تعز العز

«أضحى» بضحايا آدمية وبلا أضحيات ( فرحة خلف الأسلاك الشائكة )

عيدٌ بأيةِ حالٍ عدتَ
يا عيدُ… ذلك حال معظم اليمنيين الذين يرزحون تحت الحصار الاقتصادي، والحرب الاقتصادية، وارتفاع الأسعار، والعدوان الوحشي على اليمن الذي دخل عامه الرابع، وعدم اتخاذ أي إجراءات من قبلِ حكومةِ الإنقاذ ضد المتلاعبين بأسعارِ الصرف والغذاء. يقول أحمد (15 عاماً): (لن نذهب إلى الحديقة هذا العام أنا وإخوتي، بعد أن قصف
طيران العدوان معظم حدائقنا، ولن تشتري لنا أمي ملابس جديدة.
سنجلسُ في البيت، ونكتفي باللعبِ في حوشِ منزلنا).

استقبالٌ باهت
(سيكون استقبالنا للعيد باهتاً. أربعة أعوام والفرحة يقتلها فينا العدوان بوحشيةٍ وبلا رحمة. لم يكتفوا بقتلنا، بل يحاربوننا في لقمةِ عيشنا). بتلك الكلمات بدأت سارة (ربة بيت وأم لخمسة أطفال)، وتضيف: (حتى حكومة الإنقاذ لم تحرك ساكنا، فالأوضاع تزداد سوءا، والأسعار في ارتفاع، والتلاعب بأقواتِ الناس من قبل التجار الجشعين في ارتفاع جنوني). وختمت: (فأين هي معالجات حكومة الإنقاذ التي يفترض أن تضع حلولاً من خلال المتاح وذلك أضعف الإيمان؟!).

يبيعون مدخراتهم ليفرحوا بالعيد!
يأتي العيد والمواطن اليمني يعاني من ظروف الحرب وانعدام الغذاء والدواء وأحيانا الملبس والمأوى. إلى جانب انقطاع المرتبات الذي تجاوز العامين، هناك انهيار جنوني للعملة اليمنية الريال وارتفاع حاد للدولار الذي بدوره يتسبب في ارتفاع جميع أسعار المواد الغذائية وكل وسائل الحياة المعيشية… صادق السماوي ـإعلامي وأب لطفلة- تحدث عن استقباله للعيد ويضيف: (يأتي هذا العيد مع ارتفاع أسعار جميع المواد الاستهلاكية التي يحتاجها المواطن بنسبة 300%، مثلاً الذي كنا نشتريه بــ1000 ريال أصبح الآن سعره 3000 ريال. ومع هذا الارتفاع الجنوني يعاني المواطن من عدم وجود سيولة بسبب انقطاع المرتبات). من زاويةٍ أخرى يقول السماوي: (كثير من الأسر مع العيد تبيع من مقتنياتها لأجل شراء الملابس للأطفال لأنها في العيد تكون أكبر همومهم، أما الكبار فأصبحوا يعملون بالمثل القائل: العيد عيد العافية، مما يجعل الشخص يقلص الزيارات العيدية، وكذلك تختفي بشكل ملحوظ الطقوس التقليدية المصاحبة لأيام العيد).

نحاول أن نُسعد أطفالنا
عبدالرحمن دغار -رب أسرة وأب لطفلين- يقول: (بصراحة لن يكون عيداً هذه المرة، لأن الوضع هذا العام صار أسوأ بكثير مما كان عليه في أعوام سابقة، لأن الأسعار ارتفعت بشكل جنوني). ويضيف دغار: (سنستقبل العيد بقلوب مليئة بالهم والعذاب والحسرة، لعدم قدرتنا على إسعاد أطفالنا وأحبتنا بتلبية احتياجاتهم، وبالرغم من أنني موظف في القطاع الخاص لكن الراتب الزهيد لم يعد يكفي لتوفير متطلبات حياة لا بأس بها). يستطرد قائلا: (كان راتبي يساوي 300 دولار قبل أربع سنوات الآن أصبح يساوي ١٤٠ دولاراً وبالمقابل أسعار المواد الغذائية أصبحت مرتفعة جداً، يعني هذا المبلغ لا يمكنه أن يغطي متطلبات أسرة مكونة من أربعة أفراد، هذا بالنسبة لي، فكيف سيكون الوضع مع من لا يستلم راتباً ولا يجد أي مصدر دخل لإعالة أسرته؟!). وبخصوص بدائل الاحتفال بالعيد يقول: (بصراحة لم نعد نفكر حتى تفكيراً بأن نفرح، لأننا لا نتمكن من إتقان الفرح والحزن يحاصرنا من كل الجهات. نحاول قدر الإمكان أن نمنح صغارنا بعض ما نستطيع من مساحة للفرح، ولا نشعرهم بأوجاعنا، فنذهب بهم إلى حدائق ليست مؤهلة حتى لأن يطلق عليها اسم حديقة).

فرحة من وسطِ الركام
ليس بجديد أن يحتفل اليمنيون بعيد الأضحى وغيره من الأعياد الدينية والوطنية في ظل ظروف غاية في الصعوبة، فالفقر والحرب غالباً ما تكون المسيطرة على الجو العام في المناسبات والأفراح… عبدالكريم الشيباني (إعلامي) تحدث عن ذلك قائلاً: (اليمنيون جبلوا على خلق الفرحة من وسط الركام والبارود والأطلال مهما استبد بهم الفقر والعنف والظلم، يعيشون اللحظة ببساطتها، ليس مهماً ملابس جديدة وفسح وذبائح وعزائم، يكفي القلوب الصابرة والابتسامة الدائمة التي ترفض اليأس وتبشر بقادم أجمل لا محالة، لكن من نافلة القول أن اليمنيين مجتمع متكافل مترابط رغم المعاناة والألم، سواء من خلال الجمعيات أو المنظمات أو أهل الخير الذين يسدون احتياجات الأسر الفقيرة في الأعياد تحديداً سواء بالملابس الجديدة أو المواد الغذائية أو النقود أو غير ذلك، باختصار: اليمني يتكيف مع الوضع خيره وشره، ونسأل الله الفرج للبلاد والعباد).

متابعة احتياجاتهم
ولأهميةِ موضوع التكافل الاجتماعي خاصة في ظل الظروف الراهنة التقت (لا) بالأخ أحمد الشامي ـ عضو اللجنة الاقتصادية الاستشارية في صنعاء، الذي يرى ضرورة تعزيز التكافل الاجتماعي بين المواطنين ومحاولة تغطية احتياجاتهم الأساسية ولو بالحد الأدنى. ويضيف: (يجب تكريس هذه الثقافة بين أوساط المجتمع ويسعى الجميع للمبادرة من باب المسؤولية الإلهية والإنسانية المجتمعية، ونتذكر دائما قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي قال والله لا يؤمن من بات شبعان وجاره جائع، تحفيز التجار للقيام بواجباتهم ومسؤولياتهم أمام المجتمع، وعليهم السعي بقوة وإخلاص لمتابعة وتلبية احتياجات الفقراء والمساكين الذين هم في أمس الحاجة للمساعدة في مثل هذه الظروف. وكل تاجر يقوم بما يستطيع، فالبعض يستطيع تغطية بعض الاحتياجات الغذائية وبعض جعالة العيد وآخرون يستطيعون المساهمة بتقديم أضحيات العيد والبعض يستطيع المساهمة بكسوة الأطفال والمحتاجين للعيد وإدخال الفرحة والبهجة إلى قلوبهم…). ويختم الشامي بالقول: (والمطلوب هنا دعم وتعاون المنظمات الدولية والمحلية والجمعيات الخيرية وذلك بتوجيه مساعدتهم نحو الفئات المستهدفة والمحرومة بدلاً من تنفيذ مشاريع ثانوية ليست ذات أولوية وخصوصاً في مثل هذه المرحلة. كما أن على الحكومة تسخير كل جهودها لتوفير ما تيسر من الراتب بحسب إمكانياتها واستطاعتها رغم التحديات الصعبة التي تعاني منها واستهداف العدوان لأغلب إيرادات الدولة).

تضخم اقتصادي
ويوضح الأخ محسن العسل ـباحث أكاديمي في الشؤون المالية- العديد من النقاط قائلا: (العدوان الغاشم كان له نتائج سلبية على الوضع الاقتصادي وعلى الدخل القومي وعلى الإدارة السياسية والنقدية للبلد والمتمثل بالحصار خاصة مع عدم وجود نافذة واحدة لتجميع إيرادات الدولة حيث وأن النصيب الأكبر لتحصيل الموارد يكمن تحت سيطرة القوى الخاضعة والمرتهنة تحت مظلة دول العدوان، وانعكس هذا التأثير سلبا لعدم قدرة الدولة على توفير مرتبات الموظفين وبالتالي له تأثير عميق بالتقليل من فرحة العيد لدى كل أبناء الشعب اليمني في توفير الاحتياجات اللازمة لهذه المناسبة، ولكن الأثر الأكثر خطورة هو في التضخم الاقتصادي، المتمثل بالانخفاض المتسارع للقوة الشرائية للعملة اليمنية مقابل الدولار والعملات الأخرى، وإذا لم تكن هناك إجراءات احترازية تقوم بها الجهات المسؤولية القائمة فإن الأمور بلا محالة سوف تؤول إلى انهيار أكبر وتزيد من حدة التضخم الاقتصادي). ويقترح العسل حلولا منها: (على الجهات المختصة منع استيراد السلع الكمالية بما فيها السيارات والمعدات، هذا الإجراء كان من المفترض تطبيقه منذ بداية العدوان، لما له من أثر في تدفق العملات الأجنبية إلى الخارج، حيث وأن في اليمن من السيارات والمعدات ما يكفيها لعشرات السنين). كما يقترح أن تتيح الحكومة مجال المنافسة للتجار في استيراد السلع الأساسية الضرورية المتعلقة بالغذاء والدواء فقط بدلاً من السلع الكمالية والمعمرة، وعلى الحكومة والجهات المعنية أن تغلق كل محلات الصرافة المتزايد انتشارها نتيجة لدورهم المشؤوم في السمسرة والبيع والشراء والمضاربة بالعملة وأن تتخذ إجراءات ضدهم بما يقومون به من تهريب العملات الصعبة إلى الخارج بعمليات سرية لا يتم تسجيلها في أنظمتهم المالية.
ويختم العسل: (إن ظاهرة انتشار فتح محلات الصرافة بهذه الأعداد الهائلة لم يأتِ من فراغ وإنما ناتج عن تحقيق أرباح هائلة لهم بشكل يومي) واستغرب أن (كل من هب ودب يفتح محل صرافة وكأنها مسألة عادية وهي في الأصل سيف مسموم والدولة والجهات الرسمية غافلة عن ذلك لا أدري لماذا غض الطرف عنهم وكأنها ليست مسؤولية جسيمة على عاتقهم وأن يتخذ إجراء لمن يرغب في مزاولة هذا النشاط أن يكون من أهل الاختصاص في العلوم المالية أو المحاسبية فقط لكبح جماح الجشع المتزايد من الأشخاص الذين يزاولون هذا النشاط وهم بعيدون عن الاختصاص ومبدأ شرف المهنة والتعليم وميثاق القسم النبيل الناتج لمحصلة التعليم الجامعي).

برقية من زوجة شهيد

عيدٌ رابعٌ بطعمِ الوجع، شاحبٌ كشيخٍ عجوزٍ رسم تجاعيده الزمن على وجه منزلِ (أم سوسن)، فمنذ استشهد زوجها (معتصم)، بجبهةِ الحدود، وهي تكافح لتسعد أطفالها الثلاثة (طفلين، وطفلة) استشهد والدهم والطفلة في أحشائها، قبل أن ترى النور، حدّقت في وجوه ثلاثتهم… وانحدرت على خدها دمعة ساخنة، بماذا سترسمُ البسمة على شفاههم الصغيرة هذا العيد؟! وبماذا عساها تسعدهم في ظل انقطاعِ المرتبات، والحصار الاقتصادي للعامِ الرابعِ على التوالي، والارتفاع الجنوني للأسعار؟!
أربعة أعوام من الوحشية، والهمجية للعدوان الأمريكي السعودي، و(أم سوسن) تأمل كحالِ 25 مليون يمني أن تنقشع الغمامة السوداء، وتضمن لأطفالها حياة سعيدة، وهي من قدمّت زوجها للدفاعِ عن أرضِ الوطن، والذودِ عن حياضه الطاهرة، فجعلها الارتفاع الجنوني للأسعار، والحرب الاقتصادية والحصار، تكتب هذه الرسالة وتخاطب بها روح زوجها الشهيد:
«إليكَ يا من افتديت أرض الوطن الغالية بروحك، وصغرت في عينيكَ الدنيا، وبعتها برخص، وأرويت ثراها من دمكَ الطاهر، إلى روحكَ وهي تتفقد أطفالك كل مساء…
سيطلُ العيد الرابع من دونك، الذي فقد معناه، سيسألني أطفالك مثل كل الأعياد الثلاثةِ التي مضت: أين بابا؟!
وكنتُ أداري براءتهم بأخذهم إلى حديقةِ الألعاب، واشتري لهم الهدايا البسيطة لأتحاشى نظراتهم، وأسئلتهم التي تنغرز في قلبي كمديةٍ تشطره نصفين…
هذا العام يا معتصم لن آخذهم إلى حديقةِ الألعابِ، ولن أشتري لهم الهدايا، فالأسعار في ارتفاعٍ جنوني، والوضع الاقتصادي يزداد تدهورا، والحرب الاقتصادية التي يقودها مرتزقة باعوا أنفسهم بحفنةٍ من المالِ المدنس، والإنقاذ لم تحرك ساكنا تجاه المتلاعبين!
وطفلتنا الصغيرة لن أشتري لها الحليب، سأخترع البدائل حتى تتناساه.
وسأخرج ألبوم صورك وأقول لهم: هذا البطل المغوار والدكم، بيادته المهترئة أطهرُ من الكروشِ المستديرة على كراسٍ فارغة، لا تستطيع أن تكبح جماح الجشعين من التجار.
والدكم البطل… قضى وهو يرسمُ مستقبلكم الجميل، ويدفع روحه ثمنا لنعيش بكرامة.
التوقيع: زوجتك.

#العيد_في_امساحل

#أعيادنا_جبهاتنا

أشترك على قناة أخبار تعز تلغرام وكن أول من يعلم الخبر فور حدوثه

telegram.me/taizznews