تعز العز

صحيفة معاريف الاسرائلية : السعودية قاعدة أساسية للسباق الى البحر المتوسط

 

أصحاب القرارات في “اسرائيل” مشغولون هذه الأيام بأمرين: الأول يشكّل مصدرًا للقلق والثاني مصدرًا للأمل، والإثنان يتمّ تحريكهما بناء على الاستراتيجية نفسها وهما يتعلّقان بالسعودية.

الأمر الأوّل هو محاولة إيران إقامة جسر برّي يصلها بالمناطق الواقعة شمال العراق وحتى سوريا ولبنان، وبهذا تحقّق طهران موطئ قدم ومنفذ الى البحر المتوسط عن طريق ميناء اللاذقية. هذا الأمر سيُصعّب على “اسرائيل” الحصول على المعلومات الاستخبارية عن قوافل السلاح، وسيُصعّب عليها عملية تشويش حركتها. هذا يشير الى مناطق تأثير إيران والخريطة الإقليمية الإستراتيجية، ما يمكّنها من إنشاء طرق بديلة لتعزيز قوة حزب الله، بما في ذلك القدرة على إنتاج وتطوير  الصواريخ في لبنان.

الضغط الأمريكي فقط يمكنه منع ذلك، لكن ليس من الواضح ما هو موقف الولايات المتحدة، هذا إذا وُجد موقف أصلًا. “اسرائيل” تفضّل بالطبع استمرار واشنطن في لعب دور حاسم في سوريا، وأن تمنع بشكل خاص الوجود الإيراني أو المنظمات التابعة لها ومنها حزب الله قرب الحدود في هضبة الجولان. غير أنه ليس واضحًا ما هي الجهود التي يبذلها المستوى السياسي والأمني في “اسرائيل” من أجل التأثير، ولو بشكل غير مباشر، على الخطوات الدبلوماسية المتعلّقة بمستقبل سوريا، والتي تحدث في آنٍ معًا في عدة أماكن في العالم. “اسرائيل” ابتعدت عن المشاركة في المحادثات التي تجري في كازاخستان، وقرّرت عدم المشاركة أيضًا في المحادثات التي تجري بين الأردن والولايات المتحدة وروسيا حول إقامة مناطق أمنية في جنوب سوريا.

هذا الموقف يقوده وزير الدفاع (الحرب) أفيغدور ليبرمان، الذي أكد ذلك في لقاء له مع المراسلين هذا الأسبوع. صحيح أن ليبرمان قال إن “اسرائيل” لن توافق على أيّ اتفاق يُبقي الرئيس السوري بشار الأسد بشكل شرعي، لكنه اعتبر أن غياب “اسرائيل” عن النقاشات لن يضرّ بمصالحها الحيوية حين قال “أي اتفاق يناقض مصالحنا لن يكون مُلزمًا لنا.. نحن لن نوافق على تدخل إيران أو حزب الله”.

موقف ليبرمان راسخٌ في الاعتراف بحدود قدرة “اسرائيل”، ولاسيّما عندما صرّح “ممنوع أن نطوّر جنون العظمة.. اللعبة هي الآن بين روسيا والولايات المتحدة.. هناك مصالح دولية لا يمكننا التأثير فيها.. لدينا القدرة على إيصال رسائلنا ومواقفنا ونحن نقوم بالتحدث مع جميع الأطراف”.

هناك من يعتقد في المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية بأن موقف ليبرمان من شأنه أن يضرّ بمصالح “اسرائيل” الحيوية. هؤلاء يستشهدون في هذا السياق بقول عن الشرق الأوسط “اذا لم تشارك في أكل الوجبة فقد تكون أنت الوجبة نفسها”.

موقف ليبرمان يعتمد على حقيقة أنه إضافة الى “اسرائيل”، فإن لإيران الكثير من الأعداء في الشرق الأوسط. ومعظم العالم “العربي السني” يخاف منها ويُعاديها. وعلى هذه الخلفية، واعتمادًا على القول القديم “عدوّ عدوّي صديقي”، هناك تقارير في وسائل الإعلام الأجنبية تقول إن العلاقة بين “اسرائيل” والسعودية تعزّزت في السنوات الأخيرة. واذا كان هذا الأمر صحيحًا، فإن هذه العلاقة هي التي تدفع باتجاه إقامة ممرّ برّي ثانٍ الى الشرق الأوسط.

تقارير أجنبية أشارت الى أن موظّفين إسرائيليين رفيعي المستوى التقوا موظفين سعوديين في السابق. ونشرت وسائل الإعلام في السنوات الأخيرة أن عددًا من رؤساء الموساد المسؤولين عن العلاقات السرية مع الدول والحركات التي لا تجمعها علاقة علنية بـ”اسرائيل”، أجروا محادثات مع شخصيات سعودية عديدة. وهنا نذكر إسم الأمير بندر بن سلطان، الذي كان حتى قبل بضع سنوات رئيس الاستخبارات ورئيس مجلس الأمن القومي. الأمير بندر يُعتبر العدو الأكبر لإيران.

وفق مصادر أجنبية، جرى لقاء بين رئيس الموساد السابق مئير داغان وشخصيات سعودية. وسائل الإعلام الأجنبية تحدّثت عن أنه في عام 2007 عُقد لقاء سري بين رئيس الحكومة السابق إيهود أولمرت والأمير بندر بن سلطان. وفي أحد التقارير جاء أن ” اسرائيل” بحثت مع السعوديين إمكانية تحليق طائرات سلاح الجو في سماء السعودية اذا قرّرت “تل أبيب” مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية. حينها لم يُعارض داغان مبدئيًا الهجوم الإسرائيلي، وقال إن الضربة العسكرية يجب أن تكون الخيار الأخير “أي عند وصول السكين الى الرقبة”.

اذا كان صحيحًا أن داغان وشخصيات إسرائيلية أخرى تحدّثت عن التحليق في مجال السعودية الجوي، فإن لذلك أهمية هذه الأيام.

كذلك يتحدّث رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وليبرمان ووزراء آخرون عن العلاقة بين “اسرائيل” و”العالم العربي السني”. يمكن القول إن كل مصادقة أو ذكر لعلاقة معيّنة ستُحرج الحكومات، يُنشر الكثير بهذا الصدد، من ضمنها ما ورد في “انترناشيونال أونلاين”، حول زيارات رجال أعمال إسرائيليين لدولة الامارات، وأن قطر هي الوسيطة بين “اسرائيل” وحركة “حماس”، وعن التجارة الأمنية مع أبو ظبي، كما تمّ الحديث سابقًا عن زيارة رئيس الموساد أفرايم هليفي لسلطنة عُمان. وحسب وثائق “ويكيليكس”، فإن الموساد يتعاون مع البحرين، ويُضاف الى كلّ ذلك التقارير الخاصة ببيع تكنولوجيا الهاي تيك والسايبر والخدمات الأمنية المتعددة.

هنا يدخل الى الصورة الممرّ البري الثاني: فكرة وزارتي المواصلات والاستخبارات برئاسة اسرائيل كاتس إقامة سكة حديد تربط ” اسرائيل” بالعالم العربي. حسب خطة الوزارة، تتمّ إطالة خطّ القطار من حيفا الى بيسان 12 كم حتى جسر الملك حسين على معبر الحدود مع الأردن. إضافة الى ذلك، هناك خطة لشقّ طريق من العفولة باتجاه معبر الجلمة في جنين. ربط سكة الحديد مع الأردن ومع السلطة الفلسطينية سيساعد في نقل البضائع من هناك مباشرة الى ميناء حيفا وبالعكس، وليس فقط بالشاحنات كما يحدث اليوم.

المرحلة الثانية حسب وزارة المواصلات هي أن يقوم الأردن بوضع سكة من مدينة أربد باتجاه الحدود في جسر الملك حسين، حيث تتمركز قطارات مباشرة من “اسرائيل” الى الأردن ومنه الى باقي العالم العربي: العراق، السعودية وصولًا الى الإمارات. موظفون إسرائيليون بحثوا ذلك قبل 3 سنوات مع موظفين أردنيين، لكن لم يحدث أيّ تقدم. ومؤخرًا تمّ استئناف النقاش حول هذا الموضوع.

اليوم يتمّ بناء ميناءين جديدين في حيفا وأشدود، وأحد الخيارات التي يتحدث عنها كاتس هو تأجير ميناء حيفا القائم حاليًا لجهة دولية، تقوم بتشغيل خط القطار الى الشرق، الأمر الذي سيسهّل تطبيق “المبادرة” من الناحية الاقتصادية والسياسة. الأمل هو أن تقوم الشركات الأمريكية بالمنافسة على العطاء المستقبلي حول هذا الأمر، مع أن الوزير كاتس خاب أمله بسبب عدم وجود اهتمام أمريكي.

وثيقة رسمية في وزارة المواصلات باسم “سكة السلام الاقليمية” تعتبر أن “اسرائيل” جسر بري وأن الأردن “مركز”. وحسب الوثيقة “ستساهم المبادرة في تحسين إقتصادي “تل أبيب” وعمّان وستربط “اسرائيل” مع المنطقة وتزيد من قوة المعسكر “البراغماتي” في مواجهة الخط “الشيعي””.

حسب هذه الوثيقة، الشراكة الإقليمية حيوية لأنّ الحرب في سوريا والعراق أضرّت بالطرق البرّية وأغلقتها. ويمكن أن تكون ” اسرائيل” بديلًا لذلك. إضافة الى هذا، فإن انتشار إيران يضع تهديدًا للمسارات المائية بسبب نشاطها في الخليج ومضائق هرمز وباب المندب في المحيط الهندي.

مؤخرًا أفادت صحيفة بريطانية عن وجود اتصالات لتمكين طائرات “ال عال” من دخول المجال الجوي السعودي أثناء توجهها الى الشرق الأقصى. وبهذا يتمّ تقليص مدة الرحلة، لكن مصادر مطلعة تعتقد بأن الرياض غير ناضجة بعد لخطوة كهذه، التي تعتبر بمثابة تطبيع للعلاقة مع “اسرائيل”. وطالما أنه ليس هناك تقدم في المفاوضات مع الفلسطينيين، فمن المرجّح أن يتمّ السماح لشركات الطيران الأجنبية بالقدوم الى مطار بن غوريون من خلال المجال الجوي السعودي. إحدى هذه الشركات هي شركة “إير انديا” التي زار رئيس حكومتها “تل أبيب” هذا الأسبوع وناقش موضوع توسيع التعاون بين الجانبين في مجالات كثيرة.

✍? يوسي ملمان – صحيفة معاريف الاسرائلية%d8%a7%d8%b4%d8%aa%d8%b1%d9%83-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%aa%d9%84%d8%ac%d8%b1%d8%a7%d9%85