تعز العز

لافروف وكيري والدرس القاسي لأردوغان .. والسبب بيكر هاملتون ” القراءة الأولى لأحداث تركيا “

جميل أنعم

 

بعد فشل كل الطرق لإسقاط النظام السوري وجعله تابعاً للسياسة الأمريكية بحروب الوكالة عن طريق التنظيمات التكفيرية، واختبار إمكانية الحسم بالحرب المباشرة حين أتت الأساطيل الأمريكية للمتوسط لتوجيه ضربة لسوريا، تحت ذريعة الكيماوي، جاء الرد صاعقاً بإنزال صاروخين أمريكيين تجريبيين أطلقا باتجاه سوريا بصاروخين روسيين، وإعلان “فلادمير بوتين” بأن قواعد الرصد والمتابعة للصواريخ الباليستية في العالم الموجودة في سيبيريا تم تشغيلها وربطها بالدفاعات السورية، وأن سوريا أعطيت كل الأسلحة اللازمة للدفاع عن نفسها من الأس 300 إلى صواريخ الياخونت أرض بحر، قرر الأمريكي العودة وحفظ ماء الوجه بتفكيك السلاح السوري الكيميائي، والتي أبدت سوريا إستعدادها عن التخلي عنه منذ عام 1997م، فلديها ما يغنيها عنه .

بدأ تقرير بيكر هاملتون والذي أصدره نخبة الديمقراطيين والجمهوريين في مطلع عام 2006م، يأخذ مكانه بالإعتماد كسياسة أمريكية متبناه، حيث يدعو هذا التقرير الإدارة الأمريكية إلى إعادة النظر في سياساتها المتبعة في المنطقة، ويرسم طريقاً جديداً للحل الشامل لكل أزمات المنطقة التي تسببت بها أمريكا وعجزت عن حسمها، والانخراط بالتفاهمات قبل أن تتصدع الولايات المتحدة وتجد نفسها نادمةً على مقامرات غير مضمونة النتائج، فكان الاتفاق النووي الإيراني لعجز الحسم العسكري من جهة، ومن جهة تقييد تطور إيران النووي قبل أن تصل لنسب تخصيب تسمح لها بتصنيع قنبلة نووية .

يعلم الأمريكي اليوم أن إمكانية الحسم في أي ملف لا تتجاوز أي نسبة، ولو كانت هنالك فرصاً للحسم لأستخدمها قبل التوقيع على الملف النووي الإيراني، وبدأت عملياً نظرية بيكر هاملتون بالتطبيق في كل الملفات، وبعد مجيء الأساطيل الروسية إلى سوريا، أصبح الأمريكي يعلم أكثر من أي وقت مضى أن مناورات حلفائه التركية والإسرائيلية والسعودية لا تتعدى كونها ألعاب صبيانية لن تقدم ولن تأخر في أي ملف، لكنها ضجيج يفيده في أي مفاوضات ليكسب أفضل ما خسره .

وعلى هذا الأساس ومتغيرات الأرض في سوريا والعراق فإن حظوظ حلفاء واشنطن بدأت بالانحسار، وأصبح الجيش العربي السوري والجيش العراقي ومن ورائهما الجيش الأحمر الروسي والحشد العراقي وحزب الله اللبناني عازمين على إنهاء حقبة داعش وجبهة النصرة في سوريا والعراق، ولم يكن لدى الأمريكي أي خيار آخر سوى الانخراط في هذه الحرب، حتى لا يتم إقصاء كل أتباعهم في سوريا، وإيجاد مساحة وإن كانت ضئيلة في حكومة يتم التوافق عليها .

يدرك الأمريكي هذا منذ إنسحاب أساطيله من عرض المتوسط، لكن حلفائه لم يستوعبوا ذلك، وتم منحهم أشهر في سبيل تغيير هنا أو هناك، من ضمنها فرصة التحالف السعودي والذي كان برسم السعودي سينجح في أيامه الأولى في اليمن ليتجه للحسم في سوريا، لكنه دخل مستنقعاً إلى اليوم وما زال لا يريد الاعتراف بالفشل والهزيمة، في المقابل كان أردوغان مستميتاً في حربه على سوريا ولم يكن ينوي إيقاف الدعم عن الجماعات التكفيرية، ولم يكن ينوي إيقاف تبني هذه الجماعات، أو إيقاف تدفقها من الحدود لخراب سوريا، حتى بعد قرصه بعدة تفجيرات في بلاده .

ظل الوضع معلقاً كذلك، حتى نجحت الدبلوماسية الروسية في إثبات عدم تبعية جبهة النصرة لما يسمى بالمعارضة السورية لعدم إلتزامها بوقف إطلاق النار، فأصحبت كل جماعة لا تلتزم بوقف إطلاق النار يتم معاملتها كـ “داعش” .
وأصبح الأمريكي أمام خيارين لا ثالث لهما، الأول مستحيل، وهو أن يقف متفرجاً على الجيش العربي السوري يشرع بالقضاء على الجماعات التكفيرية، ومنها سيرى انتصاراً كاملاً لصالح سوريا وحِلفها وهزيمة ساحقة منكلة لهُ ولحلفائه، أو يستمر في دعم هذه الجماعات التي فقدت فاعليتها وولى زمان الاستعانة بها، وأن حالة الإتحاد السوفييتي كانت استثنائية لا يمكن تطبيقها على سوريا لإسقاط الدولة .

والخيار الثاني الإجباري أن ينخرط في هذه الحرب بمعية سوريا وروسيا ضد الإرهاب، ومنها سينجح بإدخال جماعة ما تسمى بالمعارضة بأي توافقات سورية مهما كان تمثيلهم محدوداً، بإعتبارهم محررين لأراضي سورية كانت بقبضة داعش.

وليس هذا المكسب المرجو من ذلك، بل الهدف الأهم هو القضاء على هذه الجماعات واستخدامها ورقة رابحة للحزب الديمقراطي يقدمها للشعب الأمريكي “قضينا على داعش” للترويج للحزب الديمقراطي في الانتخابات الأمريكية القادمة .

ومن هنا بدأ كيري ولافروف بالاتفاق على إنهاء حقبة داعش وجبهة النصرة من سوريا والعراق، ولم يكن للأمريكي سوى أن يكون جدياً في ذلك، والبدء عملياً بالإطاحة بأي عقبات تقف أمام تحقيق ذلك، وكانت العقبة الأكبر هي الحدود التركية، والتي ما زال السلطان “أردوغان” يعيش أوهام الخلافة، ويحلم كل ليلة بالصلاة بالمسجد الأموي بدمشق، فتمت الحلاقة له بساعات وسيطر الجيش التركي على المرافق الحكومية والتلفزيون … إلخ، وكادت حقبة أردوغان أن تنتهي لصالح الانتخابات الأمريكية، إن لم يوافق على الشروط الأمريكية لإنقاذه من ورطة العمر .

وعلى بعد من تركيا في نفس وقت الحلاقة لأردوغان وفي واشنطن وعلى لسان “لافروف” أعلنها صريحة “موسكو و واشنطن اتفقتا على محاربة داعش والنصرة بلا هوادة” .. فكان الدرس القاسي لمقامر السلطنة أردوغان، درساً لن يعود بعده للمراوغة أو التفكير بعرقلة تطهير سوريا والعراق من داعش والجماعات التكفيرية، الورقة الرابحة التي لن يفرط الديمقراطيون بها، بعد غضب الشعب منهم بسبب إبرامهم للاتفاق النووي الإيراني وسلسلة إخفاقات أخرى، لإعادة ثقة الشعب بهم لانتخابهم من جديد .

وعلى هذا المنوال كل من يقف بوجه الحرب على الإرهاب في سوريا والعراق اليوم سيذوق درس قاسي من دروس لافروف وكيري، بما فيها السعودية وقطر وأي دولة أو جماعة تتجاوز الخط الأحمر لأقوى دولتين في العالم .

وحتى لا يشتبه البعض أقول أن الولايات المتحدة ليست صديقة لروسيا، وأن روسيا تعاني من عقوبات أمريكية مفروضة عليها، لكنها مصلحة مشتركة في لحظات حرجة، بعدما استنفذت الولايات المتحدة كل خيارات الحسم، ولم يعد في مقدورها سوى الانخراط بالتفاهمات لتفادي الإقصاء والخروج من كل المعادلات بخفي حنين، حسب نظرية السيناتوران “جيمس بيكر” و “لي هاملتون” رئيسا كتلتي الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الكونغرس الأمريكي، ومع ذلك هذا لا يعني هزيمة الولايات المتحدة أو ضعفها، لكن الفترة والظروف التي تمر بها حساسة والمقامرة هنا تعني الوداع .

هذه كانت قراءة أولى للأحداث التركية من الخارج أما داخلياً أتركه لمقال قادم، إن شاء الله تعالى .

====