تعز العز

في عهد التقشف: السعودية تتشبه بـ “الكفار”

اعتماد التأريخ الميلادي في جميع شؤون الأمة من أعظم أنواع التشبه بالكفار” – الداعية السعودي عبد الرحمن البراك.

في تحوّل تاريخي منذ نشأتها، بدأت المملكة السعودية اعتماد التقويم الميلادي في معاملاتها وصرف بدلات ورواتب الموظفين، وذلك تطبيقاً لقرار أصدره مجلس الوزراء السعودي، خلافاً “للمنهج الذي سارت عليه الأمة الإسلامية باعتماد السنة القمرية”،  وفق تعبير أحد أبرز دعاتها عبد الرحمن البرّاك.

ظلّ التأريخ الهجري معمولاً به في في جميع مفاصل المملكة السعودية ومعاملاتها منذ نشاتها قبل نحو 86 عاماً، ولطالما استُفتي دعاة المملكة في مسألة اعتماد التقويم الميلادي، فكان الرد مجمعاً على النهي، أو اشتراط تقديم التقويم الهجري على الميلادي في حال الاضرار دون إلغاء الأول.

عام 2012، وفي معرض ردّه على مجموعة استفتاءات حول موضوع اعتماد التأريخ الميلادي يقول عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عبد الرحمن البراك: “لا يجوز اعتماد التأريخ الميلادي النصراني في تقويم الدولة على أنه التأريخ الرسمي، بل يجب أن يقرن به التأريخ الهجري مع تقديم الهجري عليه كما هو الحال عليه في تقويم أم القرى في المملكة العربية السعودية”.

فما الذي دفع السعودية إلى الانقلاب على آراء دعاتها؟ وكيف ستبرر المملكة تشبهها بـ “كفار” تبيح دماءهم باسم الديانة الوهابية؟

أنفقت المملكة السعودية ما في خزائنها على تفخيخ عقول أبناء المسلمين، من خلال إنشاء مدارس وجامعات لتصدير ثقافة التكفير. موّلت المملكة نفسها مشاريع القتل المتنقلة من أفغانستان إلى باكستان والعراق فسوريا، مروراً بلبنان، واليمن. أموال النفط تجاوزت نتائجها كل بلدان العالم الإسلامي، ولعله آن الأوان لمملكة تصدير الكراهية أن تدفع الضريبة.

في زمن العجز الاقتصادي السعودي المستفحل منذ ما يزيد عن عام، لم يعد هناك أي مفر من اعتماد سياسات التقشف.

وفق الحسابات المادية، فإنّ اعتماد “التقويم الميلادي… سيخسر كل موظف ما يقارب أجر نصف شهر من راتبه السنوي”، ما يوازي معدل نفقات يومية على الأجور والرواتب والبدلات في الموازنة السعودية بقيمة 1.315 مليار ريـال سعودي (350 مليون دولار).

ويحصل الموظف، بعد تطبيق القرار على راتبه الشهري في اليوم الـ 25 من كل شهر ميلادي، بدلاً مما كان متبعاً سابقاً في حصول الموظف على المرتب كل 25 يوماً من الشهر الهجري، إذ تنقص السنة الهجرية بنحو 11 يوماً عن الميلادية.

مصادر سعودية أخرى تضع قرار مجلس الوزراء السعودي في سياق القرارات التدريجية للالتحاق بالسوق العالمي ومواكبة التطور وتسهيل التواصل الاقتصادي مع العالم الخارجي، وتدعم رأيها بالتذكير بقرار صدر عن الملك السعودي السابق عبدالله بن عبدالعزيز بتغيير أيام العطلة الأسبوعية في المملكة إلى يومي من يومي الخميس والجمعة إلى يومي الجمعة والسبت.

وبالنظر إلى المبررات المطروحة سعودياً لتبرير القرار الحكومي، نعود إلى رأي البرّاك، في معرض رده على سؤال: هلّ يسوغ صرف المرتبات بالأشهر الميلادية الشمسية بحجة توفير أحد عشر يوماً في السنة ؟
يجيب الداعية السعودي: ” لا يجوز صرف المرتبات بالأشهر الشمسية إلا إذا كانت العقود مكتوبة على أساس الأشهر الشمسية، ولا ينبغي ذلك إلا مع من لا يعرف إلا الأشهر الميلادية الشمسية، أما إذا كانت مكتوبة على أساس الأشهر القمرية، فإن صرف المرتبات بالأشهر الشمسية ظلم للموظفين والعاملين للفارق بين السنة الشمسية والقمرية وهو أحد عشر يوماً.”

يخالف القرار الحكومة صريح فتوى الداعية الوهابي، لا عقود الموظفين في المملكة كُتبت على أساس الأشهر الميلادية، ولا حتى هؤلاء ممن لا يعرفون إلا الأشهر الميلادية. ولكن ماذا عن ظلم الموظفين والعاملين الذي يسوّغه القرار الحكومي؟

وماذا سيكون الرد على صريح قول البرّاك بأن “اعتماد التأريخ الميلادي في جميع شؤون الأمة من أعظم أنواع التشبه بالكفار”؟

تحكم المملكة السعودية مؤسسة دينية متحالفة مع مؤسسة دينية على قاعدة أرساها حلف المحمدين “محمد بن سعود” و”محمد بن عبدالوهاب”،  يمثل الأول القوة والحماية العسكرية فيما يمنح الثاني  حكم “ابن سعود” الشرعية الدينية. ظل التحالف قائماً، يحكم آل سعود سياسياً،ويمنحهم آل الشيخ (أحفاد محمد بن عبدالوهاب) الشرعية الدينية.

لن يحتاج أمراء المملكة وكُتاب صحفها إلى تبرير القرار الحكومي لجمهور تربى على حرمة اعتماد التأريخ الميلادي، لقد أصدر مجلس الوزراء السعودي برئاسة الملك قراره، ليأتي الدور على مفتي المملكة عبدالعزيز آل الشيخ، لتشريع اعتماد التقويم الميلادي، وبالتالي تشريع “التشبه بالكفار”، لايجاد مبرر “شرعي” يسوّغ الظلم الواقع على موظفي المملكة.

 

المصدر / قناة المنار (بقلم /إسراء الفاس)