تعز العز

كيف تحول المستعمرون -بكل إجرامهم- إلى أصدقاء ؟!

مرت في الأيام الأخيرة الممتدة بين أواخر تشرين الأول / أكتوبر وأوائل تشرين الثاني / نوفمبر ذكرى العديد من الأحداث التاريخية ذات الصلة بقضايا العرب الكبرى. من أبرز تلك الأحداث:

– ذكرى الرسالة التي وجهها، في الثاني من تشرين الثاني / نوفمبر 1917، وزير الخارجية البريطانية، آرثر جورج بلفور، إلى ليونيل دو روتشيلد، أحد كبار المتمولين الصهاينة في تلك الفترة،  ووعده فيها بدعم بريطانيا لفكرة إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. وبالفعل أسهمت بريطانيا بشكل فعال، بالتعاون مع بلدان غربية أخرى، وبالتواطؤ من قبل العديد من الحكومات العربية، في  إقامة الكيان الصهيوني عام 1948، بعد تدمير مئات القرى والتجمعات السكانية الفلسطينية وقتل وتشريد مئات الألوف من الفلسطينيين. وما زال الكيان الصهيوني يمارس عدوانه بأشكال مختلفة على الفلسطينيين والعرب حتى اليوم وسط تأييد مباشر، هذه المرة، من قبل أنظمة عربية في طليعتها النظام السعودي والعديد من الأنظمة الخليجية وغير الخليجية.

-ومنها ذكرى انطلاقة حرب التحرير في الجزائر في أول تشرين الثاني / نوفمبر 1954. وكانت فرنسا قد بدأت باحتلال الجزائر ونهبها منذ العام 1830، وذلك بعد قرون مديدة كانت فيها الجزائر العاصمة وسائر المناطق الجزائرية والمغاربية عموماً عناوين للازدهار الاقتصادي والثقافي. وقد ووجه الاحتلال بمقاومة شرسة من قبل الشعب الجزائري الأعزل (وصل عدد البنادق التي كانت بحوزة الثوار عند انطلاق الثورة عام 1954 إلى 400 بندقية، بينها بنادق يعود تاريخ صنعها إلى القرن السادس عشر). وبالطبع، وظف الفرنسيون الغزاة كامل حقدهم في قمع مظاهرات الجزائريين وانتفاضاتهم حيث قتل في احتجاجات 8 مايو / أيار 1945 وحدها ما يزيد على 70 ألف جزائري. كما لم يوفروا أي شكل من أشكال القمع، بما فيها الإبادات الجماعية للكثير من القرى والدساكر الجزائرية إضافة إلى الإذلال وانتهاك الأعراض وما الى ذلك. والجدير بالذكر أن الفرنسيين قد أجروا بالاشتراك مع الإسرائيليين تجاربهم الذرية في الصحراء الجزائرية على جزائريين كانوا يربطونهم بالحبال والسلاسل قبل  تفجير القنبلة الذرية غير بعيد عنهم. لكن جميع هذه الإجراءات لم تحل دون إلحاق الهزيمة بفرنسا وتحقيق الشعب الجزائري لحلمه في الحرية والاستقلال في العام 1962.

– ومنها أيضاً وأيضاً ذكرى العدوان الثلاثي على مصر في أواخر تشرين الأول، أكتوبر من العام 1956. وجاء هذا العدوان الذي شنته كل من فرنسا وبريطانيا والكيان الصهيوني رداً على تأميم قناة السويس في إطار السياسات التحررية التي اعتمدتها مصر أيام حكم الرئيس جمال عبد الناصر، خصوصاً وأن هذه السياسات قد هدفت إلى الارتقاء بمصر على جميع المستويات وإلى تعزيز التوجه نحو ترسيخ المشروع الوحدوي العربي ووضع ذلك في خدمة تحرير فلسطين ومقاومة المشاريع الاستعمارية التي كان السعوديون وأضرابهم يقومون على خدمتها بجميع الوسائل.
بالطبع، لم تقتصر سياسات العدوان الفرنسية والبريطانية والإسرائيلية، وهي السياسات التي أضيفت إليها سياسات الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، على ما ذكرناه. تكفي الإشارة إلى الغزو الأميركي للعراق وهو الغزو الذي تسبب بمقتل ما لا يقل عن مليون عراقي، إلى جانب ما ألحقه بالعراق والمنطقة من أضرار على المديين القريب والبعيد.

السؤال الكبير الذي يطرح نفسه الآن وبمنتهى الحدة هو حول هذا الانقلاب العربي في المواقف وخصوصاً في النظرة إلى القوى الاستعمارية المسؤولة عن هذا الخراب الذي يضرب العالم العربي ليس فقط منذ انطلاق ربيعه البائس، بل قبل ذلك بعقود من الزمن. ألم تكن الضربة التي وجهها عبد العزيز آل سعود إلى فلسطين وكامل الأمة العربية الإسلامية عندما تعهد للبريطانيين بـ “إعطاء فلسطين لليهود المساكين” أشد من تلك المتمثلة بوعد بلفور؟ ألم يضع عبد العزيز نفسه نفط الجزيرة العربية وأرضها وأموالها في خدمة مشاريع الهيمنة الصهيو-أميركية منذ اتفاق كوينسي بينه وبين الرئيس الأميركي وودرو روزفلت في العام 1945 ؟
إنه لمن غير المستغرب أن يتحول آل سعود وأضرابهم إلى أدوات في يد مشاريع الهيمنة الغربية والإسرائيلية ثمناً يدفعونه لقاء حماية عروشهم. المستغرب فعلاً هو أن شطراً من الشارع العربي قد نسي أو تناسى الحرص الدائم من قبل الحكومات الغربية والكيان الصهيوني على الكيد للعرب والمسلمين وعلى العمل بكل الوسائل من أجل إبادتهم جسدياً وروحياً.
نسي كل ذلك وبات لا يجد غضاضة في رفع أعلام فرنسا وبريطانيا وأميركا والكيان الصهيوني في التظاهرات، ولا حياءً يمنعه من تأييد التعاون المباشر بين السعودية وأضرابها ومنظماتها التكفيرية مع الكيان الصهيوني… ولا احتشاماً يحول بينه وبين ذرف الدموع الحارة حزناً على شخص من نوع شيمون بيريز… ولا خجلاً ينهاه عن مناصبة العداء لقوى التحرر والمقاومة في المنطقة.

عقيل الشيخ حسين

 

 

%d8%a7%d8%b4%d8%aa%d8%b1%d9%83