تعز العز

وثائق تكشفت عن عددَ العمارات والفلل التي يمتلكها مسؤولين سابقين.. وحجم المبالغ المستحَقة عليهم والمقدَّرة بمئات الملايين

في الوقت الذي تتعالى الأصواتُ المنادية بتفعيل قانون الزكاة لا سيما في الوقت الحاضر لما تشهدُه اليمنُ من عدوان أمريكي سعودي وحصار خانق استهدف كل مناحي الحياة المعيشية التي تزداد ضيقاً يوماً بعد يوم؛ نظراً لتركيز العدوان على الورقة الاقتصادية منذ الوهلة الأولى لعدوانها، أدى إلى نقل البنك المركزي من العاصمة صنعاء إلى عدن وحرمان جميع موظفين الدولة من مرتباتهم المتوقفة منذ عام، الأمر الذي برزت فيه أهميّة هذه الفريضة الدينية والاقتصادية وظهور العديد من الدعوات على السطح بتفعيل قانون الزكاة وكان أهمها دعوة قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي، في أكثر من خطاب ومناسبة بضرورة إصدار قانون يراعي قضية الزكاة كفريضة إسلامية وفق آلية تضمن وصولها إلى الفقراء من دون أي تمييز فئوي أو مذهبي أو سياسي، خصوصاً مع المعاناة الكبيرة للفقراء اليوم، ولما ستمثله الزكاة في الوقت الراهن كرافد وداعم مهم لأكبر شريحة من الشعب اليمني وأكثرها معاناة وبؤساً.

ورغم المعاناة الكبيرة لأبناء هذا الشعب الصامد إلا أن ذلك لم يشفع له لدى كبار النافذين والفاسدين في البلد على مدار عقود من الزمن أن يؤدوا الفريضة التي فرضها الله تعالى وأن يقوموا بواجبهم تجاه هذا الشعب الذين يعيشون اليوم من خيراته المنهوبة وينعمون بالعيش الرغيد بعد أن سلبوها منهم وشيّدوا قصورهم وعماراتهم على حساب الغالبية العظمى من أبناء الشعب الذي لم يعرف خلال حكمهم سوى الجوع والعطش، وها هم اليوم يستكثرون عليه دفع التزاماتهم المفروضة شرعاً وديناً ووطنياً من الزكاة التي يمتنعون عن إخراجها وتسليمها للدولة التي تعجزُ اليوم عن دفع رواتب الموظفين؛ بسبب عدم وجود إيرادات وخصوصاً الزكاة.

وحصلت “صدى المسيرة” على وثائقَ رسميةٍ تكشِفُ مدى غياب الضمير الديني والوطني والإنساني لدى كبار الفاسدين وتجاهلهم معاناة الناس والوضع الاقتصادي للبلاد وكأنهم تعوّدوا على الأخذ طيلة سنوات حكمهم الممتدة لأكثر من 35 سنةً دون أن يقابله عطاء، وكأن هذا الركن الثالث من أركان الإسلام الذي لا يعترف به نافذو وفاسدو اليمن وليس له وجود في قاموس تعاملاتهم مع الله ومع البشر، حيث كشفت الوثائق رفض ما يقارب (29) شخصاً من كبار مكلّفي زكاة العقارات تسديدَ ما عليهم من التزامات زكوية تُقدَّرُ بمئات الملايين من الريالات.

وفي وثيقة رسمية لمدير مكتب الواجبات بمديرية السبعين عبدالمغني عبدالله الحداد، بتأريخ 15 أغسطس الجاري، والمرفوعة إلى مدير عام الواجبات الزكوية بأمانة العاصمة، شكا من خلالها امتناع (29) شخصاً من كبار مكلفي زكاة العقارات من المسئولين السابقين وأصحاب الوجاهات والشخصيات العسكرية والأمنية والاجتماعية، عن الحضور لتسديد الزكاة المستحَقة عليهم شرعاً.

وطالبت الوثيقةُ الرسميةُ التي حصلت الصحيفة عليها بقيام مدير الواجبات في أمانة العاصمة بالتواصل مع الشخصيات الممتنعة عن سداد المستحقات الزكوية، بالتنسيق مع الجهات الأمنية وبما يكفل إلزام المكلفين سداد ما عليهم.

وكشفت وثيقةٌ مرفقةٌ للمذكرة الرسمية، عن عدد العمارات والفلل التي يمتلكها النافذون والفاسدون في مديرية السبعين فقط، بالإضافة إلى حجم المبالغ الكبيرة المستحقة عليهم منذ ما يقارب 12 عاماً، حيث أشارَت وثيقةُ مكتب الواجبات الزكوية إلى 29 اسماً لتلك الشخصيات الممتنعة أبرزهم (محمد رزق الصرمي – الذي يمتلك في منطقة عطان بمديرية السبعين العديدَ من الفلل والعمارات، وتُقدَّرُ المبالغُ المستحقةُ عليها للزكاة ما يقارب 50 مليون ريال)، بالإضافة إلى (فضل القوسي – الذي يمتلك فلتين بمنطقة عطان، وتقدر المبالغ المستحقة عليه للزكاة ما يقارب 2 مليون ريال)، وكذا (مهدي مقولة – الذي يمتلك فلتين بمنطقة حدة وتقدر المبالغ المستحقة عليه للزكاة 3 ملايين ريال)، كما يحوي الكشفُ اسم (سنان ابو لحوم – الذي يملك العديد من الفلل والعمارات بمنطقة حدة، وتقدر المبالغ المستحقة عليه للزكاة حوالي 70 مليون ريال) وَ(رشاد العليمي – الّذي يمتلك العديد من الفلل والعمارات بمنطقتَي حدة وعطان وتقدر المبالغ المستحقة علية للزكاة 7 ملايين ريال) وَ(علي مقصع – الذي يمتلك عمارةً في منطقة حدة، وتقدر المبالغ المستحقة عليه للزكاة حوالي مليون ونصف ريال) وَ(محمد ناجي القوسي – الذي يمتلك فلتين في منطقة، عطان وتقدر المبالغ المستحقة عليه للزكاة حوالي 2 مليون ريال) وَ(بسّام الشاطر – الذي يمتلك فلّة وعمارة في منطقة حدة، وتقدر المبالغ المستحقة عليه للزكاة حوالي 4 ملايين ريال) وَ(علي المطري – الذي يمتلك العديد من الفلل والعمارات في منطقة حدة، وتقدر المبالغ المستحقة عليه للزكاة حوالي 20 مليون ريال) و(محمد الغادر – الذي يمتلك فلّتين في منطقة حدة، وتقدر المبالغ المستحقة عليه للزكاة حوالي 5 ملايين ريال) وَ(جعبل طعيمان – الذي يمتلك عمارةً في منطقة حدة، وتقدر المبالغ المستحقة عليه للزكاة حوالي 2 مليون ريال) وَ(محمد السياني – الذي يمتلك أسواقاً تجارية في منطقتَي حدة وشارع 26 سبتمبر، وتقدر المبالغ المستحقة عليه للزكاة حوالي 10 ملايين ريال) وَ(توفيق عبدالرحيم – الذي يمتلك العديد من الفلل في منطقتي حدة وعطان، وتقدر المبالغ المستحقة عليه للزكاة حوالي 4 ملايين ريال) وَ(توفيق الخامري – الذي يمتلك العديد من الفلل والعمارات في منطقة حدة، وتقدر المبالغ المستحقة عليه للزكاة حوالي 5 ملايين ريال) وَ(عبدالملك السياني – الذي يمتلك العديد من الفلل في منطقة حدة، وتقدر المبالغ المستحقة عليه للزكاة حوالي 2 مليون ريال) وَ(أحمد بن أحمد معياد- الذي يمتلكُ العديدَ من العمارات والأراضي في منطقتي بيت معياد وشارع الثلاثين، وتقدر المبالغ المستحقة عليه للزكاة حوالي 7 ملايين ريال) وَ(أحمد الدفعي – الذي يمتلك العديد من الفلل بمنطقة حدة، وتقدر المبالغ المستحقة عليه للزكاة حوالي مليون ريال) وَ(علي صالح القلمي – الذي يمتلك مقرَّ السفارة الألمانية بمنطقة حدة، وتقدر المبالغ المستحقة عليه للزكاة حوالي 12 مليون ريال) وَ(محمد علي عذبان – الذي يمتلكُ العديد من الفلل في منطقة حدة، وتقدر المبالغ المستحقة عليه للزكاة حوالي 10 ملايين ريال) وآخرين.

ويأتي الحديث عن امتناع كبار النافذين والفاسدين في البلاد سدادَ ما عليهم من مستحقات زكوية بعد أقل من شهر تقريباً لصدور قرار رئيس مجلس الوزراء رقم (141) لسنة 2017م بشأن آلية تنظيم تحصيل زكاة كبار المكلفين، بناء على الاتفاق السياسي الموقع بتأريخ 28 / 7/ 2016م بين أنصار الله وحلفائهم والمؤتمر الشعبي العام وحلفائه، وعلى الإعلان الصادر بتأريخ 6 / 8 / 2016م بتشكيل المجلس السياسي الأعلى، وعلى قرار المجلس السياسي الأعلى رقم (104) لسنة 2017م بشان الزكاة.

وقد نَصَّ القرار على محاسبة كبار المكلفين المشمولين بهذه الآلية وفقا للأسس المحاسبية والشرعية المتعارف عليها عند احتسابِ زكاة كبار المكلفين ومن واقع الميزانيات والحسابات الختامية وملحقاتها المعتمدة من محاسب قانوني معتمد والتعليمات الصادرة إليها من اللجنة الفنية، كما دعا الإدارات العامة للواجبات الزكوية بالأمانة والمحافظات المتواجدة بها مراكز رئيسية لفئة كبار المكلفين إلى اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة تجاه المتأخرين أو المتلاعبين بالبيانات والمعلومات وفقاً لقانون الزكاة وقانون السلطة المحلية ولائحته التنفيذية والمالية وقانون تحصيل الأموال العامة والقوانين النافذة الأخرى ذات الصلة.

كما توضح الأسماء الواردة في الوثيقة أنها تعودُ لقيادات بحزب المؤتمر الشعبي العام والذين كانوا في نفس الوقت في مواقعَ مختلفة في السلطة.

وكان صالح الصمّاد –رئيس المجلس السياسي الأعلى، قد استقبل نهايةَ يونيو المنصرم، رئيس حكومة الإنقاذ واللجنة المشرفة على توريد زكاة كبار المكلفين؛ لمناقشة أهميّة وضع دراسة علمية لمصارف الزكاة وفق التطوّر الحاصل في آليات العمل الاجتماعي والتنموي وما تفرزه الظروف والتحدّيات من أولويات تخص الفئات والجهات المستحقة لمصارف الزكاة واستدامة تلك المصارف وفق مشاريع اقتصادية منتجة في المصارف الشرعية للزكاة، والتأكيد على أن الأولوية التي يعمل عليها المجلس في مجال الزكاة وأصدر من أجلها القرار المتعلق بالحساب الموحد تتمثل في الحفاظ على الزكاة وتجميعها في مصدر واحد وأن تمر إلى مصارفها الشرعية عبر القنوات الدستورية التي ستنظر في مصارفها وآليات التعامل معها وفي مقدمتها مجلس النواب.

من جانبه أشار العلامةُ شمس الدين شرف الدين، رئيس رابطة علماء اليمن، مفتي الجمهورية، إلى ضرورة تسليم الزكاة؛ نظراً للحاجة الماسّة والضرورة التي دعت إليها الظروف الحالية لا سيما مع الحصار المطبق والعدوان الغاشم على بلادنا منذ أكثر من عامين زادت خلالها شريحة الفقراء والمساكين في المجتمع وزادت معاناة الناس، لافتاً إلى أن الزكاة التي كُتبت على الأغنياء للفقراء لم تكن خلال طيلة الفترة السابقة تذهب إلى جيوب الفقراء ولا إلى شريحة المساكين إلا في النادر، وكان تأخذها فقط شريحة واحدة هم شريحة من يسمون أنفسهم “العاملين عليها” فقط، أي لا يذهبُ إلى الفقراء شيءٌ من ذلك إلا اليسير، وبالتالي فعندما تُعطَّل فريضة الزكاة لا ينتظر الناس من ربهم إلا العذاب الأليم والسخط والعياذ بالله، وبالتالي على الناس أن يعودوا الى ربهم وأن يتوبوا إليه وأن يخرجوا زكاة أموالهم التي كتبها الله عليهم؛ لأنهم يوم القيامة سيُحشرون وهذا الأموال ستُكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم جزاءً بما كانوا يكنزون، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: “ما آمن بي من بات شبعانَ وجارُه جائعٌ إلى جنبه، وهو يعلم به”، داعياً مَن كان عنده زكاة ماله أن يخرجها وهي حقٌّ مفروض من الله سبحانه وتعالى للفقراء والمساكين ولمَن نصت عليهم الآية الكريمة آنفة الذكر.

وأوضح العلامة شمس الدين، أنه لو فُعّل جانب الزكاة لحُلَّت مشاكل كثيرة عندنا، مؤكداً أن هناك جانبين ورافدَين اقتصاديين هما جانب الزكاة وجانب الأوقاف، ولو فُعّل هذان الجانبان وأقيما حقَّ القيام لأغنانا عن طلب المساعدة من الدول ولأغنانا عن كثيرٍ من المسائل، لكن للأسف الشديد هذان الجانبان عُطّلا تماماً.

والواقع أن كل هذه الفوائد الاقتصادية للزكاة توضّحُ لنا الأهميّةَ القُصوى للزكاة، فعندما شرعها الله من ضمن أركان الإسلام الخمسة جنباً إلى جنب بجانب شهادة أن لا إله إلا الله وإقامة الصلاة وصوم رمضان وحج البيت، لم يضعها اعتباطاً، وإنما لأهميتّها في وضع إحساس صادق لدى الغني تجاه الفقير، وأيضاً تطهير الأموال من شبهات الحرام، حيث قال عز وجل في محكم آياته: “خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا”.

%d8%a7%d8%b4%d8%aa%d8%b1%d9%83-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%aa%d9%84%d8%ac%d8%b1%d8%a7%d9%85