تعز العز

الولايات المتحدة إنهاء جرائم الحرب في اليمن-لكنها لا تريد ذلك

التحالف الذي تقوده السعودية مدان بارتكاب جرائم حرب بشكل ممنهج في اليمن, وتتحمل الولايات المتحدة مسؤلية قانونية بسبب استخدام اسلحة تم شراؤها من واشنطن, وفقا لتقرير منظمة العفو الدولية الذي تضمن الاتهام في بداية أكتوبر. لكن رغم أن ادارة أوباما غير راضية عن الحرب السعودية وتمتلك نفوذا كبيرا على السعوديين, فقد اظهرا خلال الاسابيع العديدة الماضية أنها غير مستعدة لاستخدام نفوذها لفرض نهاية للحرب. ويبدو الآن أن الادارة مستعدة لتزويد السعوديين مرة اخرى بالأسلحة التي استخدموها في ارتكاب جرائم حرب في اليمن,

تقرير العفو الدولية في 6 اكتوبر وثق سياسية سعودية معلنة صراحة استهداف بشكل متعمد مدينتين يمنيتين بالغارات الجوية في انتهاك لقوانين الحرب. كما وثق التقرير كذلك تحمل الولايات المتحدة المسؤولية القانونية عن جرائم الحرب المرتكبة في اليمن.

استشهد التقرير بتصريح رسمي من قبل الناطق العسكري, الجنرال احمد العسيري, في 8 مايو أن المدن الشمالية صعدة ومران تم تحديدهما كـ”أهداف عسكرية موالية لمليشيات الحوثي”. وذهب العسيري إلى الاعلان أن العمليات سوف تغطي منطقة تلك المدينتين كلها ولذلك فأننا نكرر دعوتنا للمدنيين الابتعاد عن هذه الجماعات, وأن يغادروا المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون أو أينما يتحصن الحوثيون.

تصريح الجنرال العسيري وغارات القصف العشوائي التي وجدها تقرير العفو الدولية تم تنفيذها خلال الأشهر المتتالية تعتبر انتهاكات واضحة للقوانين الدولية للحرب, والتي تحظر الاستهداف للمبانى المدنية وكذلك العقاب الجماعي للسكان المدنيين”

وجد باحثوا العفو الدولية الذين زاروا محافظة صعدة بداية شهر يوليو 2015 أن” مئات الغارات الجوية قد دمرت أو الحقت أضرارا بالغة لا يمكن إصلاحها بعشرات المنازل والعديد من ألأسواق وشارع التسوق الرئيسي وكل مبنى حكومي تقريبا, بما في ذلك مكتب البريد, المحكمة, البنوك ومكاتب الادارة المدنية. كما أنهم وجدوا أيضا أن الضربات الجوية على المنازل المدنية في القرى المحيطة بمدينة صعدة قتلت وجرحت مئات المدنيين غير المنخرطين في الصراع, كثير منهم أطفال ونساء”.

نفس الباحثين وجدوا أن قوات التحالف بقيادة السعودية استخدمت قنابل عنقودية محرمة دوليا, والتي تنثر مئات القنابل اصغر حجما في منطقة واسعة, وكذلك قنابل كبيرة يبلغ حجمها حوالي 2,000 رطل, والتي قيل أيضا إنها” يمكن أن تسبب الوفاة والتدمير بشكل عشوائي أو في مناطق بعيدة عن الموقع الذي تعرض للغارة الجوية”. الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة ليست موقعة على معاهدة حظر الذخائر العنقودية”.

وفقا لتقرير مشترك من جانب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية بلغ عدد ضحايا القصف 2682 بين قتيل وجريح خلال الفترة من نهاية مارس إلي نهاية يوليو 2015- أكثر من أي مكان آخر في العالم خلال الأشهر السبعة الاولى من السنة.

الولايات المتحدة لديها التزام قانوني بعدم تقديم السلاح إذا تعلم أنه سيتم استخدامه في القصف العشوائي في اليمن. كما فرض السعوديون أيضا حصارا محكما على اليمن برا, وبحرا وجوا, ليس فقط لمنع الأسلحة, بل أيضا الطعام, والوقود والأدوية من الوصول إلى ملايين من اليمنيين , الأمر الذي أدى ألى كارثة انسانية.
منظمة اطباء بلا حدود أعلنت في يوليو أن الحصار السعودي يقتل عددا كبيرا من اليمنيين بنفس القدر الذي يقتله القصف الجوي. السفن الحربية الأميركية تقوم بدوريات الى جانب السفن السعودية لمنع دخول الأسلحة إلى اليمن، بينما تنفي أن يكون لها أي مشاركة بالحصار المفروض بقيادة السعودية على إمدادات الغذاء, والوقود والدواء .

يشير تقرير العفو الدولية ان الولايات المتحدة يقع على عاتقها واجب قانوني بموجب معاهدة تجارة الأسلحة أن لا تقدم الاسلحة التي تعلم أنها سوف تستخدم في قصف عشوائي لليمن. الفقرة 6 من تلك المعاهدة, التي دخلت حيز التنفيذ في اكتوبر 2014, تحظر نقل الاسلحة والذخائر الى طرف في صراع مسلح إذا كان لديها علم أن السلاح سيستخدم في” اعتداءات موجهة ضد منشئات مدنية أو مدنيين يتمتعون بالحماية بموجب القانون الدولي أو اعتداءات اخرى تعتبر جرائم حرب كما هو محدد بالاتفاقيات الدولية التي هي موقعة عليها”.

يشير تقرير العفو الدولية أن الولايات المتحدة تقدم أيضا الدعم اللوجيستي والاستخباراتي للتحالف التي تقوده السعودية. هذه المساعدة اللوجستية مهمة لأن السعوديين و حلفاءهم الخليجيين يحتاجون المساعدة من الميكانيكيين الاميركيين لتشغيل طائراتهم. هذا الأمر يمنح إدارة أوباما مصدر نفوذ كبير على السياسة السعودية. فضلا عن ذلك, بدأ السعوديون في الصيف الماضي يواجهون نقصا في القنابل الموجهة بالليزر التي بيعت لهم من قبل الولايات المتحدة وطلبوا إعادة تزويدهم بذلك. بالتالي, القرار السعودي في استمرار الحرب يعتمد على قرار من واشنطن.

اعادة تزويد السعوديين بنفس الذخائر الاميركية التي يتم استخدامها في ارتكاب جرائم حرب في اليمن يتعارض أيضا مع قانون ليهي-(Leahy Law) التشريع الأميركي الداخلي الذي يضبط مبيعات المعدات العسكرية الأميركية وأنواع أخرى من المساعدة الأمنية. ذلك القانون يحظر المبيعات العسكرية الى القوات التي انخرطت في انتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان, والتي من الواضح أنها ستتضمن الانتهاكات الصارخة لقوانين الحرب التي ارتكبت في اليمن. مع ذلك, إدارة أوباما لم تعط أي أشارة أنها سترفض الطلب السعودي.

تعرف إدارة اوباما جيدا أن الحرب السعودية المتهورة في اليمن لها عواقب وخيمة على مصالح الولايات المتحدة السياسية والأمنية في الشرق الأوسط. فالحرب الجارية لا تفكك المجتمع اليمني فحسب, بل أيضا تخلق فرصا أكثر للقاعدة في جزيرة العرب—الفرع الأكثر خطورة للمنظمة الإرهابية—للتجنيد, والتدريب والتخطيط لعمليات جهادية ضد الولايات المتحدة.

كما أن الولايات المتحدة لديها أسباب قانونية قوية ولديها نفوذ كبير على السعوديين لكي تضغط على العربية السعودية من أجل انهاء سفك الدماء في اليمن. لكن إدارة أوباما ليست مستعدة لفعل أي شيء مؤثر ردا على التحدي السعودي لوقف إطلاق النار الذي دعت أليه الأمم المتحدة والمفاوضات السياسية التي ترعاها.

بعد أن هزموا الحوثيين في عدن, بدأ السعوديون التلويح أنهم عازمون على تحقيق الانتصار العسكري الكامل في اليمن. الحكومة اليمنية الموالية للسعودية بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي, رفضت أي مفاوضات مع الحوثيين—حتى بعد أن قبلوا تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216, بما في ذلك عودة الحكومة المدعومة من السعودية ألى اليمن لمدة 60 يوما يتم خلالها تشكيل حكومة جديدة. بنيتهم

كان ذلك الوضع في منتصف أغسطس عندما أبلغت إدارة أوباما الكونجرس بشكل غير رسمي عن عزمها إعادة تزويد السعودية بآلاف من “ذخائر الهجوم المباشر المشترك” كما طلب السعوديون, وفقا لتقرير شبكة أخبار بلومبيرج بتاريخ 3 سبتمبر. جاءت تلك الخطوة بينما كان البيت الأبيض قد راجع جدول زيارة الملك سلمان الذي يلتقي خلالها الرئيس أوباما في الرابع من سبتمبر. كان البيت الابيض يأمل أن يستغل زيارة الملك لكي يقنعه بالأهمية التي توليها الإدارة لإنهاء الحرب في اليمن من خلال تسوية يتفق عليها عبر التفاوض, وفقا لمسؤول أميركي سابق تم إطلاعه على جدول الزيارة.

لكن سلمان جاء وذهب دون أدنى أشارة إلى أن الادارة ضغطت عليه حول هذه القضية, سواء من خلال التسريبات الي الصحافة أو من خلال إصدار بيان رسمي. وفي الايام التي تلت اللقاء بالرئيس أوباما, جددت حكومة هادي التي تدعمها السعودية رفضها التفاوض مع الحوثيين. مبعوث الأمم المتحدة الخاص اسماعيل ولد الشيخ أحمد أبلغ حكومة هادي أن الحوثيين وافقوا على قرار مجلس الأمن بالكامل, ما عدا المادة المتعلقة بالعقوبات. ردا على ذلك, طالب المتحدث باسم حكومة هادي الحوثيين بالموافقة على كل مادة من مواد القرار وعددها 24 مادة.

البيت الأبيض حينها صرح بشكل علني في 16 سبتمبر عن خيبة أمله بـ”التصريحات التي صدرت حينها” من جانب حكومة هادي, مشيرا أن عملية السلام “ربما تأجلت” ودعا كل الأطراف إلى المشاركة في محادثات السلام بدون شروط مسبقة. تلك كانت خطوة كبيرة الى الامام بعد صمت البيت الأبيض, لكن الرسالة تم دفنها في الفقرة الأخيرة من البيان الخاصة بالمساعدة الانسانية الى اليمن كما لو كان القصد الاشارة أن الادارة لا تريد أن تولي اهتماما كبيرا بذلك. مستغربا أنه ما من وسيلة إعلام تناولت ذلك البيان.

لا تبدي إدارة أوباما أية إشارة أنها تنوي استخدام تقرير العفو الدولية حول جرائم حرب السعودية من اجل فرض مسألة انهاء الحرب. ردا على طلب موقع ذا تروث أوت لتعليق على نتائج تقرير العدل الدولية وعدم قانونية تزويد السعوديين بمزيد من الذخائر, لم يرد مسؤول كبير في الادارة باستثناء أن الادارة تقوم بدراسة التقرير. ومن ثم اعاد المسؤول قرارة تصريح ادلى بهم مسؤول في وزارة الخارجية لشبكة (Sputnik News on) في 17 سبتمبر وجاء فيه ” أننا كوزارة خارجية طلبنا من الحكومة السعودية أن تقوم بالتحقيق في كل التقارير الموثوق بها عن الاصابات الناتجة عن الضربات الجوية من قبل التحالف وإذا تأكد صحة ذلك, عليها أن تعالج العوامل التي أدت الى تلك الإصابات والضحايا.

ولسوء الحظ، فإن أهم وسائل الإعلام الأمريكية ظلت تؤيد تهرب الإدارة من القضية من خلال اختيارها عدم التعليق بشأن تقرير منظمة العفو الدولية إزاء جرائم الحرب.

(موقع ذا تروث أوت الامريكي، ترجمة:عبد لسلام القراري-سبا).