تعز العز

السعودية تستفيق على دخان حرائقها

استفاقت السعودية من غفوتها وضبطت لبنان معارضاً لسياستها السلمية خارجاً عن الإجماع العربي، مثيراً للشغب السياسي والإعلامي في وجه سيطرتها، كما بقية دول مجلس التعاون بالنفط والغاز والبترودولار على السياسات الإقليمية العربية، ممثلة بجامعة الدول العربية المؤسسة التي لا حول ولا قوّة لها، سوى تلبية الحاجات السعودية إلى الإجماع العربي وتبرير سياسة التزام الحروب الداخلية، وإشعال نار فتنتها؛ والتصرف مثل حاكم مطلق يمسك بقرار الدول ويصادر حقها في السيادة والاستقلال وامتلاك القرار بنفسها عن نفسها كما يصادر حرية الشعوب وحرية الأفراد، ويجعل من نفسه حاكماً ملكاً ملزم الطاعة على رعاياه من الناس…
قلنا أن السعودية استفاقت من غفوتها لتبصر أن لبنان يعاند سياستها الإقليمية، وأنه يرفع الصوت ضدّ إجماع عربي؛ لا يأبه لمصالح العرب ويدير الظهر لفلسطين ويطبع بعض قواه مع العدو الصهيوني، ويشن الحروب على الشعوب الإسلامية الأخرى باسم العروبة متغافلاً عن القاعدة القرآنية، “إنّا جعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم”، ولا فرق بين عربي وأعجمي إلاّ بالتقوى. وأن الإسلام دين للعالمين، وأن محمدًا (ص) رسول للإنسانية وللرحمة والمحبة والتعارف والتعاون والتحاب، لا للتحارب والخصام والبغضاء، وأن الإسلام لا يجيز العنصرية ولا يدعو إليها وكذلك الأخلاق الإسلامية العربية لا تقبل بها ولا تقرها. وأنه حتى في الجاهلية عند العرب قبل الإسلام كانوا يفترضون الهبات “ليست بذات عقارب” على ما يقول النابغة الذبياني.

 
هل تعاني المملكة العربيّة السعودية من أزمة مالية بعد حرب اليمن، حتى تفتح دفتر حساباتها وتجد في هبة الـ4 مليارات دولار للجيش اللبناني تبذيراً في الموازنة وهدراً للمال؟
وهل تخاف المملكة العربيّة السعودية من انتصار الجيش اللبناني على الإرهاب الذي لا تزال تراهن عليه في أماكن أخرى تريد أن تشعل فيها نار الحروب؟ أو هل تحضر لوطن الأرز مستقبلاً فيه ما فيه من أسباب الفتنة والعودة إلى الحرب الداخليّة بعدما جربها لبنان؛ واضطلعت السعودية في زمن ما باستقبال مؤتمر الطائف لإنهائها.
وهل تفكر السعودية في إضعاف وحدة اللبنانيين وتضامنهم، لتشجيع العدو الصهيوني على تجربة الحرب على لبنان مرة ثالثة؟
وهل تخاف السعودية من مواقف عز لبنانية استطاع أن يعبر عنها صمود هذا البلد المنيع، ليكون ممثلاً لمقاومة العرب وكرامتهم. وهي تستغل ظروفه الصعبة، لتجعل منه تابعاً لها على الطريقة التي يتبع فيها أتباع الأمراء وهي سياسة مستهجنة جاهلية، عصابية لارتكازها إلى العصبيّة والملك ومخالفتها كل قواعد العلاقات الدولية ودبلوماسية العلاقات الدولية وقواعدها المعتبرة في تبادل المصالح والقيم والمشاركة في إدارة شؤون هذا العالم.
كان أتباع السعودية في لبنان يرددون لأزمة مكررة في كل صباح ومساء، في مناسبة ومن دون مناسبة تقول أن كل ما يعانيه لبنان هو من وجود السلاح. وأن سلاح المقاومة علة العلل، ونزع هذا السلاح يبسط السلام والرفاه في لبنان.
وكان أتباع السعودية، من أصحاب العقل المستقيل يقولون، أن لبنان ولاية إيرانية، وأن حزب ولاية الفقيه يحكم البلد، وأنهم ضعفاء، لا يستطيعون أن يفعلوا شيئاً، وأن لبنان في منأى عن حروب الإرهاب بلد يعيش على أموال السعودية وأدعية شيوخ الوهابية هذا مع أن شيوخ الوهابيّة لا يقرون بأي شفاعة أو دعاء ويبعدون بين الحق والخلق، وبين الناس والأنبياء، إلى درجة تشعر أن الدين معها هبط فيه الوحي، في لحظة محدودة الأثر، لا سريان لها ولا روح.. وكأن أجنحة جبرائيل تصفق في السماء لمرة واحدة…
تسبب هؤلاء الأتباع بغضب السيد السعودي لأنه اعتبرهم ضعفاء لا يستطيعون الدفاع عن السياسات السعودية وإلحاق لبنان بخداع الإجماع العربي. ولكن الحقيقة أننا في هذا البلد لا نمارس السياسة كفعل قوة. يسيطر فيها طرف على الآخر في إدارة السياسات الداخلية، وأن القوى السياسية اللبنانية رغم افتراقها الظاهري، تحافظ على تضامن غير منظور للذين لا بصيرة عندهم وعليه فإننا ننتقل من حوار إلى حوار، ومن حكومة الوفاق الوطني إلى حكومة المصالح الوطنية، إن اللبنانيين ليسوا جماعة تشترى وتباع، وتاريخ لبنان يشهد لقدرة ساكنيه على مقاومة كل أشكال الضغوط والهيمنة. وعليه فإن المأزق السعودي موجود في السياسة السعودية نفسها، هذه السياسة انكشف تهافتها وظهرت مخاطرها وتعددت مضارها وأن البحث عن حلفاء عن طريق سياسة العصا والجزرة لم تعد مفيدة وكذلك، استعارة أسلوب فرق تسد، وضرب الأقطار تسيطر عليها لم تعد مستساغة حتى عند من اخترعوها. إن العالم يتغير والسعودية غافية، وإذا صحت مرة أخرى من غفوتها سوف لن تجد إلى جانبها سوى ملك البحرين يستنجد بها ضد ثورة البحارنة الشجعان، وستنفض عنها تحالفات عدة لأن قوّة المال عندها بدأت بالهبوط والأزمة قادمة. إن السعودية، بعد أن حرقت أوراقها في حرب اليمن العدوانية، تفيق على أعمدة الدخان وتفسد عندها الرؤيا والسياسات…

د. طراد حمادة