تعز العز

شذرات من تضحيات الأمهات .

** *الحلقة الرابعة* **

حكايةُ الجمعةِ ….كلما هبَّت نسائمُ الجمعة، وفاح أريجها ؛مالت معها غصونُ الحنين المتدليةِ من قلب أم مجاهد تعتصرُ خفقاتها من الفقد، وعاطفتُها المكلومة تترنحُ على قارعةِ وريدها ، تجولُ وتجوب وتغوصُ في تفاصيل هذا اليوم المبارك بأحاسيس لاتنضبُ وأشواقٍ لاتتعب وحبٍّ سرمدي للابن والوطن معا ، تتوهُ بأعماقهِ مدياتُ الخيال ويقهرُ في كل صولاتهِ هجماتَ المحال.

المشاعرُ الصادقة توقظُ الحنينَ كلما كاد يغفو ، وتعزز الذكرى التي تعيد الإنسان إلى لحظة الحقيقة ذاتِها ، وبما أن مشاعر الام هي الأكثرُ مصداقية ؛ فليس غريبا عليها أن تظلَّ تبحثُ عن طيفِ ابنها الغائب عن عينيها والحاضر في وجدانها مع كلِّ ساعةٍ تمرُّ من يوم الجمعةِ، وفي كل لحظات طقوسها المعتادة ؛فتضع قلبها على رفِّ الصبر، وتأخذ نفسا عميقاً لتقول لكم:

في مثل هذا اليوم كنتُ أجهَّزُ ثيابِ ابني منذ المساءِ أغسلها وأكويها وأطويها على رف الدولاب ؛ فما إن تشرق شمسُ الجمعة ويسارع ابني إلى الاغتسال ؛ حتى يخرجُ ليجدها جاهزةً فيلبس ثوبهُ الفاخر ويتأنقُ ويتجمَّل ويتعطرُ ويتجهزُ إلى الذهاب إلى الجامعِ دون تأخير.

في مثلِ هذا اليوم كان بني يتشرطُ عليَّ وجبةَ الغداء الشهية ، ويحدد رغبتهُ فيما تشتهي نفسهُ من الحلوياتِ التي تليها ؛فهو عيدٌ للمسلمين ، ويوم أجازةٍ للجميع؛ يجتمع فيه كلُّ أفراد الاسرةِ تحت سقفِ بيتٍ واحد وعلى سفرةٍ واحدة .

في مثلِ هذا اليوم كان بني يعود من صلاة الجمعة ؛ فيسارع للسلام عليَّ وتقبيل رأسي وهو يهمسُ في أذني” جمعةٌ مباركة يا نور عيني ” فيتوسع بؤبؤُ قلبي وتهلهلُ أساريرُ وجهي محاولةً حبس دمعةَ عيني ولكنَّها سرعان ما تهطل في صوتي حين أرد عليه “ويبارك الله لي فيك يا حبة قلبي” .

في مثلِ هذا اليوم كنتُ أخرج مع ابني في رحلةٍ ترفيهية إلى الحدائق والمنتزهاتِ ؛ نقضي فيها ساعاتٍ من الفرح والمرح ؛لنعود إلى البيت وقد رسمنا على وجه هذا اليوم الكثيرَ من الإبتسامات.

في مثلِ هذا اليوم يتبادلُ الناسُ الاتصالاتِ الودية ،ويتهادون رسائل التهاني الأسبوعية ِوأنا أحملُ هاتفي؛ أظل أبحثُ بين الرسائلِ عن رسالةٍ نصية مكتوب فيها أمي ،وأبحثُ في سجلِّ المكالمات عن رقمٍ مكتوبٌ عليه ابني ، ولكن دون جدوى ، ومع ذلك أكرر ضربُ الرقمَ مراتٍ عديدة مع يقيني بأنه في كل مرة سيرد َّ مغلق أو خارج نطاق التغطية، وأستمر بكتابة رسائل مباشرة ، وأنا على ثقة بأنها لن تُقرأ إلا لاحقاً ؛ فما يحمله ابني الان وما يشغلهُ عني أكبر وأهم بكثير من حمل الهاتف .

كلناُ ندركُ أن يوم الجمعة يوم اجتماعٍ عائلي بنكهةٍ قدسيةٍ خاصة ، ولكن عائلتنا الاكبر (وطننا وأمتنا) أولى منا بهذهِ القدسية فلا غرو إن تحملّنا فراقَ فلذاتِ الأكباد وضبطنا إيقاعَ مشاعرنا على مقياس الصبر ؛ لتجتمع الأمةُ على أمر رشد ؛ يضمن لها حريتها وكرامتها واستقلالها، وكما أن يوم الجمعة يومٌ مبارك فضلهُ اللهُ وميزهُ على بقية الأيامِ ؛ لمكانتهِ القدسيةِ الخاصةِ به كما فضَّلَ المجاهدين في سبيله وميَّزهم على القاعدين والمتخاذلين؛ لقداسة دورهم الجهادي ؛ لذلك فمِن فضلِ اللهِ العظيمِ أن يختص أمهات المجاهدين والشهداءِ بهذهِ المبادئِ الساميةِ ، التي يصلنْ من خلالها إلى هذه المنزلة المقدسةِ من التضحياتِ وتتميز قلوبهن عن بقيةِ قلوب الأخريات.

✍ سعاد الشامي

 

 

أشترك على قناة أخبارتعز للتلغرام وكن أول من يعلم الخبرفورحدوثه انقرهنا