تعز العز

للحظة الكريهة ومنَّة آل سعود إلى لبنان

 

بقلم: ايهاب زكي

هناكلحظات كريهة في التاريخ الإنساني، ونحن اليوم نعيش أكثرها كراهةً وبؤسًا، حيث أن فينا من الأشقياء ما يكفي ليوهموا بعض الناس لبعض الوقت بعروبة آل سعود وإسلاميتهم، وهذه من مفارقات التاريخ الكريه أيضًا، فالنفط كمادةٍ سوداء تُستخدم لتبييض وجوه تلك العائلة الأشد سوادًا.

لم يكن شاه إيران بعيدًا عن هاوية السقوط حين طلب من “أخيه” السادات رفع صورة جمال عبدالناصر عن السد العالي، كما لم يكن السادات حين استجاب لرغبة “أخيه” الشاه بعيدًا عن مرمى الرصاص، ففي تلك اللحظة التي اعتقد كلاهما أن تلك الشوكة الناصرية قد اقتلعت للأبد، كان التاريخ يستجمع كل ما أوتي من سخرية وهو يرى بعينٍ نشوتهما الكاذبة بالنصر وبعينه الأخرى مستقبلهما العاجل، وهذه كتلك، حيث ينتشي آل سعود في هذه اللحظة بأضغاث انتصاراتهم، فليس من السهل أن تتفاجأ هذه العائلة بأنّ صورة غلامهم المدلل برتبة وزير خارجية تتصدر القنوات والصحف العالمية بجانب وزيري خارجية القوتين العظميين، وليس وزير مصري أو سوري كما هي طبيعة الأشياء، فهذه نشوة تتجاوز ذروة اللذة في كل غزوات كل الملوك الخدرية.

في أكثر الروايات التاريخية رجاحة، تقطع بأن يوم فتح مكة كان في الكعبة ثلاثمائة وستين وثنًا وصنمًا، وهذا ينم عن ديمقراطية سبقت إليها قريش كل القوانين والمواثيق الدولية اللاحقة والضامنة لحرية العبادة والاعتقاد، فكان يكفي ألا يلبي لك “إلهك” طلبًا، لتعزف عن عبادته وتستبدله بإلهٍ آخر تشتريه أو تستأجره أو تصنعه، ثم تأتي لتضعه في البيت الحرام وتطوف حوله وتدعو الناس لعبادة ما اقترفت يداك على أعين القوم، دون أن ينكر عليك أحد ذلك، ولو قام النبي ببناء صنم من ثلاثة طوابق وصمده في صدر الكعبة لما قامت قريش بمحاربته والإنكار عليه، وقد يكون أبو لهب وأبو جهل أول الساجدين لوثن محمد الكبير والمستكبَر، ولكن النبي جاء بما يتعارض مع ديمقراطية الوثنية، لذلك لم يكن مرحبًا به وظل محاربًا.

وهذه كتلك، ففي عرف الديمقراطية الأمريكية والوهابية، ليس مهمًا شكل وثنك وحجمه، ليبراليًا، علمانيًا، إسلاميًا، اشتراكيًا، أو داعشيًا، المهم أن يكون في إطار السائد والمتعارف عليه عربيًا بمحور الاعتدال الذي أقر الوزير القطري الأشهر بأنه محور النعاج، ولكن هناك محور تماهت صورته الذهنية بالرئيس الأسد والسيد نصرالله رفض ديمقراطية النعاج ووثنيتها، جاء بما يناقض حق وثن “إسرائيل” في الأرض بل وفي الوجود، وتمسك بحقه في السعي لتحطيم هُبلهم الأكبر.

بعد تواتر الأخبار عن قطع السعودية لمساعداتها للجيش اللبناني والقوى الأمنية، حدثني صديق بأن هذا يأتي في إطار ما سمَّاه الخطة “ب”، حيث فشل الإرهاب السعودي في سوريا وتراجعه سيؤدي بالسعودية إلى محاولة تفجير الوضع الداخلي اللبناني كإحدى أوراق الضغط على حزب الله، وقد أخبرته بأني لم أقتنع يومًا بهرطقة إتفاق دولي على تحييد لبنان والحفاظ على استقراره، بل الحقيقة أن حزب الله بصفته طرفًا قادرًا لا يرغب في الفتنة لأسباب أخلاقية وشرعية قبل السياسية، فيما خصومه كطرفٍ غير قادر يرغبها لأسبابٍ لا أخلاقية سعودية صهيونية، وأعتقد أن هذه المعادلة لازالت قائمة قبل القرار السعودي كما بعده، فالسعودية لا تألو جهدًا عن اختراع الفتن، بل إنه ابتكارها الوحيد الذي سيسجله لها العالم، خصوصًا عالمنا العربي، والذي كان بكل ما أوتي من تخلفٍ واستعمار قادرًا بين عامي 1918-1920 أن ينشئ دستورًا ومجلسًا تشريعيًا في سوريا-بغض النظر عن كل المآخذ السياسية- في الوقت الذي كان فيه الملك المؤسس لمملكة الرمال مجرد قاطع طريق، يسطو على قوافل الحجيج بكل ما أوتيت الصحراء من همجية، فينشق عنه بعض جيشه المعروف بـ”الإخوان” لأن كبيرهم يستعين بالجن والعفاريت، حيث كانت بريطانيا قد أمدته بأجهزة اتصالٍ لاسلكية، وهذه كتلك، فلم ولن يكفوا عن استخدام كل عفاريت الإنس لاستفزاز حزب الله لجره لمربع الفتنة، فيما مقارنة رصانة الحزب بهوجائية آل سعود ورعونة أفكارهم هي بصفاقة مقارنة عبدالناصر بالأمير السعودي سعود بن ناصر الذي تحاكمه بريطانيا بتهمة قتل خادمه لدوافع سادية.

إنّ الدعم السعودي الذي تدعي إيقافه لم يكن يومًا إلا لعنة على لبنان واللبنانيين، كما كان لعنة على فلسطين والفلسطينيين، كما هو لعنة على مصر والمصريين، حيث أن هذا الدعم مشروط بعدم استخدامه في تعزيز القوة في وجه المصالح الأمريكية والوجود الصهيوني. إنه دعم على شقين، أوله فتات من موائد اللئام على شكل مساعدات إنسانية تستجلب بها المملكة صالح الدعوات من معدمي الأمة وتستحوذ على لقب “مملكة الخير” في أكبر عملية تدليس على التاريخ، وثانيه ضخٌ بلا توقف لسياسيين وإعلاميين ورجال دين، حيث يقوم رجال الدين بوهبنة الأمة عقلًا وسلوكًا، فتغدو مسخًا بين قشرة إسلام ومضمون جاهلية، وإعلام أصفر يعتمد سياسة اختراع فضائح للآخرين ليغطي بها عورات آل سعود وفضائحهم، وسياسيون متملقون يعتمدون قاعدة “عاش الملك مات الملك” لتجري رياح بلادهم حسب ما تشتهي سفن آل سعود.

إنّ إيقاف الدعم عن لبنان هو منّة من الله تستوجب الحمد والشكر لا اللطم وشق الصدور كما يفعل بعض أولئك السياسيين، وكمناصحةٍ أخيرة، فإنّ الهروب من سفينة آل سعود الجانحة الجائحة سيكون القرار الأصوب على المستوى الشخصي والعام، وهذه النصيحة لا تصلح بأي حال من الأحوال لمن لا يزال يرى العالم من فتحات التهوية في “شباشب” الأمراء.