تعز العز

الإمام علي ( ع ) ودوره المحوري في الإسلام

تعز نيوز- تقارير

 

شهدت ليلة التاسع عشر من شهر رمضان المبارك حدثا يمثل فاجعة كبرى في تاريخ أمتنا الإسلامية، حيث أقدم من أسماه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بأشقى الأمة على تنفيذ جريمة اغتيال الإمام علي عليه السلام في مسجد الكوفة، الإمام علي عليه السلام بكل ما يمثله كرمز عظيم وولي للأمة، الإمام علي عليه السلام بمنزلته العظيمة في الإسلام ودوره المحوري في الإسلام منذ بزغ فجر الإسلام وامتداد هذا الدور إلى نهاية تاريخ الأمة مثل استهدافه في تلك الليلة والعمل على اغتياله، حيث أصيب في تلك الليلة، وفي ليلة الحادي والعشرين من شهر رمضان التحق بالرفيق الأعلى شهيدا عظيما، مثل كارثة ونكبة كبيرة على الأمة استهدافه، فعلا مثل خسارة عظيمة لم تعوض أبدا على هذه الأمة. .

وعند الحديث  عن الإمام علي عليه السلام فهو حديث عمن تربطنا به كمؤمنين صلة الإيمان ورابطة الإيمان، وبمنزلته ومقامه العظيم الذي تحدث عنه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، لقد سعى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في مقامات متعددة ومواطن متعددة وبشكل كبير إلى الحديث عن الإمام علي عليه السلام، الحديث المتميز المعبر عن مقام الإمام علي عليه السلام، عن دوره عن منزلته، وعن أهمية هذا الدور بالنسبة للأمة، والرسول صلوات الله عليه وعلى آله بسعيه ذلك، باهتمامه ذلك كان يتحرك في هذه المسألة كما في كل المسائل الأخرى ذات الصلة بهداية الأمة، ذات العلاقة بإرشاد الأمة، ذات العلاقة والصلة بتحديد معالم الهداية للأمة في مستقبلها إلى قيام يوم الدين، كان يتحرك وفق الخطة الإلهية، وفق التعليمات الإلهية، وفق التوجيهات الإلهية، كل اهتماماته كل سعيه، كل حركته، كانت محكومة بالهداية، وكانت تقدم هداية لهذه الأمة، فلم يكن ذلك الحديث في تلك المقامات، بتلك العبارات المهمة والعظيمة الدلالة، حديثا عاديا أو حديثا هامشيا أو حديثا ترفيا، لا، وحتى العبارات التي تحدث بها عن الإمام علي عليه السلام لها دلالتها العظيمة والمهمة، فهو فعل ذلك وقدم ذلك وتحرك في ذلك في نفس السياق الذي يتحرك فيه وهو يقدم الهدى للأمة كل الأمة من بعده إلى قيام الساعة.

منزلة الإمام علي المتصلة بموقعه في الإسلام

من الأحاديث المهمة التي نقلتها الأمة بالتواتر وباتت قطعية في موثوقية نقلها عن رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله، في تأكيد صحتها عن رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله، من النصوص العظيمة نص يبين منزلة الإمام علي عليه السلام، هذه المنزلة المتصلة بموقعه في الإسلام، موقعه في حركة الإسلام، موقعه في حركة الرسالة الإلهية، موقعه بالنسبة للأمة بالنسبة للمؤمنين حين قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي»، هذا النص نص مهم، والمهم فيه أن نتفهم دلالته، الكثير من الناس يسمع النصوص، يسمع الأحاديث المهمة ولكنه لا يستوعب دلالتها، ما تدل عليه، إننا كأمة إسلامية، كمسلمين يجب أن ندرك أن هذا النص يحدد لنا طبيعة العلاقة مع الإمام علي عليه السلام، كيف هي علاقتنا كمسلمين وكأمة إسلامية، كأمة محمد بالإمام علي عليه السلام، لأنها حددت موقعه في نفس الوقت قدمت لنا طبيعة العلاقة به من هذا الموقع المحدد، من هذه المنزلة المحددة.

الكثير من الناس نتيجة المشاكل المذهبية، نتيجة التعبئة الخاطئة، نتيجة الجهد الكبير الذي بذلته حركة النفاق في الأمة ينظر إلى الإمام علي عليه السلام نظرة عادية، شخص عادي مثل بقية الصحابة، صحابي من بقية الصحابة، المسألة ليست كذلك أبدا، أبدا، وإلا كان هذا النص نصا لا معنى له ولا دلالة له، أن يقول الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم للإمام علي عليه السلام هذا النص، وهذا النص موثوق ومؤكد ومروي لدى الأمة ولدى باقي الأمة وفي أهم المصادر لدى فرق الأمة، يقول له: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي»، هل كان هارون في أمة موسى حاله حال أي شخص من أمة موسى؟ حال أي واحد من أولئك الذين كان لهم تلك الهفوات والانحرافات والأخطاء والمشاكل، أم أن موقعه كان موقعا مهما جدا! نتحدث أو نرجع إلى القرآن الكريم لنرى كيف كان مقام هارون عليه السلام، الذي كان وزيرا بالنص القرآني، هو كان نبيا لكن مقام النبوة ليس للإمام علي، لأنه لا نبي أبدا بعد رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم، هو خاتم النبيين، فما من نبي من بعده أبدا، لكن نأتي إلى بقية الأدوار بقية المقامات بقية المهام والمسؤوليات الدور الذي كان لهارون، تجد أنه كان الوزير، وكان المعاضد، كان الشريك في الأمر في طبيعة النهوض بالمسؤولية، كان الخليفة في القوم، كان كان كان، دور كبير جدا، فالنص هذا المقطوع بصحته.

 المؤكد الواضح هو يقدم دلالتين مهمتين جدا، منزلة الإمام علي من جانب، وطبيعة العلاقة به بالنسبة للأمة بمستوى هذه المنزلة وبطبيعة هذا الموقع، وفي نفس الوقت يقدم دلالة قاطعة على المقام الإيماني للإمام علي عليه السلام، بمثل ما يقدم موقعه في حركة الرسالة، في طبيعة المسؤولية في النهوض بهذه المسؤولية، في علاقة الأمة به كيف يجب أن تكون، يقدم دلالة قاطعة على أن أكمل الأمة، أعظم الأمة إيمانا ومنزلة، أعظم من جسد مكارم الأخلاق، أعظم من جسد تعاليم الإسلام، أعظم من اكتملت فيه كل الصفات الإيمانية وكل المقومات ومكونات الشخصية المسلمة والمؤمنة من أتباع رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو الإمام علي عليه السلام، لأن هذا هو كان مقام هارون وحال هارون في أمة موسى، وأكمل أمة موسى إيمانا، أعظمهم كمالا إيمانيا بكل المواصفات الإيمانية، بكل العناصر التي تتكون بها الشخصية الإيمانية،

الإمام علي (عليه السلام) النموذج الأصيل للإسلام والامتداد الأصيل بالرسول الأكرم

 

الإمام عليٌ عليه السلام من خلال الأحاديث والنصوص التي وردت عن رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله-، وروتها الأمة كل الأمة باختلاف مذاهبها ومشاربها، يتضح لنا ما يمثله من أهمية في جانبين مهمين ورئيسيين:

النموذج الأصيل والحقيقي والسليم عن الإسلام

الأول: أنه يقدم النموذج الأصيل والحقيقي والسليم عن الإسلام، وعن الشخصية المسلمة: وهو هنا يقدم النموذج الذي لا تشوبه شائبة، النموذج الأصيل، المتطابق حتماً مع المعايير والمواصفات القرآنية، فهو جسَّد قيم الإسلام ومبادئه، وحمل روحية هذا الدين وأثره في فكره، وفي وعيه، وفي ثقافته، وفي مبادئه، وفي أخلاقه، وفي سلوكه، وفي أعماله، وفي مواقفه؛ فكان بحقٍ قرآناً ناطقاً، وإيماناً متجسداً يمشي على الأرض، وهذا من أهم ما نحتاج إليه في واقعنا كأمةٍ مسلمة: إلى أن يتشخص لنا النموذج الحقيقي، النموذج الصحيح؛ لأن الأمة لها ارتباطات كثيرة بكثيرٍ من الرموز الدينية، بكثيرٍ من الشخصيات التي تقدَّم على أنها تمثَّل الإسلام، أنها حملته فكراً، وأنها تمثله سلوكاً وعملاً ومواقف، والكثير من هذه الشخصيات قد تكون شخصيات مزيفة، أو تشوبها الشوائب، فهي لا تمثل حقيقة الإسلام والإيمان متكاملةً ونقيةً دون شوائب؛ إنما تشوبها الكثير من الشوائب، وهذا يترك تأثيراً سيئاً على الناس في ارتباطهم بمثل هذا النوع من القدوات المزيفة، التي يتأثرون بها تأثراً أعمى؛ فينعكس ذلك سلباً فيما يأخذونه عنها من الشوائب المحسوبة على أنها من لُبِّ الإسلام ومن جوهر الإيمان، ثم تقدم على أنها من القيم الأساسية للإسلام؛ فيعظم الالتباس، ويحصل الخلل.

تحتاج الأمة إلى أن يتشخص لها النموذج، الذي هو نموذجٌ سليمٌ وصائبٌ وصحيحٌ ومتكاملٌ وراقٍ؛ فتجعل منه النموذج الذي تحذو حذوه، ويتشخص فيه، ويظهر فيه، ويتجلى فيه أثر هذا الإسلام، وعظمة هذا الإسلام في كل مجالات الحياة، وفي كل الأبعاد والمعاني والجوانب في الشخصية الإنسانية؛ لأن الإمام علياً ع كان شخصيةً متكاملةً فيما حمله من هذا الدين، فكان هذا التكامل وهذا الكمال الذي قدم فيه أرقى صورة عن الإسلام، وعن الإيمان، وعن الدين الإسلامي. حلقة الوصل والامتداد الأصيل للرسول الأكرم

الثاني: وهو أيضاً في غاية الأهمية، وهو أنه يمثل حلقة الوصل والامتداد الأصيل بالرسول -صلوات الله عليه وعلى آله-: ما بعد رسول الله اختلفت الأمة، وأتى الكثير الكثير، كلٌ منهم يقول: [قال الله، وقال الرسول]، ثم يقدِّم هذا شيئاً، وهذا شيئاً مختلفاً عنه، وهذا شيئاً مناقضاً له … وهكذا، ومعروف ما وصلت إليه الأمة من الاختلاف والفرقة في الدين وللأسف الشديد، فلا بد من معالم للحق، ما بعد وفاة النبي -صلوات الله عليه وعلى آله-، ما بعد أن تدخل الأمة مثل هذه الحالة من الفرقة والاختلاف،

وأن يكثر فيها الزيف، وأن يأتي الكل ليقدم نفسه أنه الناطق الرسمي باسم الإسلام، والمعبر الحقيقي عن الإسلام، والممثل الصادق لهذا الدين، فكان أول هذه المعالم من معالم الحق: هو الإمام عليٍ _ عليه السلام_ وهذا ما ركَّز الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- ليوضحه للأمة، وليتحدث عنه في مواطن ومقاماتٍ كثيرة في حياته، فيما كان يتحدث فيه عن الإمام عليٍ ع ، عندما كان يقول: (عليٌ مع القرآن، والقرآن مع علي)، ماذا كان يقصد بذلك؟ أليس القرآن هو كتاب الهداية، أليست الأمة ستأتي فيما بعد وفيها الكثير من الرموز والشخصيات العلمائية، ليتحدثوا عن القرآن ومن القرآن وباسم القرآن، الله حفظ القرآن من التحريف لنصه، لكن الأمة ستختلف على تأويله، على مفاهيمه، على معانيه، على مصاديق آياته، هنا الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- يحدد فيقول: (عليٌ مع القرآن، والقرآن مع علي)؛ ليؤكد هذا التلازم وهذا الاقتران، فعندما تختلف الأمة على التأويل، عندما تختلف الأمة على المفاهيم، عندما تختلف الأمة على المعاني، عندما تختلف الأمة على المصاديق، في الوقت الذي تقول فيه عن القرآن، وتتحدث فيه بالآيات القرآنية، فالذي هو مع القرآن والقرآن معه، وهو يقدم المفهوم الصحيح للآيات القرآنية، والمصاديق الحقيقية للنصوص القرآنية، والتأويل الصحيح المتطابق للنص القرآني: هو عليٌ _ عليه السلام_ ، علم للحق، معلم واضح وبارز للحق.

علي مع القرآن والقرآن مع علي

 

لنأتِ إلى حديث واحد هو قوله (صلوات الله عليه وعلى آله): ((علي مع القرآن، والقرآن مع علي)) حتى يتجلى لنا أن تلك الانزلاقة التي يراها البعض لم تشكل خطورة على الإسلام والمسلمين أنها في واقعها كانت على هذا النحو.

نحن متأكدون والمسلمون جميعاً يعرفون أن الإمام عليا (عليه السلام) أُقْصِيَ، أُزِيْحَ، أُبْعِدَ عن المقام الذي اختصه به الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) وحل محله أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان.

فعندما نرى الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) يقول: ((علي مع القرآن، والقرآن مع علي)) فعندما يُقْصَى علي على جنب فبالتأكيد أن القرآن أُقصِيَ معه أيضاً؛ لأنه قرين القرآن لا يمكن أن تتصور أن أحداً من الناس بإمكانه أن يُقصيَ علياً جانباً ويبقى القرآن يعمل, ويبقى القرآن حياً، ويبقى هو مطبقاً للقرآن، ويبقى هو على منهجية القرآن, لا يمكن ذلك، لو قلنا ذلك لكنا مكذبين بهذه المقارنة المؤكدة, الصريحة, التي قالها الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في هذا الحديث المتواتر, المعروف عند الجميع: ((علي مع القرآن، والقرآن مع علي)).

وعندما يُقصى علي ففي الواقع أُقصيَ القرآن معه على جنب، أليس هذا انحراف خطير؟. لذا كان طبيعياً بعد ذلك الانحراف أن نرى العظماء، أعلام الدين، الصادقين, يسقطون واحداً تلو الآخر داخل هذه الأمة، ونرى الكاذبين المنحرفين هم من يَلُوا أمر هذه الأمة، هم من يتحكمون في شؤون هذه الأمة، هم مَنْ بعد تحكموا في هذا الدين فقدموه بشكل آخر.

يصبح هذا طبيعياً, أن ترى معاوية يحكم البلاد الإسلامية، بعد أن رأيت أمير المؤمنين قرين القرآن سقط شهيداً في محرابه؛ لأنه: لولا أبو بكر لما كان عمر، لولا عمر لما كان عثمان، لولا عثمان لما كان معاوية، هذا شيء مؤكد لا شك فيه.

ماذا يفيدنا هذا بالنسبة لنا؟ بالنسبة لنا؟ بالنسبة لنا سنرجع إلى نفس الحديث: ((علي مع القرآن، والقرآن مع علي)) وسنظل مع علي أينما كان، نظل مع منهجية علي أينما كان حتى وإن كان قد أُُقصيَ، نحن لا نلتفت إلى الكراسي، إلى العروش، إلى القصور، فمن وجدناه في سُدَّة الحكم قلنا: ذلك أمير المؤمنين، من وجدناه في قصر الخلافة قلنا: ذلك خليفة رسول رب العالمين.لا.

أمير المؤمنين، خليفة رسول رب العالمين، قرين القرآن هو ذلك الرجل, الإمام علي (عليه السلام) يوم أُقصِي, ويوم عاش سنين طويلة يعيش مرارة الألم وهو يرى هذه الأمة يبدأ الانحراف يأكل قِيَمها، يأكل عظمة مبادئها، ثم في الأخير نراه يسقط شهيداً في محراب عبادته.

لنقول لأنفسنا مهما طَبّل الآخرون فقالوا أولئك: [الصّديق، الفاروق، ذي النورين، كاتب الوحي] عناوين من هذه، ألقاب ضخمة من هذه, لا نغتر بها أبداً؛ لأن كل هؤلاء [صديقهم، فاروقهم، أنوارهم, وكاتب الوحي] – كما يقولون – نحن لا نشك جميعاً أنهم كلهم أقصوا علياً، وأنهم سمعوا جميعاً أن الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) قال: ((علي مع القرآن، والقرآن مع علي)) ((علي مع الحق، والحق مع علي)) ((أنت مني بمن‍زلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي)) ((من كنت مولاه فهذا علي مولاه)) ((لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق)).

أحاديث كثيرة من هذا القبيل سمعوها, وعلموها, وسمعناها نحن من بعدهم، وسمعها أيضاً أشياعهم من بعدهم, أولئك الذين قدموهم من بعد [السلف الصالح] أطلقوا على أولئك هذا اللقب الكبير: [السلف الصالح] [نتمسك بسيرة السلف الصالح] [بمنهجية السلف الصالح]!.

لقد رسم الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) القدوة لنا، والعَلَم لنا، والسلف الصالح لنا في هذه الأحاديث التي يعرفها الناس جميعا, يعرفها علماء المسلمين، يعرفها المحدثون، يعرفها الكثير من المثقفين، ولربما يسمعها الكثير أيضاً من عامة الناس في كل زمان ومكان.

إذاً سنرجع إلى علي باعتباره قرين القرآن، ولا يمكن بحال أن نتأثر بتلك الضجة الإعلامية, وبذلك الإرهاب الثقافي الذي يفرضه الآخرون؛ لأننا نجدهم هم, ونجد أنفسنا أيضاً لو استجبنا لهم سنصطدم بمثل هذه الأحاديث، سنصطدم بالقرآن، نصطدم بالرسول، نصطدم بالواقع أيضاً, نصطدم بالواقع.

فعندما نرى عليا (صلوات الله عليه), نرى فيه المنهجية التي سار عليها رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، نرى فيه القرآن الناطق كما قال هو عن نفسه.

إذاً فلنستنطق علياً فيما يتعلق بقضايانا، الأحداث التي مر بها علي، المواقف التي سار عليها علي، التوجيهات التي أطلقها الإمام علي, فيما يتعلق بتصحيح عقائدنا، فيما يتعلق بترسيخ إيماننا، ترسيخ القيم والمبادئ الإسلامية التي جاء بها كتابنا, ورسولنا (صلوات الله عليه وعلى آله).

أمير المؤمنين يُقتل شهيداً في محراب مسجده بسيف محسوب على المسلمين

 

الإمام علي (عليه السلام) بفضله, بمقامه، بسبقه، بكماله، بعنائه الكبير، وجهاده المستمر المرير في سبيل إعلاء كلمة الله، تحت راية رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله).

كيف لا تكون ذكرى حزينة أن نرى ذلك البطل، ذلك العظيم، ذلك العَلَم يسقط شهيداًً. هل كان سقوطه ذلك في مواجهة مع أعداء الإسلام فكان السيف الذي قُتِل به من خارج هذه الأمة؟ إنه وللأسف الشديد، والذي يدل على الشقاء الذي وقعت فيه هذه الأمة أن علياً (صلوات الله عليه) يسقط شهيداً في عاصمة دولته، في باب محرابه، في فِنَاءِ مسجده، وسط هذه الأمة، وبسيفٍ محسوب على هذه الأمة، وبمؤامرات من قبل من أصبح فيما بعد خليفة يحكم هذه الأمة، والكل تحت عنوان: إسلام ومسلمين.

إن هذا يدل على ماذا؟ يدل على انحراف عن الخط السوي، عن الصراط المستقيم؛ لأن من المعلوم أن دعوة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، أن رسالته، أن تربيته، أن منهجيته كانت بالشكل الذي تخلق ساحة للعظماء، تخلق أمناً للعظماء، تخلق التفافاً تحت رايات العظماء, لا أن يصير الحال إلى أن نرى أولئك العظماء يتساقطون واحداً تِلوَ الآخر داخل هذه الساحة. فعلي يسقط شهيداً، والحسن بعده يسقط شهيداً، والحسين بعده يسقط شهيداً، وزيد بعده يسقط شهيداً وهكذا واحداً تِلوَ الآخر!.

ما الذي حصل؟ إن لم يكن في هذا ما يدل على أنه وقع انحراف خطير فلا أدري ما هو الشيء الذي يمكن أن يدل بعد هذا.

الذي يتأمل كتاب الله يجده يأمر الأمة, يأمر المسلمين أن يكونوا مع الصادقين، فلماذا أصبح الصادقون يتساقطون واحداً تلو الآخر؟! ولماذا أصبحت تلك الأمة التي خُوطِبَت بأن تكون مع الصادقين تعتدي على هؤلاء، وفي نفس الوقت التفوا مع الكاذبين!. يسقط علي شهيداً وتلتف الأمة بعده – رغبة ورهبة – تحت راية معاوية, وفي صف معاوية!.

هل كان ذلك وليد تلك اللحظة؟ وليد ذلك الشهر الـذي سقط فيه الإمام علي (صلوات الله عليه) شهيداً؟. لا. إنه الانحراف الذي بدأ، والذي يرى البعض بل ربما الكثير يرون في تلك البداية وكأنها بداية لا تشكل أيّة خطورة، لكن شاعراً كـ[الهَبَل] مرهف الحِس، عالي الوَعي، راسخ الإيمان، يمتلك قدرة على استقراء الأحداث, وتسلسل تبعاتها, يقول في كلمة صريحة في بيت صريح:

وكل مُصابٍ نَالَ آل محمدٍ     

فليس سوى يوم السَّقِيفَة جَالبُه

عندما نرى الإمام علياً (صلوات الله عليه) يسقط شهيداً لا يكفي أن نحزن، لا يكفي أن نبكي، لا يكفي أن نتألم, بل لا بد أن نأخذ العبرة، أن نتساءل: لماذا نرى الصادقين يسقطون شهداء داخل هذه الأمة؟! ولماذا رأينا فيما بعد وعلى امتداد التاريخ الكاذبين الظالمين الطغاة, المحرفين للدين، المنتهكين لحرمات الله هم من يحكمون هذه الأمة؟! وباسم رسالة هذه الأمة [الإسلام]! وباسم نبي هذه الأمة [أمير المؤمنين, خليفة رسول رب العالمين،] وعناوين من هذه؟!.

سنظل نحزن نحن وغيرنا، ونظل نبكي نحن وغيرنا ما لم تكن نظرتنا إلى الأحداث على هذا النحو، وسنظل نشاهد الأحداث المريرة، ونتألم لحادث بعينه, للفترة التي هو فيها، دون أن نأخذ العبر, دون أن نأخذ الدروس، إن هذا يعتبر خللاً كبيراً.

لا يمكن للأمة أن تعرف كيف ترسم طريقها، لا يمكن للأمة أن تعرف كيف تسلك المنهج الذي تمثل في سلوكه الالتفاف مع الصادقين، الانضواء تحت رايات أعلام الدين، لا بد من استقراء الأحداث، لا بد من معرفة الأسباب، لابد من معرفة الخلفيات.

وهذه قضية ليست جديدة، نحن عندما نربط سقوط الإمام علي (عليه السلام) بحادثة السقيفة على الرغم من قربها فليست قضية مستبعدة، فنحن نسمع اليوم من يقولون عن اليهود: إن الذي جعل اليهود على هذا النحو: يتعاملون مع الأمة بهذه القسوة هو ثقافتهم، تأثر بثقافتهم, تلك الثقافة التي عمرها قرون طويلة قد لا تقل عن ثلاثة آلاف سنة.

فعندما تسمع محللين من هذا النوع يقولون لك: إن تلك الثقافة قبل قرون من الزمن هي التي جعلت اليهود على هذا النحو في نظرتهم للبشرية، في تعاملهم مع الأمم، في انزوائهم على أنفسهم بأرواح شريرة، بقسوة بالغة، بنظرة ملؤها الحقد والكراهية للبشرية, وبالذات للمسلمين إنما ذلك نتيجة انحراف حدث قبل قرون.

لأن ما هم عليه الآن ليس امتداداً لشريعة موسى في أصلها, في جوهرها, في حقيقتها، ولا تطبيقاً لشريعة عيسى بالنسبة للمسيحيين في أصلها, وجوهرها, وحقيقتها, وما تدعو إليه، لا يمكن لدين من أديان الله سبحانه وتعالى أن يكون أثره في أمة من الأمم على هذا النحو الذي نرى عليه اليهود اليوم، على هذا النحو الذي نرى عليه النصارى اليوم.

إذاً فالكل متفقون، بل لقد سمعنا بعض المحللين من قساوسة المسيحيين يقول: إنما جعل المسيحيين على هذا النحو هو تأثر بثقافة يهودية اخترقت صفوف المسيحيين. فقال: [لدينا مسيحيين يهود، وأنتم عندكم – قال – مسلمين يهود، لكنكم لا تجرؤون على أن تقولوا هذا، فكما لدينا مسيحيين يهود أنتم لديكم أيضاً مسلمين يهود].

لأن اليهود اشتغلوا عملوا في الخطين: داخل المسيحيين من قبل, وداخل هذه الأمة وما زالوا يعملون على هذا النحو إلى اليوم.

بهذه الطريقة, وبهذا الأسلوب نحن نجيب على تساؤل, أو نطرح تساؤل: لماذا استشهد علي؟ لماذا قُتل علي (عليه السلام) وعلى هذا النحو: في المسجد، في شهر رمضان، في ليلة القَدْر، بسيف محسوب على المسلمين، رجل محسوب على هذه الأمة، وبمؤامرة شخص حكم فيما بعد هذه الأمة؟!!.

إنه الانحراف السابق، الانحراف الذي أدى إلى ماذا؟ على الرغم من تأكيدات الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) لأولئك الذين كانوا على يقين من صدقه، كانوا على يقين من نبوته، كانوا على يقين من حرصه على المؤمنين، كانوا على يقين من حرصه على هداية هذه الأمة، وأن لا ترتد هذه الأمة، وأن لا يسيطر الضلال على هذه الأمة.

فلقد قال لهم (صلوات الله عليه وعلى آله): ((علي مع القرآن، والقرآن مع علي)), وقال لهم أيضاً وقال للناس جميعاً من بعدهم: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يَرِدَا عليّ الحوض)) والإمام علي (عليه السلام) هو رأس أهل البيت, هو رأس العترة الطاهرة.. هكذا قال لهم (صلوات الله عليه وعلى آله).

أفي سلامة من ديني؟ ..إذاً لا أبالي

((أفي سلامة من ديني يا رسول الله؟)) ما أحوجنا إلى هذه المشاعر!.

ففي موضوع الشهادة مثلاً, موضوع الشهادة, لقد كان الإمام علي على علم عن رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) يوم أن أخبره بأن لحيته سَتُخْضَب من دم رأسه.

هذا الخبر لو يأتي لشخص منا – ربما – قد يكون مزعجاً، لو يأتي هذا الخبر لشخص منا قد ينظر إلى ما حوله, ينظر إلى أسرته, إلى أولاده, إلى ممتلكاته إلى مظاهر الحياة من حوله فيبدو متأسفاً ويودع نفسه حيناً بعد حين وينتظر متى يخضب دم رأسه لحيته، لكن عليا كان يهمه شيء واحد.

كيف أجاب على الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)؟. قال: ((يا رسول الله أَفِيْ سلامة من ديني؟)) أفي سلامة من ديني يحصل هذا؟ ((قال: نعم. قال: إذاً لا أبالي)) مادام أن ديني سليماً.

الإمام علي عندما يقول بهذه العبارة يعطينا إشارة مهمة جداً، وكأنه يلحظ من خلال ما يسمع من رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) أنه سيحصل ضلال، يحصل انحراف، تحصل فتن. يهم أي إنسان حريص على سلامة نفسه أن يبحث عن سلامة دينه, وأن يحرص على سلامة دينه.

لو كانت الأمور عند الإمام علي (عليه السلام), في رؤيته – يوم قال لـه الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) بهذا الكلام – هو أن هذه الرسالة ستمشي بشكل طبيعي، وسيكون الناس كلهم هكذا بشكل صحيح يسيرون جيلاً بعد جيل لما سأل الرسول: ((أفي سلامة من ديني؟)).

ناهيك عما إذا كان قد قال لـه: أن الذي سيقتله هو أشقى هذه الأمة، أي من هذه الأمة، وهو من يجلب الشقاء على هذه الأمة، وشبَّهه بعاقر ناقة ثمود الذي جلب الشقاء على تلك الأمة فجعلها تستحق عذاباً شديداً من الله، استأصل تلك الأمة بأكملها.

تجد الإمام علياً تأكد أيضاً بأنه فعلاً كان قريناً للقرآن, وما يزال قريناً للقرآن, أن هذا هو منطق القرآن نفسه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران:102) أليس هذا توجيه يحث كل إنسان منا على أن يكون حريصاً على أن يسلم له دينه؟ وأن يكون كل ما يهمه هو أن يسلم له دينه، على الرغم من كل ما يواجهه، على الرغم من أي شيء يمكن أن يواجهه حتى وإن كان خبراً مؤكداً على نحو ما جاء لعلي (صلوات الله عليه): ((ستخضب هذه من هذا)) وأشار إلى لحيته ورأسه؟.

ومن خلال هذا نعرف موقعنا نحن من القرآن ومن قرين القرآن، عندما نجد الكثير منا، الغالبية العظمى منا يضحي بدينه من أجل احتمال أن تسلم لـه دنياه، إحتمال أن تسلم لـه قدماه ناهيك عن رأسه، أو لاحتمال أن لا يبـيت ليلة في سجن من السجون، لاحتمال أن لا يضحي بمبلغ من المال في سبيل إعلاء كلمة ربه، أليس كثير من الناس على هذا النحو؟.

كأننا نقول للقرآن نفسه عندما يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ}أفي سلامة من دنيانا يا قرآن الله؟!. عندما يقول: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (آل عمران: من الآية104) تمام, لكن هل في سلامة من دنيانا ورؤوسنا وأقدامنا وأيدينا يا كتاب الله؟!.

إن كل إنسان يتولى عليا، إن كل إنسان مصدق برسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وبكتاب الله يجب أن تكون مشاعره على هذا النحو الذي كان يسيطر على مشاعر علي (عليه السلام): ((أفي سلامة من ديني يا رسول الله؟. قال: نعم: إذاً لا أبالي)).

ولقد كان يقول: ((والله لا أبالي أوقعت على الموت أو وقع الموت عليّ)) إن كل شيء يهمه هو أن يكون هناك السلامة لدينه، فلتخضب دماء رأسه لحيته، وليتقطع إرباً, وليكن ما كان ما دام دينه سالماً لـه.

وهذه هي الرؤية الصحيحة، هذه هي السلامة لمن يبحث عن السلامة، الإنسان لا يمكن أن يسلم إذا لم يسلم لـه دينه, لا في دنياه ولا في آخرته، ما الذي جعلنا نُظلم؟ ما الذي جعلنا نُقهر ونحن ملايين؟ نمتلك الإمكانيات الكبيرة، نمتلك الجيوش، نمتلك الثروات الضخمة والهائلة في باطن الأرض وظاهرها، نمتلك رقعة استراتيجية مهمة؟ لأن ديننا لم يسلم لنا, فوجدنا أنفسنا لم نسلم من الذل، لم نسلم من القهر, لم نسلم من النهب.

أصبحت هذه الأمة ذليلة, أصبحت مستضعفة, أصبحت مقهورة؛ لأنها لم تفكر تفكير قرين القرآن ((أفي سلامة من ديني؟))، وحينها عندما تنطلق لتبحث عن السلامة لنفسك وأنت لا تفكر في أن يسلم لك دينك فلن تسلم نفسك، لن يسلم عِرْضك، لن تسلم كرامتك، وفي الأخير لن تسلم أنت في الآخرة يوم تلقى الله، لن تسلم سوء الحساب، لن تسلم نار جهنم.

إنها الرؤية الحكيمة, ليست رؤية ذلك الذي يفكر في ممتلكاته البسيطة، يفكر في نفسه هو فيرى نفسه أغلى من الدين بكله، يرى نفسه أغلى من نفس الرسول، أغلى من نفس علي، أغلى من نفس الحسن، أغلى من نفس الحسين.

متى يمكن أن يكون لإنسان يفكر هكذا تفكير قيمة عند الله؟ متى يمكن أن يُمنح إنسان على هذا النحو عزة من الله؟ لا، إنه بهذا التفكير يُعتبر تجسيداً صادقاً لمن يَعْشُ عن ذكر الرحمن {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} .

كم هو الفارق بين أن تكون في الاتجاه الذي يمنحك الله فيه العزة، يمنحك الله فيه القوة, التأييد، يمنحك الله فيه سلامة آخرتك وإن لم تسلم دنياك؟ كم هو الفارق بين واقع شخص على هذا النحو وبين شخص يُقَيِّض لـه الله شيطاناً يصبح قريناً لـه {وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} (الزخرف:37) وواقع إنسان يُسلط الله عليه شرار عباده، يسلط الله عليه من يسومه سوء العذاب في دنياه, وفي يوم القيامة سوء الحساب, وسوء العذاب في نار جهنم؟ نعوذ بالله من نار جهنم.

إن عليا (صلوات الله عليه) – وإن وجدناه [سَقَطَ] بل نقول صعد إلى ربه شهيداً – إنه ما يزال حياً كما أن هذا القرآن الذي قرنه به الرسول حياً، حياً فيما يعطيه من هدى, من نور، من دروس، من عظة، من عبر، حياً فيما يعطيه الأحرار، فيما يعطيه المجاهدين، فيما يعطيه الصادقين من دروس تجعلهم يذوبون في هذا الدين.

أنت عندما تنظر إلى نفسك، أنا عندما أنظر إلى نفسي, وأنظر أيضاً إلى علي (صلوات الله عليه) فأكون حريصاً على سلامة نفسي وإن كان ثمن ذلك أن أُلقي بعلي، وبدين علي، وبمنهج علي، وبتوجيهات علي عرض الحائط، هذا يعتبر من أسوء الانحطاط الذي يمر به الإنسان.

هل يمكن أن أرى نفسي، أو أي واحد منا يرى نفسه أغلى من نفس علي (صلوات الله عليه)؟؟. هل يمكن لأحدٍ منا أن يرى نفسه، أن يرى دمه أغلى من دم علي (صلوات الله عليه)؟. لا يمكن لأحدٍ أن يقول لنفسه هكذا وإن كان واقع الكثير منا هكذا.

فعلي (صلوات الله عليه) عندما وجدناه كان يستقبل ذلك الحدث الذي يتوقعه: أن يخضب دم رأسه لحيته ويسقط شهيداً, لم يكن من‍زعجاً من ذلك، كان الذي يزعجه هو ما يرى الأمة فيه وهي تسير باتجاه ذات الشمال، وهي تبتعد حيناً بعد حين, ومسافات طويلة تبتعد عن كتاب الله, وعن منهج رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله).

كان يتألم عندما يرى أن تلك الجهود التي بذلها الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) وبذلها هو تحت لوائه, في مكة, وفي المدينة, في معارك الإسلام, كلها ضاعت هباء، وصارت هباء منثوراً تحت أقدام، وعلى أيدي من لم يكونوا يجرؤون في يوم من الأيام أن ين‍زلوا إلى ساحات الوغى لمواجهة أعداء الله.

لقد كان الإمام علي (صلوات الله عليه) يخوض غمار الموت, ويقتحم الصفوف, في بدر, في أحد, في كل معارك الإسلام, بينما كان أولئك يجلسون جانباً, وَلَيْتَهم جلسوا جانباً من بعد ممات الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) لا. كانوا في أثناء احتدام مواجهة الكفر يجلسون جانباً، وعنـدما نـزل (صلوات الله عليه وعلى آله) إلى قبره, بل من قبل وهو ما يزال على فراش الموت بدأوا يتحركون وين‍زلون إلى ساحة هذه الأمة؛ لينحرفوا بها عن نهج محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) الذي من أجله كان يقتحم ساحات الوغى، يقتحم الصفوف, وهو يواجه المشركين ويواجه الرومان, ويواجه اليهود, ويواجه كل أصناف أعداء الإسلام، برزوا بعد!.

هناك عبارة قالها أحد العلماء بالنسبة لعلي (صلوات الله عليه): [لو كانت الأمور تُقاس بمقاييس الدنيا لما رأينا أحداً يُعدُّ مظلوماً أكثر مما حصل على علي من الظلم] يجاهد، يعاني، يتعب في سبيل دين هو يعلم أنه دين عظيم، وفي خير هذه الأمة، وفي مصلحة هذه الأمة، وفي عزة هذه الأمة, ثم يرى أيادي تعبث بهذا الدين.

يتجه إلى تلك الأمة نفسها التي من أجلها جاهد، من أجلها عانى، من أجل عزتها تعب, يحاول أن يحركها قبل أن يَعْظُم الخَطْب، في مرحلة كان يمكن أن يتلافى فيها ما حصل لم يحصل له استجابة، حرّك الزهراء (صلوات الله عليها)، حرك الجانب العاطفي، ماذا عمل أولئك عندما خطبت فيهم الزهراء؟. بكوا وقالوا: إن خطوتها ما تَخْرُم خطوة رسول الله، تذكروا رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) في خطوة فاطمة, وخطى فاطمة, ومنطق فاطمة, ولم يتذكروا رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) فيما ذكرتهم به فاطمة!.

بكوا لغياب الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) ولم يبكوا لغياب دينه، لم يبكوا لغياب الدين الذي كان الرسول مستعداً من أجله أن يُقتل، وواجه المخاطر الشديدة من أجل هذا الدين.

فكيف لا يتألم الإمام علي (عليه السلام), وكيف لا يرى نفسه مظلوماً وهو يرى الأمور تسير على هذا النحو الذي يضيع كل الجهود التي بذلها الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله), وكل الجهود التي بذلها هو وبذلها عظماء آخرون من خيار صحابة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله).

 

من نتائج التفريط.. خسارة العظماء

 

 عندما تأتي إلى رؤية علي (صلوات الله عليه) تجد فيه شاهداً، رؤيته للحياة، رؤيته للإنسان؛ لذا جمع في نهج البلاغة ما قال عنه الكثير: [بأن عليا (صلوات الله عليه) برز عالماً فيلسوفاً بل قدوة في كل هذه الاتجاهات فبرز كعالم اجتماع، عالم اقتصاد، عالم نفس، مرشد، معلم في كل الاتجاهات، برز ذلك الشخص عظيماً يقدم رؤية حقيقية وواقعية للحياة].

حتى وهو يتحرك في مواجهة أعدائه، وهو يتحرك مع من ينضوون تحت لوائه كان يحذرهم، كان ينذرهم، كان يعطيهم رؤى، كان يذكرهم بأشياء عرفوا من بعد صحتها، عرفوا صحتها بل مر الكثير منهم بها وعايشوها، كان يقول لأهل العراق: ((والله إني لأخشى أن يُدَال هؤلاء القوم منكم لاجتماعهم على باطلهم وتفرقكم عن حقكم)) في هذه العبارة تجد رؤية حقيقية، رؤية واقعية، رؤية صحيحة لدى الإمام علي (عليه السلام) في النتائج, في المسببات، ما خلفياتها؟ ما أسبابها؟.

عندما تجد الناس، وتعيش مع الناس, وتسأل ذا وذاك وتنظر إلى ما يمكن أن يقوله هذا الإنسان أو ذاك – وهو يسمع ويرى ما يعمله أعداء الله – ما هو الكلام الذي يقوله أي واحد منا؟ [لعنة الله عليهم، مجرمين، الله يكفينا شرهم].

عندنا تفكير أنه: فقط يُهَيمن الباطل، يسود الضلال، ينتشر الفساد، يضيع الحق من جانب واحد هو جانب أولئك، هذه النظرة نفسها التي توجد لدى شعوبنا, ولدى زعماء هذه الأمة.. لاحظوا كيف هم يتجهون إلى محاولة أن يتداركوا أولئك ولو بتوليهم، والبحث عن السلام من عندهم وبأي طريقة ترضيهم، يتصورون أن المنفذ من هناك فقط، ولا يتجهوا إلى جانب آخر إلى هذه الأمة لبنائها، يفكرون هذا التفكير الذي يفكر فيه الكثير الكثير من الناس، جانب واحد فلنتفادى ذلك الجانب، أسالم ذلك الجانب، أعطيه ما يريد؛ من أجل أن لا يسود ما يسود، لا يهيمن، لا يحصل ما يحصل من شر.

إن الفساد ينتشر، إن الحق يضيع، إن الباطل يحكم ليس فقط بجهود أهل الباطل وحدهم بل بقعود أهل الحق. وأعتقد أن هذا نفسه قد يمثل نسبة سبعين في المائة من النتائج السيئة.

بدليل أننا نرى: أن الله سبحانه وتعالى لم ينظر حتى إلينا بمنظار خمسين في المائة وخمسين في المائة من جانب الأشرار فنكون أمامه على صعيد واحد، بل نراه يسلط أولئك على هؤلاء، ماذا يعني ذلك؟ أن التقصير من جانب أهل الحق، من جانب هذه الأمة، من جانب من هم في واقعهم يمثلون جنود الله أن التقصير من جانبهم هو عامل مهم، وهو العامل الأكبر في سيادة الباطل، في استحكام الضلال، في انتشار الباطل، في ضياع الحق.

من يفكر هذا التفكير هو علي في هذه الكلمة عندما قال لأهل العراق: ((لاجتماعهم على باطلهم وتفرقكم عن حقكم)).

لو لم نخرج من هذا الاجتماع إلا بأن نحمل هذه الرؤية لكان مكسباً كبيراً، أن نعرف من علي في هذه الليلة ولو هذه الرؤية: أننا نمثل في قعودنا، في سكوتنا، في صمتنا، في إهمالنا، في حالة اللامبالاة التي نعيشها نمثل سبعين في المائة من عوامل سيادة الباطل وضياع الحق، من عوامل ظلمنا وقهرنا وإذلالنا لأنفسنا نحن.

ولهذا وجدنا الله يُسلط الكافرين على المسلمين متى ما كانوا على هذا النحو: ((لتأمرنّ بالمعروف ولتنهنّ عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم فيسومونكم سوء العذاب ثم يدعوا خياركم فلا يُستجاب لهم)) ماذا يعني هذا؟. ليش ما تُسلط علينا وعليهم مع بعض؟. ليست القضية على نسبة خمسين في المائة من عندك وخمسين في المائة من عند أولئك، أنت من جانبك تمثل..؛ لأنك عندما قعدت,.. الباطل العدو هو بطبيعته سيزهق.

لكنك عندما تتحرك، عندما تسير على نهج الله، عندما تثق بالله فالله سبحانه وتعالى هو سيتحرك – إن صحت هذه العبارة – سيقف هو في وجه أولئك الأعداء، والحق بطبيعته إذا ما وجد أمة تحمله، تثق بربها فإن الباطل زَهُوْقٌ بطبيعته {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} (الإسراء:81)، بل قال بصريح العبارة: {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً} (الفتح:22).

ويقول عن أهل الكتاب هؤلاء الذين يتسابق الزعماء على استرضائهم، يتسابق الزعماء على توليهم، يتسابق الزعماء على الدخول في اتفاقيات أمنية من أجلهم، يقول عنهم: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ}(آل عمران:111)

فأمة تُضيّع كتابها، تضيع ما يمكن أن يعطيه الله من عونٍ وإمداد لها، تضيّع الحق الذي هو بطبيعته أقوى من الباطل، أقوى في منطقه، أقوى فيما يُقدمه، فيما يخلقه من روحية، فيما يخلقه من معنويات عندما تضيعه بالطبع تكون جريمتها أكبر.

الإمام علي حذر أهل العراق قال لهم – إن ما هم عليه من تَقَاعُسٍ، من حالة اللامبالاة، من حالة فيهم هكذا لا ينطلقون، لا يبادرون، لا يتحركون بالشكل المطلوب حذرهم – : ((والله إني لأخشى أن يُدَال هؤلاء القوم منكم))  ما معنى يُدَالَ: أن تكون لهم الدولة عليكم، أن يكون لمعاوية ولأهل الشام الدولة عليكم فيحكمونكم، يقهرونكم، يذلونكم، يضطهدونكم، يستضعفونكم، يقتلوا ويشردوا ويدمروا؛ ((لاجتماعهم على باطلهم وتفرقكم عن حقكم)), لاجتماعهم على باطلهم وتفرقكم عن حقكم. ألم يُقدم العامل على أنه عامل مشترك في سيادة الباطل، في استحكام الشر؟.

هذه النظرة من الذي يحملها؟ من هم أولئك من هذه الأمة الذين تسيطر على مشاعرهم هذه الفكرة؟ يجب أن نكون هكذا، وهذا هو الذي يخلق دافعاً لدى الإنسان، يستشعر مسؤوليته، يعرف سوء موقفه وهو يقعد، وهو يصمت، وهو يتقاعس، وهو يتخاذل، ويتثبط, سيعرف سوء موقفه.

إذا لم تكن تنظر إلا إلى جانب واحد ستقدم نفسك وكأنك ترى أنه ليس من عندك أي خلل، بل في الأخير ستكون أنت من يلوم الله لماذا لا يكف عنك أولئك، وأنت في الأخير من ستنطلق لتقول لله: [اللهم أنت دمر أولئك اما احنا ما لنا دخل، اللهم دمر أولئك, اللهم أهلك أولئك، اللهم افْرَعْ فينا من أولئك] ومتى ما حصل تسليط لك نلوم الله لماذا سلط علينا؟.، لماذا أصبحنا هكذا؟‍! وهو قال في كتابه الكريم: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً}(النساء: من الآية141) لماذا حصل لهم سبيل؟. نحن من جعلنا لله سلطاناً: {أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُبِيناً}(النساء: من الآية144) هكذا قال لأولئك: {أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُبِيناً} فيضربكم ويسلط عليكم؛ لذا تجد منطق القرآن الكريم ينسجم مع علي في مقولته هذه، ينسجم مع علي وهو يقدم لك نماذج من أمثال علي في تاريخ البشرية, من أنبياء الله ورسله وأوليائه، يقدم لك نفسياتهم,

وتفكيرهم ومشاعرهم داخل القرآن, وفي ميادين المواجهة كيف كانوا يفكرون، حتى في الدعاء لا تجد أنهم كانوا ينطلقون فقط ليدعوا على أعدائهم بل كان كل همهم أن يدعوا لأنفسهم؛ لأنهم يعرفون أن القضية بالنسبة للعدو محسومة، إذا ما صَلُحنا نحن وكنا بالشكل الذي نصبح جديرين بأن يقف الله معنا؛ فلذا كان دعاؤهم {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}(البقرة: من الآية250) ما هكذا كان دعاؤهم؟. هكذا كان دعاؤهم، لم يكونوا ينطلقون على نحو ما يفكر فيه الكثير من الناس اليوم؛ لأنهم يعرفون أنه متى ما تخاذل من هم في الأرض جنود الله، إذا ما قعدوا استحقوا غضب الله، هم من يضيعون أشياء عظيمة لا يمكن أن يمتلكها العدو مهما كان لديه من أسلحة مهما كان لديه من قدرات لا يمكن أن يمتلك العدو ما يمكن أن يمتلكه المؤمنون بالله لا يمكن.

ولاحظـوا كيف في فلسطين ولبنان كمثال على هـذا، ألـم يستطع الإسـلام أن يصنع [قنابل بشرية] فعلاً، وهذا – كما يقول المجاهدون – [بأن هذا هو السلاح الذي لم يستطع الأعداء أن يصنعوا مثيلاً له، ولا أن يصنعوا ضداً له] قنبلة بشرية تنفجر فتربك جيش إسرائيل، تربك أمن إسرائيل، تحطم اقتصاد إسرائيل. هكذا في اللحظة الأخيرة وهم كانوا قد أضاعوا – خاصة بالنسبة للفلسطينيين – وربما هذا الجيل وهو الذي يعاني معاناته تعتبر وزراً من أوزار الجيل الذي سبقه، الذي ضيع الفرص الكبيرة في مواجهة اليهود يوم كانوا لا يزالون عصابات داخل فلسطين.

هكذا يجب – أيها الإخوة – أن نتذكر المأساة بفقد الإمام علي (صلوات الله عليه) على هذه الأمة، الشقاء الذي جلبه غيابه في تلك اللحظة والفترة التاريخية الحرجة ما جلبه من شقاء على هذه الأمة.

ونفكر أيضاً فيما جلبه مَن أقصوا عليا والقرآن الذي جاهد من أجله علي، وقُرن به علي, ما جلبوه من وبال وشقاء وفساد على هذه الأمة، وأن نرجع إلى ما قاله الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في فضل علي؛ لنَدِيْنَ بالولاء للإمام علي.

الولاء للإمام علي كما يقول الإمام الهادي, هو يعتبره ركناً لابد منه بالنسبة للإنسان المسلم، لابد أن يَدِيْنَ بالولاء لعلي كما نَصّ على هذا في مقدمة [الأحكام] وفي داخل رسائله في [المجموعة الفاخرة].

بل جعل الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) – قبل ذلك كله – جعل حُبّ علي إيماناً وبغضه نفاقاً، بل جعله قَسِيْمَ النار وقَسِيْمَ الجنة, جعله قسيم النار كما ورد في الأثر، وعندما استبعد بعض الناس أن يكون علي قَسِيْمَ النار فقال: كيف يمكن هذا؟. فقال أحد العلماء: ألم يقل فيه الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) ((لا يُحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق))؟. فأين هو المؤمن؟. فقال: في الجنة. أين هو المنافق؟. قال: في النار. قال: إذاً صح أن يكون قَسِيم النار، يعني من يبغضه إلى النار ومن يحبه إلى الجنة، أليس هنا يقسم الناس نصفين؟ منافق للنار، ومؤمن لعلي في الجنة.

فلنستلهم من الإمام علي (عليه السلام) الرؤى الحكيمة، التوجيهات الحكيمة في مختلف الميادين، في مختلف المجالات.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا على نهج علي، أن يجعلنا من أولياء علي، أن يجعلنا من شيعة الإمام علي، وأن يحشرنا في زمرته يوم القيامة، وأن يحيينا قبل ذلك في الدنيا على ملته، وأن نموت على سبيله وصراطه وطريقته، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا في هذا الشهر الكريم من عُتَقائه من النار.

 

 

#المركز_الإعلامي_لأنصار الله_تعز

أشترك على قناة أخبار تعز تلغرام

telegram.me/taizznews