تعز العز

ماذا بعد قانون جاستا؟

اتهم اوباما قبل عدة أشهر السعودية بأنها تدعم جماعات إرهابية أوصل حينها فكرة للسعودية ان بلاده سوف تستخدم هذا الملف لابتزازها، الابتزاز هنا يعني أشياء كثيرة لم تكن واردة في حسبان بني  سعود فأمريكا بالنسبة للسعودية وبعض دول الخليج الحارس المتحكم واليقض منذ نشأتها، لكن ما لم تفهمه السعودية هو لماذا تتغير واشنطن ولماذا باتت هذه الأخيرة تعيد ترتيب أولوياتها في منطقة الشرق الأوسط!

يبدو واضحا ان كل ما أردته الولايات المتحدة الامريكية من السعودية ودول الخليج قد حصلت عليه خلال العقود الماضية، عندما يصل احتياطي امريكا من النفط يكفي لعقود قادمة بالاضافة الى تصاعد النشاط في برنامج النفط الصخري والطاقة البديلة فان حلقة من حلقات الحراسة الامريكية للسعودية تنفرط ذلك في الجانب الاقتصادي، سياسيا وعسكريا مالذي بقي لكي تقدمه السعودية بعد ان كانت شريك وممول للحرب الامريكية على الاتحاد السوفيتي، شريك وممول رئيسي للحرب على ايران ثمانينات القرن الماضي، شريك وممول لغزو امريكا افغانستان 2001م شريك وممول لحصار العراق ومن ثم غزوه 2003م شريك وممول للعدوان على سوريا منذ2011 شريك وممول للتدخل العسكري في ليبيا 2011 شريك رئيسي ومنفذ وممول للعدوان على اليمن 2015 لقد وصل استيراد السعودية لصفقات الاسلحة الامريكية الى الرقم الذي لا يمكن ان تقوم به دولة على الاطلاق هذه الخدمة التي لم تتوانى السعودية في تقديمها تجد الولايات المتحدة الامريكية انها قد اخدت نصيبها واضعاف اضعافه مقابل الدعم والحماية الامريكية في المقابل ثمة اولويات طارئة نتيجة فشل الاستراتيجية الامريكية في القضاء على خصوم هيمنتها في المنطقة وان ثمة تداعيات نشات بسبب هذا الفشل وهذا ما يجب ان تدفع ثمنه السعودية وليس واشنطن، ومن هنا يبدا المسار الثاني للعلاقة الامريكية السعودية.

قانون جاست بوابة ليس للتخلي الامريكي عن السعودية وانما تمهيدا لاستهدافها، وهنا لا تحتاج واشنطن ان تقوم بشي عملي ضد السعودية بل برفع الحماية فقط عن الاخيرة بعد دفعها لمعادات كل دول المنطقة، ونعود مجددا لتصريحات اوباما حول ان على السعودية ان تسعى لمعالجات خلافاتها في المنطقة في اشارة واضحة ان عليكم ان تدركوا ان واشنطن لن تعادي احد وفق سياساتكم وان عليكم وحدكم ان تدافعوا على انفسكم، هذه التصريحات صادمة بالنسبة للرياض في الوقت الذي تكبر التحديات امامها عسكريا وسياسيا، كل الخارطة العسكرية والسياسية تمضي في المنطقة باتجاه المكان الخطر والذي تتحاشاه ودفعت مليارات الدولارات لتغييره ومن المفارقة انها وضعت نفسها راس حربة في هذا الصراع ووصلت الى اوج تصعيدها العسكري.

هذا المنحى هل كانت تريده حتى واشنطن؟! لا مطلقا، لكن للمعادلات العسكرية احكامها، واشنطن اختارت ان تتخلى عن السعودية هنا بالتحديد وفاوضت روسيا في سوريا ولم تلتفت ابدا الى تداعيات ذلك على السعودية التي اشعلت هذه الحرب على نفقتها، فعلت واشنطن ذلك عندما فاوضت ايران لان المصلحة الامريكي تقتضي ان لا تستمر مرتبطة بالمخاوف السعودية وسياساتها الاكثر من غبية.

ثمة مسار اخر يحدد العلاقة الامريكية السعودية من الان وصاعدا ولربما هو سبب رئيسي في استعجال الشروع في استهداف السعودية بشكل رسمي اقتصاديا بعد دفعها لافتعال حروب واستنزافها عسكريا وسياسيا واقتصاديا وهو الادراك الامريكي ان هذه الاداة لم تعد قادرة على تغيير اي معادلة عسكرية وسياسية في المنطقة بعد فشلها في سوريا واليمن عسكريا وفشلها في لبنان والعراق سياسيا عبر مناوراتها الطويلة في هذين البلدين، اذ ان السياسة الامريكية كانت ستتغير اذا ما استطاعت السعودية ان تنتصر وتضع معادلة لمصلحتها في هذه الدول الاربع تحديدا، سوريا، العراق، لبنان، اليمن، يضاف الى ذلك ان واشنطن لديها هوس بتقسيم المنطقة ودون استثناء احد بما في ذلك السعودية، ومن هنا يتحدد مفهوم واشنطن لعلاقاتها بالسعودية كدولة فشلت في ان تكون اداة فاعلة في رسم الشرق الاوسط.

يقرا السعوديون اليوم التوقيت غير المناسب لقانون جاست اكثر من اي شي اخر فالسعودية تمر بضائقة مالية واقتصادية لم تعشها طوال مراحلها السابقة دفعتها لاتخاذ اجراءات تقشفية سعيا وراء التخفيف من هذه الضائقة، هذا التوقيت بالفعل كم هو موحي باللعنة الامريكية التي تدرك ان الانهيار الاقتصادي يعني انفراط التحالف السعودي الهش القائم على المال وبداية العزلة السعودية القريبة، الموقف المصري اكثر النماذج دلالة على ذلك فعلاقات الرياض والقاهرة ليست في احسن الاحوال بعد ان تبنت مصر الدفاع عن موقفها المؤيد للنظام السوري ودفع القضاء المصري لابطال والتشكيك في بطلان اتفاق جزيرتي تيران وصنافير. لن تشفى بما يجري على السعودية ولكن نذكرها بتحذيرات السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي حفظه الله والقادم بالتاكيد سيكون غير مبشرا ان لم يكن سيئا

بقلم / طالب الحسني