تعز العز

المستفيدون هم المرتكبون.. الإرهاب في نيس والانقلاب الفاشل في تركيا

عقيل الشيخ حسين

هناك اتفاق واضح بين المراقبين على أن الرئيسين، الفرنسي فرنسوا هولاند، والتركي رجب طيب إردوغان، هما في طليعة المستفيدين من الأحداث الدموية الخطيرة التي شهدها بلداهما خلال الأيام القليلة الماضية، أي عملية نيس الإرهابية والإنقلاب العسكري الفاشل في تركيا. إلى أي حد يدفع ذلك باتجاه الاعتقاد بأن الرئيسين هما في طليعة مدبري الحدثين الدمويين.

بالنسبة لفرنسا، يفترض بعملية نيس أن تترجم نفسها على شكل تقدم قد يحققه الحزب الاشتراكي في الانتخابات المقبلة.
إذا صح ذلك، ألا يصح أيضاً -في زمن أصبحت فيه الأخلاق مثيرة للسخرية، والفجور تعبيراً عن الذكاء، والاحتيال دليلاً على البراعة- أن ينحو التحليل نحواً شبيهاً بما يجري في التحقيقات القضائية حيث يكون السؤال الملكي : “من المسؤول عن الجريمة” هو ما يعين التحقيق على كشف الملابسات وجلاء الحقيقة ؟

مكسب انتخابي زهيد

والحقيقة أن أبرز الإجابات على السؤال هي التي تركز على أن المستفيد الأول من عملية نيس الإرهابية هو الحاكم الفرنسي نفسه .
بالطبع، لا مجال لثبوت مثل هذه التهمة إلا بعد عشرات السنين، عند رفع الحظر على المواد المصنفة “سرية للغاية”. اللهم إلا إذا ما كشف النقاب، من قبل بعض الفاعلين أو المطلعين، عن تفاصيل الجريمة، بفعل صحوة ضمير أو استجابة لأي دافع أخلاقي أو انتقامي.
وحتى لو لم يحدث ذلك، فإن مجرد التهمة هو تربة خصبة للإشاعة. والإشاعة من شأنها أن تنزع المصداقية عن المتهم وأن تسمم أجواء الثقة عند المواطنين بدولتهم. والأكيد أن ذلك لا بد له من أن يزعزع إلى هذا الحد أو ذاك أركان هذه الدولة. نتيجة ذلك واضحة : رئيس يقتل شعبه ويزعزع أركان دولته، المأزومة في الأساس، مقابل مكسب انتخابي زهيد.

خصوصاً وأن ما حدث في نيس يضاف إلى تراكمات الأعمال الإرهابية التي شهدتها فرنسا في السابق، ويقرب فرنسا خطوات من المآلات الكارثية المرسومة من قبل الأوساط الحريصة على نشر الفوضى البناءة في جميع البلدان التي قد تعيق تنفيذ المشروع الجهنمي الذي تعمل عليه تلك الأوساط.

شهية إجرامية
وكل ما قيل عن الحدث الفرنسي يمكن أن يقال عن الحدث التركي. انقلاب فاشل. لا يعلم أحد أي شيء عن كيفية تدبيره ولا عن الجهات الحقيقية التي قامت بتنفيذه. لكن الجميع يعلمون حق العلم أن إردوغان هو أول المستفيدين : ألم يتقمص صورة المخلص لتركيا، بعد أن سبق له أن ظهر بمظهر الزعيم الذي يرضي طموح الشوفينيين الأتراك إلى استعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية.

وبعد أن كان إردوغان قد نفذ انقلابات بيضاء مكنته من إقالة كبار حلفائه ومساعديه، سمح له الانقلاب الأخير بإقالة الألوف من القضاة والعسكريين بمن فيهم عدد من كبار قادة الجيش ممن يعتبرهم عائقاً أمام نهجه في السعي إلى احتكار كل ما يمكن احتكاره من السلطات.
وبصرف النظر عن الاتهامات المباشرة التي وجهت إلى إردوغان بتدبير الانقلاب بغية تدعيم مواقعه المهتزة، يبلغ الارتياب مداه الأقصى عندما نعلم أن آلاف المتهمين بالمشاركة في الانقلاب قد تم اعتقالهم بمنتهى السهولة في أماكن تواجدهم التي بدا وكأن أنصار إردوغان قد سمروهم فيها بأيديهم !!
والإشارة في غاية الأهمية إلى القرابة الوثيقة بين الشهية الإجرامية عند إردوغان والتنظيمات الإرهابية التي تتغذى على الفكر الوهابي والمال النفطي: شوارع المدن التركية تحولت إلى ساحات للانتقام بأبشع الأشكال من قطع الأطراف والرؤوس وبقر البطون إلى التمثيل بالجثث وإحراقها من قبل الجمهور الهائج في ظل دعوة إردوغان إلى النزول إلى الشارع والدفاع (يا للمسخرة) عن الديمقراطية!
والأكيد أن إردوغان يفرك يديه فرحاً لأن الانقلاب الفاشل (انقلابه الناجح) قد سمح له بإحكام قبضته ظاهرياً على تركيا. ولكن ما هو مؤكد أكثر بكثير هو أن تداعيات الانقلاب قد بدأت تعود على تركيا والشعب التركي بأفدح الأضرار.
كانت تركيا قد دخلت مرحلة اضطراب خطير منذ اللحظة التي كشفت فيها عن حقدها على سوريا والشعب السوري. لكن الانقلاب  وضع تركيا على شفير السقوط في حفرة بلا قرار.
وسواء تعلق الأمر بإردوغان أم بهولاند وأمثالهما من الميكيافليين المتعطشين للدماء، يتبين للعالم أجمع من هم الرؤساء الذين يقتلون شعوبهم حقاً وحقيقة. كما يتبين للعالم أجمع أن جميع الذين تآمروا على سوريا وغمسوا أيديهم في دمها يقفون في طابور واحد بانتظار مصيرهم الأسود.

====