تعز العز

بين كربلاء اليوم والأمس …نساء حول الحسين

تعز نيوز- كتابات

 

قبل أن أغوص لكم في أعماق هذا المقال الصغير والذي يهدف بأن يربط بين نساء عظيمات سجل لهن التاريخ مواقف بطولية عظيمة ظلت خالدة حتى وصلت إلينا وبين نساء يمنيات معاصرات لنا في هذا العهد الذي شهد مواقف يحق لكتب التاريخ أن تدونها لتكون نبراسا وفخرا لأجيالنا القادمة مثلما كانت سيرة نساءنا المجاهدات الزينبيات فخرا ونبراسا لنا في هذا العصر وفي كل العصور .

فمثلما نقول وبكل فخر أن شهداءنا حسينون على درب الحسين ونفس الطريق سلكوه نستطيع أن نقول أن نسائنا في هذا العصر زينبيات كربلائيات مجاهدات على نفس طريق السيدة زينب سلام الله عليها ومن معها

فالروحية هي الروحية وإن تغيرت الأزمان والإيمان هو الايمان في كل عصر وأوان مادام نفس المنهج هو القائم على امتداد أعلام الهدى الذين وعد بهم النبي الأعظم صلوات الله عليه وآله عندما قال مثل أهل بيتي فيكم كالنجوم كلما أفل نجم ظهر أخر. وهاهو نجم آل محمد لا يغيب وبفضل نوره الوضاء صمدنا وقاومنا وعلى نهج الإمام الحسين مضينا وبمنطق الإمام زيد ثرنا وقاومنا تحت قيادة السيد العلم القائد سليل بيت النبوة الكرام سماحة السيد عبدالملك بن بدر الدين الحوثي حفظه الله ورعاه.

وسأقتطف لكم مقتطفات قصيرة دونها التاريخ فكانت مواقف خالدة استحقت أن نسردها لكم

من كربلاء ونقارنها مقارنة على عجال بمواقف نسائنا الخالدات الزينبيات الثائرات المواجهات للعدوان التي لن تكفي مجلدات كبيرة لسرد بطولاتهن وتضحياتهن ودورهن في صناعة النصر والاستمرار بالروح الثورية .

فالجملة الخالدة التي أطلقها الامام الخميني قائد الثورة الإسلامية في ايران عندما قال كل ما لدينا من محرم وعاشوراء وهو يصف إنجازات الثورة الإسلامية هي جملة تشمل الجميع وتخص الجميع وتعبر عن الجميع وتطوي تحت طيات حروفها معان جليلة وعظيمة تحتاج لشرح مفصل كان يقصده الامام العارف بالله فكل ما لدينا من عاشوراء جملة تنطوي تحتها نسائنا أيضا .

فلولا تضحيات وصبر نساء عاشوراء لما وجدنا أمهات شهداء اليوم يقدمن فلذات الأكباد بنفوس راضية ولا زالن يشعرن بالتقصير أمام الله فهو المنهج الذي أسسته السيدة زينب ومن معها من النساء الخالدات

وهنا تجلّت حكمة إمام الثائرين الامام الحسين عليه السلام عندما أخرج كل أهل بيته معه رغم يقينه بأنه سيستشهد. ولكنه أراد إيصال رسالة مهمة لكل من يجد أن المرأة ليس لها دور في الجهاد ولا في السياسة وبأن صوتها مجرد عورة وبأن عليها أن لا تتدخل وأن عليها أن تصمت عن قول كلمة الحق وعن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

ولا شك أنه أي الحسين كقائد ثورة فكّر في كيفية التعريف بثورته وكيفية تحقيق أهدافها، فإذا كانت نهاية هذه الرحلة هي الشهادة والانكسار العسكري فلا بد أن يسعى لأن يحقق لها نجاحاً اجتماعياً وثقافياً وحضارياً على المدى الطويل من الزمان والمكان. وهذا ما حصل بالفعل وهنا تجلّى دور نساء كربلاء .

وهذا أيضا أدركته المرأة اليمنية المعاصرة التي استمدت صبرها وصمودها من المرأة الكربلائية

فلو تساءلنا كيف صنعت نساء قلائل مستقبل كربلاء؟ وكيف أسسن لمنهج ظل ينتهل منه جيلا بعد جيل وهن من المفترض أنهنَّ كنّ يعشنَ حالة انكسار، وخوف، وحزن لا يضاهى، لكن المدهش والغريب أنهنَّ أعطينَ هوية خاصة، عن المرأة العاشورائية في واقعة الطف، وهنَّ ملتحفات بالكرامة، والحرية، والإباء، بمواجهة معسكر الباطل والرذيلة، فأعلنت كل واحدة منهنَّ على طريقتها وبمواقفها، نصرتها للإمام الحسين (عليه السلام)، وأخته الحوارء زينب (عليها السلام)، فحفل التاريخ الكربلائي بشموع مضيئة، ستُخلَد الى يوم يبعثون،

وعلى دربهن سجلت المرأة اليمنية مواقف مضيئة أدهشت العالم وهي تزف فلذات أكبادها وتشعر بالرضى عن الله تعالى وتكون أسمى غايتها رضاه مهما كانت التضحيات بالمال والولد ولو كان بوسعها أن تزيد لما بخلت

وبعد أن تبذل ولدها تقول بأعلى صوتها مهما قدمنا من تضحيات وعطاء فلن نبلغ شيئ بالمقارنة مع ما قدمت السيدة زينب ومن معها وتدعو الله بإخلاص بأن يرزقها سكينة كالتي نزلت على السيدة زينب بكربلاء

فأصبحت السيدة زينب ملهمة لكل ثائرة يمنية ومنهل لكل باذلة بنفسها وأموالها بل وأصبحت مصدر منه يتم تزويد الروح بالطاقة الدافعة التي تحتاجها لتواجه طغاة وعتاولة الأرض وتجاهد في سبيل الله ولا يهدأ لها بال ودين الله ينتهك وأرضها تحتل وكرامتها تسلب .

من كربلاء اخترت لكم موقف عظيم لإحدى الزينبيات فمصطلح الزينبية لا يطلق على الهاشميات فقط كما يعتقد البعض بل تطلق على كل من انتهجت نهج زينب عليها السلام ومن معها
(دِلهم بنت عمرو زوجة زهير بن القين)
زهير بن القين، دعاه الإمام الحسين (عليه السلام) لصحبته في المسير لكربلاء، فأجاب رسوله: بأنه ليس راغباً بمرافقته، وهنا يأتي الدور العظيم للمرأة الذي جسدته بطلتنا دلهم بنت عمرو وحتم عليها عدم السكوت لتترك دروسا خالدة لكل امرأة عبر التاريخ فلم تقل في نفسها أنا مجرد أمرأة ولم تحقر من نفسها بل شعرت بأن واجبها يحتم عليها عدم الصمت فقررت أن تناقش زوجها زهين بن القين وتراجعه في موقفه وبالأسلوب اللّين الغير منفر واستطاعت حتى انتقاء كلماتها ومن هنا علينا جميعا الحرص الكبير على انتقاء الكلمات الطيبة واللّينة في حديثنا مع الزوج أو مع الخصوم أو مع أي كان فرسالة نبينا الأعظم هي رحمة للعالمين وليست عنادا وكبرا وتجبرا ,
نعود لدلهم التي سارعت لتقول لزوجها :- : يا سبحان الله! أيبعث إليك الحسين بن فاطمة ثم لا تأتيه؟ ما ضرك لو أتيته فسمعتَ كلامه ورجعتَ! فذهب زهير على كره، فما لبث أن عاد مستبشراً وقد أشرق وجهه، فأمر بفسطاطه ووضعه بجانب فسطاط الحسين (عليه السلام)، فما سر هذا التغيير؟
مخطئ تماماً مَنْ يعتقد أن قيمة دِلهم بنت عمرو، أنها أصبحت أما ، أو زوجة وإنما تتضح مكانتها في مدى ارتباطها بالرموز الدينية التي تعاصرها، وكيفية التأثير في الزوج، والإبن، والأخ، وإعداد الأسرة لتعبئتها بجانب الحق والفضيلة، وزرع مفهوم كرامة الشهادة، والصبر على الشدائد والملمات، لأنها تدرك جيداً أن كربلاء قضية تعني الخلود، رغم يقينها برحيل زهير بن القين عنها.
وهذا الموقف العظيم تجسد في مواقف للمرأة اليمنية التي تحث ولدها وزوجها وابنها على الاستجابة لدعوات النفير التي يطلقها السيد القائد ونرى العروس تحث زوجها على عدم التخاذل ونشاهد الأم تودع فلذة كبدها وتجهز له عدته لينطلق وتقول له سنرفع رؤوسنا بك فإلتحق بسفينة النجاة مع ركب السيد القائد ولا تخذله رغم أن البعض قبل انطلاقته يكون متردد قليلا ويحتاج فقط لدفعة نفسية قوية وتكون المرأة هي الدافع وهي المحفز.

دور طوعة في نصرة مسلم بن عقيل سفير الإمام الحسين عليه السلام

وقف مسلم على باب بيتها والحيرة تسيطر على مشاعره طلب الماء منها، جاءته بالماء، شرب ثمّ جلس على باب الدار لا يدري أين يتوجّه؟ أثار وضعه الحائر، وسيماء الغربة عليه، انتباه طوعة، فراحت تتساءل، ألم تشرب الماء؟ إذن لِمَ لا تنصرف؟ فأجابها: انّه غريب ليس له دار، ولا أهل في هذا البلد، ثمّ عرفها بنفسه: (أنا مسلم بن عقيل بن أبي طالب سفير الحسين، ورسوله إلى الكوفة وابن عمه). فتحت له باب البيت ثمّ أدخلته فاختبأ ليقضي ليلته، وينظر ماذا سيكون الغد. (ذكر هذه الأحداث الطبري، تاريخ الأمم والملوك، ج 4، ص 277 و278) استضافها فأضافته بعد أن عرَّفها انه ليس له في المصر أهل ولا عشيرة وأنه من أهل بيت لهم الشفاعة يوم الحساب فأدخلته بيتاً غير الذي يأوي إليه ابنها وعرضت عليه الطعام فأبى وأنكر ابنها كثرة الدخول والخروج لذلك البيت فاستخبرها فلم تخبره إلا بعد أن حلف لها بكتمان الأمر.

وعند الصباح أعلم ابن زياد بمكان مسلم فأرسل ابن الأشعث في سبعين مع قيس ليقبض عليه، ولما سمع مسلم وقع حوافر الخيل عرف انه قد أُتي فعجل دعاءه الذي كان مشغولاً به بعد صلاة الصبح ثم لبس لامته وقال لطوعة: قد أديت ما عليك من البر وأخذت نصيبك من شفاعة رسول الله ولقد رأيت البارحة عمي أمير المؤمنين في المنام وهو يقول لي: أنت معي غداً. (نفس المهموم، ص 56)

(انتهى الاقتباس )

وأقول عجباً لهذه المرأة العظيمة التي لم يداخلها الخوف الذي جثّم على قلوب الناس فأّبّوا أن يضيفوا من دعوه إلى بيوتهم ومن وعدوه بالنصرة!! لكن الموقف يشير إلى قوة التفكير وإلى دعم قوي للرسالة رغم خطورة المرحلة. وهذا الموقف سطرته إمرأة مسنة كانت موالية لأهل البيت عليهم السلام وترجو شفاعتهم فقد فهمت حقيقة الصراع بين الحق والباطل وآثرت أن تكون مع الحق وإن دفعت حياتها ثمنا لذلك

وفي سنوات العدوان على اليمن الذي بدأ بعدوان على محافظة صعدة الأبية في ستة حروب متوالية شنتها نفس الأيادي التي تعتدي على اليمن منذ 5 سنوات في هذه السنوات سجلت المرأة اليمنية مواقف مشابهة لموقف السيدة طوعة فآوت المجاهدين وهم قلة قليلة وملاحقين ومنهن من كانت تغامر وتحمل لهم الطعام والشراب إلى علّو الجبال وهم محاصرين غير آبهات بالأسلحة والجنود الذين كانوا يهددون كل من تسول له نفسه في الاقتراب من المجاهدين الأوائل سلام ربي عليهم جميعا وعلى النساء المجاهدات اللاتي كن سببا في الصمود والثبات في تلك الفترة العصيبة من الحروب وإلى يومنا هذا

 

دور أم وهب في كربلاء وموقف أم يمنية يشبه ذلك الموقف

 

وهي زوجة عبد الله بن عمير الكلبي المكنى بأبي وهب جاء في المقتل: ثم أخذت زوجته أم وهب بنت عبد الله من النمر بن قاسط، عموداً وأقبلت نحوه تقول له: فداك أبي وأمي قاتل دون الطيبين ذرية محمد صلى الله عليه وآله وسلم فأراد ان يردها إلى الخيمة فلم تطاوعه وأخذت تجاذبه ثوبه وتقول: لن أدعك دون ان أموت معك فناداها الحسين: جزيتم عن أهل بيت نبيكم خيراً إرجعي إلى الخيمة فانه ليس على النساء قتال فرجعت.

(الطبري، ج1، ص 245؛ وابن الأثير، ج 4، ص 37).

 

ويضيف المقرم في المقتل قائلا: وقطع رأسه ورمى به إلى جهة الحسين فأخذته أمه ومسحت الدم عنه ثم أخذت عمود خيمة وبرزت إلى الأعداء فردها الحسين وقال: ارجعي رحمك الله فقد وضع عنك الجهاد فرجعت وهي تقول: اللهم لا تقطع رجائي فقال الحسين: لا يقطع الله رجاءك.( المقرم , مقتل الحسين ص242). وبعض الروايات تؤكد أن عمر بن سعد أمر بأن يرمى رأسه الى أمه وبعد أن فعلوها أخذت رأس ابنها وهب ورمته بقوة باتجاه معسكر القتلة وصاحت بأعلى صوتها لا يليق بنا أن نستعيد شيئا قدمناه في سبيل الله

 

ومن نساءنا في اليمن

وبالمثل في اليمن وفي هذا العدوان الغاشم سجلت أم يمنية موقف عظيم يشبه موقف أم وهب عندما ردت الأم اليمنية المجاهدة على اتصال قتلة ابنها عبد القوي الجبري الشهيد الذي قتلوه أسيرا ودفنوه حيا ثم اتصلوا لوالدته ليفجعوها به وهم من دواعش الإمارات فردت عليهم بكل قوة وصلابة بموقف سيسطره التاريخ مثلما سطر موقف أم وهب وقالت لهم بعد أن قتلوه كلوه فنحن قد قدمناه في سبيل الله !! أي عظمة وأي ايمان تمتلكه تلك المرأة سنترك ذلك للتاريخ ليتحدث .

وهنا لابد من تأمل صغير فقد كانت هذه المرأة حاضرة مع زوجها في كربلاء وقد همت بان تقاتل دفاعاً عن الحسين عليه السلام لكن الإمام لم يسمح لها بالقتال، فما على المرأة من قتال، لكن الشهادة كانت مذخورة لها فإذا بها المرأة الوحيدة التي قتلت مع أصحاب الإمام الحسين عليه السلام!. يا لعظمة النساء يقتل الزوج والولد وتبقى تقاتل الرجال دفاعا عن ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم!.

وكذلك أمهات اليمن العظيمات سطرن هذا الموقف فبعد استشهاد يحيى وزيد أولاد الأخت المجاهدة فاطمة شرف الدين من نساء المسيرة العظيمات ولم يكن فرق بينهم في الشهادة إلا أسبوعين

زفتهم تلك الأم العظيمة في موقف خالد وقالت للشهيد يحيى أن يبلغ سلامها للإمام الحسين وللإمام الحسن وللشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي ليقينها أنهم التحقوا بتلك القافلة العظيمة وتعلن عن استعدادها لتقديم المزيد والمزيد وأنها نذرت حياتها كلها في سبيل الله .

 

ما أعظم المرأة عندما تعي وتدرك أهمية دورها فقد وصفها الشهيد القائد بأنها ليست فقط نصف المجتمع بل هي المجتمع بأكمله لأنها من تربي النصف الآخر

 

وفي أخر مقالي أعتذر لكل أمهات وزوجات الشهداء العظيمات ولكل المجاهدات الصابرات اللاتي لم يسعني المجال لذكرهن بالاسم وذكر مواقفهن الخالدة التي تستحق أن تدًون لتكون نبراسا وفخرا لأجيالنا القادمة بإذن الله وسأحاول أن أجعل هذا المقال على عدة أجزاء إن شاء الله وإن سنحت الفرصة لأتناول مواقف الشبه بين نساء كربلاء ونساء اليمن المجاهدات السالكات نفس الدرب .

 

أمة الملك الخاشب