تعز العز

المسيرة ” الأخوانية ” و صراع أيديولوجيتها الجوفاء مع الوسط الشعبي اليمني , بين مظاهر التكوين , و أسباب الأنهيار .

شهد المجتمع اليمني خلال العقود الماضية عدة تحولات سياسية و فكرية و إجتماعية , أبرزتها و أثرت في رسم سياساتها و توجهاتها بصورة مباشرة مجموعة من التحولات الإيديولوجية الفكرية الخارجية و الداخلية , أتسمت في مجملها في الطابع الحركي و التحرري الثوري ضد قوى الطغيان و الأستكبار .
 
 
بناءً على ما حملته تلك الحركات من تصورات أيديولوجية متعددة و مختلفة , فقد تفاعل المجتمع اليمني خلال تلك العقود معها بصورة يمكن أن نقيسها بالمتفاوته في إطار مستوياتها المختلفة , تمثلت فيما بين القبول بها حيناً و رفضها حيناً آخر, و العكس صحيح , ذلك نتيجية لما حمله هذا المجتمع من تنوع حميد في نفسياته المختلفة , المتسمه بين الحدة و البساطة حيناً , و بين الضعف و القوة حيناً آخر .
 
بناءً على ذلك فأنه يمكننا التوسع في التحليل و التفسير لتلك الحيثيات البسيطة و الجزئية , من خلال إسقاط صورة قياسية للعلاقة بين إحدى المكونات السياسية التي تشكلت خلال العقود الماضية , و التي سيكون حزب ” التجمع اليمني للإصلاح ” كنموذجاً لقياس طبيعة و دور أيديولوجيته الفكرية في التأثير المباشر و غير مباشر على المجتمع اليمني , و ماهي المئآلات التي صيرت هذا المجتمع نتيجة هذه العلاقة .
 
 
بالرجوع الى الماضي نجد أن هذا الحزب قد مر خلال فترة حملة عبر مرحلتين , أولاها كانت سرية أمتدت من تاريخ تشكيل جماعة الإخوان المسلمين في مصر وحتى فترة الإنقلاب الأول على نظام الحكم في الشمال عام 1948م , لكنها تجلت للعلن بعد ثورة سبتمبر 1963م في القاهرة على يد مجموعة من القياديين لتلك الحركة كان أبرزهم عبده المخلافي , أما ثاني تلك المراحل فقد تجلت بصورة رسمية أبان الوحدة اليمنية في 1990م , وبالرغم بأن هذا الحزب وبما حمل في طياته الكثير من الرؤى و الأفكار ,إلا أنها أعتبرت كصورة مستنسخة من تنظيم الأخوان المسلمين الدولي .
 
 
إعتمدت الأيديولوجية الفكرية لحزب ” الأصلاح ” عند تشكلها على مجموعة من المصادر الداخلية و الخارجية , فتمثلت بمصادرها الداخلية في أولاها وهو الإعتمادً على ما سمي بالحركة الإصلاحية و التجديد الإسلامي في اليمن في تاريخ اليمن المعاصر و الحديث , و التي أرساها مجموعة من المفكرين و الفقهاء من أمثال الشوكاني , و إبن الأمير ,الصنعاني , و إبن الوزير .
 
 
أما ثاني و ثالث تلك المصادر وهو الأكثر إنسجاماً و تأثراً قد تمثلت بصورة كبيرة من خلال تأثره بحركة الأخوان المسلمين في مصر , وما تضمنته أفكارمن أسمونهم بدعاة التنوير الإسلامي في كتبهم أمثال فهمي هويدي , محمد الغزالي , يوسف القرضاوي , محمد سليم العوا , و ذلك من خلال تضمين المنهج التربوي التنظيمي للحركة لبعض أفكار أولئك التنويريين .
 
 
بينما كان مصدرها الرابع في التأثر بالحركة السلفية الوهابية في السعودية , وبناءً على تلك المصادر فقد حاول قاداته الدينيين و السياسيين الى تجسيدها و تطبيقها عملياً على أرض الواقع إنطلاقاً من معتقد بأن هذا الحزب أبن بيئته الشعبية , وقادراً على النفوذ فيه بكل سهولة ويسر .
 
 
تمثلت العلاقة الدراماتيكية بين حركة الأخوان و الإصلاح في اليمن مع الشعب اليمني خلال العقود الماضية و حتى الأن بالجذب و التنافر , فكانت فترة السبعينيات قد شهدت طغيان الفكر السلفي التشددي وهذا ما أدى الى إبتعادها عن المكونات السياسية و الثقافية و الإجتماعية للمجتمع , فشكلت على ذاتها بذلك عزلةً تاريخية عن المجتمع , ملحقةً بذلك أضرارً في أفكارها السياسية و الثقافية , مؤدية في ذات الوقت الى تجميد حركات الإجتهاد العلمي و التنظيمي وغيرها .
 
 
حاولت حركة الأخوان في اليمن في عقد الثمانينيات من إستدراك تلك المتغيرات التي شهدتها حركة أفكارهم في السبعينيات , من خلال إقصاء التوجهات السلفية بشكل جزئي الى حين من الزمن .
 
 
شكل عقد التسعينيات من القرن الماضي و العقد الأول من القرن الواحد و العشرين مجموعة من التجاذبات لهذا الحزب ( الإصلاح ) مع الشعب و السلطة , فكانت في بدايات التسعينيات قد تبلورت بشكل متسارع في التأثير على الشعب و السلطة , لعدة عوامل منها قوة خطابه الإعلامي , ومواقفه السياسية , أضف الى ذلك وجود الحزب الإشتراكي في السلطة والذي أدى بدورة ( الإصلاح ) الى تعزيز علاقاته مع الأحزاب الأخرى و على رأسها المؤتمر الشعبي العام , إلا أنه وفي خضم المرحلة التي عقبت إنتهاء حرب صيف 1994م وحتى نهاية العقد الأول من القرن الواحد و العشرين , وبداية العقد الثاني من ذات القرن .
 
 
هناك عدة عوامل حملتها الأيديولوجية الفكرية لحزب الإصلاح , و التي ساهمت الى حد كبير في التقليل من حدة تأثير تلك الأيديولوجية الحزبية على الوسط الشعبي و الرسمي اليمني , تمثلت في مجملها في الأتي :-
 
 
* الإعتقاد بأن هذا الحزب بأنه إبن بيئته , وبأنه قادر على تغيير المسارات الفكرية للبيئة المجتمعية من خلال الإعتماد على إدخال الإيديولوجية الفكرية الخارجية ممثلةً في حركة الأخوان المسلمين في مصر و الحركة السلفية الوهابية الآتية من السعودية .
 
 
* على الرغم بأن فكر هذا الحزب قد تبلورت من عدة مصادر , إلا أنه لم يوجد لنفسة فكراً ذاتياً متصلاً به وبما ينسجم مع الواقع و متطلباته .
 
 
* تخللت التوجهات السياسية لهذا الحزب في بداية التسعينيات الكثير من ” الغوغائية ” التي مارستها غالبية قياداته تمثلت في ( إمتزاج و إختلاط الكفاح السياسي لدى أعضاء الإصلاح بالجهاد لأجل الدين و الدفاع عنه )
 
 
* هناك عدة متغيرات متناقضة شملتها المنهجية السياسية لهذا الحزب على المستويين الداخلي و الخارجي لهذا التنظيم , و التي كان لها الدور البارز في تخلخل الكيان التنظيمي للحزب مع بعضه البعض , وكذا في تخلخل العلاقة فيما بينه وبين الوسط الشعبي اليمني يمكننا إيجازها فيما يلي :-
 
 
أولاً / على المستوى الداخلي .
 
 
** إستمرار هذا التنظيم إستخدام المنهجية السرية و التي ولدت الكثير من المخاوف لدى الوسط الجماهيري ,بل أنها إستمرت بهذا النمط في صور متعددة ومختلفة في ضل التعددية الحزبية العلنية .
 
 
** الوقوع في مصيدة التعصب المذهبي , بالرغم بأنه يضم بين جناحية تيارين متباينين لهما أفكار و آراء مختلفة وهما التيار ” المحافظ ” و التيار ” المنفتح ” , وهذا ما يؤكد على عدم قدرة الحزب في تطوير برنامجه بصورة واضحة المعالم , و التي أيضاً قد تفضي بصورة أكثر من ممكنة من تسجيل إنشقاقات بين أعضاءه .
 
 
** إستمرار هذا الحزب العيش في ضل حالتها الصفوية , بالرغم من محاولتها الإنتقال من تلك الصورة الى الصورة الشعبية و الجماهيرية , و التي يوعز أسباب ذلك الى نتيجة عجز البناء القيادي , و قصور الرؤية الإستراتيجية , وعدم توظيف قدرات و مواهب أعضاءه .
 
 
** الإزدواجية في تطبيق مبداء الشورى على المستويين القيادي و الجماهيري , فكلما كان الموقع قيادياً نجد فيه بعض من الشورى , لكنها تنعدم تدريجياً كلما أنتقلنا الى الموقع الجماهيري .
 
 
** عدم وجود الثنائية بين القيادة و القواعد وما تشكله من تحديد مسار ترابط الحزب و وحدته أو إنشقاقه , و ذلك نتيجة وجود الخطاء في تصور وظيفة القيادة , وحورية القائد الفرد , وضعف المؤهلات الموضوعية و الكفاءات المهنية في الهياكل القيادية .
 
 
ثانياً / على المستوى الخارجي
 
 
** وجود صراع غير متكافئ بين رموز المكون التاريخي للإصلاح ( حركة الأخوان في اليمن ) و بين المعبرين عن التجمع اليمني للإصلاح بصيغته السياسية , إذ أن أصوات أصحاب التوجه السياسي ضلت و مازالت خافته و مقموعة , نظراً لتأثير الإرث التاريخي في تحديد مسار المسيرة الإصلاحية .
 
 
** وجود خلاف حول تحديد طبيعة إرتباط المرجعية الإسلامية مع الدولة المدنية وما شكلته هذه الطبيعة من تشدد من قبل التيار ” المحافظ ” داخل الحزب .
 
 
** وجود إختلاف جلي حول قضية الإزدواجية لمفهومي الدولة و الأمة , إذ ان مفهوم الأمة لدى الأصوليين هي ” الأمة الإسلامية ” و التي يكون فيها كل الشعوب مسلمون , في حين أن مفهوم الأمة في منظور الدولة الحديثة يختلف جذرياً مع ما سبق .
أضف الى ذلك فأن الشكلية الخصوصية و العالمية ما زالت قابعة على صدر الكثير من الحركات الإسلامية , ولم تستطيع تجاوزها أو حسمها بسهولة , نظراً لإختلاط الأمور العقائدية مع الأمور المدنية , وكذا عدم حسم دور الحركات الإسلامية لمنظوري الهدف الدعوي و الهدف السياسي , وهذا ما يتجلى بصورة جلية لدى حركة الأخوان المسلمين نظراً لعدم الفصل بين خصوصية الموقع الجغرافي ( الدولة القطرية ) و عموميات الأخوة الإسلامية ( الأمة ) .
 
 
** الإعتقاد بأن حركة الأخوان المسلمين و حزب الإصلاح قد دخلت في تصالح مع جغرافيتها , وبأنها لم تتقوقع أو تنزو أو تتمترس داخل الإنتماء للأمة تاركة وطنها , على إعتبار أن هذا التصالح نابعاً من ولادتها في مجتمع يحمل ثقافاته , وهويته , و تقاليدة , وهذا ما لا يمكن تصديقه إذ أن هذا الإعتقاد تلاشى بشكل كبير و متسارع خاصة في ضل هذه الظروف الراهنة التي تمر بها اليمن من حرب عدوانية , فهذا الحزب قد ضرب كل ذلك الإعتقاد في الحائط و تخلى عن تصالحه مع هذا الشعب و جغرافيته , مستبدلاً أياه بشعوباً و قيادات خارجية ناصبة العداء علناً لهذا الشعب .
 
 
ما يمكن إستخلاصة كنتيجة لما تم سردة أعلاة من تحليل مظاهر تكوين هذا الحزب , و نقاط ضعفه التي شكلت سبباً جوهرياً في إنهيار علاقاته مع الوسط الشعبي اليمني هو أن هذا التنظيم أو هذا الحزب قد شكل بنقاط ضعفه هوة كبيرة فيما بينه و بين هذا الشعب , نظراً لعدم قدرته في التعامل في إعادة ترتيب و تطوير تلك النقاط السلبية التي تعتري منهجيتة الجوفاء من ناحية , و كذا لعدم قدرته في تنمية تلك النقاط لتتواكب في تعاملاتها مع الوسط الشعبي من ناحية أخرى
✍️ محمد الحاكم
 
#تعز_كلنا_الجيش_واللجان_الشعبية
#جرائم_داعش_في_تعز