تعز العز

حكم العسكر

ابتليت الأمة العربية منذ القرن الماضي بأنظمة حكم عسكرية أفسدت الجو السياسي للبلاد، وكانت أنظمة دكتاتورية إقصائية عنيفة.
منذ مرحلة التحرر من الاستعمار (في بعض البلاد) أو الثورات الشعبية ضد الأنظمة الأسرية الملكية (في بلاد أخرى)، لم تتمتع الدول العربية بأنظمة ديمقراطية تشاركية تمثيلية، بل خطفت الحكم فيها طغمة من العسكر وحكمت بالحديد والنار، بحجة الثورة أو الاستقلال.
كانت كل تلك الأنظمة تبدأ عهدها بنوع من الانفتاح وشكل ديمقراطي خفيف وخادع، ثم سرعان ما تنقلب على كل تلك الأوضاع تحت لافتة التصدي لمؤامرات أذناب الاستعمار أو الملكية أو النظام السابق، فتصادر الحقوق والحريات، وتقيم المحاكم العسكرية، وتسجن السياسيين، وتعلق الحياة السياسية، ويبدأ نظام قمع على شكل الحزب الواحد، أو الحزب القائد الذي تتصاغر جميع الأحزاب بجواره.
وإضافة إلى ما حصل في بلادنا من نظام عسكر ما بعد ثورة 62 ضد النظام الملكي في الشمال، وعسكر ما بعد ثورة 67 ضد الاستعمار في الجنوب، وما أدى إليه من نفس طريقة الاحتكار لطبقة العسكر والإقصاء للغير، وحصل نفس الأمر في مصر وسوريا والعراق والجزائر والسودان وتونس والصومال، ودول غير عربية مثل باكستان وإندونيسيا وأوغندا.
وصارت تلك الأنظمة العسكرية صورة طبق الأصل للأنظمة الملكية الدكتاتورية والممتصة لخيرات الشعوب في السعودية ودول الخليج والأردن والمغرب.
العسكر غالباً يشعرون بعد فترة قليلة بالقوة وعدم قدرة المنافسين على محاسبتهم أو محاكمتهم، فيدفعهم ذلك الأمر للإقصاء ومحاولة الاستئثار بالسلطة والثروة شيئاً فشيئاً، فتنشأ طبقة تبدأ في احتكار المقاولات والمشاريع والامتيازات المالية والديبلوماسية، وتقاسم المواقع النفطية، والبعثات التعليمية والعسكرية لأولادهم وأقاربهم، وإقامة المؤسسات العسكرية الاقتصادية الخاصة لهم، لتتشكل مع الوقت طبقة عسكرية ثرية ولديها امتيازات كبيرة، واقتصاد موازٍ للدولة، وتعطي هامشاً خفيفاً للحياة السياسية والإعلامية لإشغال الشباب الناشئ الطامح للعمل السياسي والإعلامي.
وغالباً ما تتخفى تلك الطبقة العسكرية تحت اسم شخص دكتاتور، تصنع له هيبة وسمعة، وتجعله –إعلامياً- الزعيم المعظم للشعب، ويغض بدوره الطرف عنها وعن مخالفاتها وتجاوزاتها وأخطائها.
كما حاولت تلك الأنظمة العسكرية الفاسدة استغلال المشاعر القومية للأمة لتثبيت تواجدها في السلطة، تارة عن طريق مواجهة إسرائيل ومحاولة إلهاب مشاعر الأمة بأنها سلطات الضرورة وأن أي معارضة في ذلك الوقت خيانة وعمالة لإسرائيل، وتارة عن طريق النزاعات الحدودية مثلما حصل في النزاع العراقي الإيراني، والسوري التركي، والصومالي الإثيوبي، وتارة عن طريق الصراعات القومية والإثنية الداخلية وضد المعارضين والأحزاب والتيارات السياسية الداخلية، مثل صراع الجبهة القومية وجبهة التحرير في جنوب اليمن، والصراع الكردي العربي في العراق، والصراع العربي الأمازيغي في الجزائر.
فعلت أنظمة العسكر في الدول العربية نفس ما تعمله الأنظمة الملكية مثل نظام بني سعود وعيال نهيان في الإمارات وآل الصباح في الكويت والأنظمة الهاشمية في المغرب والأردن.
كانت الشعوب العربية -ومازالت-  تستحق أفضل من هذا، ولكن الديمقراطية لا توهب، ولا يمكن لمجموعة انتهازية دكتاتورية أن تمنحها للشعوب، بل لا بد أن تتحرك الشعوب والجماهير لفرضها، وكانت ثورات الربيع العربي هي خطوة شعبية لمحاولة فرضها، ولكنها لم تكن ناجحة للأسف إلا في الوضع التونسي فقط، بينما تحولت بفعل التدخلات الخارجية الخليجية والعربية لوسيلة لتدمير الدولة السورية، وكذلك في اليمن جاء المكر السعودي لمحاولة إعادة النظام العسقبلي الحاكم السابق عن طريق المبادرة الخليجية، أما مصر فقد عاد الحكم العسكري بكل بشاعته ودكتاتوريته وانتهازيته ليحكم مرة أخرى.
✍🏻محمد طاهر أنعم

 

 

#الصرخة_في_وجه_المستكبرين

  

أشترك على قناة أخبار تعز للتلغرام وكن أول من يعلم الخبر فور حدوثه انقر هنا