تعز العز

جراح تبعث الأمل

بقلم /حنان غمضان
 
 أمسكتُ قلمي فأرتجف خوفًا ورهبةً من عظمة ماسيكتب عنه، وسانده القلب بالإحساس والألم لماأحدثه ويحدثه العدوان من ألم وجراح فصبرهما العقل بالحكمة قائلًا: اكتب ياقلم بحروف من ذهب عن عظماء الميادين وباعثي الأمل والإلهام الحكيم لخطانا .
تنهد القلم وأطلق زفراته وقال: إن في العين قذى وفي الحلق شجى ولو كتبت عنهم فلن أوفيهم حقهم، سينتهي حبري قبل الوفاء بجزء بسيط من شموخهم وصمودهم، التمسوا لي الأعذار في تقصيري .
وبعد أخذ ورد ونقاش طويل امتشق القلم قائلًا: سأبدا فروح مدادي قد أخذت تسيل من تلقاء نفسها تنسج حروفها علّها تكون نورًا للأجيال القادمة عن من فقدناهم وأرواحهم مليئة بالأمل رغم معاناتهم وجراحهم البليغة
كيف لا؟!
وجراحهم هي النواة والبذرة الأولى للانتصارات الساحقة والشاهدة على ثباتهم وصمودهم المستميت، بها ارتسم لنا الأمل المشع بالمضي على دربهم .هم الشمعة التي تحترق لأجل عزة الآخرين مسجلين ومرسخين وصمة العار على جبين العدو، فمغزى ومرجع الأجيال القادمة هم مصدرها
نعم هم عظماؤنا ومصدر قوتنا وعزمنا.
أصابني الذهول ووقفت وقفة إجلال وإعظام حين ذهبت لزيارة ابن أخي أحد جرحى ميادين العزة والكرامة، حين علمت أنه جرح هرولت مسرعة وقلبي يدمع قبل عيني حزنا وألما، وفي طريقي إليه ظللت أحدث نفسي وأسأل كيف ستكون حالته؟وماذا أفعل لأخفف عنه، جراحه؟
وكيف أواسيه؟
وهكذا دارت في عقلي عدة أسئلة لم أجد لها إجابة حتى وصلت المستشفى وتبددت الغيمة التى كانت محيطة علي من جميع الجوانب وتغير مجرى قلبي وعيني من دموع حزنِ إلى دموع فرح وعظمة لقوة الإيمان التي لمستها في الجريح، حيث كان وصولي بعد خروجه ببرهة من غرفة العمليات وزوال مؤثر المخدر عنه فاحتضنته وأنا أبكي وأقول حمدا لله على سلامتك.
كانت الحروق تكسو جسده كاملا وكفه الأيمن مبتور، وعينه اليمنى حصل لها تمزق في الشبكة مما نتج عنه فقدان البصر فيها، والشظايا تغطي وجهه وجسده من قوة انفجار الصواريخ الذي تعرض له الموقع الذى كان مرابطا فيه فملابسه الجهاديه ملتصقة بجسده من شدة الحروق وكان مغطى بلفاف الشاش الطبي أغلب جسده.
فاجأني والابتسامة كانت تنور جروحه ووجهه يشع نورا رغم معاناته البالغة بقوله: الحمدلله مكيف مع ربي، وسأعود إلى الجبهة ،فجراحي لن تشفى إلا إذا رجعت إلى الجبهة فهناك راحتي وشفائي . فقاطعته وقلت لاااا أصبحت غير قادر على حمل السلاح .
فرد مبتسما سلاحي سيحمله كل جزء من جسدي وسأرجع ولو في كل مرة يتقطع جسدي قطعة قطعة ولن تعيقيني جراحي فأنا وهبت نفسي لله سأعود إلى ميادين الكرامة حتى يتحقق إحدى الحسنين النصر أوالشهادة.
وأخذ يصرخ الله أكبر
الموت لأمريكا الموت لإسرائيل اللعنة على اليهود النصر للإسلام
متناسيا كل جراحه وألمه ومستحضرا حبه وعشقه لميادين العزة والكرامة .
فاحتضنته وقلت هنيئالك ولنا هذه النفسية العالية التي ربطت نفسها بالله فقط
وقال مادام فيني روح لن أستثمرها إلا في إعلاء كلمة الله.
فودعته وخرجت وأنا أردد عبارة استوقفتي طويلا مكيف مع ربي حسستني بمدى تقصيري في استشعار المسؤولية في استثمار حياتي ومماتي في سبيل الله .
فنفسياتهم العالية والراضية رغم جراحهم نصرا عظيما كل قطرة دم نزفت من جرح صنعوا بها مجدا عظيما
تغير حالي من تخفيف معاناته ونفسيته وأصبح هو الطبيب والمداوي لي بنفسيته الراضية والمرتبطة بالله وكأنني أنا المجروحة فكان البلسم المطبب لجروح قلبي الحزين .