تعز العز

تراجع سعودي بالجملة.. إشارات تعب أم مجرّد تكتيك؟

حمزة الخنسا

بدا لافتاً ارتباك الاداء السعودي في الفترة الأخيرة. اكثر من تراجع في كواليس السياسة والمفاوضات بخصوص ملفي اليمن وسوريا، تصريحات متناقضة ترفع السقوف وتخفضها، وكل ذلك على وقع التقدّم الكبير الذي تحرزه قوى المقاومة في مواجهة التكفيريين في سوريا والعراق. التراجع السعودي لم يبقَ قيد اللجان المنوط بها التقرير نيابة عن “معارضة الرياض” اليمنية والسورية، بل وصلت الى مستوى قمة الهرم في العائلة الحاكمة. كل هذا يسير على وقع خلافات بين جناحي الملك، ولي عهده وولي ولي عهده، على خلافة التاج الذي يراه كل منهما أقرب إليه.

ميدانياً، يواصل الجيش العراقي والحشد الشعبي تقدّمهم بثبات لتحرير الفلوجة، أحد معاقل “داعش” في محافظة الأنبار غرب العراق. ميدانياً أيضاً، أطلق الجيش السوري وحلفاؤه عملية عسكرية لتحرير مدينة الرقة، عاصمة تنظيم “داعش” التكفيري الواقعة في محافظة الرقة شمال سوريا على بعد 160 كلم شرق مدينة حلب تقريبًا. وفي اليمن، يواصل الجيش و”أنصار الله” التصدّي للعدوان السعودي، وإطلاق الصواريخ الباليستية على مواقعة، والتي كان آخرها قبل أيام قليلة واستهدف موقعاً عسكرياً سعودياً في نجران جنوب غرب السعودية على الحدود اليمنية.

وقائع الميدان
تضاف هذه الوقائع الى الدراسة التي أعدّها أحد الضباط الكبار في وزارة الدفاع السعودية وسرّبها “مجتهد”، تتناول اداء القوات العسكرية السعودية خلال العدوان على اليمن. خلصت الدراسة التي شبّهها البعض بتقرير لجنة “فينوغراد” الصهيونية عقب عدوان تموز 2006 على لبنان، الى “عدم وجود عقيدة قتالية واضحة للجيش السعودي، وضعف عام في مستوى التدريب، وتدنٍ في الروح المعنوية، وتردي الجاهزية القتالية، وضعف اداء الاستخبارات العسكرية، اضافة الى مشكلة كبيرة في القيادة والسيطرة”.

بالنتيجة، كشفت الدراسة عمّا وُصف بـ”النتائج الكارثية” للعدوان على اليمن، حيث تجاوزت الخسائر البشرية للجيش السعودي وحده، دزن سائر قوات التحالف، 10000 بين قتيل وجريح، فضلاً عن خسارة ما يزيد عن 1200 دبابة وعربة مدّرعة وعربة خفيفة، بين مدمرة بالكامل أو معطوبة جزئياً، و5 طائرات.

.. وكواليس المفاوضات
سياسياً، تسجّل تراجعات جوهرية للسعودية وأدواتها في سوريا واليمن والعراق. أتت استقالة كبير مفاوضي “معارضة الرياض” في مفاوضات جنيف وممثل جماعة “جيش الإسلام” المدعومة من السعودية، الإرهابي محمد علوش، من خارج سياق التعنّت الذي أبدته الرياض على الساحة السورية. استقالة علوش بالذات، كانت قد وُضعت شرطاً موضوعياً للدلالة على بدء إظهار السعودية الاستعداد للمضي قدماً في مسار الحل السياسي للأزمة السورية. الحديث يدور اليوم في أروقة “معارضة الرياض” عن إعادة النظر في تشكيلة الوفد المعارض، خصوصاً بعد الاعتراض الكبير الذي أبدته دول كبرى وأخرى إقليمية على مشاركة “إرهابي” في مفاوضات للسلام.

سياسياً أيضاً، سجّلت “معارضة الرياض” اليمنية تراجعاً كبيراً في المفاوضات الدائرة في دولة الكويت وبرعاية أميرها مع الوفد الوطني. بعد أسابيع من التفاوض وعرقلة محاولات الوصول الى أرضيات مشتركة لاتفاق سياسي، خفّضت “معارضة الرياض” سقف مطالبها وعلّقت الكثير من “جهودها” لعرقلة المفاوضات. تأثراً بتطورات الميدان، وعملاً بتعليمات سعودية واضحة، رضخت “معارضة الرياض” اليمنية حينما وافقت على اقتراحات للحل. اقتراحات الحل هذه جاءت أساساً بعد وضع نقاشات الفريقين المتفاوضين، للمرة الأولى، في إطارها السياسي الجدّي، بعد نحو شهرين من المماطلة والتعطيل.

ويُنظر الى مقترحات الحل التي تضمّنت نقل صلاحيات الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي وعزل نائبه علي محسن الأحمر، وتشكيل حكومة تو

افقية ولجنة عسكرية “حيادية” تُشرف على تنفيذ الاجراءات اللوجستية، على أنها مكاسب لـ”أنصار الله” وحلفائه. التخلّص من هادي ونائبه وتشكيل حكومة توافقية، مطالب يتمسّك بها “الوفد الوطني” منذ انطلاق المحادثات.

توجيه البوصلة

إذاً، سير المعارك في ميدان الحرب ينعكس على سير المعارك في ميدان المفاوضات. وعليه، توّج ولي العهد السعودي ووزير الداخلية الأمير محمد بن نايف، المسار التنازلي للدبلوماسية السعودية، بتصريح يمكن وصفه بـ”الاستراتيجي”. حيث أقر بن نايف في كلمة له على هامش اللقاء التشاوري لقادة دول مجلس التعاون الخليجي الذي أقيم في مدينة جدة، أمس الخميس، أن العدوان السعودي على اليمن المسمّى “عاصفة الحزم خرجت عن توقعاتنا، نتيجة لعدم قيام دول التحالف بالمهام الموكلة إليهم”.

 

صراع بين وليي العهد …

سوريّاً، كان ابن نايف أكثر “قسوة” على الاداء السعودي. دعا الرجل، الذي يخوض حرب إثبات الذات أمام الراعي الأميركي ضد ابن الملك وزير الدفاع ولي ولي العهد محمد بن سلمان، الى إعادة النظر بسياسات المملكة في المنطقة وتقديم تنازلات مؤلمة. وقال: “كان المتوقع إزاحة نظام (الرئيس بشار) الأسد بمساعدة تركيا والولايات المتحدة الأميركية، وعوّلنا كثيرًا على هذه التطمينات (..) هذه الوعود لم تتحقق على أرض الواقع، ويؤسفنا أن العالم العربي شهد خلال السنتين الماضيتين بالتحديد أزمات وصراعات كثيرة (..) كل هذه الأمور تحتّم علينا أن نراجع سياساتنا وحساباتنا، وإنْ تطلَّب الأمر فعلينا تقديم تنازلات حقيقية ومؤلمة في الوقت نفسخ، في كل من الملفات الآنف ذكرها إذا ما أردنا جر العالم العربي إلى برّ الأمان وتخليصه من الاقتتال والتناحر”.

سُحب كلام ابن نايف من التداول بعد دقائق على قيام كبريات الصحف السعودية بنشره؛ لكن رسالته هذه وصلت الى مَن يعنيهم الأمر داخل السعودية وخارجها، خصوصاً في واشنطن المقبلة على مرحلة جديدة مع اقتراب رحيل باراك أوباما وإدارته عن الحكم.

في السياق نفسه، كانت وكالات أنباء إيرانية نشرت الأربعاء، خبراً منسوباً الى مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والأفريقية حسين أمير عبد اللهيان. يكشف الخبر عن أن وسيطاً سعودياً زار طهران طالباً المساعدة في إيجاد حلّ سياسي لليمن، إلا أن التصريح  تم نفيه أمس الخميس، وبعدما انتشر على أكثر من فضائية عربية كبرى.

معلومات المشتغلين على خط السعودية – إيران، تقول إنه بمعزل عما نسب لعبد اللهيان خلال استقباله مدير وكالة الأنباء المغربية والقائم بأعمال السفارة المغربية لدى طهران، إلا أن عدداً من الوسطاء العرب والأوروبيين، نشطوا فعلاً على خطّين: الأول خاص بالأزمة الديبلوماسية بين طهران والرياض، والثاني خاص بالملفات الكثيرة المتداخلة بين البلدين، ليس أولها اليمن ولا آخرها سوريا.. فهل حان وقت نزول السعودية عن شجرة المنطقة؟

====