تعز العز

التصعيد الإسرائيلي في لبنان وسوريا إلى أين؟

مجدداً “اسرائيل” تشن غارات جوية  على سوريا، مستغلة انشغال الجيش السوري بالحرب الدائرة على أراضيها من قِبَل المتأمرين عليها من الدول العربية والغربية والمنظمات الإرهابية التكفيرية.
وضمن إطار السياسة الھجومية والاستباقية لـ “إسرائيل” التي أعلن عنها مؤخراً نتنياھو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، تأتي محاولة تل أبيب في منع وصول أسلحة متطورة و”كاسرة للتوازن” من سوريا الى حزب الله في لبنان.

فإسرائيل تنظر إلى الساحتين، السورية واللبنانية، كجبھة واحدة. استعداداتھا العسكرية والاستخباراتية وخططھا وتدريباتھا موجھة بنحو رئيسي إلى ھذه الجبھة بشقيھا. إلا أنھا، في المقابل، تدرك أنھا في مرحلة ما قبل الحرب، تملك إمكانيتين متناقضتين في الساحتين، قد تسمح لھا في الأولى أن تتحرك بما ليس متاحاً لھا في الساحة الثانية. فالساحة السورية، ونتيجة تعقيداتھا وانشغال الجيش السوري بمواجھة أعدائه فيھا، مكّنت” إسرائيل “من شن ھجمات، بين الحين والآخر، في معظمھا جاءت على ھامش الحرب السورية، وموجھة تحديداً لعرقلة تعاظم حزب الله العسكري النوعي، فيما امتنعت في لبنان، بعد محاولات عمدت إليھا في السنوات الماضية، واجھھا حزب الله بإرادة تفعيل القوة الموجودة لديه، وكادت أن تفضي إلى حرب، لا تريدھا ولا تقوى على تحمل تبعاتھا، فاضطرت إلى الانكفاء.

وتحت هذا المبرر لـ “إسرائيل” اندرجت الغارات الإسرائيلية مؤخراً على سوريا، التي أصابت مطار المزة العسكري في ضاحية دمشق، ھذه الغارة ھي الرابعة التي تقوم بھا “إسرائيل” بعد غارتين استھدفتا قافلة عسكرية على طريق دمشق –  بيروت، ومركزاً عسكريا قرب دمشق، إضافة الى غارة استھدفت موقعاً لـ”داعش”  قرب الجولان.

علماً بأن الغارات الإسرائيلية في سوريا تقلصت كثيرا منذ عام، وتحديدا منذ قدوم روسيا عسكريا ونشرھا طائرات في قواعد اللاذقية وطرطوس ومنظومة رادارات ودفاعات جوية متطورة وقيام “إسرائيل”  إثر ذلك بالتنسيق مع روسيا بھدف تقليل الاحتكاكات والمخاطر.
لكن السؤال هنا: ھل علمت روسيا بالغارات الإسرائيلية مسبقا وغضت الطرف، أم أنھا فوجئت بما حدث؟!

يجيب على السؤال الخبير الاستراتيجي الاسرائيلي عاموس ھرئيل بالقول: “لقد جاء الإعلان في سوريا عن الضربتين بعد ھدنة طويلة نسبيا في إصدار بيانات شبيھة. فقد مررنا بفترة ھدنة في الغارات، حصلت ارتباطا بأمرين: الانتشار والنشاط المتعاظمان لسلاح الجو الروسي شمال سوريا واشتداد التوتر بين موسكو وواشنطن حتى الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة. ويبدو أنه في ظل ھذه الظروف، قبلت “إسرائيل” أن تلجم نفسھا وتنضبط لفترة معينة. لكن فوز دونالد ترامب، الذي كان قد أعرب عن تقديره لروسيا ولا يبدي رغبة في القيام بنشاطات أميركية عسكرية في سوريا، قد يبشر بتخفيف العداء بين البلدين”.

ويضيف ھرئيل:”حسب المعطيات الرسمية لمنظومات الدفاع الروسية، فإن راداراتھا قادرة على رصد تحركات الطيران الإسرائيلي حتى داخل العمق الإسرائيلي، لذلك فإنه من غير الممكن ألا يكتشف الروس الطائرات المُغيرة”.
لكن ھناك قاسما مشتركا للتقارير عن الھجمات الأخيرة في سوريا بحسب مصادر مراقبة للوضع هناك وهي أن جميع الغارات تتم في منطقة دمشق، بجنوب سوريا، وفي ساعات الليل التي يخف فيھا نشاط سلاح الجو الروسي والطائرات لا تدخل المجال الجوي السوري بل تعمل من بعيد. وأقرب تفسير إلى المنطق ھو أن “إسرائيل” تحلل خريطة المصالح الروسية وتقرر العمل في حال كان الھدف مُلحا – مثل تجاوز الخطوط الحمراء التي وضعتھا كما قال وزير الدفاع – أو في حال تقديراتھا بأن العملية لن تتسبب في اصطدام مباشر مع الروس.
في “إسرائيل”، حرصت الحكومة ودوائرھا العسكرية على الصمت، كما في كل عمليات قصف كھذه. وتركت وسائل  الإعلام تتداول الأنباء الواردة من دمشق وبيروت حول الموضوع. وحتى وسائل الإعلام الإسرائيلية، التي أبرزت الأنباء بكل تفاصيلھا، اعتمدت في النشر على مصادر عربية وأجنبية، لكنھا أكدت بالإجماع أن الصمت الإسرائيلي لا يعني نفي ھذه الأنباء، مشيرة إلى أنه في كل مرة يتم فيھا قصف إسرائيلي على دمشق أو على قوافل حزب الله، كانت تل أبيب تمتنع عن الرد، وكان المسؤولون الإسرائيليون يتحدثون عن ھذا القصف في وقت لاحق مع غمزة عين وھم يقولون، “وفقا لمصادر أجنبية”.

ولاحظ المعلق العسكري لموقع “يديعوت أحرونوت” رون بن يشاي، أن “إسرائيل” قللت في العامين الماضيين من غاراتھا على قوافل لحزب الله بسبب أن سوريا لم ترسل في ھذين العامين قوافل تحمل صواريخ نوعية للحزب، وذلك لأن مصنع إنتاج ھذه الصواريخ في السفيرة كان بيد “داعش”، وقد استعاد الجيش السوري السيطرة على ھذه المنطقة مؤخراً، ما دفع “إسرائيل” للاعتقاد بعودة سوريا لإنتاج ھذه الصواريخ، وبالتالي إرسال كميات منھا لحزب الله.

وترتفع شبھات حول قصف قوافل عسكرية لحزب الله، بعدما تحدثت وسائل إعلام إسرائيلية في وقت سابق، وبينھا صحيفة “ھآرتس” في شھر تشرين الأول الماضي، عن أن الحزب “قد يحاول في ھذه الظروف إدخال سلاح متقدم إلى لبنان، بعضه من صنع روسي، الأمر الذي أعلنت إسرائيل في السابق عن اعتباره خطا أحمر”.

في” إسرائيل” ھناك قناعة بأن حزب الله أفلح في الحصول على صواريخ مضادة للطائرات متطورة من طراز “سام 22 ” وكذلك صواريخ “ياخونت”  أرض بحر. ولكن ما يقلق إسرائيل أيضا أن حزب الله حصل مؤخراً على صواريخ أرض – أرض متوسطة المدى ودقيقة الإصابة. وهذا ما دفع المعلق العسكري في صحيفة “ھآرتس” عاموس ھارئيل إلى التساؤل: ھل بعد ھذا يمكن القول إن روسيا تتفھم المتطلبات العاجلة لإسرائيل، وأنھا مستعدة لغضّ الطرف عن غارات كھذه، شرط أن تكون محدودة؟

وأوضح ھارئيل أن التوصل إلى وقف لإطلاق النار في سوريا أمر غير مبشّر في نظر” إسرائيل”. وكتب أنه: “رغم أن نتنياھو لم يقل ذلك صراحة، فإن خمس سنوات ونصف من الحرب الأھلية في سوريا كانت تطوراً استراتيجياً جيداً بالنسبة لـ”إسرائيل”، فالجيش السوري انھار، وفقد جزءاً كبيراً من قدراته العملياتية التي بُنيت في الماضي لمواجھة إسرائيل. والحرب تخلق استنزافاً وشللا متبادلا بين معسكرين معاديين لإسرائيل: إيران- سوريا وحزب الله من جھة، والمنظمات السنّية المتطرفة من الجھة الأخرى. وكلاھما غير متفرّغ حالياً للعمل بجدية ضد الجيش الإسرائيلي. ولھذا السبب فإن “انتصاراً بارزاً للمحور المؤيد للرئيس الأسد سيشكل نذيراً سيئاً لإسرائيل”.

مدير الأبحاث في مركز ھرتسليا شاوول شاي يرى أن:” الإنجازات العسكرية التي حققھا جيش الرئيس الأسد بفضل التدخل العسكري الروسي تمثل “نقطة تحول تاريخية” وتبشر بصمود نظام الرئيس الأسد. وكل ذلك يتطلب في رأيه إعادة بلورة قواعد اللعبة، وتوضيح الخطوط الحمراء التي سبق لإسرائيل أن وضعتھا لمنع انتقال أسلحة متقدمة وكاسرة للتوازن إلى حزب الله، وترجمة ذلك على الأرض، ومن غير أن يؤدي الى التدخل مباشرة في الحرب الدائرة في سوريا. وفي رأيه أن من الضروري أن تثبت “إسرائيل” أن الوجود العسكري الروسي في سوريا لن يمنعھا من التمسك بخطوطھا الحمراء والدفاع عن مصلحتھا الأمنية.

رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية ھرتسي ھاليفي أشار الى أن تنظيم “داعش” ضعف، و”الدولة الإسلامية” التي أقامھا تتقلص. ومع ذلك، شدد على أنه إذا ضعف “داعش” فتمتاز ايران وحزب الله  بتفوق في سوريا، وهذا لن يكون في مصلحة إسرائيل. وأشار الى أن حزب الله يبني قوة مقابل “إسرائيل”، ويجتھد للحفاظ على الجاھزية مقابلھا.”

وهنا يأتي السؤال عن سيناريو إسرائيلي للحرب المقبلة مع حزب الله؟
مؤخراً صدر تقرير إسرائيلي يشير إلى أن الحرب الإسرائيلية المقبلة ستخاض ضد منظمات “ھجينة” غير حكومية طورت قوة عسكرية تجمع ما بين تكتيكات العصابات والقوات المسلحة النظامية، وحدد حزب الله  وحركة حماس.
وحسب التقرير، يمتلك الحزب 150 ألف صاروخ وقذيفة، منھا العالية الدقة أو المزودة برؤوس حربية كبيرة تستطيع أن تصيب عملياً كل نقطة داخل إسرائيل. تؤدي إلى شل البنى التحتية مثل مطار بن غوريون. وللحد من الخسائر الإسرائيلية التي سوف تسببھا نيران حزب الله، ستلجأ إسرائيل إلى التدابير الدفاعية الفعالة كتحريك نظام “القبة الحديدية” إلى جانب الدفاع السلبي، مع اعتمادھا على التنسيق الفعال بين السلطات المحلية والحكومة، لأنه في حال وقوع الحرب سوف تجلي إسرائيل 14 مستوطنة تقع على مقربة من الحدود مع لبنان، بسبب ھجوم محتمل من قبل حزب الله على الأراضي الإسرائيلية.
وفي ظل ھذا التھديد تراجع “إسرائيل” ضربة استباقية، إذ بنظرھا سوف تتطور المواجھة إلى عملية واسعة النطاق تمتد من وادي البقاع وبيروت في لبنان على طول الطريق حتى النقب. وكرد على إطلاق صواريخ ضخمة ضد أھداف عسكرية ومدنية داخل” إسرائيل”، فإن الجيش الإسرائيلي سيشن ھجوما واسع النطاق على لبنان أرضا وجوا وبحرا، وسيركز الجيش الإسرائيلي على نحو 200 قرية وبلدة في جنوب لبنان حيث تنتشر الصواريخ، وسيعتمد على كثافة نيران عالية الدقة، خصوصا من سلاح الطيران.

في النهاية، الحرب ضد حزب الله في لبنان أو سوريا ستكون تحديا كبيرا لتل أبيب، ومع ذلك فإنه لا بد لمتخذي القرارات أن يدركوا أنھم يسيرون على حبل دقيق وعليھم الحذر. إن آخر شيء تحتاجه “إسرائيل” ھو التصادم المباشر مع روسيا، وخصوصا أن التراجع الأميركي عن التدخل في سوريا ترك موسكو قوة أساسية في فرض إملاءاتھا. كما أن الاعتداء على لبنان أو سورية لم يعد نزهة كما كان يحصل في الماضي، بل مواجهة مكلفة لا تستطيع “إسرائيل” أن تتحملها.

سركيس ابو زيد