تعز العز

لطَمَاتْ الحَمدِي!

تعز نيوز- كتابات 

قرأت تقرير اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي، واطَّلعت على بعض الوثائق، واستحضرت وصية جد بني سعود في تمزيق وإفقار وتجويع اليمن، وعُدت بالذاكرة إلى روايات من عاشوا تلك الفترة وهُم واعون ومدركون، لكني لم أتخيَّل وقاحة ووضاعة ونذالة عفاش والغشمي.

كان الحمدي قد سلبَ عقول اليمنيين بإخلاصه في عمله، وصدقه في قراراته ووطنيته، وكانت مملكة الشياطين قد بلغ القلقُ منها مبلغه، والخوف أعلاه، والارتباك منتهاه، ولهذا نفَّذت قرارها الإجرامي بيد أحقر البشر، وأرذل العساكر.

نفَّذت جريمتها على يد شاويش مجهول النَّسب لم يعرف اليمنيون إسم جدِّه إلا بعد أن حكمهُم 33 سنة، هذه لوحدها كارثة، فمن كانَ يعرف اسم عفاش وهو في السلطة، لا أحد..نعَم لا أحد.

لا أستطيع تخيُّل إبراهيم الحمدي وقد استدعوه للغداء، ويدخل الاستراحة فيجد أخيه عبد الله مضرجًا في دمه، وملفوفًا في بطانية وكأنهُ مجرمٌ أو قاطع طريق، يتلفَّت إبراهيم حوله فيجدُ عفاش يخلع عبايته النسائية، وفي يده مسدسه، وحوله اثنان من العساكر يفعلون فعله، وعلى يمينه يرى الغشمي وقد شحن مسدسه، ويقف أمامه الملحق العسكري السعودي صالح الهديان وحوله ثلاثة سعوديين قد جهزوا أسلحتهم..يتراجع إبراهيم قليلاً لكن الهديان يدفعه إلى الزاوية، فيدفعه إبراهيم بكلتا يديه فيقع الهديان على الأرض، ويشحن رفقاؤه مسدساتهم، لكنه يُشير إليهم بألا يطلقوا رصاصة واحدة، ويقترب من إبراهيم فيدفعه إبراهيم ثانية، فيشير الهديان إلى مرتزقته المأجورين بتكتيف الحمدي ويتسابق عفاش والغشمي ومعهم المرافقون إلى لف الحبال حول جسد إبراهيم، ويقترب الهُديان ويُسدد سلسلة لطمات على وجه إبراهيم، يلتفت إبراهيم إلى عفاش والغشمي وكل الحاضرين ويقول:

(ليست اللطمات على وجهي بل هي على وجوهكم كلكم ووجه كل يمني)

يصيح الهُديان:

(تتحدى المملكة يا حمدي..من أنت ومن يقولوا لك..أنتم عبيد عندنا..راحت دولة الإمام..تريد تعيد الإمامة يا حمدي..أنتم في جيوبنا..باعكم عبد الناصر لنا..دفعنا ملايين لكي نوصل إلى هذه المرحلة وأنت بدأت تتمرد علينا..كلهم في الجيب وأنت تتعنتر..من ينفعك الآن..سأدوسك بقدمي..كما أدوس أخوك) يطحنُ إبراهيم أسنانه وهو يرى البغل السعودي يصعد بقدمية فوق جثة أخيه عبد الله، ويُشاهد الدم وقد خرج من فم أخيه.

 

يصرخُ بأعلى صوته:

ماذا تريدون ؟ الرئاسة خذوها، وسأرحل عن اليمن كما رحلَ عبد الرحمن الإرياني.

يقترب الهديان ثانية ويصفع رئيس اليمن المحبوب ويقول متهكمًا:

(تريد نجران وجيزان وعسير يا حمدي؟! تريد توحيد الشطرين يا يماني).

يصرخ إبراهيم وكأنه ينادي حراسته الذين تركهم خارج الاستراحة، فيخرج أحد المرتزقة ليطلب من الحراسة الابتعاد إلى البوابة الأخيرة، ويردد الترحيب بالحاضرين بصوت مرتفع وكأنه دوشان في حضرة عريس.

 

(ارحبوا يا جماعه، أهلا وسهلا، يا مرحبا حيا وسهلا، فوق العين وفوق الراس…)

يصيح إبراهيم وهو يقلب نظراته في وجه عفاش والغشمي، ويناديهم:

(أين نخوتكم، أين رجولتكم، أين قبيَلتْكم، أين شهامتكم، أين العيش والملح، أين التراب والوطن، أيُرضيكم ما يحدُثْ؟)

يستمر عفاش اللعين ببرم شواربه، وقد غرز مسدسه خلف عسيبه، فيما الغشمي يحفر في منخريه، وكل واحدٍ ينتظر دوره.

يُكرر إبراهيم عليهم الطلب:

(دعوني أغادر ويكفي سفك دم أخي عبد الله..أرجوكم يكفي)

يتغامز المرتزقة مع الهُديان، ويتقدم عفاش وخلفه الغشمي وقد نزع كل واحدٍ جنبيته ويغرسانهن في صدر إبراهيم ويرددان:
(نتركك تهرب وتقلب الدنيا علينا، فالناس كلهم يحبونك)

يصيح إبراهيم بأعلى صوته، بصوت الموت المُشجي، فترتعدُ فرائص المرتزقة فيأمرهم الهديان قائلاً:

(بالمسدسات يا أنذال.. لا تفضحونا)

فيُخرج كل واحدٍ مسدسة وتُصب الطلقات من كل مكان على جسد إبراهيم، ويسقطُ بجانب أخيه….

وتُكمل المملكة السعودية من خلال مرتزقتها الأرخص المسرحية القذرة، ويُنقل جسد إبراهيم وأخيه إلى شقة في حدة، ويُؤتى بفرنسيتين جميلتين ليقتلا بجانبهما، ويتم التصوير الحقير، وتوزع الصور على المشائخ الشرفاء، فتقع الحيرة في قلوب القليل، ويعرف الكثير خيوط المؤامرة.

يُرسل الهديان الخبر إلى سلطان عبد العزيز مسئول الملف اليمني، وينتقل بعدها إلى ولي العهد فهد عبد العزيز ومنه إلى المسئول الأول الملك خالد عبد العزيز.

وتُعلن الأفراح، وتُشربُ الأقداح، في مملكة السفاح، ويُخيم الأسى والحزن، على كافة اليمن.

ومنذ تلك اللحظة بدأت المملكة في غرس أرخص مرتزقة في تاريخها كله، وجعلت اليمن مكبًا لنفايتها، وموضعًا لفضائلها، وجعلت أعزة أهله أذلة، وشرفاء قومه عالة، وأنشأت اللجنة الخاصة، لكي تقود المشائخ من نقطة ضعفهم، وتدير الدولة من رأسها الأول إلى أصغر ضابط.

لقد نجحت بالفعل واستمر عفاش المجهول، يحكمنا وهو عبد ذليل، ومخبر عميل.

وما إن قامت ثورة ال21 من سبتمبرحتى جُنَّ جنون مملكة الشيطان، وقد رأت في قائد الثورة ألف ألف حمدي، بل هو أدهى وأكبر وأقدر، فجاءت بأموالها بين يديه، وعرضت عليه حُكم اليمن بجهاته الأربع، وعرضت عليه كل غالٍ ورخيص، لكنه أجابهُم:

(من أنتُم أيها السَّاقطون حتى تفاوضوني على بلدي؟).

لقد قتلت مملكة الشيطان الحمدي مباشرةً بأياديها وبأدواتها القذرة من عفاش والغشمي..

لكنَّ اليمن ولاَّدة وقد جاء رجُل اليمن الأول وفارسُ العرب الأفضل، وحفيد محمد المصطفى الأكمل، وبه وتحت رايته يسير اليمانيون إلى النصر شاء من شاء وأبى من أبى، (والله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون)

مصباح الهمداني