مجزرة مخيم النصيرات… الجذور والأسباب
تعز نيوز
كتب الدکتور سعد الله زارعي في مقال له: مأساة القتل الجماعي لسكان مخيم النصيرات الواقع في الجزء الشمالي من رفح، أثّرت مرةً أخرى بقوة على الضمير الإنساني، وأكدت أن وجود الکيان الإسرائيلي يزعزع سلامة الناس وحياتهم.
هنا كان هدف جرائمه هو الشعب المظلوم في قطاع غزة، لكن هذا لا يقتصر على سكان غزة فقط، حيث إن هذا الکيان قتل نحو 18 شخصاً من جنسيات مختلفة، بينهم الشهيد الإيراني سعيد أبيار، في الهجوم على مدينة حلب السورية الأسبوع الماضي.
مأساة النصيرات ذكّرت الجميع بضرورة التحرك للقضاء على هذا الکيان المجرم، وبطبيعة الحال، هناك نقطتان أخريان مهمتان للغاية، يجب الانتباه إليهما في هذا المشهد، أولاً، نرى آثار السلوك الانتقامي، وثانياً، الحضور العملي لقوات الكوماندوز الأمريكية واضح أيضاً في هذه الجريمة، وهو وثيقة جديدة للوجود العملي والجاد لأمريكا في حرب غزة.
فيما يتعلق بمقتل سكان مخيم النصيرات، وما يتعلق به، والنقطتين الأخيرتين، هناك أمور لا بد من ذکرها:
1- خلال الهجوم الذي شنه الکيان الإسرائيلي يوم السبت الماضي على مخيم النصيرات للاجئين، الذي يأوي عدداً كبيراً من لاجئي قطاع غزة، استشهد وأصيب ما يقرب من 700 شخص، وهذا الكم من الضحايا يعتبر رقماً قياسياً في حرب غزة.
في المرحلة الثالثة من الحرب – منذ عملية “خان يونس” – نفّذ الکيان الإسرائيلي الهجمات على مراكز التجمعات السكانية بطريقة منظمة نسبياً، وبالطبع تسارعت هذه الجرائم في بعض الأحيان.
تعتبر مأساة مخيم النصيرات هي الحادثة الأشد حدةً في هذه المرحلة، بعد الجريمة الخطيرة التي تعرض لها مستشفى الشفاء، الواقع شمال غرب مدينة غزة.
وبما أن مأساة النصيرات وقعت في اليوم الذي وضعت فيه الأمم المتحدة “إسرائيل” على القائمة السوداء لـ “قتلة الأطفال” بسبب جرائمها المستمرة في قطاع غزة، فإن مذبحة النصيرات هي في الحقيقة إعلان رسمي عن الاستهتار والاستخفاف بأحكام المجامع القانونية الدولية، وبطريقة أكثر عمليةً وجرأةً فهي تشبه الإجراء الرمزي الذي قام به مندوب الکيان ضد ميثاق الأمم المتحدة.
في هذا الحادث المروع، استشهد أو جُرح ما يقرب من 700 شخص، ويدعي الکيان الإسرائيلي أنه ارتكب هذه الجريمة الخطيرة من أجل إطلاق سراح سجنائه، وفي هذا المشهد، استشهد ما يقارب 300 شخص، ليتمكن الکيان من إنقاذ أربعة من أسراه.
من الواضح أن شعوب العالم وحكوماته لا تقبل مثل هذه المعادلة، ومن ناحية أخرى، فإن هذا يعني أن العالم في فلسطين المحتلة يواجه کياناً قائماً على فكر التفوق العنصري والإبادة الجماعية، إن تفضيل حرية أربعة أشخاص على حياة آلاف الأشخاص، ليس له اسم آخر غير أعمال التمييز العنصري والإبادة الجماعية.
هذا كيان خطير للغاية، وعلى المصريين والأردنيين أن ينظروا إلى هذا المشهد بشکل خاص، ليعرفوا أنهم يعيشون بجوار أي نوع من الکيان، ولا يظنوا أن الکيان الذي بات الآن في المأزق بسبب المقاومة، ولهذا السبب يتحدث عن حقوق الإنسان وما شابه في المحادثات الدبلوماسية، فلذلك يمكن الوثوق به، إنه کيان لا يعتبر للعرب الفلسطينيين حقوقاً في ديارهم، ولا يعتبر للعرب المصريين حق العيش في مصر، ولا يعتبر للعرب الأردنيين حق العيش في الأردن!
فهل نسوا أن شعار من النيل إلى الفرات، الذي ينقش رمزياً بخطين أزرقين في علمٍ في وسطه نجمة، هو سياسة مؤکدة، لکن في الوقت الراهن وبسبب عجزه، اتخذ الکيان الإسرائيلي وجه حكومة حقيقية، وليس منظمةً إرهابيةً.
2- من أهم القضايا هو دور الجيش الأمريكي في العملية الإجرامية ضد مخيم غزة للاجئين في النصيرات، وقد نشرت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية التابعة لمعارضي نتنياهو، بعد ساعات من وقوع الكارثة في هذا المخيم، وثائق تصوّر الدور المؤكد للبنتاغون.
في هذه الواقعة، جاء الجيش الأمريكي إلى الميدان بالوجه المنافق المتمثل في مساعدة أهل غزة، وبهذا القناع حصل على معلومات حول مكان وجود بعض الأسرى الإسرائيليين، ومن ثم، من خلال تشكيل مجموعة مشتركة مع وحدة جفعاتي في الجيش الإسرائيلي، تسلل إلى هذا المخيم مسلحاً بغطاء من قوات تقديم المساعدات، ومن خلال تكليف سلاح الجو الإسرائيلي بالقصف، فقد أزعج عملياً انتباه وتركيز قوات الأمن في هذا المخيم، وأنقذ أربعة سجناء.
وفي الوقت نفسه، استمر تعاون أمريكا بعد المجزرة التي ارتكبت بحق سكان المخيم، والتي لا يمكن تسميته إلا بالكشف عن مشاركة أمريكا في جرائم الکيان الإسرائيلي.
إن استمرار إرسال الولايات المتحدة شحنات عسكرية حساسة، رغم أنها ليست مخفيةً كثيراً، وقد أعلن مصدر إسرائيلي أن حجمها سيصل إلى 60 ألف طن بحلول مايو/أيار، ورغم أن إصرار واشنطن على أن “إسرائيل تدافع عن نفسها” كشف هذا التواطؤ، لكن مجزرة مخيم النصيرات كشفت عن الدور الخطير لأمريكا أبعد من هذه المواضيع.
وهنا، تم جمع المعلومات حول هذا المخيم والمناطق المحيطة به مباشرةً من قبل وحدة أمريكية، على الرغم من أن إعادة تأكيد أمريكا على حق “إسرائيل” في الدفاع عن نفسها، جعلت أي حسن نية غير ذات مصداقية.
لقد اتخذت الحكومة الأمريكية إجراءً غبيًا في هذا المشهد، وقد كتبت بعض وسائل الإعلام الغربية وبعض الأوساط العراقية، أنه من خلال الوعد بمنع تصعيد وتوسيع عدوان الکيان الإسرائيلي والمساعدة في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب، حصلت الولايات المتحدة على موافقة حركات المقاومة العراقية على وقف الهجمات على قواعدها.
لکن الكشف عن مشاركة القوات العسكرية الأمريكية في الجريمة الخطيرة يوم السبت الماضي، يعيد فعلياً الوضع الأمريكي إلى ما قبل الاتفاقيات غير الرسمية والضمنية قبل شهرين.
ومن المثير أن الأمريكيين أعلنوا الأسبوع الماضي عن خطة سياسية لإنهاء حرب غزة، بينما كانوا يستعدون لارتكاب جريمة كبرى بحق أهل غزة! وفي هذا الوضع، فإن جريمة النصيرات جعلت أي ثقة في وعود أمريكا والأمل في التوافق مع الکيان الإسرائيلي غير مبررة، وبهذا الوصف، وبعد جريمة النصيرات، أصبح أفق نهاية هذه الحرب أكثر قتامةً، وبالتالي، ستستمر الحرب، ويصبح الحل السياسي لانسحاب “إسرائيل” من قطاع غزة بعد ثمانية أشهر أكثر صعوبةً.
3- السبت الماضي أنقذ الکيان الإسرائيلي أربعة أسرى مقابل مقتل ثلاثة أسرى وكوماندوز، ومن المثير للاهتمام أنه خلال الأسبوع الماضي، أسر مقاتلو المقاومة الفلسطينية نفس العدد من القوات العسكرية الإسرائيلية، خلال عمليتين في جنوب رفح وجباليا.
خلال عملية جنوب رفح، دخل المقاومون إلى المنطقة الإسرائيلية عبر نفق مهجور قرب معبر كرم أبو سالم خلف حدود رفحن وفي هذه العملية قُتل أكثر من عشرة جنود إسرائيليين، وأسرت حماس ثلاثة من هؤلاء الجنود. وقد أطلقت الأوساط الإسرائيلية على هذه العملية اسم “طوفان أقصى آخر”، بسبب التشابه بين التسلل والأسر والإصابات.
وفي عملياتهم في منطقة “جباليا”، حاصر المقاتلون الفلسطينيون في البداية 18 جندياً إسرائيلياً، ثم قتلوهم وأسروا أحدهم، وقد أظهر هذان الحدثان، اللذان وقعا في منطقتين مختلفتين خلال أسبوع، قوة المقاومة رغم الوجود العسكري المكثف للجيش الإسرائيلي في غزة.
خلال شهر أيار/مايو، رفعت المقاومة في غزة عدد عملياتها من 105 حالات في شهر آذار/مارس إلى 452 حالة خلال الشهر، علاوةً على ذلك، ارتفع عدد عمليات حزب الله في المناطق الشمالية من فلسطين المحتلة من 334 في يناير/كانون الثاني، إلى أكثر من 1000 في مايو/أيار، وقد خلقت هذه القضية الكثير من الإحباط لدى السلطات الإسرائيلية وجيشها، والجريمة التي وقعت يوم السبت الماضي ضد مخيم النصيرات، هي في الواقع انعكاس لهذا الإحباط.
کما أظهرت استقالة بيني غانتس وغادي أيزنكوت وفيلي تروبر من الحكومة الإسرائيلية مساء الأحد الماضي، بعد يوم واحد من مذبحة مخيم النصيرات، أنه حتى داخل الکيان الإسرائيلي، لم يتم تصديق لفتة النصر التي تظاهر بها نتنياهو.
4- في هذه الأيام، وفي الوقت الذي تتزايد فيه الإجراءات ضد رفح، يتحدث الکيان الإسرائيلي عن مهاجمة لبنان أيضاً، هذه التصريحات أطلقها “بن غفير” وزير الأمن الداخلي و”سموتريتش” وزير المالية في حكومة نتنياهو بشکل أکثر، لكن هل ينوي الکيان الإسرائيلي فعلاً مهاجمة لبنان؟
ينبغي أن نرى ما هو الوضع الذي سيخلقه الهجوم على لبنان، فمن ناحية، تم من البداية إفراغ الجزء الشمالي، بين الحدود الجنوبية للبنان وشمال جنين، من السكان اليهود، ولا توجد في هذه المنطقة سوى قوات عسكرية.
وكان حزب الله قد أعلن رسمياً أنه يستعد للدخول إلى فلسطين براً منذ عدة سنوات، ولا يشك أحد في أن هذا الاحتمال موجود بالنسبة لحزب الله، وأنه يستطيع السيطرة على الحدود بين جنين (والضفة الغربية) والحدود الجنوبية للبنان، ومن الواضح ما يعنيه الارتباط البري للضفة الغربية بالأراضي اللبنانية.
ومن ناحية أخرى، يعلم الإسرائيليون أنه نظراً لتغير أوضاع المنطقة بين عامي 2011 و2024، فإن وضع حزب الله في حرب محتملة لا يشبه حتى وضع حزب الله المنتصر في حرب الـ 33 يوماً عام 2006.
واليوم، بفضل المقاومة الفلسطينية، تم “توحيد الساحات”، حيث يتم إرسال نفس القوى التي وقفت إلى جانب الفلسطينيين في أزمة غزة وضد الجبهة الغربية-الصهيونية، لمساعدة حزب الله، نفس أنصار الله والكتائب العراقية الذين لم يستطيعوا الذهاب إلى غزة، سيذهبون إلى جنوب لبنان، وسيدخلون فلسطين عبر هذا الطريق، ولذلك، من الطبيعي ألا تكون هناك حرب على لبنان.