تعز العز

العدوان على اليمن سيكون وبالا على السعودية (1/4)

ان الاسابيع القليلة التي تفصلنا عن استلام دونالد ترامب رسميا مهام الرئاسة الاميركية وتشكيل الحكومة الاميركية الجديدة تقتضي التحفظ الشديد في اي تحليل او رأي يتعلق بالاحداث الجارية في منطقة الشرق الاوسط بأسرها. ذلك ان كل السياسة الاميركية، التي اتبعت منذ اكثر من ربع قرن، ولا سيما السياسة الخارجية، على نطاق العالم بأسره، تخضع الان لاعادة نظر جذرية. ولا يستطيع احد التكهن منذ الان هل ستستمر الولايات المتحدة الاميركية في انتهاج الخط ذاته، او تغيير هذا الخط، وفي اي اتجاه، بالنسبة لاي قضية مطروحة، واي مشكلة ، واي منطقة او بلد.

ومع ذلك علينا النظر في اي حدث، او قضية، او مشكلة، بالمعطيات التي هي جارية بها الى الان.

الحرب السورية والحرب اليمنية

من هذه الزاوية وجب علينا ان نحلل طبيعة وآفاق الحرب اليمنية، مع المرور الالزامي على الحرب السورية للمقارنة، من جهة، وبسبب ترابط الأزمتين او الأصح الحربين، من جهة ثانية. وعلينا ان ننظر اولا  في الملاحظات التالية:

ـ1ـ اذا كانت الحرب الافغانية ترتبط بالافيون والهيرويين، فإن الحرب السورية، واليمنية (كالعراقية، والليبية، والسودانية، والمصرية، والكردية، والنيجيرية الخ) ترتبط كلها بالنفط وممراته الدولية.

ـ2ـ ان مراكز القرار والاجهزة الاعلامية والسياسية والمخابراتية والعسكرية لاميركا، وجميع حلفائها واذنابها الاوروبيين والعرب وتركيا واسرائيل والمنظمات المقاتلة الاسلاموية والمعارضات “الديمقرطية” السورية واللبنانية والعراقية الخ، كانت قد تهيأت على نطاق واسع، تحت شعار “الربيع العربي”، لشن هجوم كاسح ضد سوريا، وشق الطريق عبر الاراضي اللبنانية الى البحر، لتمرير الاسلحة الثقيلة وعناصر ووحدات الجيش الاسلاموي العالمي والقوات الناتوية، بكثافة، الى الداخل السوري، من جهة، ولتدمير واحتلال اللاذقية، وتطويق وخنق القاعدة الروسية في طرطوس، من جهة ثانية.

وكانت اميركا وحلفاؤها يأملون في السيطرة على حلب ومطارها وعلى مطار دمشق، ومن ثم الانقضاض على دمشق واسقاط النظام السوري بسرعة، كفيلم هزلي على طريقة اسقاط النظام الليبي. ومن ثم “تعتيم الكاميرات”، والشروع في تقسيم سوريا ولبنان، وذبح وطرد جميع المسيحيين والشيعة والعلويين والدروز من البلدين. واخيرا اقامة حلف عسكري متين بين امبراطورية عثمانية اردوغانية في الشمال ودولة اسرائيلية كبرى في الجنوب، تتوسطهما وتتحالف معهما دويلات (ولايات) عربية موالية للغرب، تمهيدا للانقضاض على  العراق وايران وعلى اليمن.

ـ3ـ ولكن صمود الجيش الوطني السوري، والدعم الذي قدمته الجمهورية الاسلامية الايرانية والمقاومة الوطنية الاسلامية اللبنانية بقيادة حزب الله، والدور الوطني الذي اضطلع به الجيش اللبناني وقوى الأمن على الارض اللبنانية، ومساندة المتطوعين الشعبيين العراقيين، ـ كل ذلك افشل هذا المخطط، وحال دون سقوط سوريا ولبنان في براثن هذه المؤامرة الجهنمية.

ـ4ـ واخيرا حدث ما لم يكن في حسبان القيادة الاميركية وحلفائها وهو التدخل الروسي لمساعدة الشعب السوري بطلب من السلطة الشرعية السورية.

وكان قادة المخابرات الاميركية والناتوية والتركية والسعودية والجيش الاسلاموي العالمي يعتقدون انه، في اسوأ الاحتمالات، اذا تدخل الروس، فإنهم سيتدخلون بشكل اساسي برياً لنجدة القوات الوطنية السورية. ولأجل استنزاف الروس واجبارهم على الانسحاب كما جرى سابقا في افغانستان للجيش السوفياتي، فإن الجيش الاسلاموي العالمي في سوريا كان مجهزا سلفا، وبكثافة، بالصواريخ والاسلحة المضادة للدبابات والآليات.

ولكن الروس خيبوا ظن المخابرات الاميركية واذنابها، ولم يأتوا من البر، بل جاؤوا، كالطير الابابيل، من الجو. وكانوا على درجة من “الذكاء” انهم لم يبلغوا الاميركيين بتدخلهم الا قبل دقائق من وصول طائراتهم وشروعها في القصف. وقد اعترف الجنرالات الاميركيون انفسهم ان الروس أبلغوهم قبل ربع ساعة فقط من وصول طائراتهم، اي أبلغوهم على طريقة “ابعدوا طائراتكم من طريقنا والا…”. وكان هذا الشكل للتدخل بحد ذاته يعني، اولا، عدم اعطاء فرصة للاميركيين لتبليغ “جماعتهم الاسلامويين” على الارض بأن يحتاطوا. ويعني، ثانيا، تمريغ العنجهية الاميركية في الوحل. وقد اعترف الطيارون الاميركيون انفسهم ان الاوامر وصلتهم وهم في الجو بأن يفتحوا الطريق امام الطائرات الروسية.

ولم تكتف روسيا باستخدام الطائرات من مطار حميميم قرب اللاذقية، بل واستخدمت الطائرات او القلاع الطائرة الاستراتيجية عابرة القارات المخصصة لحمل القنابل النووية، والتي قدمت من الأراضي الروسية مباشرة، كما استخدمت الصواريخ المجنحة المخصصة ايضا للقنابل النووية، والتي انطلقت من بحر قزوين، ومن البحر الابيض المتوسط الذي احتشدت فيه مختلف القطع الحربية والغواصات الروسية بالاضافة الى حاملة طائرات شاركت ايضا في القتال. وكان ذلك كله يمثل “رسائل” واضحة لاسرائيل والسعودية وقطر وتركيا والمنظمات الارهابية الاسلاموية المرتبطة بها في جميع الدول الاسلامية السوفياتية السابقة.

5ـ والان، بعد هزيمة حلب، من الواضح تماما انه قد بدأت نهاية تواجد قيادات وعناصر الجيش الاسلاموي العالمي على الارض السورية. ومصيرهم جميعا هو واحد من اثنين: اما الموت المحتم، او قبول “الاتفاقات السلمية” على الانسحاب والخروج من سوريا (الاجانب منهم والسوريون).

وفي هذه الحالة الى اين سينسحبون؟

ان اميركا وبريطانيا وتركيا والسعودية وقطر الخ، التي جاءت بهم، لم تعد تريدهم، لان الجميع يعرف ان هؤلاء المقاتلين الشرسين، الذين تركوا سابقا بيوتهم وعائلاتهم واشغالهم وجاؤوا للقتال في سبيل “الاسلام!” كما افهموهم اياه، فإن الدول التي جلبتهم قد خذلتهم الان ولم تعد تريدهم. ولهذا فهم اصبحوا حاقدين على العالم بأسره، بمن في ذلك على الدول التي سبق وجلبتهم، والكثيرون منهم اصبحوا مستعدين للقيام بعمليات ارهابية وحتى انتحارية ضد هذه الدول ايضا، بل واولا. فإذا كانت دولهم الاصلية والدول التي جلبتهم لم تعد تريدهم وتخشى منهم، فماذا سيفعلون بهم؟

من الممكن انزال بعضهم بالهليكوبترات في صحارى ليبيا والصومال وسيناء، لقتال الجيش الليبي والصومالي، وقتال الجيش المصري. ولكن قلة منهم قد ترضى مؤقتا بذلك .

ويرجح بعض الخبراء ان يجري تجميعهم في مخيمات صحراوية في السعودية وتحضيرهم بالاسلحة والآليات المناسبة للقتال ضد اليمن. ومن شأن هذه الخطة:

اولا ـ تعزيز القوات البرية للجيش السعودي الضعيف وحماية السعودية من هجوم معاكس للقوات الشعبية والقبائل الثائرة اليمنية.

ثانيا ـ إلهاء المنظمات الارهابية التي يتشكل منها الجيش الاسلاموي العالمي، والتي هزمت في سوريا (والعراق)، والتي تدين بالفكر التكفيري سعودي المنبع، ـ الهاؤها بـ”حرب جهادية مقدسة” ضد الشعب اليمني، الذي يدين بغالبيته الساحقة بمذاهب تتعارض مع الفكر الديني التكفيري السعودي ومع السلطة السعودية .

ثالثا ـ “التعويض” عن خسارة سوريا، بفرض قبضة حديدية على اليمن باسم “الشريعة الاسلامية!”، وهذا يقتضي بالاخص سحق موروثات التيارات القومية العربية ـ الناصرية والاشتراكية ـ الماركسية في شمال وجنوب اليمن، بعد استهلاك دور الزمر المخدوعة بعبد ربه منصور هادي والتخلص منه شخصيا.

وهذا يقتضي النظر عن قرب في المشكلة اليمنية، التي هي “المشكلة” الرئيسية التي تهدد وجود السعودية كدولة.

 

جورج حداد كاتب لبناني مستقل

 

#تعز
#جرائم_داعش_في_تعز