تعز العز

تعرف على ماكرون الرئيس الجديد لفرنسا

يبلغ ماكرون 39 عاماً فقط، ويعتبر أصغر مرشح في السباق الرئاسي الذي انتهى اليوم، والوحيد الذي ليس لديه خبرة في إدارة الحملات الانتخابية، كان قد خدم في عهد الرئيس فرانسوا هولاند كوزير للاقتصاد والصناعة والبيانات الرقمية، ولكنه دخل الوعي العام وخرج للضوء فعلاً عندما تمرد على الحزب الاشتراكي الذي خدمه وانضوى تحت شعاره لفترة، وسار بترشيح نفسه للرئاسة كمستقل.

ذهب إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية وتواجه مع مارين لوبان المتشددة واليمينية، واستطاع الفوز عليها بنتيجة ساحقة وصلت لـ 66% من الأصوات.

يعتبر ماكرون أول رئيس وسطي غير محسوب على اليمين ولا على اليسار، إلا أن البعض وصفه بأنه محسوب على اليمين إقتصادياً وعلى اليسار إجتماعياً، ومن المتوقع أن يصاحبه في فترة حكمه شخصيات من الطرفين حسب فكره وسياسته بالنسبة للمواضيع المختلفة.

من لا شيء كشخصية سياسية، إلى أحد أبرز المرشحين في الانتخابات الفرنسية 2017 ومن ثم رئيساً منتخباً لفرنسا، هذا كل ما تحتاج أن تعرفه حول إيمانويل ماكرون، زعيم “إن مارش” الرجل المفاجأة والاستثنائي.

ولد إيمانويل ماكرون في 21 كانون الأول / ديسمبر 1977 في مدينة آميان في شمال فرنسا. وهو الإبن الأكبر لوالديه “جان ميشيل ماكرون” و “فرانسواز ماكرون-نوغز” وهو الوحيد بين أفراد أسرته الذي لم يسلك مهنة الطب.

كان والده طبيب أعصاب في مستشفى جامعة أميان، في حين كانت والدته طبيبة أطفال. وحافظ شقيقه وشقيقته الأصغر منه على التقاليد العائلية ليصبحا طبيب قلب وطبيبة أمراض كلى على التوالي.

من ناحية أخرى، كان لماكرون مسار وظيفي غير مستقر إلى حد ما. ففي المدرسة الثانوية درس العلوم، قبل أن يذهب إلى جامعة نانتير ويدرس الفلسفة. ثم ترك نانتير ليتوجه إلى معهد العلوم السياسية (Sciences Po)، قبل أن يدرس في “المدرسة الوطنية للإدارة École nationale d’administration “، والتي تعتبر من أكثر المدارس الفرنسية المرموقة.

بعد انهاء دراسته، أصبح مصرفي استثمار مالي في روتشيلد و سيي ” Rotschild & Cie “، وترك هذا العمل في عام 2012، ليصبح نائب الأمين العام في الإليزيه. ثم عمل في حكومة فرانسوا هولاند كوزير للاقتصاد.

رومانسية غير تقليدية

في عام 2007 تزوج ماكرون من مدرسته السابقة في المدرسة الثانوية الفرنسية بريجيت تروجنيوكس، عندما كان يبلغ من العمر 24 عاماً، وكانا قد التقيا في المدرسة الكاثوليكية الخاصة” La Providence in Amiens ” عندما كان يبلغ الـ155 عاماً فقط.

وفقا لما ذكرته صحيفة “آي بي تايمز” فإن بريجيت تروجنيوكس سحرت بذكاء ماكرون الشاب في وقت مبكر، فقالت في إحدى المرّات أن: “مهارات إيمانويل هي أعلى بكثير من المرحلة المتوسطة، ويمكن أن تقولوا أنني قلت هذا لأننا متزوجان، ولكن أتحدث الآن بلساني كمعلمته”. وخلال كلمة في حفل زفافهم، شكر ماكرون العائلة والأصدقاء على “قبول” و “دعم” زواجهم الإستثنائي.

بداية الحياة السياسية

خرج للصف الأول سياسياً عندما طلب هولاند من ماكرون أن يحل محل “أرنو مونتيبورغ” كوزير للاقتصاد والصناعة والبيانات الرقمية في عام 2014.

واعتبرت سياسات ماكرون حمائية نوعاً ما، حيث كانت حملته الأكثر شهرة هي “صنع في فرنسا”، حيث دفع بكل قوته المجتمع الفرنسي لشراء المنتجات الفرنسية بدلاً من السلع الأجنبية.

من ناحية أخرى كان ماكرون مؤيد للشراكة وللاتحاد الأوروبي حتى أنه حث العلماء والأكاديميين ورجال الأعمال الأمريكيين، الذين يشعرون بعدم الارتياح من إدارة الرئيس دونالد ترامب، على الانتقال إلى فرنسا.

وقد كُلف ماكرون بإصلاح الاقتصاد الفرنسي بعد نمو بلغ الـ “صفر” خلال السنوات الثلاث الماضية، فكانت واحدة من أكبر إنجازاته كوزير تحت إدارة هولاند هي ما سمي بـ”لوا ماكرون” والتي أطلقت على توجيهه الحكومة الاشتراكية نحو المزيد من السياسات الصديقة للأعمال والتجارة، والتي أطلقها مع رئيس الوزراء مانويل فالز، وكان هذا أول قانون حاول أن يمرره كوزير للاقتصاد، ولم يحظى بشعبية كبيرة لدى الشعب الفرنسي وكذلك البرلمان بسبب اعتقاد الكثيرين أنه يتعارض مع القيم الاشتراكية لفرنسا.

واجه صعوبات مع هولاند

ليس سرا أن ماكرون وهولاند لديهم علاقة مضطربة ويقول المثل الفرنسي  بما معناه “أنا أحبك رغماً عني” وهذا خير ما يمكن ذكره عند محاولة وصف العلاقة بينهم حيث كان ماكرون بمثابة الابن لهولاند وكانا قد التقيا في عام 2006 من خلال صديق، وتفيد التقارير أن العلاقة بينهم سارت بشكل جيد سريعاً.

في مارس 2015، سُئل ماكرون في مقابلة إذاعية ما إذا كان يريد فرانسوا هولاند رئيسا مرة أخرى، فقال ماكرون أنه كان مخلص لهولندا الذي كان رئيس لفرنسا والمرشح “الشرعي” آنذاك.

بعد عام، أطلق حركته “إن مارش!” والتي تعني “إلى الأمام”. وقال فرانسوا هولاند عنها “إنه يحتاج إلى أن يكون في الفريق، تحت سلطتي!”.

“إلى الأمام”

على الرغم من أن ماكرون خدم في الحكومة الاشتراكية، إلا أنه ترشح للرئاسة كمستقل ليبرالي اجتماعي، ومؤيد لقطاع الاعمال وهذا ما اعتبره الكثيرون تمرداً.

في 6 نيسان / أبريل 2016، أعلن المبتدئ السياسي، الذي ليس له أي تجربة في أي انتخابات سابقة، من مسقط رأسه “أمينز” إطلاق حزبه، واستقال بعد ذلك بأربعة أشهر من منصبه في الحكومة.

في بداية نوفمبر 2016، أعلن ترشيحه لأعلى منصب في البلاد أي رئاسة الجمهورية، في ذلك الوقت لم يكن معروف لمعظم الشعب الفرنسي. البدء من الصفر، كمرشح غير معروف، دون أي خبرة في كيفية خوض إنتخابات بلدية حتى وليس رئاسية، يعتبر خطوة جرئية غير تقليدية إلى حد ما في السياسة الفرنسية.

ومع ذلك، تمكن من تحقيق النجاح للخروج منها فائزاً بعد فوزه في الجولة الأولى وفوزه في الثانية ليصبح رئيساً لفرنسا، ادعى موقع ماكرون أن هناك 200،000 عضو في حملته “إن مارش!” “إلى الأمام” على الرغم أنه صرح مؤخرا في مقابلة أن حركته فيها 220،000 عضوا غير أنه من الصعب التحقق من هذه الأرقام ولكن نتائج الانتخابات الأخيرة تقول بأن الأمر أكبر من ذلك بكثير.

تغيير صورة فرنسا

ماكرون يصور نفسه بالمنشق والمناهض والمتمرد على المؤسسة والطبقة الحالية، الأمر الذي خدمه بشكل جيد، وهذا يذكرنا بتجربة ترامب، فماكرون نجح جزئياً لأن الناس تنظر إليه على أنه ليس جزءاً من الطبقة السياسية الحالية.

كما وضع ماكرون نفسه في وسط الطيف السياسي، في محاولة منه لجذب المعتدلين من كلا الجانبين اليمين واليسار. في وقت كان فيه جميع المرشحين الآخرين إصدارات متطرفة عن أحزابهم.

بينوا هامون، على سبيل المثال، هو متطرف في الحزب الاجتماعي دعا إلى العمل لمدة 32 ساعة في الأسبوع. حتى فرانسوا فيون، المرشح الرئاسي في الحزب الجمهوري حاول إغراء الناخبين من الجبهة الوطنية بتفاخره بانه كاثوليكي، وبأنه مدافع عن القيم الأسرية القديمة وعاداتها وتقاليدها.

وبالنظر إلى المناخ السياسي الحالي في فرنسا، وبعد عدة هجمات إرهابية هزت وقسمت الشارع هناك، فإن موقف ماكرون الوسطي شكل خياراً جذّاباً جداً لكثيرين، إذ دل خطابه الانتخابي أيضا على طموحه في تجاوز العلامات السياسية وطمس خطوط الحزب. وفي إحدى خطاباته في ليون أشار إلى جملة شيراك الشهيرة التي قال فيها أنه لا يفتخر بكونه يسارياً او يمنياً بل بكونه فرنسي فقط، وهذا ما جعله يقدم صورة جديدة لفرنسا وسطية لا يسارية ولا يمينية.

نجم صاعد في السياسة الفرنسية أو أنه مجرد حظ؟

قد يكون انفصال ماكرون عن الأحزاب الرئيسية، وحقيقة أنه وجه جديد في السياسة الفرنسية، شكل عامل  قوة له في الانتخابات. ولكن في الحقيقة ماكرون تلقى مساعدة كبيرة من منافسيه الذين لم يكونوا على قدر المنافسة وأحاطوا أنفسهم بكثير من الجدل والشبهات.

فواجهة الجبهة الوطنية “ماري لوبان” شكلت عنواناً للانقسام بسبب سياساتها المناهضة للمهاجرين، وحقيقة والدها الذي أدين بالعنصرية عدة مرات. وبالنظر إلى تاريخ حزبها، فإنه ليس من المستغرب أن تعبئة وجذب الفرنسيين إلى صفها أمر صعب المنال في الجولة الثانية والتي خسرتها اليوم رغم أنها ظهرت في قمة مستواها في بداية الانتخابات.

أما فرانسوا فيون زعيم الحزب الجمهوري فقد عانى من فضائح متوالية، أشهرها ما اتهم به بدفعه لزوجته الويلزية بينيلوبي فيون واثنين من أولاده ما يقارب المليون يورو على مدى عقد من الزمن لوظائف لم يؤدوها يوماً مع العلم أنه من غير القانوني على السياسيين الفرنسيين توظيف أفراد أسرهم.

وبالنظر إلى التاريخ والقضايا التي يملكها المرشحون السياسيون الآخرون، فإن ماكرون رغم نقص خبرته في السياسة كان من المنطقي النظر إليه على أنه مهرب جيد من قبل الناخبين والنتائج بينت أن الفرنسيين لجأوا لهذا الخيار المنطقي أمام باقي الخيارات المتهورة بذاتها.

وبعد فوز ماكرون اليوم لا يمكن أبداً إعتبار نجاحه هذا مجرد حظ لا بل بناءاً على خطابه المنطقي واستفادته من الظروف الحالية لفرنسا وأوروبا بشكل عام فضلاً عن ظروف منافسيه الذي لم يكونوا موفقين كفاية لا بد أن ننوه بفطنة وذكاء هذا الرئيس الشاب الجديد.

الوقت

#جرائم_داعش_في_تعز