تعز العز

عن “الغارة الاسرائيلية” و “رحيل اوباما” .. الضرب بالاستانا “حرام”

إنه الأحد الأخير في عمر الولاية الثانية للرئيس الأميركي «باراك أوباما». ساعاتٌ قليلة ويحمِل أسوأَ رئيسٍ في تاريخِ الولاياتِ المتحدة لقبَ «الرئيس السابق»، لكنهُ حُكماً كان يحمل ومنذُ انتخابِه لقبَ «الرئيس الضرورة»، لأن الولايات المتحدة ببساطةٍ كانت بحاجةٍ إلى تبديل صورتِها الدموية بعد حربي العراق وأفغانستان، فكانت معادلة (الرئيس الأسود) في (البيت الأبيض) هي الأساس في هذا السعي، لكنَّ ما لَم يدركه هؤلاء أن (الرئيس الأسود) لن يبدِّل شيئاً في معادلةِ (التاريخ الأحمر) للسياسات الأميركية، فكيف ذلك؟.

قد يعارضنا كثر عندما نقول إن ولايتي الرئيس «أوباما» هما الأكثر دموية في تاريخِ البيتِ الأبيض، باعتبارِ أن هذا اللقب حريّاً بسيئ الذكر «جورج بوش»، لكن ولايتي «أوباما» وما ترافق معهما من كذبة «ربيع الدم العربي» جعلتنا نشعر أن «جورج بوش» حمامةَ سلام. «بوش» لم يدمِّر عملياً بحروبه إلا العراق، باعتبار أن أفغانستان كانت أساساً مدمرة، أما «أوباما» فحدّثْ ولا حرج من سورية إلى ليبيا فاليمن، لكن الفرق بين الاثنين أن « بوش» خرج من البيت الأبيض والجميع يلعَن مصاصي الدماء ومشعلي الحروب، أما «أوباما» فهو دخل البيت الأبيض بأكاذيب النزوع نحو السلام متسلحاً بالحصول على جائزة «نوبل»، ليخرج منه وهو في نظرِ من في قلوبِهم غي رجل التحولات في الشرق الأوسط وحامل راية الديمقراطية، كيف لا وهو دمّر كل هذه البلدان دون أن تخسر الولايات المتحدة فلساً واحداً أو دون أن تدخل حرباً مع أحد. أما النكتة السمجة التي يكررها البعض بأن أوباما مثلاً وقف بوجهِ «إسرائيل»، مبرهنين على ذلك بسوء علاقاتهِ الدائمة مع «نتنياهو»، هنا فإننا نسألهم:
هل كانت «إسرائيل» قادرة يوماً أن تحلم مجرد حلم بما حققه لها «أوباما» من تشظيات في المنطقة المحيطة بها؟ لمصلحةِ مَن ما جرى من تدميرٍ وخرابٍ؟ أليس لمصلحة «إسرائيل»؟!
منذ توقيع الاتفاق النووي مع إيران طرحنا فرضيةَ أن الجعجعة «الإسرائيلية» ضده ليست إلا نوعاً من النفاق، لأن «إسرائيل» سعيدة به، وأسباب السعادة كثيرة أهمها أن المنطق يفرِض نفسه، فلو أن «إسرائيل» تعي أنها قادرة على حربٍ مع إيران وما كان يُحكى عن قصفِ المفاعلاتِ النووية الإيرانية لما توقفت ولا انتظرت.
هم ساروا بمسارين؛ الأول إبعاد الخطر الإيراني دبلوماسياً، والثاني إبعاد ما هو أهم من الخطر الإيراني، أي الخطر السوري على وجود «إسرائيل»، لأن الخطر الإيراني عملياً يصبح صفراً إذا ما أُزيلت سورية عن الخريطة.
لم نكن نبالغ يوماً عندما تساءَلنا: (هل تحقق «داعش» النبوءة المقدسة لإسرائيل)؟ دارت الأيام واعترف «جون كيري» ذاتَ نفسه بأن «داعش» كانت تحت المراقبة على أمل أن تُسقط «النظام السوري» لكن هذا ما لم يحدث (من المؤسف أن تسريبات كيري لم تأخذ حقها في الإعلام الرسمي والترويج لها بكل اللغات رغم مرور أكثر من أسبوع عليها؛ لا نعلم ربما لديهم ما هو أهَم!!). عندما يتحدث «كيري» فهذا يعني ضمنياً أن «إدارة أوباما» هي التي أرادت «داعش» وأخواتها ذراعاً عسكرية لـ«إسرائيل» في سورية، هم أرادوا أن يسير الكيان بنهج «الحرب الناعمة» التي اتبعتها الإدارة الديمقراطية: دعوهم يقتلون بعضهم، ولنتابع بهدوء…
لكن قادة الكيان بدوا مستعجلين أكثر من اللازم، من خروج العلاقة بينهم وبين «المعارضات السورية» إلى العلن، وصولاً لدعم «جبهة النصرة» حتى بالعلاج في مشافي الاحتلال، إلى تأمينِ غطاء مدفعي للإرهابيين في القنيطرة حتى ننتهي بسلسلة القصف لأهداف في قلب العاصمة دمشق.
لم يحدث أن تمادت «إسرائيل» باعتدائها كما تفعل اليوم، لكن الفكرة تقول لماذا هذا التمادي؟ هل هو من مبدأ (من أِمن العقاب أساءَ الأدب)، أم إنه من مبدأ (ادفع عدوك للمزيد من التشظي في المعارك..)؟ ربما إن كنا عاطفيين لقُلنا إن كلاهما معاً، لكن لو فكرنا بعقلانيةٍ أكثر لوجدنا أن الأمر قد يكون أبعدَ من ذلك، فما الجديد؟
كان لافتاً أن قصف «مطار المزة» ترافق هذه المرة بقصفٍ «إعلامي» وقع في فخهِ حتى من يظنون أنفسهم في خندقٍ واحدٍ مع القيادة السورية. «الإسرائيلي» استمات لتأكيدِ فرضية أن القصف تم عبر دخولِ طائراته للعمقِ السوري، وقصف الأهداف، على حين البيان الرسمي السوري تحدث عن قصفٍ من شمالي «طبرية» المحتلة.
السذج وقعوا في هذا الفخ، إذ ما الفرق بين قصفٍ للطيران وقصف من خارج المجال الجوي. الفرق واضح أو بالأصح كل هذا يدخل في إطار الحرب النفسية التي للأسف «يتقنها العدو». الهدف «الإسرائيلي» من الأمر واضحٌ:
النقطة الأولى؛ هم يريدون اللعب على وتر أن «إسرائيل» قادرةٌ أن تدخل بطيرانها حيث تشاء، هم لا يريدون فقط الضرب على فرضية أن سورية باتت دولةً شبه منتهية؛ لكنهم أيضاً يريدون سحب الارتياح الشعبي للوجود الروسي في سورية، يريدون للسوري أن يقتنع بفرضية أن الروسي قادرٌ على أن يتلاعب به كيفما يشأ، وإلا فأين بطاريات الصواريخ المضادة للطيران؟ وما فائدة وجودها؟ الفرضية الثانية هي تعويمهم لتقارير أن القصف طال شحنة صواريخ، وإذا كانت «إسرائيل» فعلياً تبحث عن شحنات الصواريخ عليها أن تسال نفسها كيف ستنقل سورية السلاح لـ«حزب الله» عبر الطيران! وإذا كانت مقتنعةٌ أن نقل نوع كهذا من السلاح سيتم عن طريق «مطار المزة»، فهنا علينا أن نهنئ أنفسنا على سذاجة عدونا و«مخبريه».
النقطة الثانية أن «الإسرائيليين» يدركون أن السوري لن يرد، لأننا كما قلنا سابقاً ونكررها: سورية ليست نظاماً بل هي جزءٌ من منظومة، وهذا ما يوصلهم بسهولةٍ لهدفهم الأساسي من الغارة أي التوغل في عمق الحرب النفسية. أما النقطة الأهم فهي أن هذه الغارة جاءت في الوقت الضائع للضرب على المتناقضات لا أكثر، إن كانَ لجهةِ اتساع الخلاف (الروسي الإيراني) كما تروج وسائل الإعلام و(التركي الإيراني) في الطريق نحو «الآستانا»، هذه النقطة لا يمكن الاستهانة بها، فعندما يعلن مسؤولٌ في الخارجية التركية أن إيران مستاءةٌ من التقارب (الروسي التركي) ويتعدى ذلك بالقول إن إيران بسياساتها تحاول جاهدةً زعزعة الاستقرار في المنطقة بل يتهمها باستضافة قياداتٍ من حزب «البي كي كي»، هذا يعني أن ابتسامة «ظريف» العريضة يوم التقى «جاويش أوغلو» عشيةَ إخفاق «مسرحية الانقلاب» قد لا تدوم، ونأمل مستقبلاً ألا تنسحب هذه الصدمة على وزراء خارجية آخرين ما زالوا يعتقدون أن العودة التركية ممكنة، فالتركي بعد أن استتب له الأمر بدأ نوعاً ما يقلم مخالبه، لأن وجهه الحقيقي لن يظهر إلا بعد بدء مؤتمر «الآستانا»، فماذا ينتظرنا؟
كان «جاويش أوغلو» يشعر بالنشوة عندما أعلن صراحةً أن روسيا وافقت على حضور الأميركيين لـ«الآستانا»، أما رد الخارجية الأميركية عن عدم تلقيهم دعوة رسمية فهو يبدو منطقياً لأن من اختار أساساً تاريخ بدء المفاوضات كان يريد لها أن تبدأ بعد أن يحمل «أوباما» رسمياً لقب «الرئيس السابق»، وهو ما حدث فعلياً، وإن كان الحضور الأميركي مفيد لنجاح المباحثات، لكن هذا التشظي في مواقف «الجميع» ومن بينها صمتهم «جميعاً» بمن فيهم «المعارضات السورية» عن الحد الأدنى من إدانة الغارة الصهيونية، إضافة للائحة التي تم تسليمها عن أسماء قادة «الفصائل العسكرية» والشخصيات المعارضة الموافقة على المشاركة لا تبشر بالخير والقصة بسيطة:
عندما بدأت الأحداث في سورية تم الحديث عن عرضٍ (أردوغاني قطري) للرئيس الأسد بإشراك الإخوان المسلمين في الحياة السياسية مقابل وقف الاحتجاجات، يومها رُفض العرض لأن هذه الجماعة متورطةٌ بدماء السوريين. الآن بعد ست سنواتٍ من الحرب الضروس يحاول التركي من جديد إعادة تسويق ما رفضته القيادة السورية قبل أن تسقط قطرة دم واحدة، فهل سنتفاوض معهم كشخصياتٍ أم كتنظيم؟ أما النقطة الأهم، فما هي وجهة نظر «ترامب» بما سيجري؟ القصة تبدأ من هنا، فماذا لو نفذ أحد أعضاء الكونغرس تهديده بتقديم مشروع اعتماد «الإخوان المسلمين» كحركةٍ إرهابيةٍ! فعندها فقط سينكشف التركي على حقيقته أنه ليس بقادرٍ على أن يعطي شيئاً، والأهم أن المشكلة لا تكمن فقط بمن يَغيرُ عسكرياً على مواقع للجيش السوري، المشكلة بمن يغير على الثوابت الوطنية السورية. لن نحكم منذ الآن على «الآستانا» بالفشل، لأن الضرب بـ«الآستانا» حرام، بل سنقول ببساطةٍ:
رحل «أوباما» وسيرحل بعده كثرٌ من حكومات الدول التي تورطت بالحرب على سورية، عندها فقط سيبدو «الآستانا» مجرد محطةٍ لتأخيرِ رفعِ المتورطين في هذه الحرب الرايات «البيضاء».
فراس عزيز ديب – الوطن السورية

المصدر /

العالم