تعز العز

ماذا سيحدث لو سقطت الأرض داخل ثقب أسود؟؟

لعلّ أكثر الأسئلة التي تخطر في البال عندما يتم الحديث عن الثقوب السوداء هو مدى حقيقة الأفكار السائدة في أفلام الخيال العلمي حول الثقوب السوداء وقدرتها الهائلة على ابتلاع كل شيء يمر بالقرب منها. إلّا أنّ السؤال الأبرز هو كيفية تأثير الثقوب السوداء على الكائنات البشرية أو على كوكب الأرض في حال سقوطه داخل ثقب أسود

قبل أن نحاول البحث عن إجابة لهذه الأسئلة، علينا أن نتعرّف على بعض الحقائق حول الثقوب السوداء.

الكتلة والشحنة والدوران

عندما يقوم علماء الفلك بدراسة الظواهر الكونية فإنهم يقوموا بتوجيه مراصدهم الفلكية نحو السماء لالتقاط الضوء القادم من هذه الظواهر والأجرام ومن ثم تحليله ودراسته للحصول على معلومات حول مصدر هذا الضوء. إلا أنّ الثقوب السوداء تعتبر من الظواهر الكونية الغامضة والتي لا نعرف الكثير من المعلومات حول ماهيتها. يعود السبب في ذلك إلى قوة الجذب الهائلة التي تتميز بها الثقوب السوداء، بحيث لا يستطيع أي شيء أن يفلت من هذه الجاذبية العالية، حتى الضوء نفسه إذا وقع ضمن مجال محدد بالقرب من الثقب الأسود فإنه لن يتمكّن من الإفلات من جاذبيته.

إلّا أن هناك ثلاث خصائص للثقب الأسود تعتبر قابلة للقياس من حيث المبدأ، كتلتها ودورانها حول نفسها (كمية التحرك الزاوي)  وشحنتها الإلكترونية الكلية. هذه هي الثلاث عناصر الوحيدة التي يمكن لمراقب خارجي أن يعرف عنها. كل المعلومات الأخرى حول الأشياء التي تشكّل الثقب الأسود هي معلومات ضائعة، تُعرف هذه الظاهر بفرضية انعدام الشعر “no-hair theorem”. كما أشار الفيزيائي جون ويلر: “الثقوب السوداء ليس لها شعر”، في إشارة إلى انعدام المعلومات الدقيقة حول الثقوب السوداء.

وبالتالي فمهما كانت كثافة وتعقيد المعلومات التي يحتويها الجسم قبل دخوله إلى الثقب الأسود، فإنه وبمجرد دخوله ستُختزل كل هذه المعلومات وسينتهي بنا المطاف بالثلاث معلومات السابقة فقط، كتلة وشحنة ودوران الثقب الأسود.

من بين هذه الخصائص الثلاثة تُعتبر الكتلة هي الأهم، وقد يكون التعريف الأنسب للثقب الأسود هو أن لديه كتلة تتمركز داخل حجم صغير (المفردة). تعتبر كتلة الثقب الأسود وقوى الجاذبية الهائلة التي تولدها كتلته الكبيرة هي السبب في سحق الأجسام القريبة منه.

معكرونة الفضاء Space spaghetti

نعود الآن لموضوعنا الأساسي، ماذا سيحدث لو سقطت داخل الثقب الأسود؟

إذا حدث وأن تواجد رائد فضاء بالقرب من ثقب أسود فإن جسده سيخضع إلى قوى جذب هائلة من الثقب الأسود، إلّا أنّ هذه القوى ستكون متدرجة في شدتها، أي أن الجزء الأقرب للثقب الأسود ستكون قوى الجذب المؤثرة عليه أكبر من القوى على الأجزاء الأبعد. فمثلاً تخيّل بأنّ رائد الفضاء اتجه بقدميه أولا تجاه الثقب الأسود، قدميه ستكون هي الأقرب فعليًا من الثقب الأسود لذا سيشعر بمقدار سحب للجاذبية في قدميه أكثر مما سيشعر به في الأجزاء الأعلى من جسده، وهذا سيؤدي إلى سحب قدميه بقوة شديدة. أيّ أن فرق القوى عبر جسده سيؤدي إلى مط جسده كما لو كان معكرونة السباجيتي، و قد يؤدي ذلك إلى تمزيق جسده إلى أجزاء في النهاية.

والأسوأ من ذلك ما يحدث للذراعين، فبحكم أنهم ليسوا في مركز الجسد سيتم جذبهم باتجاه مختلف قليلًا عن الرأس. هذا سيتسبب بانحراف للأجزاء الطرفية من الجسد نحو الداخل. والنتيجة المحصلة ليست فقط عملية استطالة لكل جسدك، ولكن أيضا انكماش أو انضغاط في المنتصف. وبالتالي، فإن جسدك أو أي جسم آخر، كالأرض مثلاً، ستتمد كالسباجيتي لمدة معينة قبل أن تصل إلى مركز الثقب الأسود. يعرف هذا التأثير بتأثير السباجيتي Spaghettification.

وتختلف النقطة التي يصبح عندها تحمل هذه القوى الهائلة باختلاف كتلة الثقب الأسود. فبالنسبة لثقب أسود عادي نتج من انهيار نجم ذو كتلة عالية، تكون هذه النقطة على بعد عدة مئات من الكيلومترات عن أفق الحدث “Event Horizon”. وأفق الحدث هو منطقة محدد حول الثقب الأسود لا يمكن لأي شيء داخل هذه المنطقة أن يهرب من جاذبية الثقب الأسود.

أما بالنسبة لثقب أسود فائق الكتلة كذلك المتواجد بمركز مجرتنا فإن الجسم سيتخطى حدود أفق الحدث قبل أن يبدأ تأثير السباجيتي بالتأثير عليه على مسافة تصل إلى عدة آلاف الكيلومترات من مركز الثقب الأسود.

وبالنسبة لمراقب بعيد خارج أفق الحدث للثقب الأسود، سيبدو له أنّ رائد الفضاء يتباطئ تدريجيًا ومن ثم يتلاشى مع مرور الوقت.

والآن نسأل ماذا سيحدث، نظريًا، إذا ظهر ثقب أسود فجأة بالقرب من الأرض؟
حسناً، نفس تأثيرات الجاذبية التي أنتجت التأثير السباجيتي لرائد الفضاء ستبدأ  بالتأثير هنا. الجانب الأقرب للثقب سيتعرض لقوة أكبر بكثير من الجانب البعيد. وهو ما سيفني الكوكب تمامًا حيث سيمزقه الثقب الأسود إربًا.

لكن هل هذا التأثير هو ما سيدمّر الأرض أولًا؟

إشعاع حارق

عندما تبدأ النجوم أو الأجسام المختلفة بالاقتراب والتكدس بالقرب من الثقب الأسود فإنها تتّخذ شكل حلقة محيطة به تدور بشكل حلزوني على حدود أفق الحدث. وعندما تبدأ هذه المواد بعبور أفق الحدث والسقوط في الثقب الأسود فإنها تشع جزءاً من الطاقة قبل سقوطها في سلسلة من العمليات المعقدة. هذه الطاقة تنطلق على شكل إشعاعات شديدة الحرارة وتهرب قبل أن تعبر أفق الحدث. تُعرف هذه الأقراص الدوّارة شديدة اللمعان بأشباه النجوم أو الكوازارز Quasars. وهي تتميّز بلمعان فائق للغاية يفوق اللمعان الصادر عن نجوم المجرة مجتمعةً معاً.

أشباه النجوم “الكوازرز”

وبهذا فإن الثقوب السوداء ليست بالضرورة سوداء. حيث تحيط بها الكوازارز والتي تستمد طاقتها من الثقب الأسود عندما يقوم بالتهام النجوم المحيطة. لكن يجب أن نتذكّر أنّ الكوازارز تقع خارج حدود أفق الحدث وإلّا فلن يكون من الممكن أن نراها لو كان داخل أفق الحدث حيث لن يتمكن الإشعاع والضوء الصادر منها من الإفلات.

إن هذا الإشعاع شديد الحرارة والتوهّج سيكون بمثابة الكارثة بالنسبة للأشياء القريبة من الثقب الأسود، فمثلًا في حالة اقتراب كوكب الأرض من الثقب الأسود سيتسبب هذا الإشعاع في حرق الكوكب بالكامل قبل أن يحدث تأثير السباجيتي!

===

أشترك على قناة أخبار تعز للتلغرام وكن أول من يعلم الخبر فور حدوثه انقر هنا