تعز العز

داعش يستجيب لاستغاثة آل سعود


محمد محمود مرتضى

في الثالث والعشرين من شهر ايار مايو اعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بدء عملية تحرير مدينة الفلوجة من تنظيم داعش الارهابي. ورغم ان التنظيم مصنف على لائحة التنظيمات الارهابية في مختلف بلاد العالم اضافة الى الامم المتحدة، ورغم الترحيب الواسع بالعملية، الا ان  دولة واحدة ابدت انزعاجها من هذه العملية رغم انها تدعي محاربتها للتنظيم، وتجريم من يعمل معه، بل وتدعي انها اكثر الدول محاربة له. انها المملكة العربية السعودية.

صحيح ان  مملكة آل سعود سرعان ما عممت على اعلامها بوجوب تسمية العملية «تحرير الفلوجة»،  الا ان خطاب هذا الاعلام لم يتغير الا من ناحية العنوان بسبب النتائج التي يمكن ان ترتد على المملكة اذا ما سارت بالفعل بخطاب صريح يعاند العملية العسكرية ضد داعش.

ان مضمون الخطاب الاعلامي في مملكة كالمملكة السعودية يعتبر صورة طبق الاصل عن قناعات القيادات فيها وسياساتها الخارجية والامنية. وتكفي مراجعة بسيطة لهذا الاعلام ليدرك القارئ حجم النفاق الذي يمارسه تجاه العراق وجرائم داعش فيه.

منذ بدء عملية تحرير الفلوجة والاعلام السعودي يقيم العزاء، ويدعو بالويل والثبور وعظائم الامور، مسلطا الضوء على الحشد الشعبي ومطلقا النار عليه، متهما اياه بمختلف التهم، ومفتريا عليها بعظيم الافتراءات. لم يخل يوم من دون مقالات وكتابات تزعم حصول جرائم «مروعة» بحق اهالي الفلوجة، وكأن المدينة كانت آمنة مطمئنة تعيش رغدا في ظل «حكومة» داعش «الوهابية».

لن نطلق كلامنا من دون ادلة، ولن نعود الى الوراء كثيرا بل سنرجع الى ايام معدودة فقط قبيل العملية الارهابية التي استهدفت حي الكرادة في بغداد يوم الاحد في الثالث من الشهر الجاري، والتي راح ضحيتها اكثر من مئة شهيد.
قبل الجريمة بيومين، اي يوم الجمعة في الاول من الشهر كتب «جاسر عبد العزيز الجاسر» في صحيفة الجزيرة السعودية مقالا بعنوان « أهالي الفلوجة يستغيثون من اجتياح الحشد» يقول فيه: «مدينة الفلوجة التي تواصل إرسال نداءاتها واستغاثاتها إلى رئيس الحكومة حيدر العبادي» وينسب لقائد مقام الفلوجة وحاكمها الإداري عيسى العيساوي «أن أهالي المدينة ومن تبقى منهم يعيشون رعباً حقيقياً، وأنهم إضافة إلى الجوع والسكن في العراء يواجهون عدواناً آثماً من عناصر الحشد الشيعي الذي يقودهم هولاكو الحشد هادي العامري».

اما سالم بن احمد سحاب فكتب لصحيفة المدينة السعودية في نفس اليوم ايضا مقالا بعنوان : «الميلشيات الطائفية: وجه داعشي آخر» اطلق فيه نداء الاستغاثة الطائفية قائلا : « لستُ أعلم متى يعي العاقلون حول العالم حجم المؤامرة على إخواننا في العراق والشام؟ والله إنه لمكر لتزول منه الجبال، ويعجب منه إبليس، ويستعيذ منه حتى هولاكو وجنكيز خان! اللهم تولَّ أمر إخوتنا، واحفظ عليهم أمنهم وحرماتهم وبيوتهم وأموالهم».

جاسر عبد العزيز الجاسر الانف الذكر عاد وكتب بعد يومين، اي في نفس اليوم الذي وقعت فيه جريمة حي الكرادة ( صدرت الصحيفة صباحا وعادة يكون الكاتب قد قام بإرسال مقالته قبل يوم من الصدور) في نفس الصحيفة مقالا بعنوان:« تفكيك ميليشيات الحشد الشيعي» خاطب فيه بكل صلافة ووقاحة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بان « يأخذ في الاعتبار حماية وأمن ومصير نصف العراق الآخر، من العرب السنة الذين يتعرضون إلى ما يشبه الإبادة على أيدي مليشيات الحشد الشيعي».

واذا عدنا الى يوم الخميس، اي قبل ثلاثة ايام من جريمة حي الكرادة، لوجدنا هذه المرة ان من يحرض ويسوق للكراهية والقتل هذه المرة ليس مجرد اعلامي سعودي بل وزير خارجية المملكة نفسه، اعني عادل الجبير. فقد عنوت الصحف المحلية كلام الجبير عن الفلوجة. فصحيفة عكاظ عنونت : «الجبير يطالب بتفكيك الميليشيات الشيعية في العراق» حيث قال الجبير بحسب نص الصحيفة:« طالب وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أمس (الأربعاء) في باريس بتفكيك الميليشيات الشيعية التي تقاتل إلى جانب الجيش العراقي ضد تنظيم داعش». اما صحيفة الحياة فقد نشرت مقالة «لعبد الوهاب بدرخان» بعنوان :« إيران و (حشدها) في الفلّوجة: نموذج لإعادة إنتاج الإرهاب» قال صاحبه فيه :« لكن، أي رسائل بُعثت وتُبعث من خلال عمليات «التحرير»، وهل تختلف إذا كان «داعش» مرسلها أو أي طرف آخر؟ أولى الرسائل أن مصير المدن هو الدمار، والثانية أن مآل أهلها المهانة، وثالثتها أن مَن يحرّرها ويحرّرهم هم الذين تسبّبوا أصلاً بوجود «داعش» واستفادوا من دخوله في الذهاب ويستفيدون من إخراجه في الإياب».

هذه نماذج قليلة جدا مما تناوبت الصحافة السعودية على نشره منذ انطلاق عملية تحرير الفلوجة. لم نر هذا الحجم من العويل على «اهالي الفلوجة» عندما قام داعش باحتلالها، ولعل البعض لم ينس ان هذه الصحافة قد اطلقت على داعش عند احتلاله لاجزاء من العراق اسم «الثوار».
ان قيام المملكة السعودية بالاعلان عن تجريم بعض المنتسبين الى تنظيم داعش لا يبرئ ساحتها، ويكفي النظر الى عدد سنين السجن لمن يتهم بالعمل مع التنظيم والى نوعية القضايا ليدرك ان الجرم هو العمل على اراضي المملكة. وبكلمة اخرى: ان توصيف الداعشي بالمجرم يكون اذا ما ثبت انه يعمل على اراضي المملكة، اما العمل خارجها وضمن توصيات «ولي الامر» فلا يعد جرماً ولا يحاسب عليه القانون.
ان الجريمة التي حصلت في الكرادة وفي غيرها من المناطق العراقية وغير العراقية هي جريمة يرتكبها ال سعود بالتواطؤ مع الوهابية وجميع فروعها القاعدية والداعشية. ان داعش في جريمتها في الكرادة لم تفعل سوى انها لبت نداء استغاثات آل سعود وصحافتهم في قتل ابناء العراق. ويبقى القرار النهائي للعراقيين انقسهم ان كانوا يقبلون بوجود سفير للمملكة السعوداعشية على اراضيهم.

====