تعز العز

شهادة عفاشي !

فلتنقل عني يا مصباح، ولتخبرهم أن ينشروها، واعلم أنها أمانة، ويوم القيامةِ خزيٌ وندامة:
أنا عفاشي حتى الصميم، ومؤتمري قلبْ وقالَبْ، ومُنذ ثلاث سنوات وأنا أشاركْ في الوتس آب وفوق الباصات والحافلات والمقايل بكتابة وكلام ضد أنصار الله فيه سب وإشاعة واتهامات، وكلما رأيت عمارة كبيرة أقول لمن معي هذه العمارة للمُشرف الفلاني، وقد كذَبْت كذب لا يعلم به إلا الله.
وحينَ أعلن الزعيم عفَّاش أنه يمد يده للتحالف، ويفتح معهم صفحةً بيضاء، ويدعو للهبَّة الشعبية ضد الأنصار، كنتُ مستمرًّا في عملي بالتحريض الواسع ضدهم في كل قروبات الوتس خاصة، وبنفسِ الدعايات، وحين بدأت المعارك في الحي السياسي وانتهتْ بمقتل الزعيم؛ أصابتني صدمة شديدة، وأحسست أن الذي قُتِل ليس إلا أبي، وسكنَ قلبي الحُزن، وسالت من عيوني الدموع، وأصابتني حالة اكتئاب شديد، وأصبحتُ ألعَنَ الحوثيين من كبيرهِم حتى صغيرِهِم.
ومِنْ شِدَّة الضيق ذهبتُ للمِقيلْ عندَ صديقي الأقرب وهو أحدِ قياداتِ المؤتمر، والذي ما إن رأى الدموع تتراقص في عيوني حتى فاجأني بضحكةٍ عالية وهو يستقبلني عند بابِ منزله ويقول” أكيد زعلان على الخائِنْ عفَّاش”، وما إن سمعت تلكَ الكلمات من صديقي حتى سحبتُ يدي من يديه، وتسمَّرتْ عيني في عينيه وقلت”أرجوك لا تمزح، ففي قلبي من الحُزن مثل الجبال” أمسَكَ بذراعي وما زالت ضحكته على وجهه وقال” أنت تعرفني كم أحب عفاش، ولكني لا أمزح فهو خائِنْ” انسحبتُ بغضب وأعطيته ظهري، بينما كان يسحبني أن أدخل منزله ونتفاهم لكني قلت” حرام وطلاق لا أدخل لك بيت”.
صمتَ صديقي والتحقَ بي حتى السيارة، وبسرعة خاطفة اختطفَ مفتاح السيارة وقال” مفتاح السيارة معي وانتظرني حتى ألبَسْ، وسنذهب للمقيل في بيت أخي وسنتفاهَمْ”، وضعتُ كلتا يديَّ على رأسي فوق سُكَّان السيارة وأنا غير مُصدِّق بأن صديقي يقول ما قال، فقد كُنتُ أظنه آخر واحد في اليمن يقول عن عفاش ماقال!
عادَ صديقي، وقد لبسَ العسيب والكوت، وربَطْ فوق رأسه السماطة الحمراء، وفتح باب السائق، وقال” إنزل سأسوق سيارتك أنا”، نزلت من سيارتي وركبتُ بجواره، وإذا به يقول” صلِّ على محمد وآله، والحَقْ بعدي وأنت ساكِتْ” نظرتُ إليه بنظراتِ استغرابٍ صامتة!
تحَرَّكتِ السيارة من شارِع خولان وحتى شارِع مُجاهد، ثم شارع حدة، وتوقفت بجوارِ مركزِ الكُميم، ونزلَ صديقي وأخذَ بيدي وهو يقول” انظر هنا وانظر هناك”
وكنتُ أحرِّكُ عيني في كلِّ اتجاه لأرى منازل المواطنين المُدمرة وأشاهد مآت المحلات المُحطمة وعشرات البنايات المُحترقة!
أخذَ صديقي بيدي وهو يجُرني نحوَ منزل عفاش، لكني تردَّدْتُ وقلتُ له” أينَ ستذهبُ بنا، سيعرفنا الحوثيين ويمكن يقتلونا” ضحِكَ وقال
“هُم بني آدم مثلنا يا خبير، تحرَّكْ ولا تَخَفْ”
كانَ قلبي يرتجِفْ مع كلِّ خطوة، وكلما اقتربنا أكثر ازدادت ضرباته قوة وسرعة.
استقبلنَا أحدُ المُقاتلين، وعرَّفناه بأنفسنا، وأننا جئنا للإطلاع والمعرفة عن قُرب، فرحب بنا بعدَ تفتيشٍ سريع، وبعدَ خطواتٍ شاهدنا مجموعة من الناس تتحلَّقُ حول جثةٍ، اقتربنا منهم لنرى منظرًا يشيبُ له الرأس؛ شابٌ في الثلاثيناتِ من عمره، مربوط اليدين بسلاسلٍ قوية، وقد فُقِأت عيناه، وعلى جسده آثارُ التَّعذيب الشديدة، وقبلَ أن نتكلَّم كان هُناك شابٌ يقولُ بِحُرقة شديدة وكأنه يوجه الكلام إلينا
” هذه أفعال الدواعش يا مسلمين، هذا أحد الشباب الذين اختطفهم طارق يوم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بينماهو في طريقه، وهناك الكثير بالداخل على نفس الحالة” ثم أشار بيده إلينا وقال” تعالوا نريكم الأسرى الآخرين وكيف عذبوهم وشوهوا جُثثهم قبلَ قتلهم” أمسكتُ بيدِ صديقي وقلتُ له بهمس” أرجوك لا أريد أن أرى المزيد فقد اقشعر بدني لهول المنظر”
أشارَ صديقي بيده وقال” لا نريد أن نرى جُثثْ، لكنا نريد أن نأخذَ جولةً سريعة” ومضى بي حيثُ أشارَ لنا ذلك الشاب لنتوقف أمامَ بدرومٍ كبير ممتلىء بصواريخ لو وقذائف أر بي جي، ونتحرك بعدها لنرى عشرات المخازن وهي ممتلئة بسلاحٍ ثقيل، وأحواشٌ ممتلئة بالسيارات المصفحة، وأسلحةٌ هنا وهناك، ومتارسٌ كثيرة وكأننا في معسكر العنَدْ، ولسنا في بيتِ رئيسنا السابق!
اختتمنا جولتنا بزيارة مدارسٍ ومستوصفات وعمارات، قد اتخذها طارق ومن معه متارس، وأفزعني كثيرًا حين رأيت حوالي ثلاث حارات كاملة قد دُمِّرتْ، وعُدنا بالسيارة وصديقي يقودها، والصمتُ يخيم علينا، وتوقَّفَ صديقي بجوارِ منزلٍ محترق، وأمامه عجوزٌ تشق طريقها ببطىء وترفع يديها بدعاءٍ عريض وتقول” الله يا عفاش يحرقك في جهنم كما أحرقتَ بيوتنا” ولم أتمالك نفسي وصِحتُ في وجهها قائلاً” يا حجة الله يحسِن خاتمتش قولي الله يرحمه” التفتت إلينا بعيونٍ باكية، وقد انحنت لتخلعَ نعلها ورمت به في وجوهِنا وهي تشير إلى المنزل وتقول” لوكان هذا منزلكم وحرقوا عليك ولدين وبنت داخله، ستعرِف حجم الوجع يا خاين”

وبينما كانت تبحثُ عن حجرٍ قريب لتقذفه في وجوهنا،انطلقَ صديقي بالسيارة.
وما إن وصلنا منزلَ أخيه حتى طلبَ مني أن أُشاهِدَ على التلفاز تلك الملايين التي احتشدتْ في شارع المطار، واستمعت لكلمة رئيس اللجان وهو يسردُ ماحدث.
وكلما اعترضتُ عليه يقول لي” افعل ما أقولُه لك وسأقولُ لك سببْ كلامي” هززتُ رأسي واستمعتُ لخطاب الرئيس الصماد بعد ذلك.
فتحَ صديقي اللاب توب والذي جلبه معه، وطلب مني أن أشاهدَ بصمت، وذهب يكتبُ على اليوتيوب:
-جمعة الكرامة/جرائم صالح في الحروب الست/جرائم صالح في صعدة/جرائم صالح في حرف سفيان. شاهدتُ مناظر كادت أن تختفي من ذاكرتي، وهممتُ أن أقولَ لصديقي يكفي مناظر تُقطع القلب. أخذ يكتُب في خانة البحث: جرمية قتل الحمدي. وفتح لنا مقطعا مصورًا يتحدث عن الطعنات التي تلقاها الحمدي من الخائن ورفقائه كما يقول المقطع.
نفذَ صَبري وقلتُ لصديقي” أرجوك فيني ما يكفيني كفاية، أخبرني بما عندك”
أغلق صديقي اللاب توب، وأسند ظهره على الوسادة والتفتَ إليَّ وقال:
“يا صديقي أنا كنت عفاشي حتى العظم، وأنتَ تعرفني، ومع ذلكَ كنتُ أراقب أعماله منذ صعد إلى الرآسة وحتى اليومَ، وما قام به عفاش في خطابه الأخيرخيانة كبرى لكل الشهداء والجرحى، وطعنة في القلب للجبهات، ولولاأفشلَ الله فتنة عفاش ولولا لطف الله بنا يا صديقي لكان ما رأيته في الأحياء التي زرناها يحدث في كل شارع وقرية وقبيلة.. قاطعته قائلاً:
طيِّبْ وأينَ أنت وأمثالك لم تقم بدورك وتراجعوا الزعيم قبلَ هذه الوِدَّافة؟
ضحكَ صديقي وقال:
“ياعزيزي عفاش صدَّق له كم من صايع ضايع مثل المسوري والمذابي وخالد الرويشان، والخوذاني، والشجاع، وعلي البخيتي” وهؤلاء يا صاحبي حين قرحت البنادِق هربوا مثل المكالِفْ بعدَ أن ورَّطوه بهذه الخاتمة وجعلوه يودِّف إلى العمالة والخِزي.
رديت عليه مُقاطِعًا:
“وأنت واحد من الذين تركوه” فأجابني مبتسمًا وقال:
” أنا كنت أحدَ الذين حملوه وهو يحترق في المسجد وقلنا له نقرحها ونحرقهم حريق فردَّ علينا وهو ينتفض ولا تردوا بطلقة، أما اليوم يا صديقي قد عرفوا أكثر قيادات المؤتمر أنه خان وطنه وباع شرفه وتركوه حتى أنسابه بيت الأكوع وبيت الرويشان وبيت دويد وبيت ابوشوارب وبيت الطلوع وبيت الحجري.
تنهَّدتُ ونظرتُ إليه وقلت:
“دعوة تلك العجوز مازالت تشتعِل في قلبي”
أمسكَ صديقي بيدي وقال:
“تبرأ من أفعاله حتى لا تكون شريكه في آلاف الجرائم التي ارتكبها طيلة حكمه من قصف ونسف وحرق ودفن وذبح وإبادة وآخرها خيانة”
نهضتُ وقبَّلتُ رأس صديقي وقلتُ له:
“شكرًا لله على انتهاء الفتنة، وشكرًا لك يا صديقي على تنويري ، وشكرًا للجيش واللجان، واللهم إني بريء من عفاش وأعماله وخيانته من اليوم إلى يوم القيامة”
د.مصباح الهمداني