تعز العز

الصحف الأجنبية: اتساع الهوة بين واشنطن وأنقرة

اعتبر باحثون أن الاحداث الاخيرة المرتبطة بتركيا تشير إلى حصول تحولات في السياسة الخارجية التركية وأن من شأن محاولة الانقلاب الفاشلة تعزيز هذا التحول الذي يشهد تقاربًا تركيًّا روسيًّا. وفي السياق نفسه، قال باحثون آخرون إن التهديد الذي يشكله المتطرفون داخل تركيا ربما يعزز عقب محاولة الانقلاب الفاشلة، فيما أشارت تقارير اهم الصحف الاميركية ان رد فعل البيت الابيض على الانقلاب الفاشل انما يثبت أن المصالح الاميركية تتطلب بقاء حكومة اردوغان في السلطة.

اتساع الخلافات بين تركيا والغرب

كتب الصحفي الباكستاني سلمان رافي شيخ مقالة نشرت على موقع “Asia Times” أشار فيها الى أن الاحداث التي تشهدها تركيا سيكون لها أثر كبير على سياستها الخارجية التي كانت تظهر مؤشرات حصول تحول قبل الانقلاب الفاشل.

وقال الكاتب إن حالة الاحتكاك بين تركيا والغرب من جهة والتقارب بين تركيا وروسيا من جهة انما كان مؤشرًا على حصول التحول، مضيفًا أن الهوة بين تركيا والغرب اتسعت بعد محاولة الانقلاب الفاشلة.

الكاتب نبّه الى أن خسارة تركيا لصالح روسيا ستعد بالنسبة للغرب نكسة جيوسياسية كبيرة اذ انها سترفع الحصار الذي بناه الغرب على معبر الغاز الروسي الى اوروبا الذي يمر عبر أوكرانيا، مشيرًا الى ان واشنطن كانت تعيق بناء أنبوب لنقل الغاز الروسي من اليونان يمر عبر تركيا.

كما أضاف الكاتب أن روسيا انما تدرك انها تحتاج تركيا من اجل تسهيل تدفق الغاز وأنها لن تعد بحاجة الى اوكرانيا في حال اصبحت انقرة “المحور الجنوبي” لنقل الغاز، وتابع أن تركيا ومن خلال إظهار استعدادها لتصبح “المحور الجنوبي”، فإنها بذلك تلبي حاجتها أيضًا في مجال الغاز. وعليه شدد على أن المصالحة بين روسيا وتركيا تتناسب مع المصالح الحيوية لكليهما في المنطقة.

الكاتب لفت الى أن أردوغان يأمل بمساعدة روسيا في منع انشاء دولة كردستان، وذلك وسط تقارير تفيد بأن الاكراد يقتربون من السيطرة على مدينة الرقة بدعم اميركي. وقال ان روسيا ليس لها اي مشكلة بمساعدة تركيا على منع انشاء دولة “كردستان” اذا ما اصبح التواجد الروسي في المنطقة اقوى من خلال ابعاد تركيا عن الغرب وحلف الناتو، وأردف أن تركيا لن تحتاج الى دعم “داعش” أو اي شبكة ارهابية أخرى في سوريا او العراق عندما تزول مخاوفها من انشاء دولة كردستان.

وقال الكاتب أيضًا أن تركيا أبدت استعدادًا للعمل مع إيران من أجل استقرار المنطقة وأن إيران ردت إيجابًا على ذلك، لافتًا الى أن الرئيس الايراني الشيخ حسن روحاني أجرى مكالمة هاتفية مع أردوغان بعد ثلاثة أيام من الانقلاب الفاشل وبحث معه آفاق السلام في المنطقة.

الكاتب تحدث عن “تحول دراماتيكي” في السياسة الخارجية التركية قال إنها ترتبط بتغيير مجال اهتمام اردوغان من الاقليم الى الداخل التركي، معتبرًا أن الرئيس التركي بدا يدير ظهره للاحلام العثمانية الكبيرة.
كما قال إن السياسة التركية الجديدة مبنية على عافيتها الاقتصادية التي هي أساس الثقل الذي تتمتع به البلاد في الشرق الاوسط، مضيفاً أن الاقتصاد التركي قد تراجع بشكل ملحوظ خلال الاعوام القليلة الماضية وان ذلك يعود جزئياً الى تورطها المباشر في الحرب التي تدور في سوريا والعراق.

الكاتب أشار الى أن التحول الاقتصادي الذي تريده انقرة لا يمكن ان يحصل دون سلام في المنطقة والذي يتطلب بدوره تعاونًا مع الرئيس السوري بشار الاسد، وأضاف “لهذا السبب بدأ اردوغان نهجًا تصالحياً تجاه الاسد”. كذلك لفت الى ما قاله رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الشعب الديمقراطي التركي بان هذا التغير حول من “الاسد العدو” الى “الاسد الشقيق”.

كما أشار الى أن “Baluken” يعتقد بأن المفاوضات السرية جارية بين تركيا وسوريا، وأن “رسالة اعتذار” رسمية ربما أرسلتها تركيا الى سوريا بغية اظهار مدى الجدية التركية بتغيير سياستا.

ولفت الى انه وفيما لو حصل مصالحة سورية تركية، فإن هذا سيشكل خسارة كبيرة للسياسة الاميركية في الشرق الاوسط التي تحتاجها تركيا من اجل استراتيجيتها، خاصة لجهة السيطرة على تدفق النفط والغاز الطبيعي في الشرق الاوسط.

 

 

تركيا قد تكون أمام خطر تكفيري متصاعد

كتب الباحث التركي في معهد واشنطن لشؤون الشرق الادنى “Soner Cagaptay” مقالة نشرت بمجلة “Foreign Affairs” أشار فيها الى أن السياسة الخارجية التي طالما اعتمدها الرئيس التركي رجب طيب اردوغان تستند إلى معاداة الغرب والعلمانية.

وقال الكاتب “نتيجة لذلك قام أردوغان باستدارة نحو الشرق الاوسط حيث لعبت دوراً محورياً في الحرب الاهلية السورية”، مشيرًا الى “علاقات انقرة بمجموعات مثل أحرار الشام التي لها علاقات بتنظيم القاعدة”، مضيفًا أن “أنقرة بالتالي غضت الطرف عن المقاتلين الاجانب العابرين الى سوريا من اجل محاربة نظام الاسد”، لافتًا الى أن هذا “الخليط الخطير من الاحداث” – الاسلاموية في الداخل، واستخدام الجهاديين لتريكا كنقطة انطلاق نحو سوريا، وصعود “داعش” في البلد المجاور – شجّع على حصول حالة راديكالية عند المواطنين الاتراك.

الكاتب وصف هذه السياسة بانها فشل كامل، إذ لم يتمسك الاسد بالسلطة فحسب، بل إن الراديكاليين الذين عبروا الحدود الى سوريا دون اي مانع من انقرة تحولوا الى ما بات يعرف اليوم بـ”داعش”.

كما أشار الكاتب الى انتشار الدعاية “الجهادية” على المواقع التركية والى ان “داعش” باتت مقبولة في بعض الدوائر، بما فيها احياء عدة في اسطنبول. ونبّه الى التقارير التي تفيد بان ما يزيد عن 2100 مواطن تركي قد عبروا الحدود الى سوريا من اجل الاتحاق بصفوف “داعش” وان تركيا اصبحت بالتالي رابع اكبر مساهم بالعناصر لداعش بعد تونس والسعودية وروسيا.

الكاتب تابع أن الانقلاب الفاشل في تركيا لن يؤدي سوى الى إضعاف الجيش التركي، الامر الذي سيكون له آثار خطيرة على امن البلاد. وأضاف أن هذا الانقلاب يشكل صفعة إضافية لتماسك الدولة المجتمع بوجه تهديد داعش، إذ إن الانقلاب الفاشل سيقوض دعم الحكومة والشارع لمؤسسة الجيش.

واعتبر الكاتب أن تركيا وكذلك الغرب سيعاني بشكل كبير من عدم تحرك اردوغان ضد الراديكالية الجهادية وضبط التطرف في الداخل وقطع العلاقات مع الراديكاليين في سوريا. وتحدث عن احتمال انتشار الراديكالية الى الاتراك الذين يعيشون في اوروبا في الوقت الذي تغض فيه اوروبا الطرف عن سياسات ارودغان المثيرة للمشاكل في الداخل، مقابل تعاونه في ازمة اللاجئين.

ونبه الكاتب الى أن الولايات المتحدة ايضاً تحتاج انقرة كحليف في معركتها ضد “داعش”، مضيفًا أن واشنطن يجب ان تحذر اردوغان قبل فوات الاوان من “سياساته الدينية” التي ساهمت بمشكلة الراديكالية. وشدد على أهمية ذلك خاصة بعد الانقلاب الفاشل، إذ أن أحد اسباب نجاح اردوغان ضد هذا الانقلاب هو انه قام بحشد قاعدته الشعبية الدينية المحافظة.

أوباما وضيق الخيارات في تركيا

صحيفة “نيويورك تايمز” نشرت تقريرًا أشار الى أن الاتصالات بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الاميركي باراك اوباما استؤنفت عقب الانقلاب الفاشل، وذلك بعد فترة سادتها أجواء تشبه القطيعة بين الرجلين.

ولفت التقرير الى ان أوباما وخلال الاتصال الهاتفي صباح الثلاثاء الماضي اعرب عن دعمه للرئيس التركي، معتبرًا أن ذلك يدلّ على الحقيقة الصارخة التي يواجهها البيت الابيض مع تركيا، وتابع ان اردوغان قد يشكل خيبة امل حاليًا لأوباما، لكنه يبقى أفضل من أيّ بديل آخر وهو جزء حيوي في الحملة ضد “داعش” وكذلك في قضايا محورية أخرى.

ونقل التقرير عن مسؤولين في الادارة الاميركية أن تركيا شهدت فترة طويلة من عدم الاستقرار وحتى الحرب الاهلية، فيما لو نجح الانقلاب، مشيرًا الى أن ذلك يمكن أن يجعل تركيا حليفًا لا يمكن الاعتماد عليه كثيرًا في الحملة ضد “داعش” بعد أن بدأ الاميركيون وحلفاؤهم استخدام قاعدة انجرليك لشن الضربات الجوية ضد الجماعة.

كما ذكر التقرير أن رئيس هيئة الاركان بالجيش الاميركي الجنرال “Joseph Dunford” اتصل هاتفيًا بالمسؤول العسكري التركي الجنرال “Hulusi Akar” حيث أفيد أن الجانبين اتفقا على مواصلة الشراكة العسكرية الوثيقة بين أميركا وتركيا.

كذلك نقل التقرير عن المسؤولين الاميركيين ان اوباما وخلال الاتصال الهاتفي مع اردوغان حث الاخير على مواصلة تركيزه على تهديد “داعش”، ورجّح أن يوجه اوباما أيّة انتقادات لأردوغان بشكل سري، مضيفًا أن هذا يعكس قلة الخيارات المتاحة لأوباما.

====