تعز العز

السعودية لم تخرج راضية عما نتج من لقاء فيينا الموسع

وزير الخارجية السعودي عادل الجبير
لم تخرج السعودية راضية عما نتج من لقاء فيينا الموسًع، فمن سمع وزير الخارجية عادل الجبير في أروقة فندق “أمبريال” وسط فيينا من مقربين من الفريق السعودي، يتمتم بانزعاج واضح ان “بعض الدول تريد أن يقرًر الشعب السوري مصيره!”، استشف أن الضغط وحده، وليس الارادة، حمل الوزير السعودي على الموافقة على الصيغة التي خرج بها البيان، والانزعاج السعودي هنا لم يكن موجهاً الى مضمون البند فقط، أي “حق السوريين بتقرير مصيرهم”، بل أيضاً الى الدول التي شملها بعبارته “بعض الدول”، وهي صياغة عامة تشمل دولاً غير ايران وروسيا التي اعتادت الدبلوماسية السعودية على تسميتهما بالاسم ومباشرة في انتقادها لمواقفهما، وعلى الأرجح، بحسب متابعي مواقف الفريق السعودي خلال لقاءات فيينا وما دار خلال يومي المحطة النمساوية، أن تكون الولايات المتحدة هي المقصودة بعبارات الانتقاد غير المباشر.في اليوم الأول، أي 29 تشرين الاول/ أكتوبر، فاجأ وزير الخارجية الاميركية جون كيري الصحافيين والدبلوماسيين الموجودين في فيينا بخروجه من مقر اقامته في فندق “أمبريال” وتوجه سيرا على الأقدام الى مقر اقامة محمد جواد ظريف في فندق “بريستول” على بعد مسافة 300 متر، مبادرة أغضبت الفريق السعودي وخصوصا وزير الخارجية الذي نقل عنه البعض وصفه مبادرة كيري بـ”الانبطاح” الاميركي أمام الايرانيين، والتساؤل بمرارة “ماذا فعل الايراينون لهم!”.ولم يتوقف الاستغراب السعودي من التغيير في الموقف الأميركي عند زيارة كيري لظريف، وهي في كل الحالات تنم عن موقف بالشكل وان كان له دلالته الكبيرة بالمفهوم السياسي والدبلوماسي، بل الأعظم أتى في اليوم التالي وخلال نقاش الوضع السوري في الساعات الـ7 الطويلة، عندما وجدت السعودية نفسها شبه وحيدة، لدى مناقشة مصير الرئيس السوري بشًار الأسد والفترة الانتقالية، عندها لم تجد الكثير من الحماسة لدى الجانب الأميركي في دعم حليفه بمواجهة صلابة موقف الثنائي الايراني – الروسي ورفضهما أي طرح يتعلق بمصير الاسد أو مهلة وجوده في الحكم أو الفترة الانتقالية.وتبعاً لكواليس فندق “امبريال”، طرحت الرياض فترة ستة أشهر كمهلة لخروج الأسد من السلطة وتسليم الحكم للهيئة الانتقالية، جوبهت برفض تام للطرح من اساسه من قبل الثنائي الروسي – الايراني، استعاض عنه الاميركيون، ولكن من دون اصرار كبير، بطرح مهلة 18 شهراً، تتسلم خلالها الهيئة الانتقالية الصلاحيات بالتدرج، فرُفض أيضاً، وكان الموقف الروسي -الايراني حازماً “مصير الرئيس السوري من صلاحيات السوريين، وليس علينا فرض ارادتنا كمجموعة دولية على الشعب السوري”، وانتهى النقاش الحاد بين الطرفين السعودي من جهة والروسي – الايراني من الجهة الثانية بعدم تضمين البيان النهائي أي اشارة عن الفترة الانتقالية أو مصير الأسد.في نقاشات الساعات الـ7 في فيينا، لم تجد السعودية سوى تركيا وقطر الى جانبها، حتى الجانب الفرنسي بشخص الوزير الأكثر عداء للأسد، لوران فابيوس، لم يدعم السعودية الا بالكلام المكرّر دائماً “الأسد يجب ألا يكون جزءاً من مستقبل سوريا”، أما في طيات تصريحيه، الصباحي قبيل الجلسة الموسعة، والمسائي في ختام النقاش، وضع محاربة الإرهاب اولوية للمشاركين في محطة فيينا والمجتمع الدولي، وكرّر في الخطابين تسمية جبهة النصرة كتنظيم ارهابي الى جانب داعش، وهي سابقة لدى الفرنسيين.العارفون في خبايا السياسة الفرنسية، يردّون التغيير الملحوظ في الموقف الفرنسي الى عاملين، الأول هو الشعور باندفاعة أميركية لمماشاة الاندفاعة الروسية في سوريا، وأن واشنطن ليست بوارد مواجهة الخيارات الروسية في هذه المرحلة بالذات، حيث يحقق الروس انجازات ميدانية هامة، وقرار ارسال خبراء أميركيين الى الميدان السوري ليس موجهاً ضد موسكو، خصوصاً وأن سيرغي لافروف الى جانب جون كيري في نهاية جولة فيينا مرّر الجملة  التالية: “موقفنا لم يتغير ونريد ان نستمر بمكافحة الارهاب بالتفاهم المشترك مع اميركا”، ما يعني أن شعور الفرنسيين بوجود تنسيق ما يجري بين واشنطن وموسكو بالتزامن مع الضربات الروسية في سوريا حقيقي، ومن شأن ذلك أن يضع باريس في مقعد المشاهد عندما يحين زمن الحل الفعلي للأزمة السورية في حال أصرت على لعب دور المعطل، أضف الى ذلك، أن محاولة التشويش الفرنسية على لقاءات فيينا من خلال الدعوة الى اجتماع لوزراء خارجية مجموعة “أصدقاء سوريا” في باريس في 26 تشرين الاول/ اكتوبر الماضي، انتهت بفشل ذريع للدبلوماسية الفرنسية عندما غاب جون كيري عن الاجتماع بعد اتصال هاتفي وحيد من لافروف بالوزير الأميركي، وغابت مصر عنه، وتحول الاجتماع الذي ارادته باريس استفتاء على قدرتها في التأثير على الساحة الدولية الى عشاء عمل صدر عنه بيان بأسطر قليلة لم تعره وسائل الاعلام أي اهتمام.أما العامل الثاني وراء التغيير في الموقف الفرنسي فهو اقتصادي بحت، فقد حاول مانويل فالس، رئيس وزراء فرنسا بعد زيارته قبل ثلاثة أسابيع الى السعودية أن يوحي في ختام الزيارة أنه حقق إنجازاً بالاتفاق مع الرياض على عقود بعشرة مليارات دولار، لكن محاولة فالس كانت مغايرة تماماً للواقع الذي يشير الى أن مبلغ العشرة مليارات دولار هو مبلغ صغير جداً مقارنة مع الوعود السعودية التي تلقتها فرنسا منذ أكثر من عام وتصل قيمتها الى خمسين مليار دولار مقابل صفقات اسلحة وطائرات مدنية ومشاريع إنماء وإعمار في المملكة.حتى صفقات الـ10 مليارات لا يمكن لباريس اعتبارها مبالغ مستحقة، فالسعوديون لم يوقّعوا، خلال زيارة فالس، إلا على عقود بثلاثة مليارات دولار مقابل مشاريع إنمائية ومشاريع طاقة تنفذ في السعودية، أما المبالغ الباقية فبقيت وعوداً، والفرنسيون يعتبرون الوعود السعودية غير قابلة للصرف بلا تواقيع، ولهم في ذلك تجارب عديدة، آخرها وعود الهبة السعودية بثلاثة مليارات دولار لتسليح الجيش اللبناني والتي لم تصرف حتى الآن.وفي المقابل، يجد الفرنسيون في الأسواق الإيرانية متنفساً جديداً للركود الاقتصادي في بلدهم، ويعد رجال الأعمال الفرنسيون الـ 140الذين زاروا طهران في 20 ايلول الماضي، بتشغيل نحو عشرة آلاف عامل فرنسي بفضل اتفاقات مع الإيرانيين بعد رفع الحظر عن الاقتصاد الإيراني منتصف العام المقبل.
المصدر: الميادين نت