تعز العز

المشروع القرآني للشهيد القائد.. منطلقاته، أهدافه، مميزاته

المسيرة/ خاص

يبقى لنا الشهيدُ القائدُ في كُلّ ذكرى استشهاده مدرسةً عظيمةً قرآنيةً مستنيرةً، نقتبسُ منها النورَ، وقد مثَّلت محاضراتُه ودروسُه التي ألقاها في ظل المسار العملي الذي تَحَـرَّك فيه، قبَساً من النور نستضيئُ به في عتمة الظلمات، ونستذكر انجازاتِه الكبرى التي حقَّقها في زمن عصيب ومرحلة صعبة وفي ظل الأحداث الكبيرة والتحديات والأخطار.

 

السيد حسين بدرالدين الحوثي بكل إباء تَحَـرّك من واقع الشعور بالمسؤولية في مواجَهة المشروع الأمريكي الصهيوني بعد أحداث الـ 11 من سبتمبر، وفي تلك المرحلة ذاتها حين حاول هذا المشروعُ فرضَ حالة الصمت وتكميم الأفواه وإجبار الناس على الخنوع والاستسلام.

صرَخَ صرخة الحق والإباء في وجه المستكبرين، بهتاف الحرية وَنادى به وأعلى به صوته وقدّمه كموقف مهم، متمثلاً بالشعار المعروف (الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسْـلَام)؛ ليكونَ موقفاً حكيماً ومحتاجاً إليه في ظرف عصيب ومرحلة خطيرة وحساسة لمواجهة حالة الصمت.

وفي مثل هذه الأيام نتذكرُ مظلوميةَ الشهيد القائد التي لم تكن إلا مظلومية أُمَّـة وقضية، ارتكبها الطغاة الظالمون بحق رجل عظيم دون أَي ذنب وبدون حق، سوى أنه دعا إلَـى القرآن الكريم وتَحَـرّك على أساس القرآن ونهج القرآن، وتَحَـرّك يستنهض الأُمَّـة في إطار الوقف الحق والقضية العادلة، فقد أمر بالقسط وَالمعروف ونهى عن المنكر الأكبر المتمثل بالطغيان الأمريكي والإسرائيلي وما في إطاره من قوى الشر والظلام والطغيان.

وقد تمثلت الجريمة بقتل رجل مؤمن عظيم يتَحَـرّك على أساس القرآن، يعمل على استنهاض الأُمَّـة بالقرآن، وإعادتها إلَـى منهج القرآن، وقد جعل الله تعالى جريمة قتل الآمرين بالقسط بعد مرتبة قتل الأنبياء، ولذلك كانت عملية الاستهدافِ له وجريمة العُـدْوَان عليه تمثل مأساةً لشعب ونكبة لوطن وخسارة للأمة بكلها.

وقد كان تَحَـرّكه بقضية عادلة سليمة صحيحة لاستنهاض الأُمَّـة التي هو فرد منها يشعر المسؤولية تجاهها، وهو من واقعه كرجل مسلم عظيم مستنير بالقرآن مهتد بكتاب الله يحمل الشعور الإيماني ويستشعر المسؤولية الدينية تجاه الأُمَّـة أُمَّـة الإسْـلَام” المستهدفة من أعدائها، التي يستهدفها اعدائها استهدافاً شاملاً بدءاً من دينها وانتهاءً بدنياها.

فالأمة بأمس الحاجة لمن يبصرها بهدى الله القرآن الكريم الذي هو كتاب ربها الذي هو الحق الذي لا يأتيه الباطل من

بين يديه ولا من خلفه، النور الذي تستضيئ الأُمَّـة به في عتمة الظلمات التي ملأت آفاق الدنيا في عصرنا هذا وفي زمننا هذا.

فعندما استهدف استهدف في القضية التي تَحَـرّك من أجلها، وما نقموا عليه وما ساءهم منه وما استهدفوه لأجله هو هذا المشروع؛ لأنهم أرادوا أن يسود في واقع الأُمَّـة بكلها الصمت والاستسلام والعجز، فلم يكونوا أبداً يريدون أن يسمحوا بأن يعلوا صوت أو يناهض ما يريدونه، ويقف بوجه مؤامراتهم وطغيانهم وظلمهم وجبروتهم، فهم يريدون للأمة أن يعمها حالة الخنوع وحالة الاستسلام وحالة العجز.

وأهم الدرس والعبر التي نستلهمها من الشهيد القائد:

  • نستلهم منه أن نخشى اللهَ فوق كُلّ شيءٍ، بما يجعلنا لا نبالي أبداً بجبروت الطغاة والظالمين والمستكبرين مهما كان جبروتهم.
  • نتعلم أن نأنسَ بالحق وإن قل أتباعه، وأن نكون دائماً طلاب حق لا يردنا عن ذلك أَية مؤثرات ولا أَية عوامل.
  • نتعلم منه أن نستوحش دائماً من الباطل وأن نمقته وأن ندرك مساوئه وآثارَه السيئة على الحياة.
  • نتعلم منه أن نتثقفَ بثقافة القرآن في المرحلة التي هجرت الأُمَّـة فيها القرآن.

وقد كان هذا الإنجاز الذي حققه الشهيد القائد رضوان الله عليه أنه أنزل إلَـى الساحة المشروع القرآني العظيم الذي جسّده في الواقع العملي وتَحَـرّك به كمشروع عملي أحدث به تغييراً وتأثيراً وزلزل به واقعاً، تَحَـرّك به وحرك أُمَّـة تَحَـرّكت على أساسه.

وقد تميز المشروع القرآني العظيم الذي قدمه الشهيد القائد بالعديد من المميزات:

  • محورية النص القرآني:

كان يقدم النص القرآني ثم ينطلق من جوهر هذا النص القرآني من دلالاته وَمن مضامينه إلَـى الواقع، يقيم هذا الواقع ويشخصه، يحدد الموقف اللازم، وبذلك أبرز فعلاً عظمة القرآن وأن القرآن الكريم كتاب هداية يواكب كُلّ التغيرات ويتناول المواقع وأن بالإمكان فعلاً الاعتماد على القرآن الكريم؛ لأن فيه الحل الصحيح، وَالناجع الحل المفيد، فمحورية النص القرآني هي حالة متميزة وفريدة في النظرة القرآنية التي قدمها، وفي مرحلة الأُمَّـة في أمس الحاجة إلَـى هذا.

  • قدم النص القرآني خطاباً يلامس الواقع:

لم يقدم النص القرآني بشكل معقد وعبارات معقدة يستعصي على الإنساني العامي والبسيط فهمها، بل قدمه ضمن الرؤية القرآنية مبين وواضح يستطيع العامي أن يفهمه، خطاب موجه إلَـى الجميع يستفيد منه العامي والعالم والأكاديمي والمثقف كما يستفيد منه الطالب العادي الإنسان البسيط وتستفيد منه كُلّ الفئات.

  • حاكمية النص القرآني وهيمنته الثقافية:

أسس الشهيد القائد للعودة إلَـى القرآن الكريم وجعله حاكماً لما بين أيدينا من ثقافة وفكر وأسس، وَفوق كُلّ ثقافة وفوق كُلّ فكر وفوق كُلّ رمز، وأسس لنقد أَي شيء يخالف القرآن الكريم، وجعل القرآن الكريم حاكماً لما بين أيديهم من ثقافة وفكر وأسس.

وعملياً فقد نقد الشهيد القائد أشياءَ كثيرةً حتى على مستوى المذهب الذي ينتمي إليه، فأسَّسَ لأن يكون أَيُّ شيء مخالف للقرآن الكريم محل نقد.

  • ربط النص القرآني بالله الحي القيوم:

لم يتعاطَ مع القرآن الكريم على أساس أنه كتابٌ لوحده، نستفيد منه فيما يرشد إليه، فنتَحَـرّك باعتبار ما أرشد إليه أشياء إيجابية حكيمة عادلة صحيحة مفيدة، بل باعتبار القرآن الكريم هو كتاب الله والله هو ملك السموات والأرض، حيث تحدث بمقولته الرائعة “إن وراء القرآن من نزل القرآن” أَي أن هذا الكتاب هو كتاب الله المدبر لشؤون السماوات والأرض المهيمن على العباد، القاهر فوق الخلق، المسخر المغير، المدبر في شؤون السماوات والأرض وشؤون الخلائق بكلها، وحينما رسم الله لنا فيه مساراً عملياً لنتَحَـرّك فيه كعبيد لله سبحانه وتعالى، وقدّم وعوداً كثيرة وعد الله بها بالنصر والتأييد لمَن تحقق أنه يسير على هذا المنهج، وعد بأن يحقق له العزة والكرامة والسعادة، وأن ينصره ويكون معه، ويمنحه الهداية الواسعة في كُلّ السبل.

وهكذا نجد فعلاً أن القرآن الكريم مرتبط بقيومية الله سبحانه وتعالى، وأن الله هو مدبر شؤون العباد بكلها، وهو كما قال جل شأنه (إليه يرجع الأمر كله) كما قال جل شأنه (وإلى الله ترجع الأمور) كما قال جل شأنه (ولله عاقبة الأمور) كما قال جل شأنه ( إلَّا إلَـى الله تصير الأمور).

  • أنه تصحيحي يصحح واقع الأمة:

قيّم الشهيد القائدُ مشكلةَ الأُمَّـة بالخلل في ثقافتها، فانطلق لتصحيح واقع الأمة، حيث لا يمكن بأي حال من الأحوال تغيير واقع الأُمَّـة وإصلاحها إلَّا إذا ابتدأنا من التصحيح الثقافي الذي يترتب عليه تغيير ما بالنفوس؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول (إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم) وكل ما تصححت ثقافة ورؤية تصحح وراءها قناعة، وتصحح واقع، وتصحح من وراء ذلك نتيجة.

وأعظم وأصدق وأسمى وأهدى ما يمكن الاعتماد عليه للتصحيح الثقافي هو القرآن الكريم الذي يجب أن نجعل له حاكمية مطلقة على كُلّ ما هناك من ثقافات ومذاهب وأفكار ورؤى وهو كتاب الله، ولذلك في معظم الدروس والمحاضرات التي قدمها الشهيد القائد رضوان الله عليه تناول الكثير من المفاهيم المغلوطة سواء منها ما كان سائداً في داخل الطائفة الزيدية أو خارج طائفته بشكل عام.

  • أن المشروع القرآني تنويري:

فهذا المشروع القرآني هو مشروع تنويري توعوي ثمرته وعياً عالياً وبصيرةً نافذة وتقييماً صحيحاً وقراءةً واقعيةً للأحداث والمتغيرات.

  • المشروع القرآني أنه أخلاقي وقيمي:

مشروع أخلاق وقيم يهدف إلَـى إعادة الأُمَّـة من جديد إلَـى قيمها وأخلاقها القرآنية لأن من أهم ما يستهدفنا فيه أعداؤنا هم يستهدفوننا في القيم وَالأخلاق

إضافة إلَـى أن الواقع القائم واقع الأُمَّـة القائم فعلاً هناك تراجع كبير وملحوظ لدى الجميع تراجع كبير في القيم وتراجع كبير في الأخلاق

فهو مشروع يرسل أخلاق والقيم ويعمل على إعادتها إلَـى الواقع لتحكم واقع الإنسان وسلوكه وتصرفاته من جديد

ولأن من أهم ما في القرآن الكريم هو الأخلاق.. الأخلاق والقيم العظيمة الإنسانية والفطرية واللاهية فهو مشروع يرسل أخلاق والقيم ويعمل على إعادتها إلَـى الواقع لتحكم واقع الإنسان وسلوكه وتصرفاته من جديد

  • أن المشروع القرآني نهضوي:

يترتب عليه تحريك الأُمَّـة وتفعيلها والنهضة بها فهو ينهض بالأمة إلَـى الأعلى من حالة الصمت إلَـى الموقف من حالة القعود إلَـى القيام إلَـى التَحَـرّك ثم يقدم المقومات اللازمة للنهضة بالأمة وانتشالها من واقع الوهم والضعف والعجز والتخلف وهناك مساحة واسعة مساحة واسعة في الدروس والمحاضرات التي تتحدث عن أهم المقومات النهضوية التي تنهض بالأمة وتنتشلها من حالتها التي هي فيها.

  • أن المشروع القرآني واقعي

واقعي يعني أحياناً قد يقدم لك البعض مشروعا مثالياً غايةً في المثالية لكنه بعيد عن الواقع لا يتطابق مع الواقع ولا يتناسب معه لا يقدره، أما هذا المشروع فهو مشروع واقعي، من حيث أنه يلامس الواقع وَيقدر الواقع، ومن حيث أنه يرسم معالم واقعية يمكن للأمة أن تتَحَـرّك فيها من نفس الظرف الذي هي فيه ويرتقي بها إلَـى الأعلى خطوة خطوة.

  • أن المشروع القرآني مرحلي

ما يعني أن المشروع القرآني يرتقي بالأمة وفقاً للمراحل وبمقتضيات كُلّ مرحلة وما يناسبها، ومواكب للمستجدات والأحداث والمتغيرات.

  • أن المشروع القرآني حضاري:

فالمشروع الذي قدمه الشهيد القائد هو مشروعٌ قرآنيٌّ حضاريٌّ بَنَّاءٌ، حيث قدم من القرآن الكريم المقومات الحضارية اللازمة، فقد سعى أعداء الإسْـلَام إلَـى فصل الدين عن الحياة، وكأنه لا صلة له بالحياة ولا أثر له في الحياة ولا قيمة له في الحياة، ويحاولون أن يرسخوا هذا المفهوم المغلوط في الذهنية العامة، فاللهُ سبحانه وتعالى هو الذي خلق الإنسان وهو الذي رسم له دوره في الحياة والدور المرسوم للإنسان للمفهوم القرآني الصحيح في الحياة هو دور حضاري

  • تأصيل الهوية الجامعة

فهو سعى بكل جهد في إطار النشاط التثقيفي القرآني وفي إطار المشروع العملي وفيما يتناوله من القضايا العامة إلَـى أن يؤصل الهوية الجامعة.. لنستذكر دائماً أننا كأمة مسلمة معنيون كما يقول الرسول صلوات الله عليه وعلى آله “من لم يهتم بأمر المسلمين فليس من المسلمين”، وَ”من سمع منادي ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس منهم”.

فالهوية الإسْـلَامية هويتنا كأمة مسلمة في مواجهة مساعي طمسها وإبراز الهويات الجزئية الطائفية منها والسياسية والجغرافية؛ لأن من أخطر ما يجري في واوقعنا كأمة مسلمة أنه يعزز ويرسخ في الذهنية العامة الانفصال عن الهوية الجامعة بما يعني أن ننسى أننا كمسلمين أُمَّـة واحدة معنيون بقضايانا جميعاً، حيث يسعى الأعداء إلَـى ترسيخ حالة العزلة والفصل بين أبناء الأمة، فهم يريدون أن نعيشَ مجزئين ومفرَّقين وأن ننسى بعضُنا البعض.

  • أحيا الشعور بالمسئولية الدينية

سعى الشهيد القائد إلَـى إحياء المسؤولية الدينية في مرحلة تسعى قوى الطغيان إلَـى إماتتها وإخماد جذوتها الشعور بالمسئولية الدينية غائب لدى الكثير من المسلمين، ولم يعد الكثير من المسلمين يعرف أو يشعر أنه يتحمل مسئوليةً دينية تجاه بقية أمته الإسْـلَامية.