تعز العز

فيزا احتلال البلدان..

يؤكد تاريخ أداء مجلس الأمن وقراراته أنه بمثابة فيزا لتدمير واحتلال الدول العربية ابتداءً من فلسطين، ومروراً بالعراق وسوريا وليبيا، وصولاً إلى اليمن. تلك القرارات بمثابة الفيزا والتأشيرة، أما الجواز فهو ذريعة من داخل تلك البلدان، وفي العادة يكون الدور للعملاء والخونة وبائعي أوطانهم. مع ظهور مصطلح “الشرق الأوسط الجديد”، كانت الفوضى الخلاقة هي البوابة، بعد أسلحة الدمار الشامل العراقية، وجاء البوعزيزي في تونس، وما تلى ذلك من ظهور “الربيع العربي”، الذي تؤكد الشواهد أن المخابرات الصهيوأمريكية هي من أدارته بكل تفاصيله. ومع وصول مرحلة استهداف اليمن، وإن كان بشكل مبكر، إلا أن ملامح الترتيبات النهائية ظهرت بتسارع زادت وتيرته بعد فشل الإبقاء على حكم هادي والإخوان في صنعاء، وانفراط عقدهم، وتشريد مراكز قواهم، والقضاء عليها تماماً في الشمال، وانتقال مشروع تنقية اليمن من شوائب الأيدي الخارجية والارتهان إلى عدن، وما تبعها من أحداث، وصولاً إلى التدخل العسكري المباشر الذي تصدرته السعودية، وظهور الإمارات بعد ذلك… وإلى اليوم. المتفحص لسلسلة المواقف، سواءً للأطراف المباشرة في العدوان، أو الجامعة العربية، أو الموقف الدولي، بما فيه بعض الدول ذات الثقل السياسي الكبير، يلحظ تسويقاً عجيباً غريباً لفكرة استهداف الملاحة البحرية رغم نفي الجيش اليمني لذلك وعلى لسان متحدثه الرسمي. ومن اللافت أن الإمارات بعد استهداف السفينة الحربية “المستأجَرة” ولابد من التركيز على لفظة “مستأجرة”، من أكبر قوة عسكرية حربية في العالم، وهي الولايات المتحدة، جاء البيان التالي يتحدث عن سفينة مدنية تحمل مساعدات لليمن؟؟! ولأن السفينة، باعتراف الإمارات نفسها والأمريكان بعد ذلك، وقبل هذا وذاك تأكيدات المخابرات اليمنية وتوثيق الاستهداف، فإنه من غير المعقول أن يقبل اليمنيون بهذه السفينة على مياههم الإقليمية، خاصة في ظل وضع الحرب والعدوان والحصار! ولا ندري سر الموقف من استهداف سفينة حربية اخترقت المياه الإقليمية اليمنية في ظل وضعية الحرب، بالإضافة ـ أيضاً ـ إلى أن البارجات التابعة للعدوان، سواءً المملوكة للسعودية والإمارات أو المستأجرة، قصفت كل مناطق اليمن بصواريخ موجهة عبر الأقمار الاصطناعية، وارتكبت المجازر دون أن يرف لها جفن، ولم نسمع أياً من الدول المتباكية على السفينة الإماراتية أي موقف!! ولماذا بالذات أثار حفيظة العدوان استهداف السفينة “سويفت” وقد تم قبلها إحراق وإغراق نحو 10 بارجات وعدد من الزوارق؟ والإجابة الشافية الكافية، هي أن لعبة الأمريكان تكشفت أكثر، ومخطط احتلال السواحل اليمنية والاستيلاء على الممرات المائية في باب المندب وخليج عدن هو الهدف ومحور الاهتمام.. ولو عدنا للتاريخ سنجد أن بريطانيا احتلت جنوب اليمن لأجل ماذا.. الموقع لا غير؟! ولا يمكن بأي حال من الأحوال إغفال أحقية السيادة اليمنية على مضيق باب المندب، الذي يعبر منه ما يقارب ثلث إنتاج العالم من النفط يومياً، بالإضافة إلى مئات البارجات البحرية، وبالتالي الاستفادة، اقتصادياً، منه لصالح الدولة اليمنية. بالعودة إلى بداية عقد التسعينات من القرن الماضي، تم نقل ملكية باب المندب، وفقاً لقرار دولى من مجلس الأمن الذي يحب اليمن، إلى ممر دولي ومنفذ إقليمي، وبالتالي ربما ضمنت دول الاستكبار، ولو لسنوات، شرعية تواجد سفنها هنا، وما ظهور مسلسل القراصنة إلا ذريعة لتعزيز التواجد والهيمنة لا أكثر!! لكن الغريب، فعلاً، هو استخدام قوى العدوان، وخاصة الدولتين الرئيستين السعودية والإمارات (الأخيرة ظهرت أنها الأكثر ضرراً وتنفيذاً لمشاريع التفتيت والتقسيم في اليمن) واستئجار الجيوش والأسلحة والقطع البحرية في سياق تنفيذ المخطط الخبيث! استأجرت دول العدوان شركة القتل الشهيرة الأمريكية (البلاك ووتر)، وعندما فشلت تم استقدام شركة منافسها لها في المهمة هي (داين جروب)، وصولاً إلى ظهور سفينة “سويفت” المستأجرة من الأمريكان! ومن المهم التركيز على تساؤلات مَنْ هذه الشركة المؤجِّرة، ومن هي الدولة المستأجرة؟ وهل الإمارات – فرضاً – غير قادرة على شراء قطعة بحرية مماثلة وقد دخلت حرباً بهذا الحجم؟!! نحن نعرف أن المستأجر هي دول العدوان متمثله بإمارات أولاد زائد ومكتوم، أما المؤجر فهي، بالعادة، شركات أمريكية وبواسطة صقور واشنطن والبنتاغون.. وتجدر الإشارة، في السياق، إلى أنه ربما تم الانتقال إلى تجريب مرحلة أخرى من الحرب بعد الخسارة والفشل الذريع براً، وانشغال المملكة بحدودها جنوباً، حيث يلقنها الجيش اليمني واللجان أقسى الدروس، وعرّاها وجيشها وهيلمانها أمام العالم، والتقارير تتحدث عن ذلك حتى من حلفاء الجارة الكبرى ذاتها. ويمكن الوصول إلى سيناريو ما يحدث، على أنه بعد الفشل البري، أقدمت دولة الإمارات على استئجار السفينة الأمريكية (بإيعاز من واشنطن وبيع وهم الانتصار وتطبيق سيناريو العراق) على استئجار السفينة. وعوداً على بدء، فإنه من المهم بعد تصريحات أمريكية وأممية لافتة عن كون السفينة ليست مدنية وأن استهدافها لا يعني استهداف الملاحة الدولية، يخرج مجلس الأمن ببيان يدين استهداف السفينة الإماراتية، مع العلم أن روسيا استملت الرئاسة الدورية للمجلس!! وهنا يظهر مجلس الأمن وأمريكا كلاعب أساس في العدوان على اليمن، وأن هناك مقايضات في الملفات الإقليمية بين الدول الكبرى، فعلاقة ما حدث من تصعيد في المياه اليمنية لا يبتعد كلياً عن تطورات ما يحدث في سوريا وحلب تحديداً.. بيان مجلس الأمن الصادر يوم الأربعاء 5 أكتوبر، يمكن قراءته بمثابة مبرر ومنح الذريعة لأي عمل يستهدف شواطئ اليمن وسواحلها من باب المندب وحتى ميدي.. والأيام ستظهر كل شيء. وهنا يمكن وضع التساؤل التالي أمام المنظمة الدولية (الأمم المتحدة ومجلس الأمن)… على بُعد كيلو مترات من مكان إحراق السفينة العسكرية الإماراتية، ارتكب العدوان مجزرة “سوق الهنود” في الحديدة، ومازالت دماء الضحايا في مجمع العزاء، لم تجف بعد، وتدمير أكثر من 100 منزل من منازل المواطنين البسطاء: لماذا لم تتمكنوا أن تنبسوا حتى ببنت شفه، وإن بتسجيل موقف، ولو حتى عبر المبعوث الأممي الذي أصبح مبعوثاً سعودياً أكثر منه أممياً؟!! قبل ذلك، سلسلة المجازر التي وقعت في المخا وقتل وجرح المئات من المدنيين معظمهم نساء.. هذه مجازر ارتُكبت بمدن ساحلية يمنية وضحاياها مدنيون أبرياء لا علاقة لهم بالحرب والشرعية والانقلاب!! أيهم أحق بالموقف والتنديد: سفينة حربية جاءت لتنفيذ مخطط غزو واحتلال، أم أرواح ومساكن البسطاء على طول الشريط الساحلي، الذي بدأت ملامح المجاعة تتوسع فيه يوماً بعد آخر؛ بسبب استمرار العدوان والحصار ومنع الصيادين من ممارسة نشاطهم؟! زيف.. وكذب.. ودجل.. ونفاق.. واحتلال.. وتدمير.. أنت يا مجلس الأمن.

بقلم/ عادل الأصبحي