تعز العز

“لن نركع”الإعلام المصري يقف بوجه السعودية

عبد الباري عطوان

 

لماذا يكرر كتاب مصر عبارة “لن نركع″ بكثرة هذه الأيام في إشارة الى السعودية؟ وما سبب غضب حكومتهم من رسالة الأمير محمد بن سلمان حول جزيرتي صنافير وتيران؟ ولماذا جاءت زيارة اللواء المملوك الى القاهرة في هذا التوقيت؟

عندما تسأل بعض الزملاء الصحافيين في مصر عن أسباب غضبتهم على المملكة العربية السعودية، وتكرار استخدامهم تعبير “لن نركع لغير الله” في الكثير من مقالاتهم، وعن هوية الجهات، أو الدول، التي تريد “تركيعهم”، لا يترددون في القول إنها السعودية التي تريدنا أن نكون اتباعا، وتتعامل معنا كمصريين بعقلية “الكفيل”، وليس كدولة تملك إرثا حضاريا يمتد لأكثر من 8000 عام.

المصريون يملكون كما هائلا من الاعتداد بالنفس، تصل إلى وصفها من البعض بالشوفينية، وحساسية هائلة تجاه الأشقاء الخليجيين، وما زالوا، أو نسبة كبيرة منهم، تنظر إلى دول الخليج على أنها أقل تطورا بالمقارنة بمصر، رغم أن واقع الحال عكس ذلك تماما.

الرئيس عبد الفتاح السيسي حاول في لقائه مع رؤساء تحرير الصحف المصرية الرئيسية ان ينفي وجود أي خلاف بين بلاده والمملكة، واتهم الاعلام وبعض وسائط التواصل الاجتماعي بتعكير الأجواء بين البلدين، وفعلا هدأت الحملات الإعلامية من الجانب المصري على الاقل، ولكن النار ما زالت تحت الرماد، وأكد لي أحد هؤلاء الزملاء في اتصال هاتفي “غير مسبوق” من القاهرة أن التوتر في العلاقات ما زال مستمرا، والأيام المقبلة ستشهد تصعيدا وخطوات مصرية قد تفاجئ الكثيرين.

الصحافي المخضرم مكرم محمد أحمد الذي يعتبر من الأكثر قربا من الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، وتولى مهمة كتابة مسودات خطاباته، وتوصف علاقته بالرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي بانها قوية جدا، بدأ جولة جديدة من انتقاد السعودية امس عندما ظهر في برنامج تلفزيوني، وفجر قنبلة تؤكد ان “إسرائيل ستتسلم المهام الأمنية في جزيرتي تيران وصنافير”، وكشف ان السعودية رفضت ثلاث مرات إيصال الغاز لمصر في بضعة اشهر، وانها أصرت على تنازلها، أي مصر، عن الجزيرتين قبل هبوط طائرة الملك سلمان في مطار القاهرة اثناء زيارته الأخيرة.

مصادر مصرية اكدت، ان ما لم يقله السيد مكرم ان الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي هو الذي تقدم بهذا الطلب في رسالة “قاسية” و”جافة” بعث بها الى الرئيس السيسي، وجرى التكتم عليها لإنجاح زيارة العاهل السعودي الرسمية للقاهرة، ولحاجة الخزينة المصرية الى الودائع والاستثمارات السعودية التي اكد انه ليس من بينها أي منح، وانها قروض وبنسب فوائد محددة، وفق المعايير المتبعة في الأسواق المالية العالمية وتتراوح بين 2 و3 بالمئة، وكان من الصعب بالنسبة الينا، التأكد من مضمون الرسالة التي اغضبت المصريين حكومة واعلاما.

السعوديون يقدمون هذه الودائع المالية التي اقتربت من 30 مليار دولار حتى الآن، ويتوقعون من مصر ان تقف في خندقهم السياسي وحروبهم الإقليمية في اليمن وسورية، وضد ايران على وجه الخصوص، التي تقف في الخندق المقابل مثلما تفعل دول عديدة أخرى، ولهذا استاءوا من موقف مصر في سورية الداعم للنظام، وتصويتها لصالح مشروع قرار روسي في مجلس الامن، مثلما استاءوا أيضا من “الغزل” المصري المتزايد لإيران، واللقاء بين وزير الخارجية سامح شكري ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، الامر المؤكد أن الغضب السعودي وصل ذروته عندما طلبت إيران حضور ممثل مصر لاجتماع لوزان حول سورية الأسبوع الماضي كشرط لحضورها.

احتجاج السلطات السعودية على هذا التقارب المصري مع كل من إيران وروسيا، وجرت ترجمته عمليا بوقف شحنات النفط التي تقدر بحوالي 700 ألف طن شهريا لخمس سنوات، رش الكثير من الملح على جرح العلاقات الملتهب، وتساءل الزميل الصحافي نفسه بالقول: “لماذا تحتج السعودية على تقاربنا مع ايران واي محاولة لإقامة علاقات دبلوماسية معها، ولا تعامل تركيا حليفتها وصديقتها بالمثل، وهي التي تقيم علاقات قوية جدا مع طهران، وزارها الرئيس رجب طيب اردوغان ورئيس وزرائه بن علي يلدريم قبل بضعة اشهر، وتم الاتفاق على زيادة التبادل التجاري بين البلدين الى اكثر من ثلاثين مليار دولار.. فلماذا حلال على تركيا وحرام على مصر؟، وواصل قائلا بغضب “إنهم يريدوننا أن نكون اتباعا”.

الزيارة التي قام بها اللواء علي المملوك رئيس جهاز الأمن الوطني السوري على رأس وفد كبير إلى القاهرة ولقائه مع نظيره المصري اللواء خالد فوزي، وبعد وقف شحنات النفط السعودي، وتصويت مصر لصالح القرار الروسي في مجلس الأمن ستوسع الشرخ حتما في العلاقات المصرية السعودية، ورغم أن الإعلان عن هذه الزيارة (ليست الأولى على أي حال)، جاء من الجانب السوري، وأن اللواء المملوك زار جدة قبل ذلك، إلا أنه سيكون من الصعب على القيادة السعودية “بلعها”.

اللافت أن الغضب السعودي على مصر وقيادتها الحالية بدأ يمتد إلى الحلفاء الخليجيين، وخاصة دولة الإمارات العربية المتحدة التي دعمت وبقوة ومنذ اليوم الأول الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس المنتخب محمد مرسي، فالزيارات “العلنية” المتبادلة بين المسؤولين في القاهرة وأبو ظبي باتت شحيحة في الأشهر القليلة الماضية، لان القيادة الإماراتية عندما تجد نفسها مخيرة بين الرياض والقاهرة، فإنها قطعا ستختار الأولى، وهذا ما يفسر القاء الإمارات بكل ثقلها خلف السعودية في حرب اليمن، وتقاربها الحالي مع تركيا الداعم الرئيسي لحركة الإخوان المسلمين المصرية، وهو التقارب الذي تمثل في زيارة الشيخ عبد الله بن زايد، وزير الخارجية الإماراتي، إلى انقرة والاستقبال الحار الذي حظي به في القصر الرئاسي من قبل الرئيس اردوغان، (استقبل كرئيس دولة).

صحيح أن السعودية أرسلت ملياري دولار الى الخزينة المصرية كوديعة لتسهيل اتفاق الـ13 مليار مع البنك الدولي، ولكن وقف امدادات الغاز والنفط السعودي (يقال إن الجنرال الليبي خليفة حفتر سارع بسد احتياجات مصر العاجلة منهما)، يؤكد أن الأزمة ما زالت مستمرة ومتفاقمة، والمدفعية الإعلامية المصرية الثقيلة تستعد لاستئناف القصف.

 

 

إشترك على قناة أخبار تعز للتلغرام وكن أول من يعلم الخبر فور حدوثه انقر هنا