشعبية الفلسطينية الجارية. وقالت بصريح العبارة “انني قلقة لموجة الهجمات الاخيرة ضد الاسرائيليين .. مشاعري وصلواتي الى الضحايا (الاسرائيليين) وعائلاتهم.”

اما ساندرز “الاشتراكي المستقل،” كما يعرف نفسه، اشتهر بانتقاده “بعض” ممارسات “اسرائيل” لاستخدامها “العنف المفرط” في عدوانها “المشين” على غزة صيف 2014، وحافظ على مسافة موقفه وعدم توجيه ادانة للكيان خاصة بعد الاتهامات الدولية بارتكابه جرائم حرب. انصافا للمرشح ساندرز فقد كان اول من اعرب عن مقاطعته حضور خطاب نتنياهو امام جلسة مشتركة لمجلسي الكونغرس. الثابت ايضا ان ساندرز، ذو اصول بولندية، “تطوع للخدمة في الكيبوتزات الاسرائيلية” عام 1964، كيبوتزي زيكيم وسعد بالقرب من الحدود مع غزة وكيبوتز غآش في وسط فلسطين المحتلة، وفق رواية شقيقه لاري ساندرز.

المرشحين الاخرين عن الحزب الديموقراطي لا يعول على تصلب عود اي من حملاتهم الانتخابية، بدليل تدني نسبة الرضى الشعبية، من جانب، وندرة التبرعات المالية من الناحية الاخرى. يتشاطر اولئك في تثبيت السجل والتداول العام طمعا لنيل مركز متقدم في الادارة الديموقراطية المقبلة، في حال الفوز.

الحاضر – الغائب عن المناظرة والحملة الانتخابية نائب الرئيس جو بايدن، الذي سيشكل دخوله منافسة شديدة لكلينتون، بل سيعزز فرص فوز الحزب الديموقراطي بالانتخابات الرئاسية مرة اخرى. بيد انه لا يزال يقف على الحياد والتردد على الرغم من مطالبة الكثيرين بدخوله حلبة السباق الرئاسي. ومن المتوقع ان يعلن عن نيته بالترشح من عدمها في الايام المقبلة.

في هذا السياق، تجدر الاشارة الى تشكل قطبي الحزب الديموقراطي والصراع الدائم بينهما، الذي توضحت معالمه مع نهاية الولاية الرئاسية الاولى للرئيس بيل كلينتون، منتصف عقد التسعينيات من القرن الماضي: قطب آل كلينتون الاقرب للصقور والنخب السياسية والمصرفية الحاكمة، وقطب اكثر ليبرالية وانفتاحا كان يتزعمه السيناتور الراحل ادوارد كنيدي. وحمل لواءه المرشح آنذاك باراك اوباما ووفر له دعم قطاع واسع من النخب الفكرية والاستراتيجية التي ينتمي اليها نائب الرئيس جو بايدن. وعليه، فان قرار بايدن النهائي سيأتي بهذه الخلفية واعتبارات اعلاء “القيم الديموقراطية” وتوسيع قواعد الحزب.

الإعداد المفصلي لعام 2016

استطلاعات الرأي تشير إلى تقدم مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترمب على كلينتون (أ ف ب)

cc3f3eb1-4f5f-47eb-b18b-b99bca6b4467

على الرغم من الانجازات السريعة للمرشحة كلينتون في أوساط الناخبين الديموقراطيين، إلا أنها تواجه تراجعا أمام خصومها المرشحين في الحزب الجمهوري، وبالتالي إمكانية هزيمتها في الانتخابات العامة لو اجريت وفق القواعد السارية.

استطلاعات الرأي الميالة للحزب الجمهوري، فوكس نيوز، تشير إلى تراجع شعبيتها بنسبة 39% مقابل 51% للمرشحين الابرز عن الحزب الجمهوري، دونالد ترمب وبن كارسون.

يراقب الحزب الديموقراطي تلك التحولات عن كثب، ويجترح الحلول للتغلب عليها. ضمن هذه الرؤيا ينبغي النظر الى جهود استحضار “الغائب – الحاضر” جو بايدن الذي ارتفعت شعبيته باضطرار مقابل التراجع عند كلينتون.

تراجع شعبية كلينتون مرده انحسار مصداقيتها وعدم جدارتها بكسب ثقة الناخبين، وتجذر انطباع بانها مرشح ذو كفاءة “عادية الى متوسطة” على الرغم من مزاياها الشخصية وانتمائها المتين للمؤسسة الحاكمة.

اجرت صحيفة “بوليتيكو” استطلاعا مع نحو 50 شخص من المستشارين والممولين والنافذين في الحزب الديموقراطي محوره التعرف على حقيقة اراء الدوائر المقربة من السيدة كلينتون، والذين اجمعوا على ان “فضيحة” الرسائل الالكترونية الرسمية تؤثر بسير حملتها كسرطان في الجسم، وتعزز الانطباعات الشعبية بانها “منافقة بالفطرة وعديمة الشعور بالمسؤولية بشكل لافت.”

واضافت الصحيفة ان “كل عنصر من كتلة الخمسين تقريبا اعتبر كلينتون مرشحة متوسطة باستطاعتها القيام بمهام الرئيس لو سحت لها الفرصة.” واردفت ان بعض اصدقائها المقربين “رسموا معالم شخصية كلينتون سياسيا واسرافها في الحديث عن ضرورة اتخاذ العبر من الاخطاء السابقة لكنها تكرر ارتكابها بصورة منهجية ..”

امام هذه اللوحة القاتمة لا يزال السؤال المحير لماذا “فازت” كلينتون على منافسيها من المرشحين الاخرين. الاجابة نجدها لدى اسبوعية “ليبرالية” مختصة بشؤون الكونغرس والبيت الابيض “ناشيونال جورنال،” اوجزتها بأن كلينتون “محاورة بارعة” لا سيما وان محور المناظرة الرئيس كان السياسات والبرامج الليبرالية، بعيدا عن سلوكياتها او فضيحة رسائلها الالكترونية الرسمية.

مرشحو الحزب الجمهوري

المرشح وحاكم ولاية اوهايو جون كاسيك، اتساقا مع هوس حزبه بأولوية المخصصات العسكرية، فاجأ منافسيه باعلانه المبكر عن معالم رؤيته للميزانية الفدرالية، كركن أساسي من حملته الانتخابية المتعثرة، أوضح فيه نيته زيادة الانفاق على الشؤون العسكرية بنسبة 17%.

المرشح الملياردير دونالد ترمب لا يزال يحتل المرتبة الاولى بين الناخبين، 47% لمزاياه القيادية، على الرغم من صعود غير مرئي للمرشح بن كارسون بنسبة مماثلة بدافع صدقيته، وتراجع حظوظ المرشح المفضل للمؤسسة جيب بوش بشكل ملفت. وما يتبقى من مرشحين يتقاسمون نسبة ضئيلة من التأييد الشعبي، تتراوح بين 1 الى 10% في حدودها القصوى.

معايير القاعدة الانتخابية في الحزب الجمهوري تولي اولوية قصوى لتمتع المرشح بخبرة ادارية وعملية في القطاع الخاص، 55%، مقابل الخبرة السياسية او العمل بالشأن الحكومي، 10%.  تلك النسب الثابتة ربما تفسر تعلق الناخبين بالمرشح دونالد ترمب على الرغم من وعي غالبيتهم بسطحية تفكيره وارائه.

المصدر: مكتب الميادين في واشنطن بالتعاون مع مركز الدراسات الأميركية والعربية