تعز العز

تركيا .. بين لسعات عقاربها واسترضاء خصومها!

قبل حوالي ثلاثة اعوام، وتحديدا في شهر تشرين الاول-اكتوبر 2013 ، قال الرئيس السوري بشار الاسد في حديث لقناة تلفزيونية تركية “إنّ تركيا ستدفع غالياً ثمن دعمها للإرهابيين، وأنه ليس من الممكن استخدام الإرهاب كورقة لتلعب بها ثم تضعها في جيبك”، واصفا “الارهاب مثل العقرب الذي لا يترددّ في لدغك عندما يحين الوقت”.

والان تبدو مصاديق كلام الرئيس الاسد، الذي ربما قيل بنفس المعنى، ولكن بعبارات مختلفة، من قبل ساسة اخرين، كثيرة وواضحة وملموسة الى حد كبير.

ومنذ ان اتضحت مسارات السياسة الخارجية التركية ” الاردوغانية”، واخذت تتبلور ملامحها ومعالمها، منتصف عام 2011 ومابعده، حيال سوريا والعراق ومصر، راحت المشاكل والازمات تتصاعد وتتعقد وتتشابك، سواء في الداخل التركي، او مع قوى اقليمية ودولية عديدة.

فيما يتعلق بسوريا، فأن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، وضع خيارا واحدا لاغير، وهو الاطاحة بالرئيس السوري بشار الاسد، وبخصوص العراق راهن على اسقاط الحكومة التي كان يترأسها نوري المالكي، واعادة ترتيب الخارطة السياسية بطريقة طائفية “مقيتة”، تتيح لحلفاء واتباع انقرة من الساسة العراقيين ان يكونوا في الصدارة، ليجعلوا من العراق “سنجقا” عثمانيا تحت راية السلطان اردوغان. وبالنسبة لمصر القى اردوغان كل اوراقه في جعبة الاخوان المسلمين بعد تولي محمد مرسي زمام الحكم (24 حزيران 2012–3 تموز 2013). ومع روسيا ذهب بعيدا في تصعيده ضدها، حتى بلغ به الامر الى اسقاط احدى طائراتها العسكرية.

 

ناهيك عن خلافاته وصراعاته الداخلية مع خصومه السياسيين، من ذوي التوجهات الاسلامية، والقومية(التركية)، والقومية (الكردية). التي بلغت اخطر المستويات بعد الانقلاب العسكري الفاشل في منتصف تموز-يوليو 2016، بل ان خلافاته لم تقتصر على خصومه، وانما امتدت الى اقرب المقربين اليه في حزبه الحاكم، مثل الرئيس السابق عبد الله غول، ورئيس الوزراء السابق احمد داود اوغلو.

وفي الوقت الذي كان اردوغان يصعّد ويؤزم الامور مع مختلف الاطراف، كان يمد الخطوط مع الجماعات الارهابية المسلحة في سوريا والعراق، بأساليب ووسائل متنوعة، بحيث باتت تلك الجماعات، لاسيما تنظيم داعش الارهابي الورقة الرابحة له في حلبة الصراع، دون ان يضع في حساباته ان تلك الورقة يمكن ان تنقلب عليه، لتكون عقربا يلسعه، بعد ان اوجده ورعاه واحتفظ به في جيبه ليلسع به خصومه واعداءه.

تؤكد تقارير احصائية منشأها مراكز استخباراتية، انه خلال العامين الماضيين، كانت تركيا من اكثر الدول التي تعرضت لعمليات ارهابية مؤثرة، كما ونوعا، بسيارات مفخخة واحزمة ناسفة، واغتيالات.

وتشير التقارير، الى ان هناك اكثر من جهة تقف وراء تنفيذ لتلك العمليات، من بينها تنظيم داعش، وحزب العمال الكردستاني المعارض(P.K.K)، وربما جهات استخباراتية خارجية.

والنقطة الاخرى في التقارير الاحصائية المشار اليها، ان قسما لايستهان به من العمليات الارهابية استهدف العمق السياسي والاقتصادي والامني التركي، في انقرة واسطنبول، وان الاجهزة الاستخباراتية والامنية التركية وقفت عاجزة عن فعل شيء، لتأتي عملية اغتيال السفير الروسي  في انقرة، اندريه كارلوف، في التاسع عشر من شهر كانون الاول-ديسمبر الجاري، على يد ضابط في جهاز الشرطة التركي، لتعمق المأزق التركي، بعد الظلال الثقيلة التي القت بها عملية الانقلاب العسكري على المشهد العام في تركيا.

وبدلا من ان ينجح اردوغان في تحجيم واضعاف خصومه الداخليين، فأنهم باتوا اقوى في مقابل المزيد من ضعفه وارتباكه واضطرابه.

وبدلا من ان يدفع داعش بعيدا لضرب واشغال خصومه الخارجيين، وجده يعود اليه ليضربه بقوة اكبر مما يضرب هؤلاء الخصوم.

وبعد حوالي خمسة اعوام من السياسات الانفعالية المتشنجة، والمواقف المتسرعة، والخطوات المرتجلة، نرى ان اردوغان لم يعد يتحدث عن رحيل الاسد، بل ان اشاراته راحت تأخذ منحى اخر، ولكن على استحياء، لاسيما بعد ان تحررت مدينة حلب من عصابات داعش، وبات الاسد اكثر قوة وتماسكا.

ونرى ان اردوغان، الذي كان يصر على دور تركي محوري في معركة تحرير الموصل، ويدافع عن هذا الطرف العراقي، ويدين ذاك، اصبح يتحدث بلغة اخرى اكثر هدوءا وحكمة وعقلانية، بعدما وجد ان قواته في بعشيقة محاصرة، وعاجزة عن التحرك ولو خطوات قليلة يمينا او شمالا، ناهيك عن المشاركة في العمليات العسكرية.

ولغة اردوغان الجديدة تجاه العراق، عكسها رئيس الوزراء التركي علي بن يلدريم في اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بعد عمليات ارهابية استهدفت زوار اربعينية الامام الحسين عليه السلام، اذ قال مخاطبا العبادي “ان الهدف من هذا الاستهداف الدموي لاناس ابرياء يمثل تصعيدا للتوترات المذهبية وخلق حالة تفرقة في العراق وفي المنطقة، وان تركيا تجدد دعمها للعراق في حربه ضد داعش وتؤكد احترامها لسلامة واستقرار ووحدة اراضيه”.

وقد نسمع نبرة اكثر هدوءا وعقلانية بعد اغتيال السفير الروسي، تختلف تماما عن نبرة الاعوام الخمسة الماضية.

اما مع روسيا، فأنه منذ ردود فعل موسكو الحادة والقوية ضد اسقاط الطائرة العسكرية الروسية من قبل سلاح الجو التركي اواخر شهر تشرين الثاني-نوفمبر من العام الماضي، كان كل هم اردوغان استرضاء بوتين بأي ثمن، وشيئا فشيئا تحولت تركيا الى ما يوصف بالحليفة لروسيا، بيد انها في واقع الحال باتت تابعة اكثر منها حليفة، لاسيما بعد ان صدمتها بعض سياسات ومواقف واشنطن.

ولعل شهور قلائل من القطيعة الروسية مع تركيا، كانت كافية لترغم الاخيرة على فعل اي شيء لاصلاح ما خربته سياسات ومواقف اردوغان، الى الحد الذي اصبح ما تقوله وتمليه موسكو بشأن الملف السوري، لايواجه بجدل ونقاش كبيرين من انقرة.

ما هي المحصلة النهائية لتركيا بعد كل ذلك وغيره ؟..

-الرئيس السوري باق في وضع اقوى مما كان عليه قبل خمسة او ستة اعوام.

-حلفاء واتباع تركيا من الساسة العراقيين معزولين ومهمشين، والحشد الشعبي بات يمثل رقما صعبا ومؤثرا في معادلات الميدان.

-تركيا لاتفعل شيئا الا بموافقة روسيا، والخبراء الروس هم من يتولون التحقيق في ملابسات اغتيال السفير اندريه كارلوف في انقرة.

-حزب العمال الكردستاني المعارض، يجد ان فرصته مؤاتية اكثر من اي وقت مضى لتوجيه المزيد من الضربات للحكومة التركية، ونفس الشيء بالنسبة لمعارضي اردوغان الاخرين.

-واخيرا وليس اخرا، تنظيم داعش، راح يركز لسعاته لاردوغان اكثر من اي طرف اخر، ونقلت وكالة سبوتنيك الروسية عن خطيب جمعة داعشي من الموصل قوله “ان هناك اعمال ارهابية ستطال تركيا ودول الخليج”، وتوعد الخطيب الداعشي اردوغان (حاكم اسطنبول) بهزيمة الجيش التركي في مدينة الباب السورية”.

واذا صحت مثل تلك الاقوال والتهديدات، فأن حاكم اسطنبول سيجد نفسه مرغما على الاستعانة بالاسد وبوتين والعبادي وطهران وحزب الله والحشد الشعبي لمواجهة داعش، بعد ان كان يقف في المعسكر المقابل لهم!!.

المصدر: العهد ( بقلم /عادل الجبوري )

 

 

#تعز
#جرائم_داعش_في_تعز